
فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي
![]() |
![]() |
من «1» الخبيث فلا إدراك له. فما حُبّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الطيب من كل شيء وما ثَمّ إلا هو «17». وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شيء، لا «2» يعرف الخبيث، أم لا؟ قلنا هذا لا يكون:
فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه وهو الحق «18»، فوجدناه يكره ويحب، وليس الخبيث إلا ما يُكْرَه ولا «3» الطيب إلا ما يُحَبُّ. والعالم على صورة الحق، والإنسان على الصورتين فلا يكون ثمَّ مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شيء، بل ثم مزاج يدرك الطيب من الخبيث، مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير «4» الذوق، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه «5». هذا قد يكون. وأما رفع الخبث «6» من العالم- أي من الكون- فإنه لا يصح. ورحمة الله في الخبيث والطيب. والخبيث عند نفسه طيب والطيب عنده خبيث. فما ثم شيء طيب إلا وهو من وجه في حق مزاج ما خبيث:
وكذلك بالعكس. وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة. فقال «و جعلت قرة عيني في الصلاة» لأنها مشاهدة: وذلك لأنها مناجاة بين الله وبين عبده كما قال: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ». وهي عبادة مقسومة بين الله وبين عبده بنصفين:
فنصفها الله ونصفها للعبد كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين «7»: فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل.
يقول العبد بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: يقول الله ذكرني عبدي. يقول العبد الْحَمْدُ الله رَبِّ الْعالَمِينَ: يقول الله حمدني عبدي. يقول العبد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: يقول الله أثنى علي عبدي. يقول العبد مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: يقول الله مجدني عبدي: فوَّض إليَّ عبدي. فهذا النصف كله له تعالى خالص. ثم يقول العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(1) ا: والخبيث
(2) ب: ول
(3) ن: وليس
(4) ب: بعين
(5) ب: بخبيثه
(6) ب: الخبيث
(7) ن: بنصفين.
![]() |
![]() |