Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


247. الموقف السابع والأربعون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُو الْمِحْرَابَ{21} إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ{22} إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ{23} قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ{24} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ{25}﴾.[ص: 38/21- 25].

وآدم (صلى الله عليه وسلم) في قوله للملائكة، ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[البقرة: 2/30].أي مسكنه بجسمه يكون في الأرض. وإلاَّ فالخليفة نافذ الحكم في العالم كله أعلاه وأسفله. والإنسان الكامل الخليفة، له استعداد للظهور بجميع الأسماء الإلهية على التمام، ذاتية وصفاتية لأنه مخلوق على الصورة. وذلك ممكن غير واقع، ولما ظهر داود (عليه السلام) بالأسماء التسعة والتسعين المشار إليها بقوله: (صلى الله عليه وسلم) : ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلاَّ واحداً)).

تعلقت همته بالظهور بكمال المائة، وهو الاسم الذاتي الخاص بها، غار الحق تعالى من المشاركة بالظهور باسم الذات؛ فأرسل تعالى إلى داود (عليه السلام) ملكين في صورة رجلين متخاصمين، أحدهما نائب الحق تعالى والآخر نائب عن داود (عليه السلام) فقال نائب الحق تعالى : ﴿ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾[ص: 38/22].

أي عدل عن خلقه وطلب غير مستحقّه، يريد داود (عليه السلام) فيما سمت همته إليه. فاحكم بيننا بالحق، وهو إعطاء كل مستحق حقه وليس لداود (عليه السلام) حق في الظهور بالاسم الذاتي. وإن كان له استعداد لذلك: ﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي﴾.

يريد نائب داود (عليه السلام) وهو المدعى عليه، ومن أسمائه تعالى المؤمن، وقد ورد في الخبر: «المؤمن أخو المؤمن»، وفي هذا القول تسلية وتطييباً لقلب داود (عليه السلام) حيث أنزل نائب الحق تعالى نائبه منزلة الأخ، والغالب مشاركة الأخوين فيما لهما: ﴿ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ﴾.

كناية عن ظهور داود (عليه السلام) بالتسعة والتسعين اسماً: ﴿وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾.

يريد ما تقدّمت لأحد فيها شركة ولا طلب أحد الشركة فيها قبله ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا﴾ ضمّها إليَّ مع التسعة والتسعين نعجة، ففهم داود (عليه السلام) المثل المضروب له أول ما تكلم به الخصم، وهو نائب الحق تعالى ـ، ولذا حكم له، ولم يتربّص لكلام المدّعى عليه، ولا قال: أدل بحجتك، بل ولا تكلّم المدعي عليه بشيء، وبادر داود (عليه السلام) بقوله: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾ يريد داود (عليه السلام) نفسه لا الملك الذي هو نائبه، وظن داود (عليه السلام) عند ذلك أنَّ الوارد الذي ورد عليه بطلب الظهور بالاسم المكمل مائة، إنما هو فتنة واختبار من الحق تعالى له، ثم راجع علمه، فإنَّ المثل المضروب أذهله وأقلقه، فاستغفر ربه من هذا الظن، الذي صدر منه فلتة لا غير، ولذا كان التعبير بالفاء، فالاستغفار والإنابة مفرعان عن الظن، إذ ليس لكامل أن يظن بربّه هذا، فإنه إنما يأتي ما يأتي بإلقاء إلهي إمَّ بواسطة ملك، أو من جهة الوجه الخاص به، فهو على بصيرة وبيّنة في كل ما يأتي ويذر، وأمر الحق تعالى للكمّل لا تكون حبائل للمكر، ولكن الحق تعالى قد يأمرهم بأشياء في بواطنهم ويمنعهم منها ظاهر الحكم، والحكمة هنا هي ألاَّ يطلب أحد من الخلفاء الكاملين بعد داود (عليه السلام) الظهور بالاسم الذاتي وهو المكمل مائة، فإنه إذ منعه داود وهو المنصوص على خلافته في القرآن، وهو الذي كمّل به ظهور الخلافة فإنها من عهد آدم (عليه السلام) وهي تتزايد في الظهور إلى أن كمل ظهورها بداود (عليه السلام) فغيره ممّن لم ينص الحق تعالى على خلافته أولى بالمنع. فإياك أن تسمع لخرافات القصّاص وجهلة المؤرخين ومن قلدهم من بعض المفسرين المولعين بنقل أمثال هذا عن أهل الكتاب، فإن مقام النبوة أعلا من أن يتكلّم فيه برأي أو قياس، وأعزَّ من أن يدرك لغير نبي، فما علم العلماء من مقام النبوّة والأسماء إلاَّ ما علمه الناس من النجوم عند ظهورها في الماء، فالحذر الحذر من الخوض في النبوة والأنبياء مطلقاً، فالله يعصمنا وإياكم من الزلل في القول والعمل.

وبعد كتابتي لهذا الموقف بقليل، ورد عليّ في الواقعة قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ، لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾[الغاشية: 8-9].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!