Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل تجلى الاستفهام ورفع الغطاء عن أعين المعانى وهو من الحضرة المحمدية من اسم الرب

قال ومن فِيهِنَّ وجمع السموات والأرض جمع من يعقل وفيه علم التشبيه والكنايات وما في العالم الروحاني من القوي وفيه علم الرسائل المبثوثة في العالم وأنه كل من يمشي في العالم فإنه لا يمشي إلا رسولا برسالة وهو علم شريف حتى الدودة في حركاتها هي في رسالة تسعى بها لمن عقل ذلك وفيه علم آثار القدرة وتمييزها عن سائر النسب وفيه علم الأنواء وما يحمد منها وقول أبي هريرة رضي الله عنه مطرنا بنوء الفتح وفيه علم الأبواب ومراتبها وفيه علم أن المنع الإلهي عطاء وفيه علم التحديد الإلهي وفيه علم تنزيل الخطاب الإلهي على قدر التواطؤ وفيه علم الإنباه الإلهي في طلب الشكر من عباده وفيه علم رد الخلق إليه تعالى وفيه علم المواعيد على الإطلاق وفيه علم المميز بين الأعداء الظاهرين بصورة الولاء وبين الأولياء وفيه علم مجازاة العدو بالعداوة والولي بالولاية فيما بين العالم وأنه من اتخذ العدو وليا أو الولي عدوا فهو مخلط لا حقيقة عنده وفيه علم كل داع إنما يدعو لنفسه وإن دعا إلى الله تعالى أو لغير نفسه فإنما يدعو من حيث نفسه فإنه يطلب بذلك الدعاء الأنس بالأشكال في المرتبة وفيه علم ترتيب الثواب على الأعمال وفيه تمييز الأجور فإن منها العظيم والكريم والكبير وهي مراتب في الأجور لا بد أن يعرف أصحابها وأعمالها التي توجبها وعلم الأجر المطلق الذي لا يتقيد هل هو مقيد في نفس الأمر أم لا فإن الأجور أربعة كما إن نشأة الإنسان على أربع كما إن نشأة جسده على أربع لكل واحد أجر يخصه على صفة مخصوصة فينسب كل أجر إلى ما يناسبه وفيه علم ما وراء الستور وفيه علم القبيح الذي تحسنه المشاهدة وهو سر عجيب وفيه علم العزل وفيه علم الحث على اشتغال الإنسان بنفسه وفيه علم الظهور من الخفاء وفيه علم الحاملات العلوية والسفلية وفيه علم تفاضل الصفات في الموصوفين بشديد وأشد وفيه علم الحضرة الجامعة للمنافع الإنسانية وهي حضرة النعم للراحل والقاطن والمتحرك والساكن وفيه علم التسخير والمسخرات وهل كل مسخر له أجل ينتهي إليه بتسخيره أم لا أو بعضه له أجل وبعضه لا أجل له وفيه علم عند جهينة الخبر اليقين وقولهم على الخبير سقطت ولم يقولوا على العليم سقطت ولم يقولوا عند جهينة العلم اليقين وفيه

علم ظهور الحق وسريانه في كل شي‏ء وتقسيمات الحق في قوله لكل حق حقيقة فأدخل عليه كل وفيه علم انفراد كل مكلف بنفسه والفرق بينه وبين من لا ينفرد من المكلفين بنفسه أعني من الثقلين وفيما ينفرد وفيما لا ينفرد وفيه علم القوابل وفيمن يؤثر الداعي وفيه علم ما يكون لأصحاب القبور في قبورهم وما هي القبور وفيه علم الأخذ من كل أحد وصفة المأخوذ والمأخوذ منه وفيه علم الأعراض هل هي نسب عدمية أو أمور وجودية لها أعيان وفيه علم ما يحصل لأهل العناية من العزة والحجاب وفيه علم مراتب اتباع الأنبياء وفيه علم المزيد وفيه علم التمني وفيه علم سريان الحكمة في مراتب الموجودات على ما هي عليه وفيه علم السبق الإلهي للعالم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الموفي خمسين وثلاثمائة في معرفة منزل تجلى الاستفهام ورفع الغطاء عن أعين المعاني وهو من الحضرة المحمدية من اسمه الرب»

إذا صعق الروح من وحيه *** فكيف بهيكل ظلمائه‏

لقد ثبت الله أركانه *** وأجراه فلكا على مائه‏

وما هو بحر له ساحل *** وأين التناهي لأسمائه‏

أبو الكون لو كنت تدري به *** وتشهده عين أبنائه‏

فلا تفرحن بإتيانه *** ولا تقعدن بسيسائه‏

فسبحان مذهب أعياننا *** إذا ما كفرنا بنعمائه‏

ويا عجبا إذ كفرنا بها *** وإني من عين آلائه‏

[إن الله لا يزال يرى العالم‏]

اعلم أيدنا الله وإياك أن هذا المنزل منزل الحجب المانعة والآلات الدافعة فمنها حجب عناية مثل‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن لله سبعين ألف حجاب أو سبعين حجابا الشك مني من نور ظلمة ولو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه‏

وهنا نكتة وإشارة أن البصر هنا بصر الخلق الذي الحق بصره وهو القابل لهذه الحجب وهو الموصوف بأن‏

الحق بصره وهو عين سبحات الوجه فإن الله لا يزال يرى العالم ولم يزل وما أحرقت العالم رؤيته ومنها حجب غير عناية مثل قوله تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏

[إن الحجب على أنواع حجب كيانية بين الأكوان‏]

فاعلم إن الحجب على أنواع حجب كيانية بين الأكوان مثل قوله تعالى فَسْئَلُوهُنَّ من وَراءِ حِجابٍ ومنها حجب احتجبت بها الخلق عن الله مثل قوله وقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ ومنها حجب احتجب بها الله عن خلقه مثل‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله يتجلى يوم القيامة لعباده ليس بينه وبينهم إلا رداء الكبرياء على وجهه وفي رواية بينه وبين خلقه ثلاثة حجب‏

أو كما قال ومنها وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ كما كلم موسى عليه السلام من حجاب النار والشجرة وشاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ وجانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وفي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ وكما قال فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله فكلم الله المستجير من خلف حجاب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذ كان هو عين الحجاب لأن المستجير من المشركين منه سمع كلام الله فلا نشك أن الله كلمنا على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكما أيضا كلمنا من وراء حجاب المصلي إذا قال سمع الله لمن حمده فالسنة العالم كلها أقوال الله وتقسيمها لله فيضيف إلى نفسه منها ما شاء ويترك منها ما شاء فأما الحجب الكيانية التي بين الأكوان فمنها جنن ووقايات ومنها عزة وحمايات كاحتجاب الملوك وحجاب الغيرة على من يغار عليه كما قال في ذوات الخدور وهن المحتجبات ومن ذلك حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الْخِيامِ وأما الوقايات والجنن فمنها الحجب التي تقي الأجسام الحيوانية من البرد القوي والحر الشديد فيدفع بذلك الألم عن نفسه وكذلك الطوارق يدفع بها في الحرب المقاتل عن نفسه سهام الأعداء ورماحهم وسيوفهم فيتقي هذا وأمثاله بمجنه الحائل بينه وبين عدوه ويدفع بذلك عن نفسه الأذى من خودة وترس ودرع وقد تكون حجب معنوية يدفع بها الأذى الشخص عمن يتكرم عليه مثل شخص يصدر منه في حق شخص آخر ما يكرهه ذلك الشخص لكونه لا يلائم طبعه ولا يوافق غرضه فيلحق به الذم لما جرى منه في حقه فيقوم شخص يجعل نفسه له وقاية حتى يتلقى هو في نفسه سهام ذلك الذم فيقرر في نفس الذام أنه السبب الموجب لذلك وأن ذلك الأذى كان كله من جهته حتى يتحقق ذلك الذام هذا الأمر أنه كان من جهة هذا الشخص بأي وجه أمكنه التوصل إليه فيعلق الذم به ويكون حائلا بينه وبين الشخص الذي كان منه الأذى لذلك الذم فوقى عرضه بنفسه كما نلحق نحن من الأفعال ما قبح منها مما لا يوافق الأغراض ولا يلائم الطبع إلينا مع علمنا إن الكل من عند الله ولكن لما تعلق به لسان الذم فدينا ما ينسب إلى الحق من ذلك بنفوسنا أدبا مع الله وما كان من خير وحسن رفعنا نفوسنا من الطريق وأضفنا ذلك إلى الله حتى يكون هو المحمود أدبا مع الله وحقيقة فإنه لله بلا شك مع ما فيه من رائحة الاشتراك بالخبر الإلهي في قوله والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ وقوله ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وقال قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله فأضاف العمل وقتا إلينا ووقتا إليه فلهذا قلنا فيه رائحة اشتراك قال تعالى لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ فأضاف الكل إلينا وقال فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها فله الإلهام فينا ولنا العمل بما ألهم وقال كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ من عَطاءِ رَبِّكَ فقد يكون عطاؤه الإلهام وقد يكون خلق العمل فهذه مسألة لا يتخلص فيها توحيد أصلا لا من جهة الكشف ولا من جهة الخبر فالأمر الصحيح في ذلك أنه مربوط بين حق وخلق غير مخلص لأحد الجانبين فإنه أعلى ما يكون من النسب الإلهية أن يكون الحق تعالى هو عين الوجود الذي استفادته الممكنات فما ثم إلا وجود عين الحق لا غيره والتغييرات الظاهرة في هذه العين أحكام أعيان الممكنات فلو لا العين ما ظهر الحكم ولو لا الممكن ما ظهر التغيير فلا بد في الأفعال من حق وخلق وفي مذهب بعض العامة أن العبد محل ظهور أفعال الله وموضع جريانها فلا يشهدها الحس إلا من الأكوان ولا تشهدها بصيرتهم إلا من الله من وراء حجاب هذا الذي ظهرت على يديه المريد لها المختار فيها فهو لها مكتسب باختياره وهذا مذهب الأشاعرة ومذهب بعض العامة أيضا إن الفعل للعبد حقيقة ومع هذا فربط الفعل عندهم بين الحق والخلق لا يزول فإن هؤلاء أيضا يقولون إن القدرة الحادثة في العبد التي يكون بها هذا الفعل من الفاعل إن الله خلق له القدرة عليها فما يخلص الفعل للعبد إلا بما خلق الله فيه من القدرة عليه فما زال الاشتراك وهذا مذهب أهل الاعتزال فهؤلاء ثلاثة أصناف أصحابنا والأشاعرة والمعتزلة ما زال منهم وقوع الاشتراك وهكذا أيضا حكم مثبتي العلل‏

لا يتخلص لهم إثبات المعلول لعلته التي هي معلولة لعلة أخرى فوقها إلى أن ينتهوا إلى الحق في ذلك الواجب الوجود لذاته الذي هو عندهم علة العلل فلو لا علة العلل ما كان معلول عن علة إذ كل علة دون علة العلل معلولة فالاشتراك ما ارتفع على مذهب هؤلاء وأما ما عدا هؤلاء الأصناف من الطبيعيين والدهريين فغاية ما يؤول إليه أمرهم أن الذي نقول نحن فيه إنه الإله تقول الدهرية فيه إنه الدهر والطبيعيون أنه الطبيعة وهم لا يخلصون الفعل الظاهر منا دون أن يضيفوا ذلك إلى الطبيعة وأصحاب الدهر إلى الدهر فما زال وجود الاشتراك في كل نحلة وملة وما ثم عقل يدل على خلاف هذا ولا خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين فلنقره كما أقره الله على علم الله فيه وما ثم إلا كشف وشرع وعقل وهذه الثلاثة ما خلصت شيئا ولا يخلص أبدا دنيا ولا آخرة جزاء بما كنتم تعملون فالأمر في نفسه والله أعلم ما هو إلا كما وقع ما يقع فيه تخليص لأنه في نفسه غير مخلص إذ لو كان في نفسه مخلصا لا بد إن كان يظهر عليه بعض هذه الطوائف ولا يتمكن لنا أن نقول الكل على خطأ فإن في الكل الشرائع الإلهية ونسبة الخطاء إليها محال وما يخبر بالأشياء على ما هي عليه إلا الله وقد أخبر فما هو الأمر إلا كما أخبر لأن مرجوع الكل إليه فما خلص فهو مخلص وما لم يخلص فما هو في نفسه مخلص فإن الله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ فاتفق الحق والعالم جميعه في هذه المسألة على الاشتراك وهذا هو الشرك الخفي والجلي وموضع الحيرة فلا يرجح فما ثم إلا ما قلناه فإذ قد قررنا في هذه المسألة ما قررناه فلنقل‏

[الجود الإلهي والغيرة الإلهية]

إن الجود الإلهي والغيرة الإلهية اقتضيا أن يقولا ما نبينه إن شاء الله وذلك أن المتكلمين في هذا الشأن على قسمين الواحد أضاف الأفعال كلها إلى الأكوان فقال لسان الغيرة الإلهية كُلٌّ من عِنْدِ الله فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي حادثا وأما القسم الثاني فأضاف الأفعال الحسنة كلها إلى الله وأضاف الأفعال القبيحة إلى الأكوان فقال لسان الجود الإلهي قُلْ كُلٌّ من عِنْدِ الله لا تكذيبا لهم بل ثناء جميلا وما ثم من قال إن الأفعال كلها لله ولا للأكوان من غير رائحة اشتراك فلهذا حصرناها في قسمين من أجل الطبيعية والدهرية وأما حجب العناية وهي حجب الإشفاق على الخلق من الإحراق فهي الحجب التي تمنع السبحات الوجهية أن تحرق ما أدركه البصر من الخلق وسبب ذلك أن الله قد وضع الدعاوي في الخلق لأن أعيانهم لما اتصفت بالوجود بعد العدم وأن ذلك الوجود كان عن ترجيح المرجح الذي هو واجب الوجود فما أنكره أحد وإن كانت قد تغيرت العبارات عنه باسم طبيعة ودهر وعلة وغير ذلك فهو هو لا غيره فرأوا إن الوجود لها وإن كان مستفادا فإنه لهم حقيقة وإن أعيانهم هم الموجودون بهذا الوجود المستفاد وهذه هي أعيان الحجب التي بين الله وبين خلقه فلو كشفها عموما كما كشفها خصوصا لبعض عباده لأحرقت أنوار ذاته المعبر عنها بسبحات وجهه ما أدركه بصره من أعيان الموجودات أي أن بصره ما كان يدرك من الموجودات سوى وجود الحق ويذهب الكل الذي قررته الدعاوي فيتبين أنه الحق لا غيره فعبر عن هذا الذهاب بالإحراق لما جعلها أنوارا والأنوار لها الإحراق لكنه تعالى أبقى حجب الدعاوي ليتميز أهل الله من غيرهم فلم تزل الممكنات عند أهل الله من حيث أعيانهم موصوفين بالعدم ومن حيث أحكامهم لم يزالوا موصوفين بالوجود وهو الحق كما

قال تعالى كنت سمعه وبصره‏

في الخبر الصحيح فأثبت العين للعبد وجعل نفسه عين صفته التي هي عين وجوده عين صفة العبد فعين الممكن ثابتة غير موجودة والصفة موجودة ثابتة وهي عين واحدة ولو تكثرت بنسبها فإنها كثيرة في النسب فهي سمع وبصر وغير هذين إلى جميع ما في العالم من القوي من ملك وبشر وجان ومعدن ونبات وحيوان ومكان وزمان ومحل ومعقول ومحسوس وما ثم إلا هذا ولما قرر الله دعاوى المدعين بإرسال الحجب بينهم وبين ما هو الأمر عليه وشغلهم بالحجب التي بينهم وبينه في الأفعال وضرب الكل بالكل انفرد بخاصته وجعلهم جلساء له عنده بالشهود وفي صورهم المحسوسة بالذكر فهو جليس الذاكرين وهم آخر الطوائف ليس بعدهم أحد له نعت يذكر قال تعالى لما وصفهم ذُكْراناً وإِناثاً والذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ فختم بجلسائه وما بعد جلسائه من يقبل صفة إلا صفة بعد عن هذه المجالسة أ لا ترى أبا يزيد رحمه الله حين جهل الأسماء الإلهية وما تستحقه من الحقائق كيف صنع لما سمع القارئ يقرأ يوم الجمعة يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً طار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر وتأوه وقال هذا عجب كيف يحشر إليه‏

من هو جليسه فإنه في تلك الحالة كان جليسا مع الأسماء من حيث ما هي دالة على الذات كل واحد منها لم يكن مع الاسم من حيث ما تطلبه حقيقته من عين دلالته على الذات فأنكر ما لم يعطه مشهده مع كونه كلام الحق وقد وقع منه الإنكار بل ما وقع منه إلا التعجب خاصة فهو يشبه الإنكار وليس بإنكار حتى أنه لو كان هذا القول من غير الله لأمر القائل بالسكوت وزجره عن ذلك وإنما الرجل أظهر التعجب من قول الله في حق المتقين الذين هم جلساء الله كيف يحشرون إليه فكأنه إبراهيمي المشهد في طلب الكيفية في إحياء الموتى فأراد أبو يزيد ما أراده إبراهيم في كيفية إحياء الموتى لاختلاف الوجوه في ذلك لا إنكار إحياء الموتى فدل هذا الكلام من أبي يزيد على حاله في ذلك الوقت فهذا مثل قول إبراهيم يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ من الرَّحْمنِ والرحمة تناقض العذاب إلا على الوجه الذي قررناه في المنزل الذي قبل هذا المنزل وهو منزل فتح الأبواب كذلك أبو يزيد لو علم إن المتقي ما هو جليس الرحمن وإنما هو جليس الجبار المريد العظيم المتكبر فيحشر المتقي إلى الرحمن ليكون جليسه فيزول عنه الاتقاء فإن الرحمن لا يتقى بل هو محل موضع الطمع والإدلال والأنس لكنهم رضي الله عنهم صادقون لا يتعدون ذوقهم في كل حال بخلاف العامة من أهل الله فإنهم يتكلمون بأحوال غيرهم والخاصة لا سبيل لهم إلى ذلك وإن اتفق أن يتكلم أحد منهم في حال نبي أو ولي هو فوقه فيبين أنه مترجم عن حال غيره حتى بعرف السامع عمن يقول هذه حالهم رضي الله عنهم ولا يقع منهم مثل هذا إلا في النادر لضرورة تدعو إليه فإن لهم الكشف الخبري عن مقامات من هو فوقهم وما لهم الكشف الذوقي إلا فيما هو مقامهم وحالهم فلو لا هذه الحجب التي أسد لها الله بين الأكوان وبينه ما تميزت المراتب واختلطت الحقائق وهذا سبب وضع الحدود في الأشياء وقد لعن الله من غير منار الأرض‏

«وصل»

ومن هذا الباب أن الله ما جمع لأحد بين مشاهدته وبين كلامه في حال مشاهدته فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا أن يكون التجلي الإلهي في صورة مثالية فحينئذ يجمع بين المشاهدة والكلام وهذا غير منكور عندنا وقد بلغنا عن الشيخ العارف شهاب الدين السهروردي ببغداد رضي الله عنه أنه قال بالجمع بين المشاهدة والكلام ولكن ما نقل عنه أكثر من هذا فإني سألت الناقل فلم يذكر لي نوع التجلي والظن بالشيخ جميل فلا بد أن يريد التجلي الصوري أ لا ترى السياري من رجال رسالة القشيري حيث قال ما التذ عاقل بمشاهدة قط ثم فسر فقال لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيها لذة والخطاب في حال الفناء لا يصح لأن فائدة الخطاب أن يعقل ولذلك قال وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ وما زال البشر عن حكم البشرية كمسألة موسى والحجاب عين الصورة التي يناديه منها وما يزول البشر عن بشريته وإن فنى عن شهودها فعين وجودها لا يزول والحد يصحبها وإنما قلنا هذا لأني سمعت بعض الشيوخ يقول هذا حظ البشر فإذا زال عن بشريته كان حكمه حكما آخر فأبنت له رضي الله عنه إن الأمر ليس كما يظنه فلما تحقق ما ذكرناه رجع عن ذلك وقال ما كنت أظن إلا إن الأمر على ما قلته لم أجعل بالي من هذا فإنه تكلم في شرح الآية فغلط ما تكلم في ذلك عن ذوق الأمر ومن هنا يقع الغلط ونحن نعلم أن الذي قاله الله حق كله وإنه لا يخالف الأذواق فلا بد أن يكون كلام الذائق مطابقا للاخبارات الإلهية حتى يقول من لا معرفة له بمقام الرجال إن هذا المتكلم يتكلم بما لا يخالف ما جاء به قرآن أو سنة إنما هو أخذه منهما وهو مفسر لهما وصاحب الذوق ما قال إلا ما ذاقه فمن المحال أن يخالف شيئا مما جاء عن الله لكن الأجنبي الذي لا ذوق له يقول هذا عن الذائق بل جماعة من أهل الطريق ممن لا ذوق لهم يتخيلون مثل هذا ويقولون إن فلانا يتكلم من حيثما ورد في الأخبار الإلهية ليس له مادة غيرها وينكرون الذوق لأنهم ما عرفوه من نفوسهم مع كونهم يعتقدون في نفوسهم أنهم على طريق واحدة وكذلك هو الأمر أصحاب الأذواق هم على طريق واحدة بلا شك غير أن فيهم البصير والأعمى والأعشى فلا يقول واحد منهم إلا ما أعطاه حاله لا ما أعطاه الطريق ولا ما هو الطريق عليه في نفسه ولا سيما السلوك المعنوي فإن عمى القلوب أشد من عمى الأبصار فإن عمى القلوب يحول بينك وبين الحق وعمى البصر الذي لم ير قط صاحبه ليس يحول إلا بينك وبين الألوان خاصة ليس له إلا ذلك وهذا العمي من الحجب وكذلك الصمم والقفل والكن‏

والغشاوة دون العمي في الحكم إلا أن تكون الغشاوة تعطي الظلمة فلا فرق بينها وبين العمي فإن خرجت عن حد الظلمة إلى حد السدفة فقد يكون حال صاحبها أحسن من حال صاحب الظلمة ومن حال الأعمى قال بعضهم لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ومن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ وهو الأكنة فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ أي اعمل في رفع ذلك ويحتمل قولهم إِنَّنا عامِلُونَ في رفع ذلك في حق من يحتمل صدقه عندهم فإنهم اعترفوا أن قلوبهم في أكنة مما يدعوهم إليه فما جحدوا قوله ولا ردوه كما اعتقد غيرهم ممن لم يقل ذلك فلا أدري ما آل إليه أمر هؤلاء فإنهم عندي في مقام الرجاء فإنا نعلم قطعا إن الرسول يعمل في رفع الغطاء عن أعينهم بلا شك حتى قال لأزيدن على السبعين ولذا قال في الآية ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ولم يقل وويل لكم فهذا يدل بقرينة الحال أنهم عاملون في رفع الحجاب وإخراج قلوبهم من الأكنة وإنما كثر الأكنة لاختلاف أسباب توقفهم في قبول ما أتاهم به فمنهم من كنه الحسد وآخر الجهل وآخر شغل الوقت بما كان عنده أهم حتى يتفرغ منه والكل حجاب ومن أعجب الأشياء الواقعة في الوجود ما أقوله وذلك أن الملائكة إذا تكلم الله بالوحي كأنه سلسلة على صفوان تصعق الملائكة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان إذا نزل عليه الوحي كسلسلة على صفوان يصعق وهو أشد الوحي عليه فينزل جبريل به على قلبه فيفني عن عالم الحس ويرغو ويسجى إلى أن يسرى عنه وأنه لينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيتفصد جبينه عرقا

وموسى صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كلمه الله تكليما بارتفاع الوسائط وما صعق ولا زال عن حسه وقال وقيل له وهذا المقام أعظم من مقام الوحي بوساطة الملك فهذا الملك يصعق عند الكلام وهذا أكرم البشر يصعق عند نزول الروح بالوحي وهذا موسى لم يصعق ولا جرى عليه شي‏ء مع ارتفاع الوسائط وصعق لذلك الجبل فاعلم إن هذا كله من آثار الحجب فإن الحكم لها حيث ظهرت فإن الله لما خلقها حجبا لم يمكن إلا أن تحجب ولا بد فلو لم تحجب لما كانت حجبا وخلق الله هذه الحجب على نوعين معنوية ومادية وخلق المادية على نوعين كثيفة ولطيفة وشفافة فالكثيفة لا يدرك البصر سواها واللطيفة يدرك البصر ما فيها وما وراءها والشفافة يدرك البصر ما وراءها ويحصل له الالتباس إذا أدرك ما فيها كما قيل‏

رق الزجاج ورقت الخمر *** فتشاكلا فتشابه الأمر

فكأنما خمر ولا قدح *** وكأنما قدح ولا خمر

وأما المرائي والأجسام الصقيلة فلا يدرك موضع الصور منها ولا يدرك ما وراءها ويدرك الصور الغائبة عن عين المدرك بها لا فيها فالصور المرئية حجاب بين البصر وبين الصقيل وهي صور لا يقال فيها لطيفة ولا كثيفة وتشهدها الأبصار كثيفة وتتغير أشكالها بتغير شكل الصقيل وتتموج بتموجه وتتحرك بتحرك من هي صورته من خارج وتسكن بسكونه إلا أن يتحرك الصقيل كتموج الماء فيظهر في العين فيها حركة ومن هي صورته ساكن فلها حركتان حركة من حركة من هي صورته وحركة من حركة الصقيل فما في الوجود إلا حجب مسدلة والإدراكات متعلقها الحجب ولها الأثر في صاحب العين المدرك لها

[الحجب حجابان حجاب معنوي وحجاب حسي‏]

وأعظم الحجب حجابان حجاب معنوي وهو الجهل وحجاب حسي وهو أنت على نفسك فأما الحجاب الأعظم المعنوي‏

فقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما أسرى به في شجرة فيها وكرا طائر فقعد جبريل في الوكر الواحد وقعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الآخر فلما وصلا إلى السماء الدنيا تدلى إليهما شبه الرفرف درا وياقوتا وكان ذلك نوعا من تجلى الحق قال عليه السلام فأما جبريل فغشي عليه لعلمه بما تدلى إليه وأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فبقي على حاله لكونه ما علم ما هو فلم يكن له سلطان عليه فلما أخبره جبريل عند ما أفاق أنه الحق قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عند ذلك فعلمت فضله‏

يعني فضل جبريل علي في العلم فالعلم أصعق جبريل وعدم العلم أبقى النبي صلى الله عليه وسلم على حاله مع وجود الرؤية من الشخصين فهذا أعظم الحجب المعنوية وأما كونك حجابا عليك وهو أكثف الحجب الحسية فقول القائل‏

بدا لك سر طال عنك اكتتامه *** ولاح صباح كنت أنت ظلامه‏

فأنت حجاب القلب عن سر غيبه *** ولولاك لم يطبع عليه ختامه‏

إذا غبت عنه حل فيه وطنبت *** على منكب الكشف المصون خيامه‏

وجاء حديث لا يمل سماعه *** شهى إلينا نثره ونظامه‏

فما جعل حجابا عليك سواك ثم نرجع إلى مسألتنا ونقول أما موسى عليه السلام فكان قد استفرغه طلب النار لأهله وهو الذي أخرجه لما أمر به من السعي على العيال والأنبياء أشد الناس مطالبة لأنفسهم للقيام بأوامر الحق فلم يكن في نفسه سوى ما خرج إليه فلما أبصر حاجته وهي النار التي لاحت له من الشَّجَرَةِ من جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ناداه الحق من عين حاجته بما يناسب الوقت إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى‏ ولم يقل لما أوحى إِنَّنِي أَنَا الله فثبته الخطاب الأول بالنداء لأنه خرج على إن يقتبس نارا أو يجد على النار هدى وهو قوله سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي من يدله على حاجته فكان منتظرا للنداء قد هيأ سمعه وبصره لرؤية النار وسمعه لمن يدله عليها فلما جاءه النداء بأمر مناسب لم ينكره وثبت فلما علم إن المنادي ربه وقد صح له الثبوت وجاءه النداء من خارج لا من نفسه ثبت ليوفي الأدب حقه في الاستماع فإنه لكل نوع من التجلي حكم وحكم نداء هذا التجلي التهيؤ لسماع ما يأتي به فلم يصعق ولا غاب عن شهوده فإنه خطاب مقيد بجهة مسموع بإذن وخطاب تفصيلي فالمثبت للإنسان على حسه وشهود محسوسه قلبه المدبر لجسده ولم يكن لهذا الكلام الإلهي الموسوي توجه على القلب فليس للقلب هنا إلا ما يتلقاه من سمعه وبصره وقواه حسبما جرت به العادة فلم يتعد الحال حكمه في موسى عليه السلام وأما أمر محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهو نزول قلبي وخطاب إجمالي كسلسلة على صفوان فاجعل بالك لهذا التشبيه فاشتغل القلب بما نزل إليه ليتلقاه فغاب عن تدبير بدنه فسمى ذلك غشية وصعقا وكذلك الملائكة أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الملائكة في طريان هذا الحال أنه إذا كان الوحي المتكلم به كسلسلة على صفوان وكان نزوله على قلوب الملائكة فإنه قال حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ثم لما أفاقوا أخبر عنهم بأنهم يقولون ما ذا وهنا وقف ثم يجيبهم فيقول ربكم وهنا وقف فيقولون الحق بالنصب أي قال الحق كذا علمناه وهو العلي عن هذا النزول في هذا النزول الكبير عن هذا التشبيه في هذه النسبة وعلى الوجه الآخر قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ وهنا وقف فيقول بعضهم لبعض الْحَقَّ وهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ من قول الله لا من قول الملائكة فعلى الوجه الأول لما أفاقوا وزال الخطاب الإجمالي المشبه وزالت البديهة قالوا ما ذا فقال لهم ربكم وهو قوله قال ربكم فما صعقوا عند هذا القول بل ثبتوا وقالوا الحق أي قال الحق أي قال ربنا القول الحق يعنون ما فهموه من الوحي أو قوله قال ربكم أو هما معا وهو الصحيح فهذا الفرق بين حال موسى عليه السلام وبين حال محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وحال الملائكة ع‏

[علم ثناء الحق على نفسه بخلقه‏]

واعلم أن في هذا المنزل من العلوم علم ثناء الحق على نفسه بخلقه وهو المثنى على نفسه بغناه عن خلقه فأي الثناءين أتم وأحق وما هو الحق من هذين الثناءين وما هو الحقيقة منهما أو كلاهما حقيقتان لحقين أو هما حقان ولهما حقيقتان وفيه علم الفرق بين العلم والحكمة والخبرة وفيه علم العلم بما في العالم بتقاسيم أحوالهم وفيه علم النيابة في الأجوبة عن الله ولا يكون ذلك إلا لرسول أو نبي أو وارث عن سماع لخطاب إلهي لا عن تجل ولا خطاب حال وفيه علم علم الله وفيه علم أين أودع الله علمه في خلقه من العوالم وهل أودعه في واحد أو فيما زاد على واحد وفيه علم بما ذا تتميز به القبضتان في عالم الشهادة وبما ذا تتميز به في عالم الغيب وفيه علم الدلالة على العلماء وأصحاب الأخبار الإلهية لنعرفهم فنتلقي منهم ما يأتون به عن الله فنساويهم في العلم بذلك رغبة في إن تلحق نفوسنا بنفوسهم في الصورة وإن اختلفت الطرق فلا أثر لاختلافها في صورة العلم وهذا هو الذي يحرض الأكابر من العلماء الأكابر على نشر العلم كما يحرض المتعلمين على طلب العلم من أكابر العلماء الذين يعلمون أنهم أعلم بالله منهم ومن هذا قال الرجل للتلميذ لأن ترى أبا يزيد مرة خير لك من أن ترى الله ألف مرة لفضله عليه في العلم بالله لما علم إن ظهور الحق لعباده على قدر علمهم به فرؤيتنا الله بعلم العلماء به إذا استفدناه منهم أتم من رؤيتنا بعلمنا قبل إن نستفيده منهم وفيه علم إحاطة الاعتبار بالجهات وإن أن الاعتبار لا يخص حالا من حال ولا جهة من جهة وأنه علم عام وهو علم يعطي الدلالة لمن رجع إلى الله بالعبودة وفيه علم الأمر والنهي الإلهي بالمساعدة في العبادة وأعمال الخير وفيه علم إرسال النعم‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!