الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


75. الموقف الخامس والسبعون

قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَ بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾[الرحمن: 55/ 19 20].

فالبحران الشريعة والحقيقة، والبرزخ بينهما العارف. فلا تبغي الشريعة على الحقيقة، ولا الحقيقة على الشريعة. فهو دائماً بين ضدّين ومشاهدة نقيضين، ينفي ويثبت، وينفي عين ما أثبت، لا يستقر به قرار، ولا تطمئن به دار، متحرّك ساكن، راحل قاطن، فهو كطائر يطير من غصن إلى غصن، والذي طار إليه هو الذي طار عنه.

يشاهد الشريعة بقوله تعالى: ﴿ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ ﴾[التوبة: 9/ 105].

ويشاهد الحقيقة بقوله: ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّ كَسَبُواْ﴾[البقرة: 2/ 264].

ويشاهد الشريعة بقوله تعالى: ﴾فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ﴾[النساء: 4/89].

يشاهد الحقيقة بقوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾[الأنفال: 8/ 17]،

يشاهد الشريعة بقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ﴾[آل عمران: 4/ 128]،

يشاهد الحقيقة بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾[الفتح : 48/ 10].

ويشاهد عبوديته بقوله: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾[مريم: 19/ 93].

يشاهد ربوبيته بقوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 54/ 49].

في قراءة الرفع. فلذا العارف بين نارين: نار الشريعة، ونار الحقيقة، بل بين شقتي طاحون، كل واحدة تدفع إلى الأخرى. فالشريعة تطالبه بالحقيقة وبالشريعة. والحقيقة تطالبه بالشريعة وبالحقيقة. وهذا هو الإبتلاء الذي أشار إليه (صلى الله عليه وسلم) بقوله:

((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل)).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!