Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل السبل المولدة وأرض العبادة واتساعها وقوله تعالى (يا عبادى الذين آمنوا إن أرضى واسعة فإياى فاعبدون)

على ذلك وفيه علم يقضي بأن الأمر بدء كله لا إعادة فيه وفيه علم كون الحق ينزل في الخطاب إلى فهم المخاطب وكله حق وإن تناقض وظهر فيه تقابل فثم عين واحدة تجمعه كالسواد والبياض ضدان متقابلان يجمعهما اللون وكالألوان حقائق مختلفة يجمعهن العرض وفيه علم التوحيد بعين التشبيه وفيه علم التفضيل وفيه علم حكم كلمات الله حكم خلق الله وفيه علم تكوين الأعمال الكونية وإقامتها صورا وفيه علم الجمع والوجود وفيه علم ما تقتضيه النشأة الطبيعية من الأحكام وفيه علم العلل والأسباب والجزاء وفيه علم الفرق بين أسباب الدنيا وأسباب الآخرة وفضل أسباب الدنيا عليها وفيه علم ما يعود على الإنسان من عمله وما يضيف إلى الله من ذلك يضيفه إلى نفسه وفيه علم التكوين الإلهي من الأسباب الكونية وهي الآثار العلوية البرزخية لا غير وفيه علم تغير الأحوال لتغير الحركات الفلكية وفيه علم حال الحيوان من حين نشأته إلى حين موته وفيه علم القياس الإلهي وفيه علم تأثير الكون في الكون وعلم ما يتقي به ذلك التأثير وفيه علم القيامة وأحوالها ومراتبها وفيه علم أمر العالم بجملته وفيه علم فضل أهل النواميس الإلهية على أهل النواميس العقلية الحكمية فهذا ذكر أكثر ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل السبل المولدة وأرض العبادة واتساعها وقوله تعالى يا عِبادِيَ (الَّذِينَ آمَنُوا) إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ»

ما لأرض الله واسعة *** وسماء الله تنكحها

مجمع الأبواب مغلقة *** ويمين الجود تفتحها

وصدور ضاق مسكنها *** وبنور العلم يشرحها

مبهمات السر مظلمة *** وعلوم الكشف توضحها

كل ما أعطيت من نعم *** حضرة المحسان تمنحها

ثم إن قام الفساد بها *** فعسى الرحمن يصلحها

ثم إن شدت وإن عدلت *** فلجام الهدى يكبحها

كل دعوى غير صادقة *** فلسان العجز يفضحها

زند ذي البلوى بكل أذى *** من بلاء الكون يقدحها

[لا هجرة بعد الفتح‏]

قال الله تعالى أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ولم يقل منها ولا إليها فهي أرض الله سواء سكنها من يعبده أو من يستكبر عن عبادته وقال عز من قائل يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ فأضافها إليه أشد إضافة من قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وكذلك أضاف العباد إليه إضافة الأرض إضافة اختصاص وكذلك أضافهم في الأمر بالعبادة إليه فقال فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ وقال في غير هذا الموطن اعْبُدُوا الله واعْبُدُوا رَبَّكُمُ فمن عرف قدر هذه الإضافة إلى المتكلم عرف قدر ما بين الإضافتين وإن كان المقصود بالعبادة واحدا فضيق في توسعه في إضافتهم إلى المتكلم ووسع في إضافتهم إلى الاسم وهنا أسرار لا يعلمها إلا من يعلم الأمر على ما هو عليه في نفسه وهوقوله عليه السلام لما فتح مكة لا هجرة بعد الفتح‏

مع أن مكة أشرف البقاع وأنها بيت الله الذي يحج إليه من مشارق الأرض ومغاربها ولكن أمر وعظم الأجر لمن يهاجر منها من أجل ساكنيها فلما فتحها الله وأسكنها المؤمنين من عباده‏

قال لا هجرة بعد الفتح‏

فمن فتح الله عليه رآه في كل شي‏ء أو عين كل شي‏ء فلم يهاجر لأنه غير فاقد فإن هاجر فعن أمره فيهاجر به منه إليه عن أمره مثل خروجه إلى أداء الصلاة في مسجد الجماعة ومثل خروجه إلى مكة يريد الحج وكخروجه أيضا إلى الجهاد وإلى الزيارة وزيارة أخ في الله تعالى أو في السعي على العيال فهذا كله ليس بهجرة على الحقيقة وإنما هي سياحة عن أمر إلهي على شهود فإن لم يكن على شهود ولا كأنه شهود فما هو مطلوبنا في هذا الموضع فإن أدنى مرتبة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ولما خلق الله الإنسان الكامل بالصورتين الموجود بالنشأتين الذي جمع الله له بين الاسمين الأول والآخر وأعطاه الحكمين في الظاهر والباطن ليكون بكل شي‏ء عليما خلقه من تراب الأرض أنزل موجود خلق ليس وراءها وراء كما أنه ليس وراء

الله مرمى فجعل مسكنه في أشرف الأماكن وهو النقطة التي يستقر عليها عمد الخيمة وجعل العرش المحيط مكان الاستواء الرحماني كما يليق بجلاله أعلاما بالارتباط الإلهي الذي بين العرش والأرض وما بينهما من مراتب العالم المتحيز العام للمساحات من الأفلاك والأركان فجميع العالم في جوف العرش إلا الأرض فإنها مقر السرير فلما أراد الله أن يخلقنا لعبادته قرب الطريق علينا فخلقنا من تراب في تراب وهو الأرض التي جعلها الله ذلولا والعبادة الذلة فنحن الأذلاء بالأصل لا نشبه من خلق نورا من النور وأمر بالعبادة فبعدت عليهم الشقة لبعد الأصل مما دعاهم إليهم من عبادته فلو لا إن الله أشهدهم بأن خلقهم في مقاماتهم ابتداء لم ينزلوا منها فلم يكن لهم في عبادتهم ارتقاء كما لنا ما أطاقوا الوفاء بالعبادة فإن النور له العزة ما له الذلة فمن عناية الله بنا لما كان المطلوب من خلقنا عبادته إن قرب علينا الطريق بأن خلقنا من الأرض التي أمرنا أن نعبده فيها ولما عبد منا من عبد غير الله غار الله أن يعبد في أرضه غيره فقال وقَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي حكم فما عبد من عبد غير الله إلا لهذا الحكم فلم يعبد إلا الله وإن أخطئوا في النسبة إذ كان لله في كل شي‏ء وجه خاص به ثبت ذلك الشي‏ء فما خرج أحد عن عبادة الله ولما أراد الله أن يميز بين من عبده على الاختصاص وبين من عبده في الأشياء أمر بالهجرة من الأماكن الأرضية التي بعبد الله فيها في الأعيان لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ من الطَّيِّبِ فالخبيث هو الذي عبد الله في الأغيار والطيب هو الذي عبد الله لا في الأغيار وجعل تعالى هذه الأرض محلا للخلافة فهي دار ملكه وموضع نائبه الظاهر بأحكام أسمائه فمنها خلقنا وفيها أسكننا أحياء وأمواتا ومنها يخرجنا بالبعث في النشأة الأخرى حتى لا تفارقنا العبادة حيث كنا دنيا وآخرة وإن كانت الآخرة ليست بدار تكليف ولكنها دار عبادة فمن لم يزل منا مشاهدا لما خلق له في الدنيا والآخرة فذلك هو العبد الكامل المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه وأسفله زمنا فردا عن ذكر الله وذكره هذا العبد قام في ذلك الذكر عن العالم كله وحفظ به على العالم وجوده ولو غفل العبد الإنساني عن الذكر لم يقم العالم مقامه في ذلك وخرب منه من زال عنه الإنسان الذاكر

قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله‏

ولما خلق الله هذه النشأة الإنسانية وشرفها بما شرفها به من الجمعية ركب فيها الدعوى وذلك ليكمل بها صورتها فإن الدعوى صفة إلهية قال تعالى إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فادعى أنه لا إله إلا هو وهي دعوى صادقة فمن ادعى دعوى صادقة لم تتوجه عليه حجة وكان له السلطان على كل من رد عليه دعواه لأن له الشدة والغلبة والقهر لأنه صادق والصدق الشدة فلا يقاوم ولما كانت الدعوى خبرا والخبر نسبة الصدق إليه ونسبة الكذب على السواء بما هو خبر يقبل هذا وهذا علمنا عند ذلك أنه لا بد من الاختبار فادعى المؤمن الايمان وهو التصديق بوجود الله وأحديته وأنه لا إله إلا هو وأن كل شي‏ء هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وأن الأمر لله من قبل ومن بعد فلما ادعى بلسانه إن هذا مما انطوى عليه جنانه وربط عليه قلبه احتمل أن يكون صادقا فيما ادعاه إنه صفة له ويحتمل أن يكون كاذبا في إن ذلك صفة له فاختبره الله لإقامة الحجة له أو عليه بما كلفه من عبادته على الاختصاص لا العبادة السارية بسريان الألوهة ونصب له وبين عينيه الأسباب وأوقف ما تمس حاجة هذا المدعي على هذه الأسباب فلم يقض له بشي‏ء إلا منها وعلى يديها فإن رزقه الله نورا يكشف به ويخترق سدف هذه الأسباب فيرى الحق تعالى من ورائها مسببا اسم فاعل أو يراه فيها خالقا وموجدا لحوائجه التي أضطره إليها فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه وبينة من أمره الصادق في دعواه الموفي حق المقام الذي ادعاه بالعناية الإلهية التي أعطاه ومن لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَما لَهُ من نُورٍ فقال بعد إقراره بربوبية خالقه لما أشهده على نفسه في أخذ الميثاق حين قال له ولأمثاله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ فلما أوجده في هذه الدنيا أوجده على تلك الفطرة فقال بألوهية الأسباب التي رزقه الله منها وجعلها حجبا بينه وبين الله ولم يكن له نور يهتدى به في ظلمات البر والبحر وليس إلا النجوم وهي هنا نجوم العلم الإلهي فأضاف الألوهة إلى غير مستحقها فكذب في دعواه لكثرة الأسباب وإقراره في شركه بأن ذلك قربة منه إلى الله خالق الأسباب وجعلها آلهة فلم يصدق قوله لا إله إلا هو ولهذا قال من قال أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ وليس العجب إلا ممن كثر الآلهة والذي لم يقل بنسبة الألوهة للأسباب لكنه لم ير إلا الأسباب وما حصل له‏

من الكشف ما يخرجه عنها مع توحيد الألوهة كان ذلك شركا خفيا لا يشعر به صاحبه أنه شرك يحجبه عن الأمر العالي الذي طلب به فلم يوجد صاحب هذه الدعوى في توحيد الله وتوحيده في أفعاله مع الاضطراب عند فقد السبب وسكونه عند وجوده صادقا فنقصه على قدر ما فاته من ذلك هذا ولم يجعل للأسباب آلهة فإن قلت فالمشرك الذي ادعى أنه مشرك فهو صادق في دعواه إنه مشرك فلما ذا لم ينفعه صدقه قلنا هو كاذب في دعواه في نسبة الألوهة إلى من ليس بالإله هذه دعواه التي كفر بها فهو صادق في أنه مشرك وليس بصادق في إن الشركة في الألوهة صحيحة لأنه بحث عن ذلك بأدلة العقلية والشرعية فلم يوجد لما ادعاه عين في الصدق فاختبر الله العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل واختبر الله المؤمنين بالأسباب فكل صنف اختبره بحسب دعواه فمن صدق أورثه ذلك الصدق ما تعطيه دعواه ولهذا يسأل الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ فيما صدقوا فيه هل صدقوا فيما أمروا به وأبيح لهم أو هل صدقوا في إتيان ما حرم عليهم إتيانه مع كونهم صادقين فيقال لهم فيم صدقتم فإن النمامين صادقون والمغتابين صادقون وقد ذمهم الله وتوعد على ذلك مع كونه صدقا فلهذا يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا فهذا من اختبار الله إياهم وأصل هذا كله ما ركب فيهم من الدعاوي ومما اختبرهم الله به في الخطاب إن جعل ما ابتلاهم به ليعلم الله الصادق في دعواه من الكاذب فأنزل نفسه في هذا الاختبار منزلة من يستفيد بذلك علما وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه فمن المنزهة في زعمهم من يقول إن الله لا يستفيد من ذلك علما فإنه لا يعلم الأمر من حيث ما هو واقع من فلان على التعيين فرد كلام الله وتأوله إذ خاف من وقوع الأذى به لذلك ومن الظاهرية من التزم أنه يعلم بذلك الاختبار وقوفا عند هذا اللفظ ومن الناس من صرف ذلك إلى تعلق العلم به عند الوقوع فالعلم قديم والتعلق حادث ومن المؤمنين من سلم علم ذلك إلى الله وآمن به من غير تأويل معين وهذا هو أسلم ما يعتقد وهذا كله ابتلاء من الله لعباده الذين ادعوا الايمان به بألسنتهم فإنه قال حَتَّى نَعْلَمَ كما قال ولَنَبْلُوَنَّكُمْ وقال أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ فميز بينهما فيجازي المجاهد بجزاء معين ويجازي الصابر عليه بجزاء معين وقال فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ لما ذكر الفتنة وهي الاختبار فإذا نظر الإنسان إلى نشأته البدنية قامت معه الأرض التي خلق منها وجعل منها غذاؤه وما به صلاح نشأته لم يرزقه الله في العادة من غيرها ومن خرق الله فيه العادة بأن لم يرزقه منها رزقه من أمر طبيعي خفي وهو السبب الذي أبقى عليه حياته به فوفر عليه حرارته ورطوبته التي هي مادة حياته بأمر لطيف لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه عليه لأن الله لما وضع الأسباب لم يرفعها في حق أحد وإنما أعطى الله بعض عباده من النور ما اهتدى به في المشي في ظلمات الأسباب غير ذلك ما فعل به فعاينوا من ذلك على قدر أنوارهم فحجب الأسباب مسدلة لا ترفع أبدا فلا

تطمع وإن نقلك الحق من سبب فإنما ينقلك بسبب آخر فلا يفقدك السبب جملة واحدة فإنه حبل الله الذي أمرك بالاغتصام به وهو الشرع المنزل وهو أقوى الأسباب وأصدقها وبيده النور الذي يهتدى به في ظلمات بر هذه الأسباب وبحرها فمن عمل كذا وهو السبب فجزاؤه كذا فلا تطمع فيما لا مطمع فيه ولكن سل الله تعالى رشة من ذلك النور على ذاتك وأظهر الأمور اللطيفة إن جعل بدنك ذا مسام وأحاط بك الهواء الذي هو مادة الحياة الطبيعية فإنه حار رطب بالذات وجعل فيك قوة جاذبة فقد تجذب في وقت فقدك الأسباب المعتادة الهواء من مسامك فتغذي به بدنك وأنت لا تشعر وقد علمنا إن من الحشرات من يكون عداؤه من مسام بدنه مما يجذبه من الرطوبات على ميزان خاص يكون له به البقاء من غير إفراط ولا تفريط ثم لتعلم أيها الأخ الولي أن أرض بدنك هي الأرض الحقيقية الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها وذلك لأنه ما أمرك أن تعبده في أرضه‏

إلا ما دام روحك يسكن أرض بدنك فإذا فارقها أسقط عنك هذا التكليف مع وجود بدنك في الأرض مدفونا فيها فتعلم إن الأرض ليست سوى بدنك وجعلها واسعة لما وسعته من القوي والمعاني التي لا توجد إلا في هذه الأرض البدنية الإنسانية وأما قوله فَتُهاجِرُوا فِيها فإنها محل للهوى ومحل للعقل فتهاجروا من أرض الهوى منها إلى أرض العقل منها

وأنت في هذا كله فيها ما خرجت عنها فإن استعملك الهوى أرداك وهلكت وإن استعملك العقل الذي بيده سراج الشرع نجوت وأنجاك الله به فإن العقل السليم المبرأ من صفات النقص والشبه هو الذي فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمور على ما هي عليه فعاملها بطريق الاستحقاق فأعطى كل ذي حق حقه ومن لم يعبد الله في أرض بدنه الواسعة فما عبد الله في أرضه التي خلق منها فإن الله يقول وبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ من طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ من سُلالَةٍ من ماءٍ مَهِينٍ وهو الماء الذي نبع من هذه الأرض البدنية واستقر في رحم المرأة ثم سواه فبعد تسوية أرض البدن وقبوله الاشتعال بما فيه من الرطوبة والحرارة نفخ الله فيه فاشتعل فكان ذلك الاشتعال روحا له فما خرج إلا منه فمنه خلق وجعل العقل في هذه النشأة نظير القمر في الأرض نورا يستضاء به ولكن ما له ذلك النفوذ بالحجب المانعة من البيوت والجدران والأكنة وجعل الشرع لهذا العقل في هذه الأرض البدنية سراجا فأضاءت زوايا هذه الأرض بنور السراج فأعطى من العلم بها مما فيها ما لم يعطه نور العقل الذي هو بمنزلة القمر ثم يعيدنا فيها يعني في النشأة الأخرى أيضا كما خلقنا فيها ويخرجنا إخراجا لمشاهدته كما أنشأنا منها وأخرجنا لعبادته فخلق أرواحنا من أرض أبداننا في الدنيا لعبادته وأسكننا أرض أبداننا في الآخرة لمشاهدته إن كنا سعداء كما آمنا به في النشأة الأولى لما اعتنى الله بنا والحال مثل الحال سواء في تقسيم الخلق في ذلك وكذلك يكونون غدا والموت بين النشأتين حالة برزخية تعمر الأرواح فيها أجسادا برزخية خيالية مثل ما أعمرتها في النوم وهي أجساد متولدة عن هذه الأجسام الترابية فإن الخيال قوة من قواها فما برحت أرواحها منها أو مما كان منها فاعلم ذلك فارض الله التي هي ركن موجودة وأنت فيها مدفون وما أمرت بعبادة ربك وما دمت في أرض بدنك الواسعة مع وجود عقلك وسراج شرعك فأنت مأمور بعبادة ربك فهذه الأرض البدنية لك على الحقيقة أرض الله الواسعة التي أمرك أن تعبده فيها إلى حين موتك ومن مات فقد قامت قيامته وهي القيامة الجزئية وهو قوله وفِيها نُعِيدُكُمْ فإذا فهمت القيامة الجزئية بموت هذا الشخص المعين علمت القيامة العامة لكل ميت كان عليها فإن مدة البرزخ هي للنشأة الآخرة بمنزلة حمل المرأة الجنين في بطنها ينشئه الله نشأ بعد نش‏ء فتختلف عليه أطوار النش‏ء إلى أن يولد يوم القيامة فلهذا قيل في الميت إنه إذا مات فقد قامت قيامته أي ابتدأ فيه ظهور نشأة الأخرى في البرزخ إلى يوم البعث من البرزخ كما يبعث من البطن إلى الأرض بالولادة فتدبير نشأة بدنه في الأرض زمان كونه في البرزخ ليسويه ويعدله على غير مثال سبق مما ينبغي للدار الآخرة فيعبده فيها أعني في أرض نشأته الأخراوية عبادة ذاتية لا عبادة تكليف فإن الكشف يمنعه إن يكون عبدا لغير من يستحق أن يكون له عبدا كما ينال هذا المقام رجال الله هنا ولما خلق الله أرض بدنك جعل فيها كعبة وهو قلبك وجعل هذا البيت القلبي أشرف البيوت في المؤمن فأخبر إن السموات وفيها البيت المعمور والأرض وفيها الكعبة ما وسعته وضاقت عنه ووسعه هذا القلب من هذه النشأة الإنسانية المؤمنة والمراد هنا بالسعة العلم بالله سبحانه فهذا يدلك على أنها الأرض الواسعة وأنها أرض عبادتك فتعبده كأنك تراه من حيث بصرك لأن قلبك محجوب أن يدركه بصرك فإنه في الباطن منك فتعبد الله كأنك تراه في ذاتك كما يليق بجلاله وعين بصيرتك تشهده فإنه ظاهر لها ظهور علم فتراه بعين بصيرتك وكأنك تراه من حيث بصرك فتجمع في عبادتك بين الصورتين بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال فتعبده مطلقا ومقيدا وليس ذلك لغير هذه النشأة فلهذا جعل هذه النشأة المؤمنة حرمه المحرم وبيته المعظم المكرم وقد أشرت إلى هذا المعنى بقولي‏

من كان حقا كله *** قد زال عنه كله‏

أو أنت فيه ظله *** فالأمر حق كله‏

فالحق شخص قائم *** وأنت منه ظله‏

حرامه محترم *** فالحل لا يحله‏

عن كل ما لا ينبغي *** فإنه يجله‏

فكل من في الوجود من المخلوقات يعبد الله على الغيب إلا الإنسان الكامل المؤمن فإنه يعبده على المشاهدة ولا يكمل‏

العبد إلا بالإيمان فله النور الساطع بل هو النور الساطع الذي يزيل كل ظلمة فإذا عبده على الشهادة رآه جميع قواه فما قام بعبادته غيره ولا ينبغي أن يقوم بها سواه فما ثم من حصل له هذا المقام إلا المؤمن الإنساني فإنه ما كان مؤمنا إلا بربه فإنه سبحانه المؤمن‏

[أن الله ما خلق الخلق على مزاج واحد]

واعلم إنك إذا لم تكن بهذه المنزلة وما لك قدم في هذه الدرجة فأنا أدلك على ما يحصل لك به الدرجة العليا وهو أن تعلم أن الله ما خلق الخلق على مزاج واحد بل جعله متفاوت المزاج وهذا مشهود بالبديهة والضرورة لما بين الناس من التفاوت في النظر العقلي والايمان وقد حصل لك من طريق الحق أن الإنسان مرآة أخيه فيرى منه ما لا يراه الشخص من نفسه إلا بوساطة مثله فإن الإنسان محجوب بهواه متعشق به فإذا رأى تلك الصفة من غيره وهي صفته أبصر عيب نفسه في غيره فعلم قبحها إن كانت قبيحة أو حسنها إن كانت ذات حسن‏

[إن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم‏]

واعلم أن المرائي مختلفة الأشكال وأنها تصير المرئي عند الرائي بحسب شكلها من طول وعرض واستواء وعوج واستدارة ونقص وزيادة وتعدد وكل شي‏ء يعطيه شكل تلك المرآة وقد علمت إن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه الله في مزاجه من التركيب فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين لأنه على مزاج خاص مقصور وإن محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما بعثه الله إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ولا قبل هو مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج عام يحوي على مزاج كل نبي ورسول فهو أعدل الأمزجة وأكملها وأقوم النشآت فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية فاعلم إنك ليس لك ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في العلم بربه في نشأته فالزم الايمان والاتباع واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك فإذا فعلت هذا علمت إن الله تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في مرآته وقد أعلمتك أن المرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه لما هي مرآته عليه فإذا أدركته في مرآة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك أ لا ترى في باب الايمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ولو لا الشرع والايمان به لما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة بل نرده ابتداء ونجهل القائل به فكما أعطاه بالرسالة والايمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن تدركه في مرآتها وكما آمنت به في الرسالة غيبا شهدته في هذا التجلي النبوي عينا

فلولاه ولولانا *** لما كان الذي كانا

ولا جاءت رسالات *** من الرحمن مولانا

بأخبار وأحكام *** وسمي ذاك تبيانا

وتوراة وإنجيلا *** وفرقانا وقرآنا

وسماه أولو الألباب *** بالأفكار برهانا

وثلث ذاك إسلاما *** وإيمانا وإحسانا

فسبحان الذي أسرى *** به ليراه محسانا

وخص بصورة الرحمن *** من سماه إنسانا

وجاءت رسله تترى *** زرافات ووحدانا

وأعطانا وحابانا *** هنا ما شاء كتمانا

وجنات وأنهارا *** وروحا ثم ريحانا

وكشفا ثم إشهادا *** وأسرارا وإعلانا

فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة فلا تطلب مشاهدة الحق إلا في مرآة نبيك صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم واحذر أن تشهده في مرآتك أو تشهد النبي وما تجلى في مرآته من الحق في مرآتك فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية فالزم الاقتداء والاتباع ولا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك فضع قدمك على قدمه إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى والشهود الكامل في المكانة الزلفى وقد أبلغت لك في النصيحة كما أمرت والله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى‏

صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وفي هذا المنزل من العلوم علم مرتبة الحسبان والظنون وعلم التقرير الإلهي وفيه علم الأسرار الخفية عن أكثر الناس وفيه علم الأفراد وفيه علم الملاحم وفيه علم المسابقة وأين حلبة المسابقة التي بين الله وبين عباده وهو علم شريف فيه من الرحمة الإلهية ما لا يصفه واصف وفيه علم الرد على من يقول بإنفاذ الوعيد وشمول الرحمة للجميع وذلك أن الإنسان إذا عصى فقد تعرض للانتقام والبلاء وأنه جار في شأو الانتقام بما وقع منه وإن الله يسابقه في هذه الحلبة من حيث ما هو غفار وعفو ومتجاوز ورحيم ورءوف فالعبد يسابق بالمعاصي والسيئات الحق تعالى إلى الانتقام والحق أسبق فيسبق إلى الانتقام قبل وصول العبد بالسيئات إليه فيجوزه بالغفار وأخواته من الأسماء فإذا وصل العبد إلى آخر الشأو في هذه الحلبة وجد الانتقام قد جازه الغفار وحال بينه وبين العصاة وهم كانوا يحكمون على أنهم يصلون إليه قبل هذا وهو قوله تعالى في العنكبوت أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا أي يسبقون بسيئاتهم مغفرتي وشمول رحمتي ساءَ ما يَحْكُمُونَ بل السبق لله بالرحمة لهم هذا غاية الكرم وهذا لا يكون إلا في الطائفة التي تقول بإنفاذ الوعيد فيمن يموت على غير توبة فإذا مات العاصي تلقته رحمة الله في الموطن الذي يشاء الله أن تلقاه فيه وفيه علم‏

قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه‏

ولم يقل لم يلقه فما كره الله إلا لقاءه الذي كره وهو أن يلقاه آخذا له على جريمته ومنتقما فكره الله أن يلقاه بما كره هذا المسي‏ء فلقيه تعالى بالمغفرة والرضوان لأنه علم أنه ما كره لقاء الله مع كونه مؤمنا بلقائه إلا لما هو عليه من المخالفة فكره الله لقاءه بما تستحقه المخالفة من العقوبة فلقيه بالعفو والمغفرة وفيه علم ما تستحقه الذات لنفسها لا من حيث اتصافها بأنها إله وفيه علم إن رد الأمور كلها وإن كانت لله فإن الله بعد وقوفه عليها يردها بما شاء على عباده وفيه علم إرسال الستور بين النفوس المؤمنة وبين المخالفات ومن خالف منهم أرسلت الستور بينه وبين العقوبات وفيه علم معاملة الله عباده بما يوافق أغراضهم وفيه علم منزلة الأسباب الموضوعة في العالم التي لها الآثار فيه وفيه علم ما تدعوه إليه الأسباب وما ينبغي أن يجيب منها وما ينبغي أن لا يجيب وفيه علم إلحاق الأباعد بالأداني والأسافل بالأعالي في التحام ذلك وفيه علم جهل من يساوي بين الحق والخلق ومن جهل مراتب العالم عند الله وفيه علم التفسير والتمييز وفيه علم ما يعود على العامل من عمله وما لا يعود وفيه علم أعمار الأشياء وهو بقاء الشي‏ء إلى زمان فساد صورته التي بزوالها يزول عنه الاسم الذي كان يستحقه جمادا كان أو نباتا أو حيوانا وفيه علم الأخذ الإلهي بالأسباب الكونية وأن كل مأخوذ به جند من جنود الله وفيه علم كون العالم آيات بعضه لبعض وفيه علم النصائح من المؤمنين وغير المؤمنين وفيه علم بيان العلم بالأدلة وفيه علم ما تمس الحاجة إليه في كل وقت وفيه علم الاعتبار وفيه علم الإرادة والمشيئة وفيه علم من ينبغي أن يعتمد عليه في الأمور ومن لا يعتمد عليه فيها وفيه علم من أراد بأخيه المؤمن سوء عاد عليه وهو سار في كل جنس من الأمم وفيه علم من استعجل صفة ما يكون في يوم القيامة هنا وما حكمه عند الله وفيه علم الهجرة والمهاجر وفيه علم الوهب من غير الوهب وفيه علم ما أدى الجاهل مع علمه إن يقول إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ من عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً من السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ وأمثال هذا مثل قوله ائْتِنا بِعَذابِ الله إِنْ كُنْتَ من الصَّادِقِينَ فانظر في هذا الخبر الإلهي فإنه مبالغة منهم في التكذيب إذ لو احتمل عندهم صدق الرسول ما قالوا مثل هذا القول فإن النفوس قد جبلت على جلب المنافع لها ودفع المضار عنها وفيه علم الرفق بالأمم والدعاء عليهم من أنبيائهم وفيه علم العلم بالدار الآخرة والزمان الآخر ولما ذا يرجع وما ثم شمس تطلع ولا ليل يقبل وفيه علم تنوع الأسباب وفيه علم مراتب من اتخذ من الآلهة دون الله وفيه علم فصل العلماء والحكماء الإلهيين وفيه علم ما ينبغي للمؤمن أن يثابر عليه وفيه علم الصنعة والصانع وفيه علم التنازع في الحديث ومراتب المتنازعين وفيه علم المجمل من المحكم‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!