فإن قلت فإن المعطي لا يبقى عنده ما أعطاه قلنا هذا يرجع إلى حقيقة المعطي ما هو فإن كان محسوسا فإن المعطي يفقده بالإعطاء و إن كان معنى فإنه لا يفقده بالإعطاء و لهذا حددنا الإيثار بإعطاء ما أنت محتاج إليه و لم نتعرض لفقد المعطي و لا لبقائه فإن ذلك راجع إلى حقيقة الأمر الذي أعطيت ما هو فاعلم ذلك فمن هذه الحقيقة صدر الإيثار في العالم و ما بعد هذا البيان بيان
[تفسير أنواع العطاء الثمانية]
فالإنعام إعطاء ما هو نعمة في حق المعطي إياه مما يلائم مزاجه و يوافق غرضه و الهبة الإعطاء لينعم خاصة و الهدية الإعطاء لاستجلاب المحبة فإنها عن محبة و لهذا قال الشارع تهادوا تحابوا و الصدقة إعطاء من شدة و قهر و إباية فأما في الإنسان لكونه جبل على الشح ف ﴿مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ [الحشر:9] و ﴿إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ [ المعارج:21] فإذا أعطى بهذه المثابة لا يكون عطاؤه لا عن قهر منه لما جبلت النفس عليه
[معرفة الرب عن طريق الشرع]
و في حق الحق هذه النسبة حقيقة ما ورد من التردد الإلهي في قبضه نسمة المؤمن و لا بد له من اللقاء يريد قبض روحه مع التردد لما سبق في العلم من ذلك فهو في حق الحق كأنه و في حق العبد هو لا كأنه أدبا إلهيا و دليل العقل يرمي مثل هذا لقصوره و عدم معرفته بما يستحقه الإله المعبود و الحق عرف بهذه الحقيقة التي هي عليها عبادة فقبلتها العقول السليمة من حكم أفكارها عليها بصفة القبول التي هي عليه حين ردتها العقول التي هي بحكم أفكارها و هذه هي المعرفة التي طلب منا الشارع أن نعرف بها ربنا و نصفه بها لا المعرفة التي أثبتناه بها فإن تلك مما يستقل العقل بإدراكها و هي بالنسبة إلى هذه المعرفة نازلة فإنها ثبتت بحكم العقل و هذه ثبتت بالأخبار الإلهي و هو بكل وجه أعلم بنفسه منا به
[الكرم و الجود]
و الكرم العطاء بعد السؤال حقا و خلقا و الجود العطاء قبل السؤال حقا لا خلقا فإذا نسب إلى الخلق فمن حيث إنه ما طلب منه الحق هذا الأمر الذي عينه الخلق على التعيين و إنما طلب الحق منه أن يتطوع بصدقة و ما عين فإذا عين العبد ثوبا أو درهما أو دينارا أو ما كان من غير أن يسأل في ذلك فهو الجود خلقا و إنما قلنا لا خلقا في ذلك لأنه لا يعطي على جهة القربة إلا بتعريف إلهي و لهذا قلنا حقا لا خلقا و إذا لم يعتبر الشرع في ذلك فالعطاء قبل السؤال لا على جهة القربة موجود في العالم بلا شك و لكن غرض الصوفي أن لا يتصرف إلا في أمر يكون قربة و لا بد فلا مندوحة له عن مراعاة حكم الشرع في ذلك
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية