Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة جهنم وأعظم المخلوقات فيها عذابا ومعرفة بعض العالم العلوى

الروحاني من ذلك ما تعرضنا لما تعطيه من الطبيعة والأمور البدنية وتكلمنا فيها على كل ما ذكرناه مفصلا في باب يوم الأحد وهو باب الإمام وبينا ما بيد كل نائب من السبعة النقباء في باب يوم الأحد وسائر الأيام إلى يوم السبت وبينا مقامات أرواح الأنبياء عليهم السلام في ذلك وجعلنا هذه الألقاب الروحانية لأرواح الأنبياء عليهم السلام وبينا مراتبهم في الرؤية والحجاب يوم القيامة وما يتكلمون به في أتباعهم من أهل السعادة والشقاء وذلك منه في باب يوم الإثنين بلسان آدم وترجمة القمر وجاء بديعا في شأنه والله المؤيد والموفق لا رب غيره‏

(الباب الحادي والستون في معرفة جهنم وأعظم المخلوقات فيها عذابا ومعرفة بعض العالم العلوي)

إن السماء تعود رتقا مثل ما *** كانت وأنجمها يزول ضياؤها

هذا لينصفك المقيم بأرضها *** وعليه قام عمادها وبناؤها

فأشد خلق الله آلاما بها *** من كان منها خلقه فسماؤها

تكسوه حلة ناره من نورها *** فلذاك يعظم في النفوس بلاؤها

[جهنم سجن المعطلة وحصير الكفرة]

اعلم عصمنا الله وإياك أن جهنم من أعظم المخلوقات وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة والمشركون وهي لهاتين الطائفتين دار مقامة والكافرون والمنافقون وأهل الكبائر من المؤمنين قال تعالى وجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً ثم يخرج بالشفاعة ممن ذكرنا وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه وسميت جهنم جهنم لبعد قعرها يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر وهي تحوي على حرور وزمهرير ففيها البرد على أقصى درجاته والحرور على أقصى درجاته وبين أعلاها وقعرها خمس وسبعون مائة من السنين‏

[هل خلقت جهنم أم لم تخلق بعد]

واختلف الناس في خلقها هل خلقت بعد أم لم تخلق والخلاف مشهور فيها وكل واحد من الطائفتين يحتج فيما ذهب إليه بما يراه حجة عنده وكذلك اختلفوا في الجنة وأما عندنا وعند أصحابنا أهل الكشف والتعريف فهما مخلوقتان غير مخلوقتين فأما قولنا مخلوقة فكرجل أراد أن يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة فيقال قد بنى دارا فإذا دخلها لم ير إلا سورا دائرا على فضاء وساحة ثم بعد ذلك ينشئ بيوتها على أغراض الساكنين فيها من بيوت وغرف وسراديب ومهالك ومخازن وما ينبغي أن يكون فيها مما يريده الساكن أن يجعل فيها من الآلات التي تستعمل في عذاب الداخل فيها

[حرور جهنم ووقودها]

وهي دار حرورها هواء محترق لا جمر لها سوى بنى آدم والأحجار المتخذة آلهة والجن لهبها قال تعالى وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ وقال إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ من دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ وقال تعالى فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ والْغاوُونَ وجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ وتحدث فيها الآلات بحدوث أعمال الجن والإنس الذين يدخلونها

[جهنم أوجدها الله بطالع الثور]

وأوجدها الله بطالع الثور ولذلك كان خلقها في الصورة صورة الجاموس سواء هذا الذي يعول عليه عندنا وبهذه الصورة رآها أبو الحكم بن برجان في كشفه وقد تمثل لبعض الناس من أهل الكشف في صورة حية فيتخيل إن تلك الصورة هي التي خلقها الله عليها كأبي القاسم بن قسي وأمثاله ولما خلقها الله تعالى كان زحل في الثور وكانت الشمس والأحمر في القوس وكان سائر الدراري في الجدي وخلقها الله تعالى من تجلى‏

قوله في حديث مسلم جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني ومرضت فلم تعدني‏

وهذا أعظم نزول نزله الحق إلى عباده في اللطف بهم فمن هذه الحقيقة خلقت جهنم أعاذنا الله وإياكم منها فلذلك تجبرت على الجبابرة وقصمت المتكبرين‏

[آلام جهنم من صفة الغضب الإلهي النازل بأهلها]

وجميع ما يخلق فيها من الآلام التي يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب الإلهي ولا يكون ذلك إلا عند دخول الخلق فيها من الجن والإنس متى دخلوها وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم فيها في نفسها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة الله منغمسون ملتذون يسبحون لا يَفْتُرُونَ يقول تعالى ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ومن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ أي ينزل بكم غضبي فأضاف الغضب إليه وإذا نزل بهم كانوا محلا له وجهنم إنما هي مكان لهم وهم النازلون فيها وهم محل الغضب وهو النازل بهم فإن الغضب هنا هو عين الألم فمن لا معرفة له ممن يدعي طريقتنا ويريد أن يأخذ الأمر بالتمثيل والقوة والمناسبة في الصفات فيقول إن جهنم مخلوقة من القهر الإلهي وإن الاسم القاهر هو ربها والمتحلي لها ولو كان الأمر كما قاله لشغلها ذلك بنفسها عما وجدت له من التسلط على الجبابرة ولم يتمكن لها أن تقول‏

هَلْ من مَزِيدٍ ولا إن تقول أكل بعضي بعضا فنزول الحق برحمته إليها التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وحنانه وسع لها المجال في الدعوى والتسلط على من تجبر على من أحسن إليها هذا الإحسان وجميع ما تفعله بالكفار من باب شكر المنعم حيث أنعم عليها فما تعرف منه سبحانه إلا لنعمة المطلقة التي لا يشوبها ما يقابلها فالناس غالطون في شأن خلقها

[المنافقون في الدرك الأسفل من جهنم‏]

ومن أعجب ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدة عظيمة فارتاعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أ تعرفون ما هذه الهدة قالوا الله ورسوله اعلم قال حجر ألقى من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها

فكان وصوله إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدة فما فرغ من كلامه صلى الله عليه وسلم إلا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات وكان عمره سبعين سنة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر فعلم علماء الصحابة أن هذا الحجر هو ذاك المنافق وأنه منذ خلقه الله يهوى في نار جهنم وبلغ عمره سبعين سنة فلما مات حصل في قعرها

قال تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ في الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من النَّارِ فكان سماعهم تلك الهدة التي أسمعهم الله ليعتبروا فانظر ما أعجب كلام النبوة وما ألطف تعريفه وما أحسن إشارته وما أعذب كلامه صلى الله عليه وسلم‏

[تخاصم أهل النار في النار]

ولقد سألت الله أن يمثل لي من شأنها ما شاء فمثل لي حالة خصامهم فيها وهو قوله تعالى إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ وقوله تعالى قالُوا وهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ لضلالهم وآلهتهم إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ وهم أهل النار الذين هم أهلها الذين يقول الله فيهم وامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يريد بالمجرمين أهل النار الذين يعمرونها ولا يخرجون منها يمتازون عن الذين يخرجون منها بشفاعة الشافعين وسابق العناية الإلهية في الموحدين‏

[الرحمة التامة في التلقي من النبوة والوقوف عند الكتاب والسنة]

فهذا مثل لي في وقت منها فما شبهت خصامهم فيها إلا كخصام أصحاب الخلاف في مناظرتهم إذا استدل أحدهم فإذا رأيت ذلك تذكرت الحالة التي أطلعني الله عليها ورأيت الرحمة كلها في التسليم والتلقي من النبوة والوقوف عند الكتاب والسنة ولقد عمي الناس عن‏

قوله صلى الله عليه وسلم عند نبي لا ينبغي تنازع‏

وحضور حديثه صلى الله عليه وسلم كحضوره لا ينبغي أن يكون عند إيراده تنازع ولا يرفع السامع صوته عند سرد الحديث النبوي فإن الله يقول لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا فرق عند أهل الله بين صوت النبي أو حكاية قوله فما لنا إلا التهيؤ لقبول ما يرد به المحدث من كلام النبوة من غير جدال سواء كان ذلك الحديث جوابا عن سؤال أو ابتداء كلام فالوقوف عند كلامه في المسألة أو في النازلة واجب فمتى ما قيل قال الله أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يقبل ويتأدب السامع ولا يرفع صوته على صوت المحدث إذا قال ما قال الله أو سرد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله وما تلاه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سمعه السامع إلا منه ثم إذا شاركه السامع في حال كلامه فهو ليس بسامع فإنه من الآداب التي أدب الله نبيه صلى الله عليه وسلم قوله ولا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ من قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ والله يقول لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ وتوعد على ذلك بحبط العمل من حيث لا يشعر الإنسان فإنه يتخيل في رده وخصامه أنه يذب عن دين الله وهذا من مكر الله الذي قال فيه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وقال ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فالعاقل المؤمن الناصح نفسه إذا سمع من يقول قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينصت ويصغ ويتأدب ويتفهم ما قال الله أو ما قال رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله وإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فأوقع الترجي مع هذه الصفة وما قطع بالرحمة فكيف حال من خاصم ورفع صوته وداخل التالي وسأرد الحديث النبوي في الكلام وأرجو أن يكون الترجي الإلهي واجبا كما يراه العلماء

[رؤي غيبة واكتشافات علمية]

ولما عاينت هذا المحل رأيت عجبا وفي هذه الرؤية رأيت اعتماد الماء على الهواء وهو من أعجب الأشياء في عمارة الأحياز وإن جوهرين لا يكونان في حيز واحد وإن الحيز لن شغله وفي هذه الرؤية علمت إبطال التوالد وأن المحرك للأشياء هو الله تعالى وأن السبب لا أثر له في الفعل جملة واحدة وفي هذه الرؤية علمت إن الألطف أقوى من الأكثف فإن الهواء ألطف من الماء بلا شك وقد منعه ولم يقاومه الماء في القوة ومنعه من النزول فإني رأيت نفسي في الهواء والماء فوقي ويمنعه الهواء من النزول إلى الأرض وفي هذه الرؤية علمت علوما جمة كثيرة

وفي هذه الرؤية رأيت من دركات أهل النار من كونها جهنم لا من كونها نارا ما شاء الله أن يطلعني منها ورأيت فيها موضعا يسمى المظلمة نزلت في درجة نحو خمسة أدراج ورأيت مهالكها ثم زج بي في الماء علوا فاخترقته وقد رأيت عجبا وعلمت في أحوال مخاصمتهم حيث يختصمون في الجحيم وأن ذلك الخصام هو نفس عذابهم في تلك الحال وأن عذابهم في جهنم ما هو من جهنم وإنما جهنم دار سكناهم وسجنهم والله يخلق الآلام فيهم متى شاء فعذابهم من الله وهم محل له‏

[أبواب جهنم السبع وحرسها]

وخلق الله لجهنم سبعة أبواب لكل باب جزء من العالم ومن العذاب مقسوم وهذه الأبواب السبعة مفتحة وفيها باب ثامن مغلق لا يفتح وهو باب الحجاب عن رؤية الله تعالى وعلى كل باب ملك من الملائكة ملائكة السموات السبع عرفت أسماءهم هنالك وذهبت عن حفظي إلا إسماعيل فهو بقي على ذكري‏

[الكواكب في جهنم مظلمة الأجرام‏]

وأما الكواكب كلها فهي في جهنم مظلمة الأجرام عظيمة الخلق وكذلك الشمس والقمر والطلوع والغروب لهما في جهنم دائما فشمسها شارقة لا مشرقة والتكوينات عن سيرها بحسب ما يليق بتلك الدار من الكائنات وما تغير فيها من الصور في التبديل والانتثار ولهذا قال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا والحالة مستمرة ففي البرزخ يكون العرض وفي الدار الآخرة يكون الدخول فذوات الكواكب فيها صورتها صورة الكسوف عندنا سواء غير أن وزن تلك الحركات في تلك الدار خلاف ميزانها اليوم فإن كسوفها ما ينجلي وهو كسوف في ذاتها لا في أعيننا والهواء فيها فيه تطفيف فيحول بين الأبصار وبين إدراك الأنوار كلها فتبصر الأعين الكواكب المنتثرة غير نيرة الأجرام كما يعلم قطعا إن الشمس هنا في ذاتها نيرة وأن الحجاب القمري هو الذي منع البصر أن يدركها أو يدرك نور القمر أو ما كان مكسوفا ولهذا في زمان كسوف شي‏ء منها في موضع يكون في موضع آخر أكثر من ذلك وفي موضع آخر لا يكون منه شي‏ء فلما اختلفت الأبصار في إدراك ذلك لاختلاف الأماكن علمنا قطعا إن ثم أمرا عارضا عرض في الطريق حال بين البصر وبينها أو بين نورها كالقمر يحول بينك وبين إدراك جرم الشمس وظل الأرض يحول بينك وبين نور القمر لا بينك وبين جرمه مثل ما حال القمر بينك وبين جرم الشمس وذلك بحسب ما يكون منك ويكون منه وهكذا سائر الكواكب ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ كما إن أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ فإن ذلك الكسوف كله على اختلاف أنواعه خشوع من المكسوف عن تجل إلهي حصل له‏

[حدود جهنم بعد الحساب والدخول في الجنة]

وحد جهنم بعد الفراغ من الحساب ودخول أهل الجنة الجنة من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين فهذا كله يزيد في جهنم مما هو الآن ليس مخلوقا فيها ولكن ذلك معد حتى يظهر إلا الأماكن التي قد عينها الله من الأرض فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة مثل الروضة التي بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبره صلى الله عليه وسلم وكل مكان عينه الشارع وكل نهر فإن ذلك كله بصير إلى الجنة وما بقي فيعود نارا كله وهو من جهنم ولهذا كان يقول عبد الله بن عمر إذا رأى البحر يقول يا بحر متى تعود نارا وقال تعالى وإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ أي أججت نارا من سجرت التنور إذا أوقدته وكان ابن عمر يكره الوضوء بماء البحر ويقول التيمم أعجب إلي منه‏

[الرؤية الحقيقية للأشياء والحكم الصحيح عليها]

ولو كشف الله عن أبصار الخلق اليوم لرأوه يتأجج نارا ولكن الله يظهر ما يشاء ويخفى ما يشاء ليعلم أَنَّ الله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ الله قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً وأكثر ما يجري هذا الأهل الورع فيرى الطعام الحرام صاحب الورع المحفوظ خنزيرا أو عذرة والشراب خمرا لا يشك فيما يراه ويراه جليسه قرصة خبز طيبة ويرى الشراب ماء عذبا فيا ليت شعري من هو صاحب الحس الصحيح من صاحب الخيال هل الذي أدرك الحكم الشرعي صورة أو هل الذي أدرك المحسوس في العادة على حاله‏

[مذهب المعتزلة في الحسن والقبح‏]

وهذا مما يقوي مذهب المعتزلة في أن القبيح قبيح لنفسه والحسن حسن لنفسه وأن الإدراك الصحيح إنما هو لمن أدرك الشراب الحرام خمرا فلو لا أنه قبيح لنفسه ما صح هذا الكشف لصاحبه ولو كان فعله عين تعلق الخطاب بالحرمة والقبح ما ظهر ذلك الطعام خنزيرا فإن الفعل ما وقع من المكلف فإن الله أظهر له صورته وأنه قبيح حتى لا يقدم على أكله وهذا بعينه يتصور فيمن يدركه طعاما على حاله في العادة ولكن هذا أحق في الشرع فعلم قطعا إن الذي يراه طعاما على عادته قد حيل بينه وبين حقيقة حكم الشرع فيه بالقبح ولو كان الشي‏ء قبيحا بالقبح الوضعي لم يصدق قول الشارع في الإخبار عنه إنه قبيح أو حسن فإنه خبر بالشي‏ء على خلاف ما هو عليه فإن الأحكام‏

أخبار بلا شك عند كل عاقل عارف بالكلام فإن الله أخبرنا أن هذا حرام وهذا حلال ولذا قال تعالى في ذم من قال عن الله ما لم يقل ولا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ فإنه ألحق الحكم بالخبر لأنه خبر بلا شك إلا أنه ليس في قوة البشر في أكثر الأشياء إدراك قبح الأشياء ولا حسنها فإذا عرفنا الحق بها عرفناها ومنها ما يدرك قبحه عقلا في عرفنا مثل كالكذب وكفر المنعم وحسنه عقلا مثل الصدق وشكر المنعم وكون الإثم يتعلق ببعض أنواع الصدق والأجر يتعلق ببعض أنواع الكذب فذلك لله يعطي الأجر على ما شاءه من قبح وحسن ولا يدل ذلك على حسن الشي‏ء ولا قبحه كالكذب في نجاة مؤمن من هلاك يؤجر عليه الإنسان وإن كان الكذب قبيحا في ذاته والصدق كالغيبة يأثم بها الإنسان وإن كان الصدق حسنا في ذاته فذاك أمر شرعي يعطي فضله من شاء ويمنعه من شاء كما قال يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ من يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏

[مرتبة النفس والتنفس وارتباط الموت بالحياة]

واعلم أن أشد الخلق عذابا في النار إبليس الذي سن الشرك وكل مخالفة وسبب ذلك أنه مخلوق من النار فعذابه بما خلق منه أ لا ترى النفس به تكون حياة الجسم الحساس فإذا منع بالشنق أو الخنق خروج ذلك النفس انعكس راجعا إلى القلب فأحرقه من ساعته فهلك لحينه فبالنفس كانت حياته وبه كان هلاكه وهلاكه على الحقيقة بالنفس من كونه متنفسا لا من كونه ذا نفس ولا من كونه متنفسا فقط بل من كونه يجذب بالقوة الجاذبة نفس الهواء البارد إلى قلبه ويخرج بالقوة الدافعة النفس الحار المحرق آمن قلبه فسبب هذه الأحوال بها تكون حياته‏

[أشد الناس عذابا في النار]

فإن الذي يرمى في النار هو متنفس ولكن لا يخلو من أحد الوجهين إما إنه لا يتنفس في النار فتكون حالته حالة المشنوق الذي يخنق بالحبل فيقتله نفسه وإما أن يتنفس فيجذب بالقوة الجاذبة هواء ناريا محرقا إذا وصل إلى قلبه أحرقه فلهذا قلنا في سبب الحياة هذه الأمور كلها فعذاب إبليس في جهنم بما فيها من الزمهرير فإنه يقابل النار الذي هو أصل نشأة إبليس فيكون عذابه بالزمهرير وبما هو نار مركبة فيه من ركن الهواء والماء والتراب فلا بد أن يتعذب بالنار على قدر مخصوص وعامة عذابه بما يناقض ما هو الغالب عليه في أصل خلقه والنار ناران نار حسية وهي المسلطة على إحساسه وحيوانيته وظاهر جسمه وباطنه ونار معنوية وهي التي تطلع على الأفئدة وبها يتعذب روحه المدبر لهيكله الذي أمر فعصى فمخالفته عذبته وهي عين جهله بمن استكبر عليه‏

[يوم التغابن: يوم عذاب النفوس‏]

فلا عذاب على الأرواح أشد من الجهل فإنه غبن كله ولهذا سمي يَوْمُ التَّغابُنِ يريد يوم عذاب النفوس فيقول يا ويلتا عَلى‏ ما فَرَّطْتُ وهو يَوْمَ الْحَسْرَةِ يقول يوم الكشف من حسرت عن الشي‏ء إذا كشفت عنه فكأنه يقول يا ليتني حسرت عن هذا الأمر في الدنيا فأكون على بصيرة من أمري فيغتبن في نفسه والتغابن يدرك في ذلك اليوم الكل الطائع والعاصي فالطائع يقول يا ليتني بذلت جهدي ووفيت حق استطاعتي وتدبرت كلام ربي فعملت بمقتضاه مع كونه سعيدا والمخالف يقول يا ليتني لم أخالف ربي فيما أمرني به ونهاني ف ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وسيأتي هذا في باب يوم القيامة إن شاء الله‏

[جهنم: آلام أهلها صفة الغضب الإلهي ووجودها محل التنزل الرحماني‏]

ولما أعلمناك بمرتبة النفس والتنفس إنما جئنا به لتعلم إن جهنم لما اختص بآلام أهلها صفة الغضب الإلهي واختص بوجودها التنزل الرحماني الإلهي وجاء في الخبر الصحيح نفس الرحمن مشعرا بصفة الغضب‏

فكان التنفس ملحقا صفة الغضب بمن حل به ولهذا لما أتى نفس الرحمن من قبل اليمن حل الغضب الإلهي بالكفار بالقتل والسيف الذي وقعت بهم الأنصار فنفس الله بذلك عن دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم فإن ذا الغضب إذا وجد على من يرسل غضبه نفس عنه ما يجده من أ لم الغضب وأكمل الصورة في محمد صلى الله عليه وسلم فقام به على الكفار لأجل ردهم كلمة الله صفة الغضب فنفس الرحمن عنه بما أمره به من السيف ونفس عنه بأصحابه وأنصاره فوجد الراحة فإنه وجد حيث يرسل غضبه فافهم من هذا آلام أهل النار والصورة الحجابية المحمدية على الغضب الإلهي على أعداء الله وإن الآلام أرسلت على الأعداء فقامت بهم ونفس الله عن دينه وهو أمره وكلامه وهو عين علمه في خلقه وعلمه ذاته جل وتعالى وقد بينا لك أمر جهنم من حيث ما هي دار فلنبين إن شاء الله في الباب الذي يلي هذا الباب مراتب أهل النار

[دركات جهنم المائة وزبانيتها]

ثم اعلم أن الله قد جعل فيها مائة درك في مقابلة درج الجنة ولكل درك قوم مخصوصون لهم من الغضب الإلهي الحال بهم آلام مخصوصة وأن المتولي عذابهم من الولاة الذين ذكرناهم في الباب قبل هذا من هذا الكتاب القائم والإقليد والحامد



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!