Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة المنزل الأقصى السريانىّ وهو من الحضرة المحمدية

ذلك وأين يقول لا وبلى وفيه علم تميز الجنات بعضها من بعض هل هو تميز حالات في جنة واحدة أو تميز مساحات فإن كل اسم جاءنا للجنات تستحقه كل جنة إن كان التمييز بالمساحات فكل جنة لا نشك أنها جنة مأوى وجنة عدن وجنة خلد وجنة نعيم وجنة فردوس وهي واحدة العين وهذه الأحكام لها ولو تميزت بالمساحات فلا بد من حكم هذه الأسماء لها وفيه علم الفرق بين الخلود والتأبيد والتسرمد وعدم الخروج وفيه علم الفرق بين الوعد والوعيد بالمشيئة في أحدهما دون الآخر ولما ذا قبل الوعيد المشيئة دون الوعد وكلاهما إخبار إلهي وأين وجود الحكمة في ذلك وفيه علم السماء هل هي شبه الأكرة أو شبه الخيمة أو هل هي أكرة في خيمة أو خيمة في أكرة فتدور الأرض لدورانها وهل السماء ساكنة أو متحركة فإن الشهود يعطي جميع ما ذكرناه وما بقي إلا علم ما هو الأمر في نفسه من غير نظر إلى شهود هل هو كما يقضي به شهود كل شاهد أم ليس كذلك وفيه علم وجود الزوجين وبما ذا تكرم كل واحد من الزوجين على صاحبه هل هو بما هو محتاج إليه كل واحد منهما أم قد يكون بما لا حاجة فيه فلا يفرق بين العنين وبين أهله وفيه علم من يدعي الألوهة هل له خلق أم لا فإن المدعي الألوهة لا خلق له البتة في حال دعواه فإذا فارق الدعوى كان حكمه حكم سائر الموجودات التي ليست لها هذه الدعوى وفيه علم حكم من اتخذ إلها من غير دعوى منه بل هو في نفسه عبد غير راض بما نسب إليه وعاجز عن إزالة ما ادعى فيه وأنه مظلوم حيث سلب عنه هذا المدعي ما يستحقه وهو كونه عبدا فظلمه فينتصر الله له لا لنفسه فاتخاذ الشريك من مظالم العباد وفيه علم الحكمة ما هي وفيه علم إلحاق ما ليس بنبي مشرع بالأنبياء في الرتبة العلمية بالله تعالى وفيه علم الوصايا والآداب الإلهية النبوية الموحى بها والملهمة إليها وفيه علم الأخذ بالأولى والمبادرة إليه وفيه علم ما يدخل تحت القدرة الحادثة مما لا يدخل وفيه علم ما لا بد منه وفيه علم الفرق بين الصوت والحرف والكلام والأنعام وفيه علم النعم الجلية والخفية والعامة والمقصورة وفيه علم نجاة استناد الناظر ولو كان شبهة وفيه علم من ينبغي أن يلحق به المذام من العالم وفيه علم الفرق بين من رجع إلى الله عن كشف وبين من رجع إليه عن غير كشف وفيه علم المتقدم والعاقب وهو واحد وفيه علم ما ينبغي أن لا يؤبه بالجهل به وفيه علم ما لا يمكن الجهل به وفيه علم الوقت الذي يتعين فيه الثناء الجميل وعلى ما ذا يتعين والأحوال كلها تطلبه والأزمان وفيه علم ما يقع به الاكتفاء من الثناء فلا يقبل المزيد وفيه علم حكم الكثير حكم الواحد عند الواحد واستناد الكثير إلى الكثير واستناد الكثير إلى الواحد وفيه علم التناكح للتناسل ولغير التناسل وما هو الأعلى منهما وفيه علم ما يشترك فيه الحق والباطل وليس ذلك إلا في الخيال وفيه علم ما هو علم وليس بعلم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الرابع والخمسون وثلاثمائة في معرفة المنزل الأقصى السرياني وهو من الحضرة المحمدية»

معدن الآيات في العجم *** وجماع الخير في الكلم‏

فطرة الرحمن تطلبني *** بصنوف الحكم والحكم‏

فلتكن في رأس مرقبة *** كشهاب لاح في علم‏

فهو المزجي سحائبه *** في غمام النور والظلم‏

واتبع ما أنت طالبه *** وارتفع عن موضع التهم‏

هذي وصية صدرت *** من حديد الطرف غير عم‏

[أن التنزيه في العبد نظير التنزيه في الحق سواء]

اعلم أيدك الله بروح منه أن التنزيه في العبد نظير التنزيه في الحق سواء فمن نزه الحق عند أداء ما أوجب الله عليه من العبادات في العهد الذي أخذه عليه عقلا وشرعا أشرك الله نفسه مع عبده في هذا الحكم بما أوجبه على نفسه له بما كتبه على نفسه من الرحمة به والوفاء بعهده وبرأه عن أداء ما أوجب عليه بأن كشف له عن قيام الحق عنه فيما كلفه من العمل الذي كان أهل الحجاب ينسبونه إليه ويقولون إن فلانا من الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ الله ولا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله لهذه البراءة وجيها فقالوا عند هذا الشهود بنور الايمان لا فاعل إلا الله فقالوا قَوْلًا سَدِيداً وبمثل هذا القول أمر الله عباده المؤمنين أن يقولوه فإذا قالوه أصلح لهم أعمالهم وغفر لهم ذنوبهم ومن يُطِعِ الله ورَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً

فالسعيد من حال الله بينه وبين ربوبيته وأقامه عبدا في جميع أحيانه يخاف ويرجو إيمانا ولا يخاف ولا يرجى عيانا

إنما العبد من يخاف ويرجو *** ليس بالعبد من يخاف ويرجى‏

ولهذا من كل سوء يوقى *** ولهذا عن كل فعل يزجي‏

فتراه بكل وجه سعيدا *** وإذا زل بالقضاء ينجى‏

يحشر العبد في الوفود إليه *** وإذا لم يكن بعبد فيرجى‏

فإذا ما نجا الذي يتقيه *** فالذي قام في المعارف أنجى‏

كل من تدرك الحقائق منه *** ما لديه مما لها فمنجى‏

[أن العالم عند الله من علم علم الظاهر والباطن‏]

اعلم أيدك الله أن العالم عند الله من علم علم الظاهر والباطن ومن لم يجمع بينهما فليس بعالم خصوصي ولا مصطفى وسبب ذلك أن حقيقة العلم تمنع صاحبها أن يقوم في أحواله بما يخالف علمه فكل من ادعى علما وعمل بخلافه في الحال الذي يجب عليه عقلا وشرعا العمل به فليس بعالم ولا ظاهر بصورة عالم ولا تغالط نفسك فإن وبال ذلك ما يعود على أحد إلا عليك فإن قلت قد نجد من يعلم ولا يرزق التوفيق للعمل بعلمه فقد يكون العلم ولا عمل قلنا هذا غلط من القائل به لتعلم إن مسمى العلم ينطلق اسمه على ما هو علم وما ليس بعلم فإن الله تعالى يقول فَأَعْرِضْ عَنْ من تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ من الْعِلْمِ فأعلمنا أنهم عملوا بما علموا ولكن لا أريد بالعلم إلا ما حصل عن مشاهدة المعلوم فإن حصل عن دليل فكري فليس بعلم حقيقي وإن كان في نفس الأمر علما كما

قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين ذكر سورة في القرآن ولم يسمها ليختبر أصحابه فوقع في نفس بعض أصحابه أنها ربما تكون الفاتحة فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنها الفاتحة ولم تقع للصاحب على جهة القطع فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين أخبره بما وقع له ليهنك العلم‏

فهو علم في نفس الأمر لا عند هذا الصاحب الذي وقع له ذلك فلما كان هذا كذلك ذهب من ذهب إلى القول بالعمل بخلاف العلم مع وجود العلم والصحيح إذا اختبرته وبحثت عليه وجدت الحق فيما ذهبنا إليه ولهذا

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لمن فهم عنه إن الله إذا أراد مضاء قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا

وليس سوى ذهاب العلم عنهم والاعتبار عمل أوجبه العلم فهذا عين ما ذهبنا إليه قال تعالى في حق قوم يَعْلَمُونَ ظاهِراً من الْحَياةِ الدُّنْيا فعملوا بما علموا وهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ فلم يعملوا لها فإنه أغفلهم عنها فنسوا آخرتهم فتركوا العمل لها إِنَّ في ذلِكَ

لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ قال تعالى آمرا وذكر يعني بالعلم من غفل عنه أو نسيه فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وهم الذين علموا ما ثم بنور الايمان كشفا ثم إنهم غفلوا فحيل بينهم وبين ما علموه من ذلك وكان المشهود لهم ما كانوا به عالمين في وقت نسيانهم فإذا ذكروا تذكروا وقام لهم شهود ما قد كانوا علموه فنفعتهم الذكرى فعملوا بما علموا فشهد الله فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فإذا رأيت من يدعي الايمان ويذكر فلا يقع له نفع بما ذكر به علمت أنه في الحال ليس بعالم بما آمن به فليس بمؤمن أصلا فإن شهادة الله حق وهو صادق وقد أعلمنا أن المؤمن ينتفع بالذكرى وشهدنا أن هذا لم ينتفع بالذكرى فلا بد أن نزيل عنه الايمان تصديقا لله ولا معنى للنفع إلا وجود العمل منه بما علم وما نرى أحدا يتوقف بالعمل فيما يزعم أنه عالم به إلا وفي نفسه احتمال ومن قام له في شي‏ء احتمال فليس بعالم به ولا بمؤمن بمن أخبره بذلك إيمانا يوجب له العلم مع أنك لو سألته لقال لك ما نشك في إن ما جاء به هذا الشخص حق يعني الرسول عليه السلام وأنا به مؤمن فهذا قول ليس بصحيح إلا في وقت دعواه عند بعض الناس ثم إذا خلى بفكره قام معه الاحتمال فكان ذلك الذي تخيل أنه علم أمر عرض له وبعضهم لا يزول عنه الاحتمال في وقت شهادته إن هذا حق صريح مع وجود الاحتمال وسبب هذه الشهادة بذلك أن الأمر إذا كان يحتمل أن يكون صدقا ويحتمل أن يكون كذبا فتجلى له في الوقت صدق ورده وتصديقه لذلك الذي هو به مؤمن أحد محتملات ذلك الخبر وهو كونه صدقا هذا هو المشهود له في ذلك الحال فيقطع في ذلك الوقت بصدقه‏

وبأنه لا يشك فيه وما علم إن ذلك من تجلى أحد محتملاته فإذا غاب عنه ذلك الوارد قامت معه المحتملات على السواء فلم يترجح عنده ذلك إلا بطريق الظن لا بالعلم فانظر يا أخي ما أخفى غوائل النفس وما أعظم حجاب الجهل مع كونه عدما فكيف بنا لو كان وجود فلله الحمد والمنة وإنما نبهناك على هذا لتعلم حظك من الايمان ومنزلتك‏

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في الحديث الصحيح عنه لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‏

أي مصدق بالعقاب عليه فإنه تعالى قد يغفر وإن الايمان إذا لم يعط الكشف الذي يعطيه العلم فليس بإيمان‏

[أن العلم يعطي العمل من خلف حجاب رقيق‏]

فاعلم أن العلم يعطي العمل من خلف حجاب رقيق وفي حديث آخر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الزاني إذا زنى خرج عنه الايمان حتى صار عليه كالظلة

ولنا فيه تأويل حسن وهو أن الزاني قد تعرض لبلاء من الله ينزل عليه فيخرج الايمان حتى يصير عليه كالظلة يمنع نزول ذلك البلاء عليه إن نزل فلا تغفل يا ولي عن هذا القدر الذي نبهتك عليه أ لا ترى الله تعالى ما نصب الآيات وكثرها إلا ليحصل بها العلم لعلمه أن العلم إذا حصل لزم العمل أ لا ترى إلى شارب الدواء وهو عمل ما شربه وتجرع مرارته إلا لعلمه أن ثم دواء مزيلا لهذه العلة التي يشكو منها فيقول عسى يكون ذلك الدواء عين هذا الذي شربته فيشربه بالإمكان والترجي فكيف به لو علم أنه عين الدواء بلا شك لسارع إليه فهذا حاله مع الترجي والإمكان فإن قلت فقوله تعالى وأَضَلَّهُ الله عَلى‏ عِلْمٍ في حق من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قلنا إن الإله له القوة في المألوه وإله هذا هو هواه فحكم عليه وأضله عن سبيل الله وأما قوله عَلى‏ عِلْمٍ يعني من أنه أضله الله على علم لا إن الضال على علم فإن الضال هو الحائر الذي لا يعرف في أي جهة هو مطلوبه فمتعلق على علم أضله وهو العامل فيه وهو فعل الله تعالى والذي على الله إنما هو البيان خاصة قال تعالى وما كانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ أي ليحير قوما بعد أن هداهم في أخذ الميثاق والفطرة التي ولدوا عليها حتى يبين لهم ما يتقون فإذا أبان لهم حيرهم فمنهم من حيره بالواسطة فشك في النبوة وحار فيها وما تحقق إن هذا نبي فتوقف في الأخذ عنه ومنهم من حيره في أصل النبوة هل لها وجود أم لا ومنهم من حيره فيما جاء به هذا النبي مما تحيله الأدلة النظرية فأورثهم البيان الإلهي هذه الحيرة وذلك لعدم الايمان فلم يكن لهم نور إيمان يكشف لهم عن حقيقة ما قاله الله وأبان عنه ومن لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً هنا من إيمانه فَما لَهُ من نُورٍ في القيامة أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ فيعمل بما علم أنه يكون كونه وما علم أنه لا يكون لم يكونه فكان عمله بعلمه قل أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ والإنزال عمل أوجده العلم فلما أبان الحق ما أبانه لعباده فمنهم من رزقه الله العلم فعمل به ومنهم من حرمه الله العلم فضل وحار وشك وارتاب وتوقف وأما قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فإنهم مصدقون بكتابهم وهذا النعت فيه وقد أبصروه فيعلمون أنه عين هذا النعت ولا يعرفون الشخص الذي قام به هذا النعت لجواز أنه يقوم ذلك النعت بأشخاص كثيرين فدخلهم الاحتمال في الشخص لا في النعت وأما قوله تعالى وإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ أنه الحق فيكتمونه عن مقلديهم وعن النبي عليه السلام أنهم عرفوه أنه صاحب هذا النعت ولا يلزم من العالم بالحق الإقرار به في الظاهر وإنما يستلزمه التصديق به في الباطن فهو مصدق به وإن كذبه باللسان فقد عمل بما علم وهو التصديق وقوله تعالى في مثل هذا واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أنها آيات فعلموا وعملوا بما علموا وهو التيقن الذي هو استقرار العلم في النفس فلو لا ما علموا ما تيقنوا وما كل عمل يعطي عموم النجاة بل يعطي من النجاة قدرا مخصوصا من عموم أو خصوص فإن قلت فإن أهل النار قد علموا صدق الله في إنفاذ الوعيد وقالوا رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فلا نشك أنهم في هذه الحال حصل لهم العلم والله يقول ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ مع هذا العلم الذوقي الذي حصل لهم قلنا لما علم الله أن هذه الدار الدنيا جعلها الله على طبيعة مخصوصة وجعل نشأة الإنسان على مزاج يقبل النسيان والغفلة وحب العاجلة ويقبل ضد هذا على حسب ما يقام فيه فعلم سبحانه أن نشأة هؤلاء الذين عينهم أنهم لو ردوا إلى الدنيا في نشأتهم التي كانوا عليها في الدنيا لعادوا إلى نسيان ما كانوا قد علموا وجعل على أعينهم غطاء على ما لو شهدوه لعلموا الأمر فعملوا له فهذا معنى لعادوا لما نهوا عنه لأن النشأة ليست إلا تلك فلو بقي لهم هذا العلم لما عادوا

أ لا ترى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في الصحيح عنه إنه يؤتى في القيامة بأنعم‏

أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت نعيما قط فيقول لا والله ومعلوم أنه رأى نعيما ولكن حجبه شاهد الحال عن ذلك النعيم فنسيه وكذلك صاحب البؤس إذا غمس في الجنة غمسة يقال له هل رأيت بؤسا قط فيقول لا والله ما رأيت بؤسا قط

فكذلك لو ردوا لكانوا بحسب النشأة والحال التي يردون فيها وأما عصاة المؤمنين فإنهم عالمون بإنفاذ الوعيد ولكن لا يعلمون فيمن فلو تعين لواحد منهم أنه هو الذي ينفذ فيه الوعيد لما قدم على سببه الذي علم أنه يحصل له إنفاذ الوعيد به وإذا جبر في اختياره فذلك لا يعلمه لأنه لا يجد ذلك من نفسه فإن الأمر في ذلك مشترك وقد تقدم قبل هذا الكلام عليه في بعض المنازل فمن شهد الجبر في اختياره علما من طريق الكشف والشهود أتى المخالفة بحكم التقدير لا بحكم الانتهاك فكان عاملا بما علم فلم يضره ذلك العمل بل هو مغفور له‏

[أن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله‏]

واعلم أن هذا القدر الذي ذكرناه في هذه المسألة هو من العلم الذي ورد فيه الخبر الذي لفظه أن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا نطقوا به لم ينكره عليهم إلا أهل الغرة بالله وهذا من طريق الكشف عند أهله حديث صحيح مجمع عليه عندهم خاصة عرفوه وتحققوه فجعله كهيئة المكنون ما جعله مكنونا إذ لو كان مكنونا لانفرد به تعالى فلما لم يعلمه إلا العلماء بالله علمنا إن العلم بالله يورث العلم بما يعلمه الله فهو مستور عن العموم معلوم للخصوص ومعنى العلم بالله أنه لا يعلم فقد علمنا إن ثم ما لا يعلم على التعيين وما عداه فيمكن العلم به فأكنة هذا العلم قلوب العلماء بالله فإذا نطقوا به فيما بينهم إذ لا يصح النطق به إلا على هذا الحد واتفق أن يكون في المجلس من ليس من أهله ولا من أهل الله فإن أهل الله هم أهل الذكر وهم العلماء بالله أنكره عليهم أهل الغرة بالله فأضاف أهليتهم إلى الغرة وهم الذين يزعمون أنهم عرفوا الله فمن العلم الذي هو كهيئة المكنون وما هو بمكنون هذا العلم فإن العلم المكنون يعلم شهودا ولا ينقال بخلاف علوم الفكر فإنها كلها تنقال فإذا حصلت أيضا لصاحب الكشف من غير فكر ولا روية فإنها تنقال من غير دليل فيقبلها منه العالم بالدليل فهذا العلم هو الذي كهيئة المكنون لأن العالم به غير عالم بالدليل فاعلم إن الديار داران دار تسكنها الأرواح الناطقة وهو البدن الطبيعي المسوي المعدل الذي خلقه الله بيديه ووجه عليه صفتيه فلما أنشأه أسكنه دار أخرى هي دار الدار وقسم سبحانه دار الدار قسمين قسما سماه الدنيا وقسما سماه الآخرة ثم علم ما يصلح لسكنى كل دار من الساكنين الذين هم ديار النفوس الناطقة فخلق للدار الدنيا لفنائها وذهاب عينها وتبدل صورتها ووضعها وشكلها وخفاء حياتها ساكنا هو هذه الدار التي أسكنها النفس الناطقة فجعل هذه النشأة مثل دار سكناها خفية الحياة فانية ذاهبة العين متبدلة الصورة والوضع والشكل فاتصف ساكنها وهو النفس الناطقة بالجهل والحجاب والشك والظن والكفر والايمان وذلك لكثافة هذه الدار التي هي نشأته البدنية وحال بينه وبين شهود الله وجعله في حجر أمه ترضعه وتقوم به فما شهد من حين أسكن هذه النشأة سوى عين أمه حتى أنه جهل أباه بعض الساكنين ولو لا إن الله من عليه بالنوم وجعل له في ذلك أمرا يسمى الرؤيا في قوة تسمى الخيال فإذا نام كأنه خرج عن هذه النشأة فنظر إليه أبوه وسر به وألقى إليه روحا وآنسه وبادرت إليه الأرواح وتراءى له الحق من تنزيهه وبدا له ذلك كله في أجساد ألف شهودها من جنس دار نشأته التي فارقها بالنوم فيظن في النوم أنه في دار نشأته التي ألفها ويعرفها ويظن في كل ما يراه في تلك المواد أنها على حسب ما شهدها فهذا القدر هو الذي له في هذه النشأة الدنيا من الأنس بأبيه وإخوانه من الأرواح ومن الأنس بربه ومنهم من يتقوى في ذلك بحيث إنه يرى ذلك في يقظته وأعطاه علما سماه علم التعبير عبر به في مشاهدة تلك الصور إلى معانيها فإذا أراد الله أن يخلي هذه الدار الدنيا من هذه النشأة التي هي دار النفس الناطقة أرحل عن هذه النشأة روحها المدبر لها وأسكنه صورة برزخية من الصور

التي كان يلبسها في حال النوم فإذا كان يوم القيامة وأراد الله أن ينقله إلى الدار الأخرى دار الحيوان وهي دار ناطقة ظاهرة الحياة ثابتة العين غير زائلة أنشأ لهذه النفس الناطقة دارا من جنس هذه الدار الأخرى مجانسة لها في صفتها لأنها لا تقبل ساكنا لا يناسبها فخلق نشأة بدنية طبيعية للسعداء عنصرية للأشقياء فسواها فعدلها ثم أسكنها هذه النفس الناطقة فأزال عنها حجب العمي والجهل والشك والظن وجعلها صاحبة علم ونعيم دائم وأراها أباها ففرحت به وأراها خالقها ورازقها وعرف بينها وبين إخوتها وانتظم الشمل بالأحباب‏

وأشهدها كل شي‏ء كان في الدار الأولى غائبا وأسكن هذه النشأة الدار الأخرى المسماة جنة منها فإنه قسم الدار الأخرى إلى منزلين هذا هو المنزل الواحد والمنزل الآخر المسمى جهنم جعل نشأة بدن أنفسها الناطقة عنصرية تقبل التغيير وأصحبها الجهل وسلب عنها العلم فأعطى جهل المؤمنين من أهل التقليد من كان من أهل هذه الدار دار الشقاء عالما بدقائق الأمور فدخل بذلك الجهل النار إذ كان من أهلها وهي لا تقبل العلماء وأعطى هذا العالم الذي كان في الدنيا عالما بدقائق الأمور ولم يكن من أهل الجنة جهل المؤمن المقلد فإن الجنة ليست بدار جهل فيرى المؤمن الأبله المقلد ما كان عليه من الجهل على ذلك العالم فيستعيذ بالله من تلك الصفة ويرى قبحها ويشكر الله على نعمته التي أعطاه إياها بما كساه وخلع عليه من علم ذلك العالم الذي هو من أهل النار وينظر إليه ذلك العالم فيزيد حسرة إلى حسرته ويعلم أن الدار أعطت هذه الحقائق لنفسها فيقول يا لَيْتَنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ونَكُونَ من الْمُؤْمِنِينَ لعلمهم إذ كانوا مؤمنين وإن كانوا جاهلين أنهم إذا انتقلوا إلى دار السعادة خلعت عنهم ثياب الجهالة وخلع عليهم خلع العلم فلا يبالون بما كانوا عليه من الجهل في الدنيا لحسن العاقبة وما علموا أنهم لو ردوا إلى الدنيا في النشأة التي كانوا عليها لعادوا إلى حكمها فإن الفعل بالخاصية لا يتبدل فما تكلموا بما تكلموا به من هذا التمني إلا بلسان النشأة التي هم فيها وتخيلوا أن ذلك العلم يبقى عليهم وما جعل الله في هذه النشأة الدنيا النسيان للعلماء بالشي‏ء فيما قد علموه ويعلمون أنهم قد كانوا علموا أمرا فيطلبون استحضاره فلا يجدونه بعد ما كانوا عالمين به إلا أعلاما وتنبيها أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ بأن يسلب عنهم العلم بما كانوا به عالمين إذا دخلوا النار يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ من يَشاءُ وهو قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ من تَشاءُ وأي ملك أعظم من العلم وهو ما أعطاه من العلم للمؤمن المقلد الجاهل السعيد في الدار الآخرة وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وأي ملك أفضل من العلم فينزعه من العالم غير المؤمن الذي هو من أهل النار وتُعِزُّ من تَشاءُ بذلك العلم وتُذِلُّ من تَشاءُ بانتزاع ذلك العلم منه‏

لما علمت بأن الله كلفني *** علمت أني مسئول ومقصود

وإنني لا أزال الدهر أعبده *** دنيا وآخرة والحق معبود

وما تجلى لشي‏ء من خليقته *** إلا ويشهد أن الحق مشهود

من عين صورته لا من حقيقته *** فالأمر والشأن موجود ومفقود

لأننا بعيون الوجه نبصره *** وكلنا وجهه والوجه محدود

هو الوجود ومن في الكون صورته *** فليس ثم سوى الرحمن موجود

الدار داران دار الدار يعمرها *** دار اللطيف فما في الكون تجريد

ولو لا أن الحقائق تعطي أن المال إلى الرحمة في الدار الأخرى فيرحمه معنى وحسا فثم من تكون الرحمة به عين العافية لا غير وارتفاع الآلام وهذا مخصوص بأهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها لما حصل لهم فيها من العافية بزوال الآلام فاستعذبوا ذلك فهم أصحاب عذاب لا أصحاب ألم ولا يحيون أي ما لهم نعيم كنعيم أهل الجنان الذي هو أمر زائد على كونهم عافاهم من دار الشقاء

في القلب منك لهيب ليس يطفيه *** إلا الذي بشهود الحس ينشيه‏

إني أخاف على الأشراف من شرف *** فمن يمر على قلبي فينبيه‏

إذا أتى صاحب العاهات يطلبه *** فإنه بشهود الحال يبريه‏

وما يعيد على قلبي تنعمه *** إلا الذي كان قبل اليوم يبديه‏

[أن العلم هو السعادة]

واعلم أنه من زعم اليوم أن العلم هو السعادة فإنه صادق بأن العلم هو السعادة وبه أقول ولكن فاته ما أدركه أهل الكشف وهو أنه إذا أراد الله شقاوة العبد أزال عنه العلم فإنه لم يكن العلم له ذاتيا بل اكتسبه وما كان مكتسبا فجائز زواله ويكسوه حلة الجهل فإن عين انتزاع العلم جهل ولا يبقى عليه من العلم إلا العلم بأنه قد انتزع عنه العلم فلو لم يبق الله تعالى عليه هذا العلم‏

بانتزاع العلم لما تعذب فإن الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل فارح مسرور لكونه لا يدري ما فاته فلو علم أنه قد فاته خير كثير ما فرح بحاله ولتالم من حينه فما تألم إلا بعلمه ما فاته أو مما كان عليه فسلبه ولقد أصابني ألم في ذراعي فرجعت إلى الله بالشكوى رجوع أيوب عليه السلام أدبا مع الله حتى لا أقاوم القهر الإلهي كما يفعله أهل الجهل بالله ويدعون في ذلك أنهم أهل تسليم وتفويض وعدم اعتراض فجمعوا بين جهالتين ولما تحققت ما حققني الله به في ذلك الوجع قلت‏

شكوت منه ومن ذراعي *** وذاك مني لضيق باعي‏

فقلت للنفس تدعيه *** فأين دعواك في اتساعي‏

قالت أنا أشتكيك منه *** له فضري عين انتفاعي‏

لو لا التشكي مما أقاسي *** خرجت عنه وعن طباعي‏

وذاك جهل يدريه قلب *** صاحب حال بالاتباع‏

لو لا شر ودي عنه بجهلي *** لما دعاني إليه داع‏

فقلت لبيك من دعاني *** فقال أبغي عين المتاع‏

قد نفق الشوق فاغتنمه *** فعين وصلى عين انقطاعي‏

فخف عني ما كنت أجده *** وغاب عني ما كنت أشهده‏

فلو لا وجود العقل ما كنت أدريه *** ولو لا وجود اللوح ما كنت أمليه‏

ولو لا شهود الكون ما كنت أوفيه *** ولو لا حصول العلم ما كنت أجريه‏

فمن قال إن الخلق يعرف كونه *** فما عنده علم بما حقه فيه‏

ويكفيه هذا القدر من جهله بما *** هو الأمر في عين الحقيقة يكفيه‏

إذا انكشفت الحقائق فلا ريب ولا مين وبان صبحها لذي عينين كان الاطلاع وارتفع النزاع وحصل الاستماع ولكن بينك وبين هذه الحال مفاوز مهلكة وبيداء معطشة وطرق دارسة وآثار طامسة يحار فيها الخريت فلا يقطعها إلا من يحيي ويميت لا من يحيا ويموت فكيف حال من يقاسي هذه الشدائد ويسلك هذه المضايق ولكن على قدر آلام المشقات يكون النعيم بالراحات وما ثم بيداء ولا مفازة سواك فأنت حجابك عنك فزل أنت وقد سهل الأمر فمن علم الخلق علم الحق ومن جهل البعض من هذا الشأن جهل الكل فإن البعض من الكل فيه عين الكل من حيث لا يدري فلو علم البعض من جميع وجوهه علم الكل فإن من وجوه كونه بعضا علم الكل وهذا المنزل من المنازل التي كثرت آياتها واتضحت دلالاتها ولكن الأبصار في حكم أغطيتها والقلوب في أكنتها والعقول مشغولة بمحاربة الأهواء فلا تتفرغ للنظر المطلوب منها وفي هذا المنزل من العلوم علم مقاومة الأعداء وتقابل الأهواء بالأهواء فإن العقول إن لم تدفع الهوى بالهوى لم تحصل على المقصود فإن النفوس ما اعتادت إلا الأخذ عن هواها فإذا كان العقل عالما بالسياسة حاذقا في إنشاء الصور أنشأ للنفس صورة مطلوبه في عين هواها فقبلته قبول عشق فظفر بها وفيه علم خواص الأعداد والحروف وفيه علم بسائط الأعداد وما حكمها فيما تركب منها وهل يبقى فيها مع التركيب خواصها التي لها من كونها بسائط أم لا وفيه علم الظروف الزمانية وبيد من هي وفيه علم الزمان المستقبل إذا كان حالا ما حكمه وفيه علم أحدية العلم وما ينسب إليه من الكثرة ليس لعينه وإنما ذلك لمتعلقاته وفيه علم ما ينتجه النظر الفكري في الظروف المكانية وفيه علم آجال الأكوان في الدنيا والآخرة مع كون الآخرة لا نهاية لها وعموم قوله كُلٌّ يَجْرِي إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فلا بد لكل شي‏ء من غاية والأشياء لا يتناهى وجودها فلا تنتهي غاياتها فالله يجدد في كل حين أشياء وكل شي‏ء له غاية تلك الغاية هي أجله المسمى فليس الأجل إلا لأحوال الأعيان والأعيان غايتها عين لا غاية وفيه علم الحقيقة والمجاز والاعتبار ومم يعبر وإلى ما ذا يعبر وما فائدة ذلك وفيه علم عمارة الدارين وهو الذي ذكرنا منه طرفا في هذا الباب وما استوفيناه وفيه علم اختلاف أحكام أحوال الساعة وفيه علم اختلاف المكلفين في أحوالهم وأن الله يخاطب كل صنف من حيث ما هو ذلك الصنف عليه لا يزيده‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!