
فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي
![]() |
![]() |
والعرش وسع كل شيء، والمستوِي «1» الرحمن. فبحقيقته يكون سريان الرحمة في العالم كما «2» بيناه في غير موضع من هذا الكتاب، وفي «3» الفتوح المكي. وقد جَعَلَ الطيبَ- تعالى «4»- في هذا الالتحام النكاحي في براءة عائشة فقال «الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ «16» والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ، أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ». فجعل روائحهم طيبة: لأن القول نَفَس، وهو عين الرائحة فيخرج بالطيب والخبيث «5» على حسب ما يظهر به في صورة النطق. فمن حيث هو إلهي بالأصالة «6» كله طِيبٌ:
فهو طَيِّبٌ، ومن حيث ما يحمد ويذم فهو طيّب وخبيث. فقال في خبث الثوم هي شجرة «7» أكره ريحها ولم يقل أكرهها. فالعين لا تُكرَه، وإنما يُكْرَه ما يظهر منها. والكراهة لذلك إما عرفاً بملاءمة «8» طبع أو غرض، أو شرع، أو نقص عن كمال مطلوب وما ثَمَّ غير ما ذكرناه. ولما انقسم الأمر إلى خبيث وطيّب كما قررناه، حُبِّب إليه الطيب دون الخبيث ووصف الملائكة بأنها تتأذى بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفن «9»، فإنه مخلوق من صلصال من حمإ مسنون أي متغير الريح. فتكرهه الملائكة بالذات، كما أن مزاج الجُعَل يتضرر برائحة الورد وهي من الروائح الطيبة. فليس الورد «10» عند الجعل بريح طيبة. ومن كان على مثل هذا المزاج معنى وصورة أضرَّ به الحقُّ إذا سمعه وسُرَّ بالباطل: وهو قوله «وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وكَفَرُوا بِالله»، ووصفهم بالخسران فقال «أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ... الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ»*. فإن من لم يدرك الطيب
(1) ن: المستوي عليه
(2) ب: كما قد
(3) «ب» و«ن»: ومن
(4) ن: وقد جعل الله تعالى الطيب
(5) ا: والخبيث
(6) ن: بالإضافة
(7) ب: شجرة خبيثة
(8) ب: ملاءمة. يقرؤها القيصري «إما عرفاً أو بعدم ملاءمة طبع» وهو أقرب القراءات إلى المعقول
(9) «ا» و«ب»: التعفين
(10) ب: ريح الورد.
![]() |
![]() |