﴿وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم:27] فلا يقدح فيما قلنا فإنه لو كانت النشأة الأولى عن اختراع فكر و تدبر و نظر إلى أن خلق أمرا فكانت إعادته إلى أن يخلق خلقا آخر مما يقارب ذلك و يزيد عليه أقرب للاختراع و الاستحضار في حق من يستفيد الأمور بفكره و اللّٰه منزه عن ذلك و متعال عنه علوا كبيرا فهو الذي يفيد العالم و لا يستفيد و لا يتجدد له علم بشيء بل هو عالم بتفصيل ما لا يتناهى بعلم كلي فعلم التفصيل في عين الإجمال و هكذا ينبغي لجلاله أن يكون
[عجب الذنب ما تقوم عليه النشأة الانسانية و هو لا يبلى]
فينشئ اللّٰه النشأة الآخرة على عجب الذنب الذي يبقى من هذه النشأة الدنيا و هو أصلها فعليه تركب النشأة الآخرة فأما أبو حامد فرأى إن العجب المذكور في الخبر أنه النفس و عليها تنشأ النشأة الآخرة و قال غيره مثل أبي زيد الرقراقي هو جوهر فرد يبقى من هذه النشأة الدنيا لا يتغير عليه تنشأ النشأة الأخرى و كل ذلك محتمل و لا يقدح في شيء من الأصول بل كلها توجيهات معقولة يحتمل كل توجيه منها أن يكون مقصودا و الذي وقع لي به الكشف الذي لا أشك فيه إن المراد بعجب الذنب هو ما تقوم عليه النشأة و هو لا يبلى أي لا يقبل البلى
[النفختان و اشتعال الصور البرزخية بأرواحها]
فإذا أنشأ اللّٰه النشأة الآخرة و سواها و عدلها و إن كانت هي الجواهر بأعيانها فإن الذوات الخارجة إلى الوجود من العدم لا تنعدم أعيانها بعد وجودها و لكن تختلف فيها الصور بالامتزاجات و الامتزاجات التي تعطي هذه الصور أعراض تعرض لها بتقدير العزيز العليم فإذا تهيأت هذه الصور كانت كالحشيش المحرق و هو الاستعداد لقبول الأرواح كاستعداد الحشيش بالنارية التي فيه لقبول الاشتعال و الصور البرزخية كالسرج مشتعلة بالأرواح التي فيها فينفخ إسرافيل نفخة واحدة فتمر تلك النفخة على تلك الصور البرزخية فتطفئها و تمر النفخة التي تليها و هي الأخرى إلى الصورة المستعدة للاشتعال و هي النشأة الأخرى فتشتعل بأرواحها ﴿فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر:68] فتقوم تلك الصور أحياء ناطقة بما ينطقها اللّٰه به فمن ناطق بالحمد لله و من ناطق يقول ﴿مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا﴾ [يس:52]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية