Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل التقليد فى الأسرار

الموت لا يكون إلا عن حياة وعلوم هذا المنزل كثيرة فقصدنا منها إلى التعريف بالأهم من ذلك مما تتعلق السعادة بالعلم به وإن كان العلم كله عين السعادة لكن في العموم ليست السعادة إلا حصول اللذات ونيل الأغراض والفوز من الآلام والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الأحد والأربعون وثلاثمائة في معرفة منزل التقليد في الأسرار»

في كل حكم من الأحكام تقليد *** وفيه سلطنة فينا وتأييد

لولاه ما كان لي في علمنا قدم *** به ولا كان تنزيل وتوحيد

إن الخلافة تقليد وسلطنة *** فهي الإمام الذي للحق مشهود

هي الأمانة ما ينفك صاحبها *** في طاعة وهو عند الله محمود

جميع من في وجود الله يرقبه *** في سره فهو في الأكوان مقصود

حلاه ربي بما تعطيه حضرته *** من الصفات فما في العلم موجود

سواه فهو إمام الخلق كلهم *** وهو الإله فمجهول ومحدود

[أن التقليد هو الأصل الذي يرجع إليه كل علم نظري أو ضروري أو كشفي‏]

اعلم أيدنا الله وإياك بروحه القدسي أن التقليد هو الأصل الذي يرجع إليه كل علم نظري أو ضروري أو كشفي لكنهم فيه على مراتب فمنهم من قلد ربه وهم الطائفة العلية أصحاب العلم الصحيح ومنهم من قلد عقله وهم أصحاب العلوم الضرورية بحيث لو شككهم فيها

مشكك بأمر إمكاني ما قبلوه مع علمهم بأنه ممكن ولا يقبلونه فإذا قلت لهم في ذلك يقولون لأنه لا يقدح في العلم الضروري وأمثلته كثيرة لا أذكرها من أجل النفوس الضعيفة لقبولها فيؤدي ذلك إلى ضرر وهوس فذلك يمنعني أن أبينها ومنهم من قلد عقله فيما أعطاه فكره وما ثم إلا هؤلاء فقد عم التقليد جميع العلماء والتقليد تقييد فما خرج العالم عن حقيقته فإنه الموجود المقيد فلا بد أن يكون علمه مقيدا مثله والتقييد فيه عين التقليد غير أنه ذم في بعض المواطن وهي معلومة وحمد في بعض المواطن وهي معلومة وليس في المنازل أصعب مرتقى من هذا المنزل هو أصعب من منزل عقبات السويق لأن صاحب ذلك المنزل تارة وتارة وصاحب هذا المنزل ثابت القدم فيه فإذا كان التقليد هو الحاكم ولا بد ولا مندوحة عنه فتقليد الرب أولى فيما شرع من العلم به فلا تعدل عنه فإنه أخبرك عن نفسه في العلم به فيما قلدت فيه عقلك من حيث تقليده لفكره الناظر به في دليله وأعطاك نقيضه من العلم به والأصل في العالم الجهل والعلم مستفاد فالعلم وجود والوجود لله والجهل عدم والعدم للعالم فتقليد الحق الذي له الوجود أولى من تقليد من هو مخلوق مثلك فكما استفدت منه سبحانه الوجود فاستفد منه العلم فقف عند خبره عن نفسه بما أخبر ولا تبال بالتناقض في الأخبار فإنه لكل خبر مرتبة ينزل ذلك الخبر فيها وأنت الحضرة الجامعة لتلك المراتب فكن على بينة من ربك لم تقل من عقلك لأنه لا يحيلك إلا على نفسه لأنه خلقك له فلا يعدل بك عنه فإذا تجلى لك في ضرورة عقلك وجدت استنادك ولا بد إلى أمر ما لا تعلمه من حيث تقليدك لهذه الضرورة العقلية فإذا تجلى لك في نظر عقلك وجدت في نفسك أن هذا الذي استندت إليه في وجودك أمر وجودي لا يشبهك إذ عينك وكل ما يقوم بك ويكون وصفا لك محدث مفتقر إلى موجد مثلك فيقول لك عقلك من حيث نظره إن هذا الموجود ليس مثله شي‏ء من العالم وأنت جميع العالم لأن كل جزء من العالم يشترك مع الكل في الدلالة على ما قررناه وإذا تجلى لك في الشرع أبان لك عن التفاوت في مراتب العالم فتجلى لك في كل مرتبة فقلد في ذلك الشارع حتى يكشف لك فترى الأمر على صورة ما أنت به فقلدت ربك فرأيته مشبها ومنزها فجمعت وفرقت ونزهت وشبهت وكل ذلك أنت لأنه تجل إلهي في المراتب وأنت الجامع لها وهي لك وللعالم كله وهي الحاكمة على كل من ظهر فيها فينصبغ في عين الناظر إليه بها ولذلك قلت لك وكل ذلك أنت فإن العالمين من العلامة والعلامة لا تدل إلا على محدود فلا تدل إلا عليك فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ فالعالم لا يدل على العلم بذاته وإنما يدل على العلم بوجوده‏

[أن الحق هو على الحقيقة أم الكتاب‏]

فاعلم أن الحق هو على الحقيقة أم الكتاب والقرآن كتاب من جملة الكتب إلا أن له الجمعية دون سائر الكتب ومع هذا فإنه صفة الحق والصفة تطلب من تقوم به والنسبة تطلب‏

من تنسب إليه فلذلك قلنا فيه إنه أم الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة واختلفت الألسنة به لقبوله إياها بحقيقته فقيل فيه إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به وهذا هو عين الجعل في القرآن وعين نسبة الحدوث إليه في قوله ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فهو محدث الإتيان وما هو الإتيان عين الإنزال كما أنه ليس بعين الجعل والجعل يكون بمعنى الخلق وبغيره فما ينسب إلى القرآن من قوله محدث فهو من حكم الجعل الذي بمعنى الخلق فلا فرق بين قوله ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ وبين قوله إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا في الحكم‏

[أن تحقيق عندية كل شي‏ء راجعة إلى نفسه‏]

واعلم أن تحقيق عندية كل شي‏ء راجعة إلى نفسه ولهذا قال ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ فإن حكمكم النفاد وما عِنْدَ الله باقٍ فإنه له البقاء فلو كانت عندية الشي‏ء غير نفس الشي‏ء ما نفد ما عندنا لأنا وما عندنا عند الله وما عِنْدَ الله باقٍ فنحن وما عندنا باق فتبين لك أن عندية كل شي‏ء نفسه والعندية في اللسان ظرف مكان أو ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلي فيما ترومه من الدلالة فهو بحيث محله وصاحب المكان ما هو بحيث المكان والعندية جامعة للأمرين ولما لم يمكن في التقليد الضروري أن يجحد أحد من استند إليه في وجوده لذلك أقر به من من شأنه الإنكار والجحود فإن قلت فالمعطلة أنكرت قلنا المعطلة ما أنكرت مستندا وإنما أنكرت وعطلت الذي عينتموه أنتم إنه المستند ما عطلت المستند فقلتم أنتم هو كذا فعطلته المعطلة وقالت بل المستند كذا فكما إن أولئك معطلة أنتم أيضا معطلة تعطيلهم لكن اختص أولئك باسم المعطلة وهم على ضروب في التعطيل محل العلم بذلك وأمثاله العلم بالنحل والملل وهو علم لا ينبغي للمؤمن أن يقرأه ولا ينظر فيه جملة كما يتعين على أهل الله أن يعرفوا علم كل نحلة وملة بالله ليشهدوه في كل صورة فلا يقومون في موطن إنكار لأنه تعالى سار في الوجود فما أنكره إلا محدود وأهل الله تابعون لمن هم له أهل فيجري عليهم حكمه وحكمه تعالى عدم التقييد فله عموم الوجود فلأهله عموم الشهود فمن قيد وجوده قيد شهوده وليس هو من أهل الله‏

[أن الله وصف نفسه بالاستواء وبالنزول إلى السماء]

واعلم أن الله لما مهد هذه الخليقة جعلها أرضا له فوصف نفسه بالاستواء وبالنزول إلى السماء وبالتصرف في كل وجهة الكون موليها فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإنه لا يرفع حكم إن وجه الله حيثما توليت ولكن الله اختار لك ما لك في التوجه إليه سعادتك ولكن في حال مخصوص وهي الصلاة وسائر الأينيات ما جعل الله لك فيها هذا التقييد فجمع لك بين التقييد والإطلاق كما جمع لنفسه بين التنزيه والتشبيه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فالعالم كله أرض ممهدة لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً ولا أَمْتاً هل ترى من تفاوت فَارْجِعِ الْبَصَرَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ والحق صفة العالم لأن صفته الوجود وليس إلا لله ولذلك‏

ورد في الخبر الصحيح كنت سمعه وبصره‏

وهكذا جميع قواه وصفاته فلما كان العالم ظرفا مكانيا لمن استوى عليه ظهر بصورته سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه فجعل الأثر للظرف في المظروف وذلك لتعلم من عرفت فتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك فما عرفت سواك فأي لون كان للإناء ظهر الماء للبصر بحسب لون الإناء فحكم من لا علم له بأنه كذا لأن البصر أعطاه ذلك فله التجلي في كل صورة من صور الأواني من حيث ألوانها فلم يتقيد في ذاته الماء ولكن هكذا تراه وكذلك تؤثر فيه أشكال الظروف التي يظهر فيها وهو ماء فيها كلها فإن كان الوعاء مربعا طهر في صورة التربيع أو مخمسا ظهر في صورة التخميس أو مستديرا ظهر في صورة الاستدارة لأن له السيلان فهو يسرى في زوايا الأوعية ليظهر تشكلها فهو الذي حمل الناظرين لسريانه إن يحكموا عليه بحكم الأوعية في اللون والشكل فمن لم يره قط إلا في وعاء حكم عليه بحكم الوعاء ومن رآه بسيطا غير مركب علم إن ما ظهر فيه من الأشكال والألوان إنما هو من أثر الأوعية فهو في الأوعية كما هو في غير وعاء بحده وحقيقته ولهذا ما زال عنه اسم الماء فإنه يدل عليه بحكم المطابقة فهذه الأوعية له كالسبل في الأرض للسالك فيها فينسب السالك في كل سبيل منها إلى أنه طالب غاية ذلك السبيل الذي سلك عليه في أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ من صوره فيكون هو الظاهر لا أنت لأن الظهور للصور لا للعين فالعين غيب أبدا والصور شهادة أبدا

[إن الله بين أن في أرض العالم نجدين‏]

ثم إنه لما خلق من كل شي‏ء زوجين بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجدا تكون غايته أنت عند قوم ونجد عند هؤلاء القوم يكون غايته هو أعني الحق وأما عند قوم آخرين‏

فالنجد الواحد تكون غايته أنت في هو والنجد الآخر يكون غايته هو في أنت وأما عند قوم آخرين فالنجد الواحد تكون غايته أنت عين هو والنجد الآخر تكون هو عين أنت وأما عند قوم آخرين فيكون غاية النجدين هو وعين النجدين أنت وعين السالك هو وأما عند قوم آخرين فيكون غاية النجدين وعين النجدين وإنهما عين اليدين وعين السالك أنت وكل من ذكرناه على صراط مستقيم فتعويج القوس للرمي عين صراطه المستقيم ف لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا من رَحِمَ رَبُّكَ فما زلنا من الخلاف لأنهم قد خالفوا المختلفين ولذلك خلقهم فما تعدى كل خلق ما خلق له فالكل طائع وإن كان فيهم من ليس بمطيع مع كونه طائعا

[إن الاستواء صفة للحق على العرش‏]

ولما كان الاستواء صفة للحق على العرش وخلق الإنسان على صورته جعل له مركبا سماه فلكا كما كان العرش فلكا فالفلك مستوي الإنسان الكامل وجعل لمن هو دون الإنسان الكامل مركبا غير الفلك من الأنعام والْخَيْلَ والْبِغالَ والْحَمِيرَ ليستوي الإنسان على ظهور هذه المراكب وشاركهم في ركوبها الإنسان الكامل فالكامل من الناس يستوي على كل مركوب وغير الكامل لا يستوي على الفلك إلا بحكم التبعية لا لعينه كما ورد في اليقين حين‏

قال عليه السلام في عيسى عليه السلام لو ازداد يقينا لمشى في الهواء

يشير إلى إسرائه ومعلوم أن عيسى عليه السلام أكثر يقينا منا لا من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ونحن نمشي في الهواء بحكم التبعية لمن نحن أمته صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا بأنا أكثر في اليقين من عيسى عليه السلام كما إن أمة عيسى عليه السلام قد مشت على الماء كما مشى عليه السلام على الماء ولكن نعلم وإن كان الأمر في هذا في حقنا بحكم التبعية أن كل الأمة ما مشت في الهواء كما مشى محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأنه لم يكن بعض أمته تابعا له في كل ما أمر بأن يتبع فيه فمن وفى بحق اتباعه كان له حكمه كما قال أَدْعُوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي وأين المشي في الهواء في الشرف لمن يكون الحق سمعه وبصره في الدءوب على نوافل الخيرات المنتجة أو المنتج ذلك الدءوب عليها لمحبة الله إياه وتلك المحبة أنتجت له أن يكون الحق سمعه وبصره فهذا معنى قولنا بحكم التبعية لما أمر به ونهي عنه لا من كوننا أمة له فقط بل من المجموع وهو اتباع خاص لأنه نبي معين خاص دون غيره فيورث اتباع شريعته بالعمل ما يكون عليه من أحوال‏

رسول تلك الشريعة وهذه عناية من الله تعالى فإن أمة كل نبي لا تطيق حال نبيها إذ لو أطاقته لكانت مثلا له فتستقل بالأمر دونه وليس الأمر كذلك فإنه لو طلع حيثما طلع لا يزال تابعا وقد أبان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن مثل هذا فقال من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها

فله الزيادة عليهم بما له من أجرها الزائد على أجر العاملين بها وليس لهم ذلك الأجر الخاص به فلا يلحقونه أبدا في ذلك المقام فهم تابعون له دنيا وآخرة وكشفا والرسل عليه السلام منهم ظهرت السنن فلا تزال أممهم أتباعا لهم أبدا

[أن الله تعالى مطلق الوجود ولم يكن له تقييد مانع من تقييد]

واعلم أن الله تعالى لما كان له مطلق الوجود ولم يكن له تقييد مانع من تقييد بل له التقييدات كلها فهو مطلق التقييد لا يحكم عليه تقييد دون تقييد فافهم معنى نسبة الإطلاق إليه ومن كان وجوده بهذه النسبة فله إطلاق النسب فليست نسبة به أولى من نسبة فما كفر من كفر إلا بتخصيص النسب مثل قول اليهود والنصارى عن أنفسهم دون غيرهم من أهل الملل والنحل نَحْنُ أَبْناءُ الله وأَحِبَّاؤُهُ فإذ وقد انتسبوا إليه كانوا يعمون النسبة وإن كانت خطأ في نفس الأمر فقال لهم الله فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يقول تعالى النسبة واحدة فلم خصصتم نفوسكم بها دون هؤلاء وإن أخطأتم في نفس الأمر فخطؤكم من عموم النسبة أقل من خطئكم من خصوصها فإن ذلك تحكم على الله من غير برهان وأما طائفة أخرى فجعلوا لله ما يكرهون فقالوا الملائكة بنات الله فحكموا عليه بأنه أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ فتوجه عليهم الحكم بالإنكار في حكمهم مع كونهم يكرهون ذلك لنفوسهم مع كونهم يقولون في الشركاء ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى‏ مع كونهم جعلوا لله جزءا من عباده فلو أضافوا الكل إليه لم يكن ذلك من الكفر الظاهر بل يكون الحكم فيه بحكم ما نسبوا فإن وقعت النسبة العامة للخلق بكونهم عبيدا سعدوا وإن وقعت بالنبوة طولبوا بما قصدوا فإن استندوا ذلك إلى خبر إلهي سلموا بل سعدوا مثل قوله لَوْ أَرادَ الله أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى‏ فأجاز التبني بل فيه رائحة من كون جبريل تمثل لمريم بَشَراً سَوِيًّا وقد وصف الحق تعالى نفسه بالتحول في الصور وأجرى أحكامها عليه وهو علم يومي إليه لأجل الايمان ولا يفشي في‏

العموم لما يسبق إلى النفوس من ذلك وبقي تعلق الاصطفاء بمن يتعلق هل بالصاحبة فيكون من باب التجلي في الصور فيكون عين الصورتين لأنه قال لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً يعني الولد لَاتَّخَذْناهُ من لَدُنَّا وما له ظهور إلا من الصاحبة التي هي الأم فيكون الاصطفاء في حق الصاحبة وهي من لدنه فما خرج عن نفسه كما إن آدم عليه السلام ما خرج عن نفسه في صاحبته فما نكح إلا من هو جزء منه به وبالمجموع يكون نفسه فهو قوله من لَدُنَّا وجاء بحرف لو فدل على الامتناع فلم يكن من الوجهين فإن كان الاصطفاء للبنوة فذلك التبني لا البنوة وإن استندوا إلى غير خبر إلهي وأعني بالخبر الإلهي ما جاء على لسان الرسل في الكتب أو في الوحي فإن كان استنادهم إلى كشف إلهي واطلاع في ذلك فهم تحت حكم ما اطلعوا ولا عذر للمقلدة في ذلك لأن فيهم الأهلية للاطلاع بحكم النشأة فإن لها استعدادا عاما وهو الاستعداد للاطلاع وإن تفاضل الاطلاع فذلك لاستعداد آخر خاص غير الاستعداد العام فأهل الجبر إذا استمسكوا بالخبر سعدوا وإن أخطئوا في التأويل ولم يصادفوا العلم فلهم ثواب الاجتهاد وإن أصابوا فهو المقصود فمنهم من هو عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ بإصابته ومنهم من ليس على بينة من ربه وهو مصيب في نفس الأمر وكل من له متمسك إلهي فهو ناج وأما من كفر بالكل فذلك غاية العمي‏

(وصل) في التحضيض الكوني‏

وهو سر جعله الله في عباده العامة والسالكين في هذا الطريق وأما الخاصة فلا يقع منهم ذلك أبدا لأنه ليس بنعت إلهي إلا أنه جاء من الله فيما يرجع إلى الكون لا فيما يرجع إليه سبحانه مثل قوله لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ وأما أداة لو فهي إلهية وتتضمن معنى التحضيض وقد اتصف بها خاصة الله‏

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة ولكني سقت الهدى فلا يحل مني حرام حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏

فرائحة التحضيض في لو هو ما يفهم منه كأنه قال لنفسه هلا أحرمت بعمرة ولا يقع التحضيض من الخواص أبدا إلا فيما شغلوا به نفوسهم من الأفعال التي ترضي الله فيبدو لهم في ثاني زمان رضي الله في فعل ما هو أتم وأعلى من الأول إما في جناب الله أو في حق نفسه أو في حق الغير رفقا بهم وشفقة عليهم لا يقع منهم على جهة الاعتراض على الله بأن يقولوا هلا فعل الله كذا عوضا من فعله كذا هذا لا يتصور من الخواص أبدا فإنه سوء أدب مع الله تعالى وترجيح تدبير كوني على تدبير إلهي وما وصف الحق نفسه بأنه يُدَبِّرُ الْأَمْرَ إلا أن يعرفنا أنه ما عمل شيئا إلا ما تقتضيه حكمة الوجود وأنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها وهو الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ولذلك لا يمكن أن يظهر لعباده في صفة تحضيض بالنظر إليه فوضعه في اللسان بل في جميع الألسنة ابتلاء لعباده وتمحيصا ليجتنبه أهل العناية فيتميزوا بذلك عن غيرهم‏

[أن السعادة غير كمال الصورة]

واعلم أن الاختصاص الإلهي الذي يعطي السعادة غير الاختصاص الإلهي الذي يعطي كمال الصورة وقد يجتمعان أعني الاختصاصين في حق بعض الأشخاص فالاختصاص الذي يعطي السعادة هو الاختصاص بالإيمان والعصمة من المخالفة أو بموت عقيب توبة والاختصاص الذي يعطي كمال الصورة هو الذي لا يعطي إلا نفوذ الاقتدار والتحكم في العالم بالهمة والحس والكامل من يرزق الاختصاصين وأقوى التأثير تأثير من يغضب الله كقوم فرعون حيث قال تعالى فيهم فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي أغضبونا ولله سبحانه نفوذ الاقتدار فانتقم منهم ليجعلهم عبرة للآخرين وجعل ذلك مقابلا لنفوذ الاقتدار الكوني لأنه قال آسَفُونا أ لا ترى إلى علم فرعون في قوله فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ من ذَهَبٍ يقول فلو وهو حرف تحضيض أعطى يعني موسى نفوذ الاقتدار فينا حتى لا ننازعه ونسمع له ونطيع لأن اليدين محل القدرة والأسورة وهو شكل محيط من ذهب أكمل ما يتحلى به من المعادن ونفوذ الاقتدار من الاختصاص الإلهي يقول لقومه فما أعطى ذلك موسى والذي يدلك على ما قلناه إن فرعون أراد هذا المعنى في هذا القول أنه جاء بأو بعده وهي حرف عطف بالمناسب فقال أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ لعلمه بأن قومه يعلمون أن الملائكة لو جاءت لانقادوا إلى موسى طوعا وكرها يقول فرعون فلم يكن لموسى عليه السلام نفوذ اقتدار في حتى أرجع إلى قوله من نفسي بأمر ضروري لا نقدر على دفعه فترجعوا إلى قوله لرجوعي ولا جاء معه من يقطع باقتدارهم فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أي لطف معناهم بالنظر فيما قاله لهم فلما جعل فيهم هذا حملهم على تدقيق النظر في ذلك ولم يكن لهم هذه الحالة قبل ذلك فأطاعوه ظاهرا بالقهر الظاهر لأنه في‏

محل يخاف ويرجى وباطنا بما نظروا فيه مما قاله لهم فلما أخذ قلوبهم بالكلية إليه ولم يبق لله فيهم نصيب يعصمهم أغضبوا الله فغضب فانتقم فكان حكمهم في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه فإنه علم صدق موسى عليه السلام وعلم حكم الله في ظاهره بما صدر منه وحكم الله في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند الله مخصوصا بزمان مؤقت لا يكون إلا فيه وبحالة خاصة فظهر بالإيمان لما جاء زمانه وحاله فغرق قومه آية ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية فمن رحمة الله بعباده أن قال فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يعني دون قومك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً أي علامة لمن آمن بالله أن ينجيه الله ببدنه أي بظاهره فإن باطنه لم يزل محفوظا بالنجاة من الشرك لأن العلم أقوى الموانع فسوى الله في الغرق بينهم وتفرقا في الحكم فجعلهم سلفا ومثلا للآخرين يعني الأمم الذين يأتون من بعدهم وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى الله بالنجاة ولما كان الاختصاص الإلهي الكامل في الجمع بين السعادة والصورة كان الكمال للمؤمن بالخلافة في المكان الذي من شأنه أن يظهر فيه كمال الصورة من نفوذ الاقتدار عند الإغضاب وليست الجنة بمحل لهذه الصفة فليست بدار خلافة بل هي دار ولاية محكوم على صاحب تلك الولاية بأمر لا يتعداه ولا تعطي نشأته أن يقبل سواه حتى لو كان فيها تقديرا من شأنه أن يغضب ما قبل صاحب الولاية صفة الغضب لأنه على مزاج خاص بخلاف نشأة الدنيا ولهذا قال إِنِّي جاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً ولم يقل في العالم ولو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود فكان ما ابتلوا به عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا الراسخون في العلم وهكذا كل انتقام إلهي يقع بالعالم لا يكون إلا بعد إغضاب لأن الله خلق العالم بالرحمة وليس من شأنها الانتقام كما إن الغضب من شأنه الانتقام لكنه أعني الغضب على طبقات فيظهر الانتقام على ميزانه من غير زيادة ولا نقصان ولا يقع الانتقام أبدا إلا تطهيرا لمن كان منه الإغضاب فلذلك لا يكون الانتقام إلى غير نهاية بل ينتهي الحكم به إلى أجل مسمى عند الله وتعقبه الرحمة به لأن لها الحكم الأبدي الذي لا يتناهى ومن جعل باله لما ذكرناه ودقق النظر فيه رأى علما كبيرا إلهيا من سريان العدل في الحكم الإلهي وشمول الفضل وسبق الرحمة الغضب وإن الحق يجري في حكمه بما هي الحقائق عليه إذ الحقائق لا تتبدل لأنفسها ولا تتحول فهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة من الآيات التي جاء بها الحق على لسان المترجم لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ولِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ليست لغير هذا الصنف فحافظ على تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى تجتنبه فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد وهو كان علم حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولهذا كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يسمونه صاحب السر لعلمه بهذا العلم وليس فيما يمنح الله أولياءه من العلم به في حقهم أنفع من هذا العلم وما رأيت أحدا له فيه ذوق ولا سمعت عن أحد من أهل الله تعالى بعد حذيفة من ظهر عليه حكم هذا العلم وهو عصمة خفية تكاد لا يشعر صاحبها بها وما في الكشف أتم منه ولا يرزق الله هذا العلم إلا للادباء أهل المراقبة فإنهم يأخذون الأشياء بحكم المطابقة والمناسبة بين الرب والمربوب والخالق والمخلوق ولا يحكم عليهم حاكم الإمكان والجواز لأنه ليس له في هذه الحضرة قدم ولا عين أعني الإمكان وهذا مقام وراء طور العقل لأن العقل يحكم في مثل هذا بالإمكان والأمر في نفسه ليس كذلك ولكن إذا شهده قبله وإذا فكر فيه أدخله تحت الإمكان ويختص هذا المنزل من العلوم بعلم الإيهام والإبهام والرموز والألغاز والأسرار وفيه علم الحروف المركبة التي هي الكلمة وفيه علم الأنوار وما يختص به عالم الشهادة من الشهود وفيه علم الجعل وفيه علم الجمع والتفصيل وفيه علم منازل العلو في الأسماء الإلهية وأحكامها وفيه علم الإعجاز وفيه علم التقرير وفيه علم نتائج الجهل وهو أمر عدمي فكيف يكون له حكم وجودي وفيه علم مقابلة الاقتدار بالاقتدار وفيه علم سريان وجود الحق في العالم ولهذا ما أنكره أحد وإنما وقع الغلط من طلب الماهية فادى إلى الاختلاف فيه الذي ظهر في العالم وفيه علم ما يختص به الحق تعالى لنفسه من غير أن يكون له حكم في العالم وفيه علم الشرائع كلها وأنها بالجعل ولهذا تجري إلى أمد وغايتها حكم الحق بها في القيامة في الفريقين فإذا عمرت الداران وانقضى أمد العقوبة انتشر حكم الرحمة وفيه علم الشفع والوتر وتقدم علم الزوج على الفرد وعلم الحامل والمحمول وعلم شمول النعم في البلايا والرزايا والأمور المؤلمة وفيه علم نفي الطاقة



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!