المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف
للأمير عبد القادر الحسني الجزائري
![]() |
![]() |
163. الموقف الثالث والستون بعد المائة
قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾[الأعراف 7/205]
أي استشعر وتذكّر معرفة ربّك في شعورك بنفسك، وتذكّر لها، بمعنى أعرف ربّك في ضمن معرفتك نفسك. فإنَّ معرفة الربّ و النفس، كاللازم والملزوم، وأقل كالظلّ والشاخص، وأقل كالصورة في المرآة و المتوجه على المرآة. وإلى هذا يشير خبر: «من عرف نفسه عرف ربّه».
وهذا الخبر وإن أنكره الحفّاظ وقالوا: إنه من كلام أبي بكر الرازي فقد تداوله القوم رضوان الله عليهم في كتبهم، وبنوا عليه كثيراً من الحقائق فلعله صحّ عندهم كشفاً، بل قد صحّ عندنا شهوداً ووقوعاً. وأمَّا رواية ووروداً عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلا. ومعرفة الربّ بمعرفة النفس أعلى وأشرف من معرفته بالعقل والعلم، وأعلى منهما معرفته بالنفس مع الشرع. ومعرفته تعالى بالنفس هي التي قطع الصوفية رقابهم في طلبها، وضربوا إليها أكباد الإبل، تضرعاً وخفيةً. إذا حصلت لك معرفة ربّك بمعرفة نفسك، فعرفت من أنت وما نسبتك، وأنك الكنز المخبأ تحت جدار الجسم فلتكن حالتك دائماً مع هذه المعرفة: التضّرع والخوف. ول تقل: عرفت ووصلت فحسب، فإن المعرفة الحقيقية، من لوازمها الخوف و التضّرع والإشفاق والانزعاج. فمن زادت معرفته زاد خوفه، كما قال السيد الكامل (صلى الله عليه وسلم): «أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وورد في الخبر: "إن الخليل (عليه السلام) كان يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل عند شدة الغليان من الخوف". والملائكة الكرام يخافون ربهم من فوقهم وهم من خشيته مشفقون. فهذه حالة الرسل والأنبياء وكمّلأ الأولياء ـ عليهم الصلاة والسلام كلّما أمّنهم ازداد خوفهم. فلا يأمن إلاَّ جاهل، أو صاحب معرفة وهمية خيالية، أو صاحب حال نقص، كيف؟ وهو تعالى يقول: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأعراف: 7/ 99]. فعمّ وم خصّ: ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾[الأعراف: 7/205]. أي وفوق الإسرار.
فليكن تضرعك وخوفك وسطاً من غير إفراط ولا تفريط. فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، فالأفضل الاعتدال في كل الأمور، كما قالوا: الخوف والرجاء كجناعي طائر فمهما مال أحدهما سقط الطائر.
(بالغدّو والآصال). فليكن تضرعك وخوفك دائمين مادمت متقلباً بين الغدو و الآصال، بمعنى ما دمت حياً مكتنفاً بالصباح والمساء، فإنه لا خلاص من التكليف بما يجب للربوبية على العبودية إلاَّ بالخروج من الغدو والآصال، وليس ذلك إلاَّ بالموت الاضطراري الطبيعي.
![]() |
![]() |





