Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل اشتراك عالم الغيب وعالم الشهادة من الحضرة الموسوية

يقع من الناس في غالب الأوقات وذلك أن الجاهل إذا جاء ليسأل العالم في أمر لا يعلمه من الوجه الذي يسأل عنه ويعلم منه قدر الوجه الذي دعاه إلى السؤال عنه كمن سمع حسا من خلف حجاب فيعلم قطعا إن خلف الحجاب أمرا لا يدري ما هو أو لا يدري محل ذلك الحس ولعله ليس خلف ذلك الستر فيسأل من يعلم محل ذلك الستر هل خلفه ما يمكن أن يحس أم لا وإذا كان فما هو فيتصور السؤال من السائل عما لا يعلم لوجه ما معلوم عنده يتضمن ما لا يعلم إلا بعد السؤال عنه وعلى هذا المقام أورد بعض النظار أشكالا وبهذا القدر ينفصل عن ذلك الإشكال وليس كتابنا مما قصد به النسب الفكرية النظرية وإنما هو موضوع للعلوم الوهبية الكشفية فجرت العادة عند العلماء القاصرين عما ذكرناه أن المتعلم السائل إذا جاء ليسأل العالم عن أمر لا يعلمه فإن كانت المسألة بالنظر إلى حالة السائل عظيمة قال له لا تسأل عما لا يعنيك وهذا ليس قدرك وتقصر عن فهم الجواب على هذا السؤال وليس الأمر كذلك عندنا ولا في نفس الأمر وإنما القصور في المسئول حيث لم يعلم الوجه الذي تحتمله تلك المسألة بالنظر إلى هذا السائل فيعلمه به ليحصل له الفائدة فيما سأل عنه ويستر عنه الوجوه التي فيها مما لا يحتمله عقله ولا يبلغ إليه فهمه فيسر السائل بجواب العالم ويصير عالما بتلك المسألة من ذلك الوجه وهو وجه صحيح إن فات علمه للعالم الفهم الفطن فقد فاته من المسألة بقدر ذلك الوجه فاستوى الفهم الفطن مع الفدم في عدم استيعاب وجوه تلك المسألة فما سأل سائل قط في مسألة ليس فيه أهلية لقبول جواب عنها ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الباب في تأديب الصحابة ما يتأدب به في ذلك وذلك‏

أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني أصحابه فقال يا رسول الله إني أسألك عن ثياب أهل الجنة أ خلق تخلق أم نسيج تنسج فضحك الحاضرون من سؤاله فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أ تضحكون أن جاهلا سأل عالما يا هذا الرجل إنها تشقق عنها ثمر الجنة

فأجابه بما أرضاه وعلم أصحابه الأدب مع السائل فأزال خجله وانقلب عالما فرحا وقال الله تعالى وأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ فعمم وإن كان المقصود في سبب نزولها السؤال في العلم لأنه تعليم لحال سابق كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله ووَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ أي حائرا فأبان لك عن الأمر فأما السائل إذا جاءك يسألك فإنما هو بمنزلتك حين كنت ضالا فلا تنهره كما لم أنهرك وبين له كما بينت لك كما قال له تعليما لحال سبق له في قوله أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ فلم يذلك ولا طردك بالقهر ليتمك وكسرك فأما اليتيم إذا وجدته فلا تقهره والطف به وآوه وأحسن إليه‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فحسن تأديبي‏

فينبغي لنا أن نتبع الآداب الإلهية التي أدب الله سبحانه بها أنبياءه مثل هذا ومثل قوله لنوح إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ من الْجاهِلِينَ فرفق به في قوله أعظك لشيخوخته وكبر سنه ومخاطبة الشيوخ لها حد ووصف معلوم ومخاطبات الشباب لها حد معلوم وقال في حق محمد رسوله صلى الله عليه وسلم فَلا تَكُونَنَّ من الْجاهِلِينَ فأين ذلك اللطف من

هذا القهر فذلك لضعف الشيخوخة وذا القوة الشباب وأين مرتبة الخمسين سنة من رتبة خمسمائة وأزيد فوقع الخطاب على الحالات في أول الرسل وهو نوح وفي آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء ومن الآداب الإلهية كل ما ورد في القرآن من افعل كذا ولا تفعل كذا فانظره في القرآن تحط بالأدب الإلهي فاستعمله توفق إن شاء الله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثاني والتسعون ومائتان في معرفة منزل اشتراك عالم الغيب وعالم الشهادة من الحضرة الموسوية»

الليل يستر ما في الغيب من عجب *** والشمس تظهر ما الأظلام يستره‏

والشخص إن كان أنثى ليس يذكره *** حتى إذا جاءت الأخرى تذكره‏

والجود أصل وضد الجود ليس بذي *** أصل ولكن عين الجود تظهره‏

لا شي‏ء يغنيك غير الله فارض به *** ربا ولا تك ممن ظل يضمره‏

وقم به علما في رأس رابية *** وإن شهدت هلالا فهو يبدره‏

وإن دعاك الهوى يوما لمنقصة *** فإن داعيه عن ذاك يزجره‏

عطاؤه منه أولى وآخرة *** وليس عن عوض كذاك أذكره‏

إن الجزاء وفاق لا على عوض *** فإن يكن عوض فلست أوثره‏

[اختصاص منزل عالم الغيب والشهادة بعلم التجلي الإلهي المشبه بالشمس‏]

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته اعلموا يا إخواننا أن هذا المنزل من أعظم المنازل قدرا هو منزل النكاح الغيبي وهو نكاح المعاني والأرواح ويختص بهذا المنزل علم التجلي الإلهي المشبه بالشمس ليس دونها سحاب دون التجلي القمري البدري وهوقوله صلى الله عليه وسلم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر

وليس لهذا التجلي مدخل في هذا المنزل‏

وكما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب‏

وهذا المنزل منزله ومن هنا يعرف وهو مظهر إلهي عجيب ومن هذا المنزل يعرف الجود المقيد بالخوف والجزاء ومرتبة الصدق وإن قبح ومرتبة الكذب وإن حسن والغني المكتسب وهو الغني العرضي وعلامات السعادة وعلامات الشقاء وخيبة المعتمد على الأمور التي قد نصبها الله للاعتماد عليها ولما ذا يخيب صاحبها مع كون الحق نصبها لهذا وأهلها لها وعلم الإفصاح عن درجات التقريب الإلهي من حضرة اللسن ومعرفة المقام الذي تتألف فيه الضرتان وتتحابان ومعرفة الاصطلام اللازم وصفة من أعطى مقام هذا الاصطلام من المقربين من أمثالهم ممن لم يعطه والجود بما يجده العارف من كل شي‏ء مما لا يجب عليه وهو خلق الجود الإلهي وهل يكون الحق عوضا ينال بعمل خاص أم لا ولنبين إن شاء الله حقائق هذا المنزل فصلا فصلا إيماء وتلويحا فإنه يطول والله المؤيد لا رب غيره فمن ذلك النكاح الغيبي المنتج قال تعالى وأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وقال تعالى وأَنْزَلَ من السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ به من الثَّمَراتِ وقال جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً والسَّماءَ بِناءً وقد تقدم الكلام على هذا الفصل في فصل المعارف من هذا الكتاب في باب الآباء العلويات والأمهات السفليات فلينظر هنالك ولنذكر في هذا المنزل ما يتعلق به وهو أن المعاني تنكح الأجسام نكاحا غيبيا معنويا فيتولد بينهما أحكامهما وذلك حجاب على اليد الإلهية الغيبية التي ما من شأنها أن تدرك ومن ذلك جميع الصور الظاهرة في الهباء الهباء لها كالمرأة والصور لها كالبعل ولا يوجد عنهما إلا أعيانهما وهذا من أعجب الأسرار أن يكون الولد عين الأب والأم لمن هو لهما ولد والأب والأم عين الولد لمن هما له أبوان وهو الذي أشار إليه الحلاج رحمه الله في قوله ولدت أمي أباها ولا يكون الوالد عين الولد لمن هو له والد وهو له ولد إلا في هذا النكاح ومن هذا الباب قوله كُنْ وهي كلمة أمر التكوين وقال في عيسى إنه كلمة الله وفي الموجودات إنها كلمات الله وما له كلمة في الموجودات إلا كن وهي عين الموجود فإنه الكلمة وتوجهها على العيون الثابتة فالأعين لها كالأم فظهرت الكلمات وهو وجود تلك الأعيان عن هذا النكاح الغيبي وكان الولد بينهما عينهما ليس غيرهما وهذا ألطف من الأمر الأول فإن الولد هنا عين كلمة الحضرة فكن عين المكون وهو منسوب إلى الله والأول في الدرجة الثانية فإنه منسوب إلى الهباء والصورة وهذا النكاح مدرج فيه فافهم فقد رميت بك على الطريق فالجسمانيات كلها أولاد عن نكاح غيبي والأجسام كلها منها ما هو عن نكاح غيبي ومنها ما هو عن نكاح غيبي مدرج في نكاح حسي كنكاح الرياح والمياه والحيوانات والنبات والمعادن وما يتولد في الأجسام العنصرية لا الأجسام الطبيعية فإن العالم الملكي لا يتولد عنه من جنسه شي‏ء إلا أن يكون أبا في وقت لأم عنصرية بما يلقى إليها فما ينتج فذلك الولد بينهما قد يخلق ملكا وهو المعبر عنه بلمة الملك وهو ما يلقيه إلى النفس الإنسانية فيتولد بينهما تسبيحة أو تهليلة تخرج نفسا من المسبح والمهلل فينفتح في عين ذلك النفس وجوهره صورة ملكية يكون ذلك الملك الملقي أباها والنفس أمها فترتقي تلك الصورة إلى أبيها وتلازمه بالاستغفار لأمه التي هي النفس الإنسانية إلى يوم القيامة ومن هنا يحكم في الشريعة للوالد بأخذ ولده عن أمه إذا ميز وعقل بلا خلاف فإن هذا الملك يخلق عاقلا ومن أعجب الأنكحة الإعدام ولهذا اختلف فيه أهل الكشف فالله سبحانه علقه بالمشيئة فقال إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وعلق الاقتدار بإيجاد قوم آخرين فقال ويَأْتِ بِآخَرِينَ وكان الله على ذلك ولم يقل ذينك على التثنية فكانت الإشارة من حيث أحديتها للأقرب وهو الذي أتى به ومن هذا الباب إرسال الريح العقيم فإنها لإزالة أعيان الصور الظاهرة عن التأليف لا أعيان الجواهر فما أنتجت وجودا فنسب إليها العقم ونفي عنها أن تكون لاقحة فهذا نكاح لمجرد الشهوة لا لوجود الولد كنكاح أهل الجنة فما يكون عن كل شهوة كيان ولا بد وجود عيني لنفسه‏

ومن هنا وقع الخلاف بين أهل الكشف فمن كشف رجوع أعيان الصور التي كانت موجودة إلى كونها ثابتة غير موجودة قال بأن الريح العقيم قد أنتجت في حضرة الثبوت ما كان قد خرج عنها وهو مشهود للحق وبه تعلقت المشيئة بقوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي يردكم إلى الحالة التي كنتم موصوفين فيها بالعدم وإنما كان هذا عقما لأنه لم يظهر عنه وجود العين لنفسه وإن كان ظاهرا مشهودا لخالقه ومن لم يشهد رجوع أعيان الصور الموجودة إلى العدم عند توجه المشيئة أو هبوب الريح العقيم قال إن ذلك لا ينتج شيئا فإن الإيجاد للاقتدار لا للمشيئة فقط وللريح اللاقحة لا للعقيم إذ لو ظهر شي‏ء وجودي عنها لم تكن عقيما فهذا سبب الخلاف بين أهل الكشف فمتعلق النافي عين الوجود ومتعلق المثبت عين الثبوت فما تواردا على شي‏ء واحد فلا خلاف في الحقيقة إذ كان هذا الطريق عند المحققين منا لا يتصور فيه خلاف إلا أن يكون مثل هذا وهذا خلاف لفظي فإذا فسر كل واحد ما أراده بذلك اللفظ ارتفع الخلاف ويكفي ما أومأنا إليه‏

[اختلاف المظهرين باختلاف المنازل‏]

ومن هذا المنزل التجلي الشمسي لما وقع التشبه عند علماء الرسوم في رفع الشك عن الرائي في المرئي بالشمس والقمر ليلة البدر وهو من بعض الوجوه المقصودة في هذا الحديث ولكن عرف المحققون زائدا على هذا أن المظهرين مختلفان وأن التجلي المشبه بالقمر ليلة البدر مظهر خاص لأنه قال ليلة البدر ولم يقل في إبداره فأضافه إلى الليلة فإني أشاهده بدرا مع وجود الشمس بالنهار فما أضافه إلى الليلة إلا لأمر عرفه المحققون وليس هذا منزل الكلام عليه ولكن هذا المنزل يتضمن منزل التجلي في الشمس فإن الحق يتعالى عند المحققين أن يتجلى في صورة واحدة مرتين أو لشخصين فلا تكرار في أمر عند الحق للإطلاق الذي هو عليه والاتساع الإلهي والتكرار مؤد إلى الضيق والتقييد فاعلم إن التجلي الشمسي أي المشبه بالشمس هو يسمى عندنا التجلي الأوسع وهو التجلي الذي لا يفنى الإنسان عن رؤية نفسه فيه وقد أومأنا إليه في أول هذا الكتاب في باب الأرض التي خلقت من بقية الطينة الآدمية وهذا التجلي مظهر ذاتي عجيب ونسب التجلي فيه إلى معلوله لا إلى علته مع ظهور العلة في معلولها عينا محققة مجهولة الكيفية كظهور الشمس في النهار مع كون النهار معلولا عن ظهور الشمس ونور السراج عن السراج المنبسط في زوايا الكون فمثل هذا يسمى شهود العلة ومعلولها معا فكل تجل لا يغنيك عنك فهو بهذه المثابة وإنما سمي أوسع لأن المشاهد يعم رؤيته المتجلي والمتجلي فيه وله وغير الأوسع لا تشاهد غيره لا نفسك ولا غيرك ولا تعلم شهودك ولا ما أنت فيه حتى تعود إليك ويقع الحجاب فلو قرع الحجاب كان ذلك التجلي مقيدا ضيقا إذ قيده الحجاب والأوسع يظهر في الحجاب وفي غير الحجاب ويفرق الشاهد بين الصورتين ولهذا يقال فيهم ردوهم إلى قصورهم للاشارة إلى عجزهم أي يحبسون فيه وهنا بحور تحوي على أنواع من نفيس الجواهر لا يدركها إلا كل غواص واسع النفس عاشق في الغيب فقد بينت لك المقصود من هذا التجلي الذي يحويه هذا المنزل وفوائده لا تحصى لو ذهبنا نذكرها ما وسعها ديوان فإن له التأبيد في العالم العلوي في الدنيا وله التأبيد في العالم الأخروي السفلي وما ثم تجل يجمع فيما يكون عنه بين الضدين من ألم ولذة إلا هذا التجلي وهو كتجلي المحبوب للمحب يعانق غيره ويقبله فهو من نظره في لذة ومن نظره في ألم ومن هذا المنزل معرفة الجود المقيد بالخوف والجزاء ومرتبة الصدق وإن قبح ومرتبة الكذب وإن حسن والغني المكتسب وهو الغني العرضي وعلامات السعادة وعلامات الشقاء

[اختلاف سبب العطاء]

واعلم أن أسباب العطاء تختلف فمنهم من يعطي للعوض ويسمى شراء وبيعا ففيه من الجود إن المشتري قد أنعمت عليه من كونك بائعا ماله غرض عظيم في تحصيله وقد أعطاك هو ما هو مستغن عنه فكل واحد منهما قد جاد على صاحبه بإيصاله إليه ما كان له غرض في تحصيله إذ كان له منع ذلك فبهذا القدر يلحق بباب الجود من جهة المعطي له اسم مفعول لا من جهة المعطي اسم فاعل وقد يعطي الإنسان من هذا الباب خوفا على عرضه أو حلول آلام حسية تحل به فكأنه يشتري الثناء الحسن والعافية والأمن بذلك العطاء فهو كالأول والفرق بينهما إن الذي اشترى به في الأول هو مما يمكن أن يكون له فيه غرض وهذا لا يمكن أن يكون له في الألم وإزالة العافية والأمن غرض أصلا ومن يقول بخلاف هذا من أصحابنا إن كان محققا كأبي يزيد في قوله‏

وكل مآربي قد نلت منها *** سوى ملذوذ وجدي بالعذاب‏

فقد أبان عن مقصوده وهو اللذة وهو ما قلناه وذهبنا إليه وإن لم يكن محققا فما هو من أصل طريقنا بالمعنى وإن ظهر بالصورة فلا كلام لنا معه ومنهم من يعطي للانعام وغير ذلك وليس من هذا المنزل إلا ما ذكرناه خاصة ومن هذا الباب‏

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه‏

فأمرنا بمحبته لإنعامه وإحسانه وهل يكون منه سبحانه في حق العباد أمر وجودي يخرج عن الإنعام بوجه من الوجوه اختلف أصحابنا في ذلك فمنهم من رأى أن الإنعام فيه عين وجوده ولا يلتفت إلى الأغراض المتعلقة مما يعطيه حكم هذا الموجود المنعم عليه بالوجود فإنه قد أنعم على الألم بوجود عينه وإن كان من يتألم به لا يوافق غرضه فهو نعمة الله على نفسه ولو توقف الأمر على عموم النعمة على الكل بالعين الواحدة ما كان شي‏ء أصلا فإن الحقائق تأبى ذلك فإذا له في كل وجود نعمة فمن كان مقامه الإيثار يصدق في غرضه بزهده إذا قام به حكم الألم أن يشكر الله على ما أنعم به على الألم من وجود عينه بعد أن لم يكن إيثار الجناب الله على غرضه حيث ظهر في الملك من يساعده على تعظيم الله وشكره لأنه يشاهد شكر الألم لله تعالى على إيجاد عينه فأعظم شفيع يكون لمن هذه حاله عند الله الألم من الموجودات والاسم المبلى والمسقم من الإلهيات فيكون نتيجة تلك الشفاعة وجود اللذة ورحلة الألم إما بزوال السبب أو ببقائه فيكون خرق عادة وهذا من أعظم الخلق الذي يشرف به الإنسان وأما إيثاره في هذا لإرادة الله فلا يدري أحد ما يحصل له من اسمه المريد من الخير إلا الله الذي خصه بهذه الحال الشريفة فهذا هو الصدق مع الله في المعاملة وإن قبح فإنه لو نزل ذلك الألم بغيره فلا بد أن تصحبه هذه الحالة وقبيح عليه في حق الغير أن يراه يشكر الله على ما قام بذلك الغير من الألم ولا سيما إن كان محبوبا له أو نبيا أو رسولا وبما ينتجه هذا المقام من وجود العافية في ذلك الغير ستر القبح الذي كان لبسه هذا المحقق وأما من ترك العطاء في مثل هذا الموطن الذي ذكرناه فأنت تعرف مما بيناه لك ما سبب ذلك الترك وما المشهود لهذا التارك في وقت الترك فإنه يندرج علم ذلك كله فيما قررناه فابحث عنه فإنه يطول إن أوردناه وقد أعطيناك المفتاح وعينا لك قفله فافتح ما شئته من ذلك وأما الغني المكتسب في هذا الباب فهو حكمه فإن الإنسان إذا استغنى عن الغير كان دليلا على جهله بالحقائق إذ كان الغير لا أثر له فيه فقد علق غناه بغير متعلق وإن استغنى عن الله تعالى فأجهل وأجهل فإنه خرج بهذا الوصف عن العلم المحقق وعن الإسلام فلا أخسر منه لأنه لا أجهل منه فالاستغناء لا يصح حقيقة فإذا أضيف الغني إلى أحد فهي إضافة عرضية لا ذاتية ولهذا هو الاسم الغني للحق تعالى وصف سلبي سلب عنه الافتقار إلى العالم ومن افتقر إلى شي‏ء لم يستغن عنه البتة فالاستغناء على الحقيقة إنما هو بالأسباب من حيث النسب أي من حيث إنها نسب فكل نسبة أذهبت عنك ضدها فهي الحاكمة عليك وهل تسمى بغني أم لا فلك النظر فيها بحسب ما تعطيك حقيقة تلك النسبة فإن كانت أغنتك عن غيرها فهي غنى وأنت غني بها وإن لم تغنك فما هي غنى ولا أنت غني بها فالشبع مثلا بمجرد حقيقته لا يقال فيه إنك قد استغنيت به عن الجوع من حيث حقيقة الجوع لأن الجوع ليس مطلوبا لك حتى تستغني بالشبع عنه ولكن إن كان الجوع إذا قام بك أعطاك من الصفاء والرقة واللطافة والتحقق بالعبودة والافتقار ما يعطيه حقيقته فأنت طالب له غير مستغن عنه فإن أعطاك الشبع ما أعطاك الجوع من كل ما ذكرناه فقد استغنيت بالشبع عن الجوع إذ الجوع ليس مطلوبا لنفسه وإنما هو مطلوب لما ذكرناه فإذا وجدنا ذلك في ضده فلا حاجة لنا به إذ الطبع يرده كما إن الطبع يوجده ولذلك‏

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجوع ويقول إنه بئس الضجيع‏

وذلك لأنه أيضا وإن أعطى ما ذكرناه ولكن لا يقطع أن يكون افتقاره ذلك إلى الله بل قد يكون لغير الله فلذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إنه بئس الضجيع في العموم فإن شيوخ الطريق يقولون لو بيع الجوع في السوق لزم المريد أن يشتريه ومن نظر منهم إلى ما نظره النبي صلى الله عليه وسلم جعله من أغاليط أهل الطريق كأبي عبد الرحمن السلمي إذ عمل أوراقا فيما غلطت فيه الصوفية وهو مذهبنا وللجوع حد ومقدار وهو الجوع المحقق بخلاف الجوع المتخيل فما وقعت الاستعاذة النبوية إلا من الجوع المحقق فإنه يكون به الإنسان عاصيا للشرع ظالما لنفسه إذا كان اختيارا ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوع قط إلا اضطرارا وهو حال العلماء بالله لأنهم من صفتهم العدل‏

وقد أبنت لك ما فيه كفاية فإنه تلويح يغني عن التصريح‏

[علامة عمل السعادة أن يستعمل الإنسان في الحضور مع الله‏]

وأما أعمال السعادة فعلاماتها أن يستعمل الإنسان في الحضور مع الله في جميع حركاته وممكناته وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى الله تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود منها وأما الارتباط المذموم منها فإن نسبه إلى الله فقد أساء الأدب وجهل علم التكليف وبمن تعلق ومن المكلف الذي قيل له افعل إذ لو لم يكن للمكلف نسبة إلى الفعل بوجه ما لما قيل له افعل وكانت الشريعة كلها عبثا وهي حق في نفسها فلا بد أن يكون للعبد نسبة صحيحة إلى الفعل من تلك النسبة قيل له افعل وليس متعلقها الإرادة كالقائلين بالكسب وإنما هو سبب اقتداري لطيف مدرج في الاقتدار الإلهي الذي يعطيه الذليل كاندراج نور الكواكب في نور الشمس فتعلم بالدليل أن للكواكب نورا منبسطا على الأرض لكن ما ندركه حسا لسلطان نور الشمس كما يعطي الحس في أفعال العباد إن الفعل لهم حسا وشرعا وأن الاقتدار الإلهي مندرج فيه يدركه العقل ولا يدركه الحس كاندراج نور الشمس في نور الكواكب فإن نور الكواكب هو عين نور الشمس والكواكب لها مجلى فالنور كله الشمس والحس يجعل النور للكواكب فيقول قد اندرج نور الكواكب في نور الشمس وعلى الحقيقة ما ثم إلا نور الشمس فاندرج نوره في نفسه إذ لم يكن ثم نور غيره والمرائي وإن كان لها أثر فليس ذلك من نورها وإنما النور يكون له أثر من كونه بلا واسطة في الكون ويكون له أثر آخر في مرآة تجليه بحكم يخالف حكمه من غير تلك الواسطة فنور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما لا يعطيه من الحكم بغير البدر لا شك في ذلك كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شي‏ء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلى وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه كذلك العبد ليس فيه من خالقه شي‏ء ولا حل فيه وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حسا والحال الحال وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر بهذه المثابة مع الخفاء وإنه لا يعلم ذلك كل أحد فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسألة مع الخلق أخفى وأخفى فمن وقف على هذا العلم فهو من أعلى علامات السعادة وفقد مثل هذا من علامات الشقاء وأريد بهذا سعادة الأرواح وشقاوتها المعنوية وإنما السعادة الحسية والشقاوة فعلاماتهما الأعمال المشروعة بشروطها وهو الإخلاص قال تعالى أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وقال وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ ويكفي هذا القدر من العلامات مجملا والله الموفق لا رب غيره‏

[أما خيبة المعتمد على الأمور التي نصبها الله للاعتماد عليها]

وأما خيبة المعتمد على الأمور التي نصبها الله للاعتماد عليها ولما ذا يخيب صاحبها مع كون الحق نصبها لهذا الأمر وأهلها له فاعلم أيها الأخ الولي أن الأمور التي نصبها الحق للاعتماد عليها ما خرجت عنه ولكن جعلها هذا الخائب أربابا من دون الله فاعتمد عليها لذواتها لا على من جعلها فاضربه الجهل كما ذكرناه آنفا فالآثار الظاهرة عن نور الشمس في مرآة البدر إذا نظر فيه الناظر واعتمد على الشمس في ذلك من حيث هذا المجلى الخاص الذي ربط الله الأثر به فهذا لا يخيب فاته أعطى الأمر حقه وهذا لا ينكسف البدر في حقه أبدا والذي يخيب هو الذي ينكسف البدر في حقه فيبقى في ظلمة جهله مع وجود ذات المرآة القمرية فيكون هذا الخائب مع ذلك المظهر في الظلمات فإن القمر قد حجب في حق هذا الشخص الذي كان يعتمد عليه إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ من دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ وهي الظلمة فإن الظلمة جهنم وأية ظلمة وأي جهنم أعظم من الجهل وبها شبه الله في قوله أَوْ كَظُلُماتٍ فقال ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ وهو جهل على جهل وهو من جهل ولا يعلم أنه جهل فنفى عنه إن يقارب رؤية يده فكيف إن يراها وأدخل اليد هنا دون غيرها لأنها محل وجود الاقتدار وبها يقع الإيجاد أي إذا أخرج اقتداره ليراه لم يقارب رؤيته لظلمة الجهل لأنه لو رآه لرآه عين الاقتدار الإلهي أ لا تراه إذا أخرجه في‏

النور الذي هو العلم رأى يده وهو اقتداره فعلم إن الاقتدار الكوني هو اقتدار الحق لارتفاع الظلمات المتراكمة التي كانت بعضها فوق بعض ولهذا وقع التشبيه بأشد الظلمات فإن ظلمة الجو تقترن معها ظلمة البحر تقترن معها ظلمة الموج تقترن معها ظلمة تراكم الموج تقترن معها ظلمة السحاب التي تحجب أنوار الكواكب فلا يبقى للنور ظهور لا في عينه ولا في مجلى من مجاليه فظلمة الليل ظلمة الطبع وظلمة البحر ظلمة الجهل وهو فقد العلم وظلمة الفكر ظلمة الموج وظلمة الموج المتراكم ظلمة تداخل الأفكار في الشبه وظلمة السحاب ظلمة الكفر فمن جمع هذه الظلمات فقد خسر خسرانا مبينا وهذه حالة المعطلة لا غيرهم‏

[علم الإفصاح عن درجات القرب الإلهي من حضرة اللسن‏]

وأما ما يتضمنه هذا المنزل من علم الإفصاح عن درجات القرب الإلهي من حضرة اللسن فاعلم أن ذلك معرفة علم الشارع المترجم عن الله الذي أمرنا بالإيمان بمحكمه ومتشابهه ولنقبل جميع ما جاء به فإن ناولنا شيئا من ذلك على أنه مراد المتكلم به في نفس الأمر زال عنا درجة الايمان فإن الدليل حكم على الخير فيعطل حكم الايمان وجاء العلم الصحيح من المؤمن يقول لصاحب هذا الدليل أما القطع منك بأن هذا الذي أعطاك نظرك هو مقصود المفصح بما أفصح به فهو عين الجهل وفقد العلم الصحيح وإن صادف العلم وقد زال عنك الايمان والسعادة مرتبطة بالإيمان وبالعلم الصحيح عن علم والعلم الصحيح هو الذي يبقى معه الايمان فعلى العارف أن يبين طريق السعادة نيابة عن الله تعالى في خلقه كنيابة القمر عن الشمس في إيصال النور فالأنبياء المرسلون عليهم السلام هم التراجمة عن الحق والورثة على درجتهم بما يعطيهم الله من الفهم فيما جاءت به الرسل من كتاب وسنة فهذا هو علم الإفصاح مختصر

[اجتماع الضدان في العلم الإلهي سبب تألفت الضرتان‏]

وأما علم تألف الضرتين فاعلم إن أبا سعيد الخراز قيل له بم عرفت الله فقال بجمعه بين الضدين وتلا هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ أي هو أول من عين ما هو آخر وظاهر من حيث ما هو باطن لأن الحيثية في حقه واحدة وكل ضدين ضرتان وهذا لا يدرك من قوة العقل فإن قوة العقل لا تعطيه وإنما يدرك هذا من المقام الذي وراء طور العقل الذي كان من ذلك الطور أعطى الواجبات وجوبها والجايزات جوازها والمستحيلات إحالتها والأحديات أحديتها فهو الذي جعل الواحد واحدا كما جعل الواجب واجبا بإعطائه الوجوب وليس في قوة العقل إدراك ما ذكرناه من حيث فكره فهذا علم صحيح إلهي لا عقلي فإذا اجتمع الضدان في العلم الإلهي فقد تألفت الضرتان وتحابا إذ كانا لعين واحدة فتدبر هذا الفصل بنور الايمان لا بنور العقل فإنه مردود عقلا غير مقبول وكما لم يكن في قوة البصر أن يدرك المعقولات ولم يتعد حده كذلك العقل ليس في قوته إن يدرك ما يعطيه البصر بذاته من غير واسطة البصر فإذا عجزت قوة العقل أن تستقل بعلم المبصرات من حيث ما هي مبصرات وهي مخلوقة وقوة البصر مخلوقة فمن له بإدراك ما يخرج عن طوره إلى ما هو أعلى في نسبته إلى الحق وقد عجز عن إدراك ما خرج عن طوره إلى ما هو أنزل درجة وهو الحس في زعمه ومن افتقر إلى مخلوق مثله في أمر فهو إلى الخالق أفقر ويكفي هذه الإشارة فيما يعرفه العارفون من ذلك‏

[الاصطلام نار ترد على قلوب المحبين تحرق كل شي‏ء تجده ما سوى المحبوب‏]

وأما معرفة الاصطلام اللازم وصفة من أعطى مقام هذا الاصطلام من المقربين من أمثالهم ممن لم يعطه فاعلم أن الاصطلام نار ترد على قلوب المحبين تحرق كل شي‏ء تجده ما سوى المحبوب وقد تذهب في أوقات بصورة المحبوب من نفس المحب وهو الوقت الذي يطلب المحب أن يتخيل محبوبه فلا يقدر على تخيله ولا يقيم صورته لقوة سلطان حرقة لهيب نار الحب فيقال فيه في ذلك الحال مصطلم وهو الذي أراد القائل بقوله‏

أودع فؤادي حرقا أودع *** ذاتك توذى أنت في أضلعي‏

وارم سهام الحب أو كفها *** أنت بما ترمي مصاب معي‏

موقعها القلب وأنت الذي *** مسكنه بذاك الموضع‏

ومن هذه الحال قال قيس بن الملوح مجنون بنى عامر صاحب ليلى وكان قد جاءته ليلى وهو مصطلم يأخذ الجليد ويلقيه على صدره فيذيبه من ساعته حرارة الفؤاد وهو يصيح ليلى ليلى طلبا لها لفقد صورتها من خياله فنادته يا قيس أنا مطلوبك أنا ليلى فلم يكن لها في نفسه صورة متخيلة يعرفها بها إلا أنه لما سمع منها اسمها قال لها إليك عني فإن حبك‏

شغلني عنك فهذا حال الاصطلام وهو نعت لازم للحضرة الإلهية مؤثر ولكل اسم إلهي مشهود فيه جمال الحق يحول بين العبد وبين تكييف الحق ويذهب بكل صورة يضبطها أو يتخيلها ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام‏

من الإلظاظ وهو المثابرة وقرن الجلال بالإكرام وما ورد الجلال قط في النبويات إلا والإكرام مصاحب له ليبقى رسم العبد ولا يذهب بعينه فالجلال الذي هو جلال الجمال يكسوك الهيبة فتهاب المقام وهو الذي يجده المحب والعارف في نفسه من تعظيم المحبوب فيؤثر جنابه على كل شي‏ء فإكرام الله به أنه يؤثره على كل شي‏ء وثم اصطلام يزول في الوقت وهو ما يرد على القلب من مشاهدة المحبوب في صورة الخيال فما دام هذا الخيال دام اصطلامه والجلال يمحو هذه الصورة من النفس غيرة من تقييده بصورة وله الإطلاق فيزول اصطلام تلك الصورة المقيدة بزوالها ويبقى الاصطلام اللازم الذي هو أثر الجلال في النفس فيرى المحب يكذب الصورة المتخيلة في نفسه التي تقول له أنا محبوبك ويعرض عنها إجلالا لمحبوبه أن يقيده لمعرفته بأن محبوبه لا يتقيد فلهذا يحترق في نفسه حيث يريد أو يتمنى أن يضبط ما لا ينضبط لينعم به ولهذا كان العلم أشرف من المحبة وبه أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله الزيادة منه لأنه عين الولاية الإلهية به يتولى الله عباده وبه يكرمهم وبه يعرفون أنه لا يعرف وأما المحب إذا لم يكن عارفا فهو يخلق في نفسه صورة يهيم فيها ويعشقها فما عبد ولا اشتاق إلا لمن هو تحت حيطته ولا يزيله عن هذا المقام إلا المعرفة فحيرة العارف في الجناب الإلهي أعظم الحيرات لأنه خارج عن الحصر والتقييد

تفرقت الظباء على خداش *** فما يدري خداش ما يصيد

فله جميع الصور وما له صورة تقيده ولهذا

كان يقول صلى الله عليه وسلم اللهم زدني فيك تحيرا

لأنه المقام الأعلى والمنظر الأجلى والمكانة الزلفى والمظهر الأزهى والطريقة المثلى ومن هذه الحضرة صدر الإنذار فعدم القرار وحل البوار بساحة الكفار فلم يبق ستر ولا حجاب إلا مزقه وخرقه هذا المشهد الأسنى فإن الستر يقيد المستور والحجاب يحد المحجوب ولا حد لذاته ولا تقييد لجلاله فكيف يستره شي‏ء أو تغيب له عين تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ فمن قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فقد صدق لأنه ما ثم موجود لا يغيب له عين ولا يحصره أين إلا الله فجميع الصور الحسية والمعنوية مظاهره فهو الناطق من كل صورة لا في كل صورة وهو المنظور بكل عين وهو المسموع بكل سمع وهو الذي لم يسمع له كلام فيعقل ولا نظر إليه بصر فيحد ولا كان له مظهر فيتقيد فالهو له لازم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَمْحُوا وهو عين ما يمحو قال ويُثْبِتُ وهو عين ما يثبت ف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ في هذا الحكم وبه شهد له العلم الصحيح الموهوب فعلم الدليل ينفيه إذ لم يكن بيده منه ولا له تعلق بسوى صفات السلب والتنزيه وعلم الكشف يثبته ويبقيه ولا يبدو له مظهرا لا ويراه فيه والعلمان صحيحان فهو لكل قوة مدركة بحسبها ليعرفها أنها ما زالت عن منصبها وأنها لم تحصل بيدها من العلم بالله إلا ما هي عليه في نفسها فذاتها عرفت ونفسها وصفت فخرج عن التقييد والحدود بظهوره فيها ليكون هو المعبود فقد قضى أن لا يعبد إلا إياه فكانت الأصنام والأوثان مظاهر له في زعم الكفار فأطلقوا عليها اسم الإله فما عبدوا إلا الإله وهو الذي دل عليه ذلك المظهر فقضى حوائجهم وسقاهم وعاقبهم إذ لم يحترموا ذلك الجناب الإلهي في هذه الصورة الجمادية فهم الأشقياء وإن أصابوا أو لم يعبدوا إلا الله فانظر إلى هذا السريان الوجودي في هذه المظاهر كيف سعد به قوم وشقي به آخرون قال بعضهم كل ما تخيلته في نفسك أو صوره وهمك فالله بخلاف ذلك فصدق وكذب وأظهر وحجب وقال الآخر لا يكون الحق مدلولا لدليل ولا معقولا للعقول لا تحصله العقول بأفكارها ولا تستنزله المعارف بأذكارها فإذا ذكر فبه يذكر وبه يفكر ويعقل فهو عقل العقلاء وفكرة المفكرين وذكر الذاكرين ودليل الدالين لو خرج عن شي‏ء لم يكن ولو كان في شي‏ء لم يكن فهذا قد أبنت لك ما أثره الاصطلام اللازم وأن العلماء هم المقربون الذين أدركوا هذا المشهد الأحمى وهذه المعرفة العظمى ومن سواهم فقد نصب له علامة يعبدها وحقيقة يشهدها وهي ما انطوى عليه اعتقاده لدليل قام عنده أو قلد صاحب دليل فهو عند نفسه قد ظفر بمطلوبه واعتكف على معبوده وسكن إليه واستراح من الحيرة وكفر بما ناقض ما عنده وكفر بلا شك غيره ممن اعتقد غير معتقده فلهذا يكفر

بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا دنيا وآخرة والعالم المحقق لما هو الأمر في عينه يتفرج في ذاته وفي العالم ظاهره وباطنه فهو العين المصيبة وهو المثل المنزه المنصوص عليه الذي نفى الحق أن يماثل أو يقابل بقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ أي ليس مثل مثله شي‏ء فالكاف كاف الصفة ما هي زائدة كما يرى بعضهم فبعض العلماء يرى في ذلك أن لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل فأحرى إن يماثل هو في نفسه وعند بعضهم نفي المثل عن المثل المحقق الذي ذكرناه سئل الجنيد عن المعرفة والعارف فقال لون الماء لون إنائه فأثبت الماء والإناء فأثبت الحرف والمعنى والإدراك ونفى الإدراك ففرق وجمع فنعم ما قال وبعد أن أبنت لك عن مرتبة الاصطلام اللازم فلنبين لك ما بقي من هذا المنزل وهو العلم بالجود الإلهي الخارج عن الوجوب وهل يكون الحق عوضا ينال بعمل خاص أم لا

[إن لله جودا مقيدا وجودا]

فاعلم إن لله جودا مقيدا وجودا مطلقا فإنه سبحانه قد قيد بعض جوده بالوجود فقال كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة لقوم خواص نعتهم بعمل خاص وهو أنه من عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ من بَعْدِهِ وأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فهذا جود مقيد بالوجوب لمن هذه صفته وهو عوض عن هذا العمل الخاص والتوبة والإصلاح من الجود المطلق فجلب جوده بجوده فما حكم عليه سواه ولا قيده غيره والعبد بين الجودين عرض زائل وعرض ماثل قال سهل بن عبد الله عالمنا وامامنا لقيت إبليس فعرفته وعرف مني أني عرفته فوقعت بيننا مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إن وقفت ووقف وحرت وحار فكان من آخر ما قال لي يا سهل الله عز وجل يقول ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فعم ولا يخفى عليك إني شي‏ء بلا شك لأن لفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم وشي‏ء أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته قال سهل فو الله لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهم منها ما لم نفهم وعلم منها ومن دلالتها ما لم نعلم فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أتلو الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى فيها فَسَأَكْتُبُها الآية سررت وتخيلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه

بما يقصم ظهره وقلت له يا ملعون إن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم فقال فَسَأَكْتُبُها فتبسم إبليس وقال يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ولا ظننت إنك هاهنا أ لست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته قال سهل فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي وو الله ما وجدت جوابا ولا سددت في وجهه بابا وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت وو الله ما أدري بعد هذا ما يكون فإن الله سبحانه ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكي عن إبليس من الحجج فما رأيت أقصر منه حجة ولا أجهل منه بين العلماء فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله تعجبت وعلمت أنه قد علم علما لا جهل فيه فهو أستاذ سهل في هذه المسألة وأما نحن فما أخذناها إلا من الله فما لإبليس علينا منة في هذه المسألة بحمد الله ولا غيرها وكذا أرجو فيما بقي من عمرنا وهي مسألة أصل لا مسألة فرع فإبليس ينتظر رحمة الله إن تناله من عين المنة والجود المطلق الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب وبه تاب على من تاب وأصلح فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ عن التقييد في التقييد فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه فالعارف كذلك في جوده لا يتقيد ولا يعطي واجبا يجب عليه فإن وجوب العطاء إنما سببه الملك ولا ملك للعارف مع الله فالمال الذي بيد العارف هو لله ليس له والزكاة تجب في عين المال على رب المال ولا رب له سواه سبحانه فقد أوجب على نفسه أن يخرج من هذا المال مقدارا معينا هو حق لطائفة من خلقه أوجبه لهم على نفسه في هذا المال الذي بيد العارف فيخرج العارف من هذا المال حق تلك الطائفة نيابة عن رب المال كما يخرج الوصي عن اليتيم بحكم الوكالة فإنه وليه ومن هذا الباب زلت طائفة في كشفها لهذا المقام فلم تؤد زكاة ما بيدها من المال ورأيت منهم جماعة مع كونهم يخرجون ما هو أكثر من الزكاة ولا يزكونه ويقولون إن الله تعالى لا يجب عليه شي‏ء وهذا المال لله ليس لي ويدي فيه عارية وأنا في هذه المسألة حنفي المذهب فكما لا يجب على ولي اليتيم إخراج الزكاة عن اليتيم لأن اليتيم لا تجب عليه الزكاة في ماله لأنه المخاطب فلا أزكيه فقد بينت لك وفقك الله الجود الإلهي وتقسيمه وأما هل يكون الحق عوضا لعمل خاص أم لا فاعلم إن مالك بن أنس رضي الله عنه يقول في الرجل يعطي الرجل هدية ثم إن المعطى له لا يكافئه فيطلبه بالمكافاة عند الحاكم‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!