Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى التوبة

فالناس أمته من آدم إلى يوم القيامة فبشره الله بالمغفرة لما تقدم من ذنوب الناس وما تأخر منهم فكان هو المخاطب والمقصود الناس فيغفر الله للكل ويسعدهم وهو اللائق بعموم رحمته التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وبعموم مرتبة محمد صلى الله عليه وسلم حيث بعث إلى الناس كافة بالنص ولم يقل أرسلناك إلى هذه الأمة خاصة ولا إلى أهل هذا الزمان إلى يوم القيامة خاصة وإنما أخبره أنه مرسل إلى الناس كافة والناس من آدم إلى يوم القيامة فهم المقصودون بخطاب مغفرة الله لما تقدم من ذنب وما تأخر والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏

[المغفرة التي في الدنيا والتي في القبر وفي الحشر وفي النار]

لكن ثم مغفرة في الدنيا وثم مغفرة في القبر وثم مغفرة في الحشر وثم مغفرة في النار بخروج منها وبغير خروج لكن يستر عن العذاب أن يصل إليه بما يجعل له من النعيم في النار مما يستعذ به فهو عذاب بلا ألم‏

[النطق عن الحقائق لا يتناهى‏]

وقد انتهت سؤالاته رضي الله عنه وانتهى ما ذكرناه من الأجوبة عليها من غير استيفاء وما تركناه من ذلك في الجواب أكثر مما أوردنا بما لا يتقارب فإن الاختصار أولى من الإكثار إذ باب النطق والإبانة عن حقائق الأمور لا يتناهى فإن علم الله أوسع فتعليمه لنا لا يقف عند حد والله الموفق لا رب غيره انتهى الجزء الحادي والتسعون (بسم الله الرحمن الرحيم)

(الباب الرابع والسبعون في التوبة

شعر)

الاعتراف متاب كل محقق *** وبه الإله الحق يشرح صدره‏

رضي الإله عن المخالف مثل ما *** رضي الإله عن الموافق أمره‏

ما ذا كثير أن ينال مناله *** لا سيما إن كنت تعرف سره‏

من عين منته ينال مخالف *** ما ناله إن كنت تجهل قدره‏

[تلقين الحجة عند مخالفة الأمر]

اعلم أيدنا الله وإياك أن الله يقول وتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فأمر بالتوبة عباده ثم لقنهم الحجة لو خالفوا أمره فقال تعالى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ليقولوا إذا سألوا ذلك أي لو تبت علينا لتبنا مثل قوله تعالى ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ليقول كرمك فهذا من باب تعليم الخصم الحجة خصمه ليحاجه بذلك إذا كان محبوبا وجاء بلفظة الإنسان بالألف واللام والإغرار ليعم جميع الناس فهذا مما يدلك على إن إرادة الحق بهم السعادة في المال ولو نالهم ما نالهم مما يناقضها

[توبة الله مقرونة ب «على» وتوبة الخلق ب «إلى»]

غير أن توبة الله مقرونة بعلي لأن من أسمائه الاسم العلي وتوبة الخلق مقرونة بإلى لأنه المطلوب بالتوبة فهو غايتها واجتمع الحق والخلق في من من التوبة فهم رجعوا إليه من أنفسهم والعارفون رجعوا إليه منه والعلماء بالله رجعوا إليه من رجوعهم إليه وأما العامة فإنها رجعت من المخالفات إلى الموافقة والحق عز وجل رجع إليهم من كناية إن يخذلكم ليرجعوا إليه بحسب ما تقتضيه مقاماتهم التي فصلناها آنفا فرجوع الحق عليهم ليرجعوا إليه مثل قوله يحبهم ويحبونه فرجوعه عليهم رجوع عناية محبة أزلية ليتوبوا فإذا تابوا أحبهم حب من رجع إليه فهو حب جزاء قال تعالى إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ فهذا الحب منه ما هو الأول وللعبد حب آخر زائد على قوله ويُحِبُّونَهُ وهو أنه‏

قال صلى الله عليه وسلم أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه‏

فهذا حب جزاء المنعم لما أنعم به عليهم فهذا الحب منهم في مقابلة إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ حب جزاء لحب جزاء والأول حب عناية منه ابتداء وحبهم إياه حب إيثار لجنابه لا حب آلاء ونعم فالتوبة منهم عن محبة منتجة لمحبة أخرى منه فهي بين محبتين متعلقتين بهم من الله كتوبته عليهم عن محبة منهم تنتج محبة أخرى منهم فتوبته عليهم بين محبتين أيضا وهذا من باب خلق الله آدم على صورته أي جميع ما تقبله الحضرة الإلهية من الصفات يقبلها الإنسان الصغير والكبير

[حد التوبة وبيان ركنها الأول‏]

وحدها ترك الزلة في الحال والندم على ما فات والعزم على أنه لا يعود لما رجع عنه ويفعل الله بعد ذلك ما يريد فأما ترك الزلة في الحال فلا بد منه لأن سلطان وقته الحياء والحياء يحول بسلطانه بين من قام به وبين تعدى حدود الله ومن أسماء الله تعالى المذكور في السنة الحي وأن الله يستحيي يوم القيامة من ذي الشيبة فحياء الله من العبد إنه قد أعلمه أنه سبحانه لا يتوبون إليه حتى يتوب عليهم فإذا وقف المخذول الذي لم يتب الله عليه فلم يتب إليه وكان في حال وقوفه بين يديه يوم القيامة ذاكرا في نفسه هذه الآية ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا

استحيا الله منه أن يؤاخذه بذنب كما إن العبد يستحيي من الله في حال توبته إلى الله أن يقع منه زلة وهو في هذا الحال فإنه ليس بتائب في تلك الحال ونحن تكلمنا في التائب فالحياء له لازم والحياء يقتضي ترك الزلة في الحال ومن ترك الزلة في الحال للتائب إذا كان عارفا هو ترك نسبتها إلى ربه فينسبها إلى نفسه أدبا مع الله وفي نفس الأمر الفعل فعل الله والقدر من الله والحكم بكونها معصية وزلة حكم الله ومع هذا فالأدب يقول له انسبها إلى نفسك لما تعلق بها لسان الذم ولهذا قال في حد النفس كل خاطر مذموم والأصل فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها

[موقف بعض العلماء بالله من ترك الزلة في الحال‏]

ومن العلماء بالله من يكون ترك الزلة في الحال عندهم أن لا يشهدوا أنها زلة وهو عين قضاء الله فيها لأنه الذي حكم أنها زلة ومن حيث إنها فعل من أفعال الله فهي في غاية الحسن والجمال وإنما سميت زلة من زل إذا زلق أي زلت من نسبة كونها من أفعال الله إلى حكم الله فيها بالذم فحكم الله فيها بالزلل عن هذه المرتبة فاعلم ومن العلماء بالله من يكون ترك الزلة في حقه أن يشهد الزلة في ذلك الفعل من كونها زلة لا من كونها فعلا يتعلق به الذم أو الحمد فيشهد نسبتها للعبد التي بها سميت زلة ثم يتبعها الذم وإن كان كل فعل إلهي نسب إلى العبد من هذا الباب فجميع الأفعال الكونية كلها زلل محمودها ومذمومها

[موقف بعض الناس من ترك الزلة في الحال‏]

ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه شغله برجوعه إلى ربه والذلة رجوعه عن ربه فهو في النقيض ومن هو في النقيض بالحال لا يكون في نقيضه فبالضرورة لا يكون له في هذه الحال زلة ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه هو شغله بشهوده رجوع الحق عليه ليرجع إليه ليفرق ما بين رجوعه عليه ليرجع إليه وبين رجوع آخر لا ليرجع إليه ليميز بين الرجوعين ليقيم على نفسه ميزان ما يجب عليه في ذلك من الله من عمل من الأعمال من ذكر بلسان أو قلب أو عمل بجارحة أو المجموع أو بعض المجموع ومن كان بهذه المثابة من الشغل فلا تقوم به زلة في الحال ومن الناس من يكون ترك الزلة في الحال في حقه أن يشهد رجوع الحق إليه لا ليميز ولا ليرجع إليه بل ليعلم حقيقة معنى الرجوع الإلهي لما ذا ينسبه هل إلى الذات أو لاسم إلهي وما سبب ذلك الرجوع هل هو ذاتي أو غير ذاتي أو لا نسبة له إلى الذات فهذه الوجوه وأمثالها مما يطلبه ترك الزلة في الحال‏

[الركن الثاني للتوبة وموقف الصوفية منه‏]

وأما الركن الثاني وهو الندم على ما فات وهو عند الفقهاء الركن الأعظم بمنزلة قوله الحج عرفة لأنه الركن الأعظم وهنا تتشعب أمور كثيرة في التائبين ميم الندم منقلبة عن باء مثل لازم ولازب وهو أثر حزنه على ما فاته يسمى ندما والندب الأثر فقلبت ميما وجعلت لأثر الحزن خاصة وأما تعلقه بالفوات فمن أصحابنا من رأى أنه تضييع للوقت فإنه ما فات لا يسترجع ومن أصحابنا من يرى أنه صاحب الوقت وأن فائدته أن يجبر له ما مضى ويحتج بقوله إِلَّا من تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ومن أصحابنا من يرى أنه لا يندم إلا بإحضاره في نفسه ذنبه الحائل بينه وبين ما فاته من طاعة أمر ربه عز وجل وذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء فينبغي له أن ينسى ذنبه وهو خلاف الأول فإنه قال التوبة أن لا تنسى ذنبك والكلام فيما فاته فمنهم من يندم على ما فاته من الاستغفار في عقب كل ذنب ومنهم من يرى الندم على ما فاته من الوقت ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من الطاعة في وقت المخالفة ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من فعل الكبائر في وقت المخالفة لأنه يشاهد التبديل كل سيئة بما يوازنها من الحسنات كقتل نفس بإحياء نفس وذم بمحمدة وصدقة بغصب أو سرقة أو خيانة ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من الحضور مع الله في قضائه بالمعصية في حال المعصية ومن الناس من يرى الندم على ما فاته من إضافة ذلك الفعل إلى الفاعل في حال الفعل‏

[إضافة الفعل إلى الفاعل الحقيقي في حال الفعل‏]

وهو نور عظيم شعشعاني حجابه أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فقرن به السوء لما أضافه إليه فرآه حسنا ولا بد من حضرة وجودية هي التي أوجبت له الحسن الذي رآه محل الفعل إذ العدم لا يراه الممكن وما ثم حسن إلا كونه من أفعال الله وما أساءه إلا إضافته إلى العبد فإنه قال أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ بكونه لربه سُوءُ عَمَلِهِ من كونه عمله فكسبه السوء فَرَآهُ حَسَناً بالتزيين الإلهي وزينة الله غير محرمة فهو في نفس الأمر مزين بزينة الله وعند العبد بحسب ما يحضر فيه فإن حضره تزيين الشيطان فهو سوء على سوء وإن حضره تزيين الحياة الدنيا فهو غفلة في سوء وإن حضرة تزيين الله والإضافة إلى العبد فهو حسن في سوء فإن أخذ إضافة السوء إلى العمل أدبا إلهيا فهو حسن في حسن‏

كل شي‏ء أنت فيه حسن *** لا يبالي حسن ما لبسا

من‏

ثوب مخالفة أو موافقة فإنك إن لم توافق الأمر وافقت الإرادة ولو لا ما بين السيئ والحسن مناسبة تقتضي جمعهما في عين واحدة يكون بها حسنا سيا ما قبل التبديل في قوله يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ولا كان يتصف سوء العمل بالحسن في رؤيته فما اتصف بالحسن عنده حتى قبل العمل صفة الحسن في وجه من الوجوه الوجودية فهو سوء بالخبر حسن بالرؤية فكان الرؤية لا تصدق الخبر وشاهد الرؤية أقطع‏

ولكن للعيان لطيف معنى *** لذا سأل المعاينة الكليم‏

[الناس يطلبون أن يصدق الخبر الخبر]

والناس يطلبون أن يصدق الخبر الخبر والخبر الرؤية ولم نر أحدا يطلب أن يصدق الخبر الرؤية كما يصدق الخبر الخبر ولهذا اختلف في شهادة الأعمى ولم يختلف في شهادة صاحب البصر ولهذا قال في الآية فَإِنَّ الله يُضِلُّ من يَشاءُ أي يحيره في مثل هذا حيث وصفه بالسيئ والحسن فلا يدري المكلف ما يغلب وبقوله زين بنية ما لم يسم فاعله فلا يدري من زينه هل تزيين الله أو تزيين الشيطان أو تزيين الحياة الدنيا ثم قال ويَهْدِي من يَشاءُ أي يوفق للاصابة في معنى السوء والحسن لهذا العمل ما معناه وكيف ينبغي أن يأخذه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي فلا تكترث لهم حسرة عليهم فهي بشرى من الله بسعادة الجميع فإنه ما حيل بينه صلى الله عليه وسلم وبين إنسانيته فهو إنسان في كل حال ولا تزول الحسرات عنه وهو إنسان كامل إلا باطلاعه على سعادتهم في المال فلا يبالي من العوارض فإن السوء للعمل عارض بلا شك والحسن له ذاتي وكل عارض زائل وكل ذاتي باق لا يبرح فَإِنَّ الله خبير أي عَلِيمٌ عن ابتلاء بِما يَصْنَعُونَ من كل ما يظهر فيكم من الأفعال وعنكم‏

[حسن الحسنة وحسن السيئة]

وفي هذا الركن أيضا في قوله ما فات من فات فلان فلانا جودا إذا أربى عليه في الجود وزاد فهذا يرى الندم في التوبة على ما فات أي ما زاد حسن السيئة المبدلة على حسن الحسنة غير المبدلة فإن حسن الحسنة بنفسها لا بأمر آخر وحسن السيئة إذا أبدلت لها حسنان حسن ذاتي وهو الحسن الذي لكل فعل من حيث ما هو لله وحسن زائد وهو ما خلع الحق على هذا الفعل بالتبديل فكسا ما ظهر فيه من السوء حسنا ففات سوء العمل حسن على حسن العمل بما كساه الحق فالحسنة كشخص جميل في غاية الجمال لا بزة عليه وشخص جميل مثله في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار فنظف من ذلك الوسخ العارض فبان جماله ثم كسي بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ففات الأول حسنا

[لسان آدم في الندم‏]

فالتائب يندم على ما فات حيث لم تكن أفعاله كلها معلومة له إنها بهذه المثابة فيتصل فرحه قال في هذه الآية وكانَ الله غَفُوراً أي يستر عمن شاء الوقوف على مثل هذا كشفا رَحِيماً رحمة به لمعنى علمه سبحانه لم يعينه لنا فندم مثل هذا الذي هو أثر الحزن مثل ما يجده المحب على محبوبه من الوجد والحزن والكرب والندم على ما فرط في حق محبوبه الذي زين له فكان يتلقاه بأعظم مما تلقاه من الحرمة والحشمة يقول لسان آدم‏

فيا طاعتي لو كنت كنت بحسرة *** ومعصيتي لولاك ما كنت مجتبى‏

قال تعالى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وهَدى‏ فالله كان التائب لا آدم والذي صدر من آدم ما اقتضته خاصية الكلمات التي تلقاها وما فيها ذكر توبة وإنما هو مجرد اعتراف وهو قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا حيث عرضوها إلى التلف وكان حقها عليهم أن يسعوا في نجاتها بامتثال نهي سيدهم وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا أي وإن لم تسترنا عن وارد المخالفة حتى لا يحكم سلطانه علينا وترحمنا بذلك الستر لَنَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ ما ربحت تجارتنا فانتج لهم هذا الاعتراف قوله فَتابَ عَلَيْهِ وهَدى‏ أي رجع عليهم بستره فحال بينهم ذلك الستر الإلهي وبين العقوبة التي تقتضيها المخالفة وجعل ذلك من عناية الاجتباء أي لما اجتباه أعطاه الكلمات وهدى أي بين له قدر ما فعل وقدر ما يستحقه من الجزاء وقدر ما أنعم به عليه من الاجتباء ومع التوبة قال له اهبط هبوط ولاية واستخلاف لا هبوط طرد فهو هبوط مكان لا هبوط رتبة

هبوط مكان لا هبوط مكانة *** لتلقى به فوزا وملكا مخلدا

كما قال من أغواه صدقا لكونه *** رآه كلاما من إله مسددا

فإن إبليس قال له هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‏ شَجَرَةِ الْخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلى‏ فسمع ذلك الخطاب من ربه تعالى فكان صدقا لحسن ظنه بربه فعرض له من أجل المحل الذي ظهر فيه خطاب الحق وأورثه ظهور السوآت من أجل المحل وأورثه الأكل الخلد والملك الذي لا يبلى ولكن بعد ظهور سلطانه ونيابته ونيابة بنيه في خلقه حكما مقسطا عدلا يرفع القسط ويضعه أورثه‏

ذلك كله توبة ربه‏

[الناصح نفسه من سلك طريقة أبيه آدم في التوبة]

واعلم أن توبة ربه مقطوع لها بالقبول وتوبة العبد في محل الإمكان لما فيها من العلل وعدم العلم باستيفاء حدودها وشروطها وعلم الله فيها فالعارفون آدميون يسألون من ربهم أن يتوب عليهم وحظهم من التوبة الاعتراف والسؤال لا غير ذلك هذا معنى قوله تعالى وتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أي ارجعوا إلى الاعتراف والدعاء كما فعل أبوكم آدم فإن الرجوع إلى الله بطريق العهد وهو لا يعلم ما في علم الله فيه خطر عظيم فإنه إن كان قد بقي عليه شي‏ء من مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد فينتظم في قوله الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله من بَعْدِ مِيثاقِهِ فلم ير أكمل معرفة من آدم عليه السلام حيث اعترف ودعا وما عهد مع الله توبة عزم فيها إنه لا يعود كما يشترطه علماء الرسوم في حد التوبة فالناصح نفسه من سلك طريقة آدم‏

[في العزم على أن لا يعود سوء أدب مع الله‏]

فإن في العزم سوء أدب مع الله بكل وجه فإنه لا يخلو أن يكون عالما بعلم الله فيه إنه لا يقع منه زلة في المستأنف أم لا فإن كان عالما بذلك فلا فائدة في العزم على أن لا يعود بعد علمه أنه لا يعود وإن لم يعلم وعاهد الله على ذلك وكان ممن قضى الله عليه أن يعود ناقض عهد الله وميثاقه وإن أعلمه الله أنه يعود فعزمه بعد العلم أنه يعود مكابرة فعلى كل وجه لا فائدة للعزم في المستأنف لا لذي العلم ولا لغير العالم فالتوبة التي طلب منا إنما هي صورة ما جرى من آدم عليه السلام‏

[معنى التوبة عند أهل الله‏]

هذا معنى التوبة عند أهل الله فإن الله يحب كل مفتن تواب أي كل من اختبره الله في كل نفس فيرجع إلى الله فيه لا عزم إنه لا يعود لما تاب منه فهو جهل على الحقيقة فإن الذي تاب منه من المحال أن يرجع إليه وإن رجع إنما يرجع إلى مثله لا إلى عينه فإن الله لا يكرر شيئا في الوجود فالعالم بذلك لا يعزم على أنه لا يعود والذي ينظره أهل الله أن التائب يعزم أنه لا يعود أن ينسب إليه ما ليس إليه وإن عاد بنسبته إليه فقد علم عند العزم أن ذلك العود إلى الله لا إليه فلا تضره الغفلة بعد تصحيح الأصل وهو بمنزلة النية عند الشروع في العمل فإن الغفلة لا تؤثر في العمل فسادا وإن لم يحصر في أثناء العمل ما أحضره عند الشروع فهكذا العازم في عزمه‏

[توبة المحققين لا ترتفع دنيا ولا آخرة]

واعلم أن مقام التوبة من المقامات المستصحبة إلى حين الموت ما دام مخاطبا بالتكليف أعني التوبة المشروعة وأما توبة المحققين فلا ترتفع دنيا ولا آخرة فلها البداية ولا نهاية لها إلا أن يكون الاسم التواب في المظهر عين الظاهر فلا بدء في أحواله ولا نهاية وإن كانت كل توبة لها بدء

[التوبة الكونية]

والتوبة الكونية ملكية جبروتية عند الجماعة وهو محل إجماعهم وزاد بعضهم أنها ملكوتية فمن لم ير أنها ملكوتية قال إنها تعطي صاحبها ثمانمائة مقام وثمانية مقامات ومن رأى أنها ملكوتية قال إنها تعطي أربعمائة مقام وثلاثة عشر مقاما والواقفية أرباب المواقف مثل محمد بن عبد الجبار النفري وأبي يزيد البسطامي قال هي غيبية آثارها حسية وجميع ما تتضمنه هذه المعاملات من المقامات الإلهية الجسام ما فيها مقام يتكرر على ما قد تقرر في الأصل ولو تاب الخلق كلهم ملك وإنس وجان ومعدن ونبات وحيوان وفلك ونالوا هذه المقامات كلها لما اجتمع اثنان في ذوق واحد منها وهي منازل فيها ينزلها العبد إذا أحكم ذلك المقام الذي هو التوبة أو غيره ويعطيه كل منزل منها من الأسرار والعلوم ما لا يعلمه إلا الله ولهذا المقام الحجاب والكشف‏

[التوبة اعتراف ودعاء لا عزم على عدم العودة]

ومما يؤيد ما ذكرناه من أن التوبة اعتراف ودعاء لا عزم على أنه لا يعود ما ثبت في الأخبار الإلهية وصح أن العبد بذنب الذنب ويعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ولم يزد على هذا مثل صورة آدم سواء ثم يذنب الذنب فيعلم إن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فيقول الله له في ثالث مرة أو رابع مرة اعمل ما شئت فقد غفرت لك وهذا مشروع أن الله قد رفع في حق من هذه صفته المؤاخذة بالذنب على من يرى أن الخطاب على غير من ليس بهذه الصفة منسحب وأما ظاهر الحديث فإن الله قد أباح له ما قد كان حجر عليه لأجل هذه الصفة كما أحل الميتة للمضطر وقد كانت محرمة على هذا الشخص قبل أن تقوم به صفة الاضطرار ثم إنه قد بينا أن من عباد الله من يطلعه الله على ما يقع منه في المستأنف فكيف يعزم على أن لا يعود فيما يعلم بالقطع أنه يعود ولم يرد شرع نقف عنده أن من حد التوبة المشروعة العزم في المستأنف فلم تبق التوبة إلا ما قررناه في حديث آدم عليه السلام ثم يؤيد ذلك قوله تعالى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ يعني في الحالتين ما هم أنتم ينظر إليه قوله وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى‏ وقوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَّ الله قَتَلَهُمْ وقوله ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى‏ أُصُولِها فَبِإِذْنِ الله‏

[الإذن الإلهي هو الأمر الإلهي‏]

والأذن الأمر الإلهي أمر بعض الشجر أن تقوم فقامت وأمر بعض الشجر أن تنقطع‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!