Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


5.الموقف الخامس

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾[النحل: 16 /40].

أعلم أن للحق تعالى إرادة واحدة لها نوعان من التعلّق؛ نوع مطلق غير مقيّد، ولا واسطة بينه وبين المراد، وأمر كذلك، وهذان نافذان ولابدَّ، أعني الإرادة المطلقة، والأمر المطلق، يريد تعالى الشيء المعدوم، فيأمره بالكون فيكون ذلك الشيء المأمور بالكون، سواء أكان مما ينسب لمخلوق أم لا؛ وللحق تعالى إرادة مقيدة بواسطة وأمر كذلك. كأن يريد الحق تعالى من مخلوق فعلاً يفعله ذلك المخلوق، أو يأمره بشيء. فهذه الإرادة والأمر لا ينفذان، لأنه أراد المخلوق (أن) يفعل، وأمر المخلوق (أن) يفعل، وما أمر الشيء بالكون في ذلك المخلوق. ومن البيّن المعلوم أن مراد الحق تعالى من عباده جميعاً الإيمان والطاعة، وأمرهم بذلك. فلو تعلّقت إرادته المطلقة وأمره المطلق، بوجود الإيمان والطاعة في الجميع، لكان ذلك موجوداً، لأنه قال:

﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.

ولما كان الأمر والإرادة متوجهين للجميع، وما حصل متعلق الإرادة والأمر من الجميع، بل من البعض؛ علمنا أن بين الإرادتين والأمرين فرقانا، وأن ما أراد كونه فينا من الأفعال والإيمان والطاعة، وأمره بالكون فينا كان، شئنا أم أبينا. وما أراد كونه منّا، أو أمرنا نحن بفعله ووكله إلينا لا غير، فهذا لا يكون، مثل إيمان أبي بكر رضي الله عنه أراد الحق تعالى كونه في أبي بكر، وأمر الإيمان بالكون في أبي بكر ولذلك ما تخلّف. وإيمان أبي جهل أراد الحق تعالى في أبي جهل تكوينه، وأمر أبا جهل بتكوينه، فلم يكن. فبين: أراد، وأراد منه، وأمر به، وأمره؛ فرقان، والحاصل: أن الأمر أمران: أمر الشيء المطلوب كونه بالكون، فهذا لابدَّ أن يكون، وأمر المكلّف بتكوين الفعل منه، فهذا لا يكون. كما أن الإرادة نوعان: إرادة متعلقة بالفعل نفسه، فهذه نافذة الوقوع، وإرادة متعلقة بالفاعل أن يفعل، فهذه غير نافذة التعلق إلاَّ إذا جامعتها الإرادة الأخرى. ولما غفل المعتزلة عن هذا الأمر، وم انكشف لهم هذا السر؛ جعلوا للإرادة تعلقاً واحداً، وللأمر كذلك. وقالوا: لا يأمر الحق تعالى إلاَّ بما يريد كونه وإيجاده، وقالوا: إيمان أبي جهل مأمور به مراد الله تعالى فلزمهم تخلّف مراد الله تعالى، بل وقوع ما لا يريده تعالى في ملكه. وأمَّا رد الأشاعرة على المعتزلة: بأن الإنسان في الشاهد، قد يأمر بما ل يريد وقوعه، فهو أعلى ما وصلت عقولهم إليه، ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق: 65/ 7] على أن المحققين من الأشاعرة ضعّفوا قياس الغايب على الشاهد.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!