الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الخامس والستون وثلاثمائة في معرفة منزل أسرار اتصلت في حضرة الرحمة بمن خفي مقامه وحاله على الأكوان وهو من الحضرة المحمدية]

و قال في الباب الخامس والستين وثلاثمائة في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: 152] . وفي نحو حديث: إن اللّه لا يمل حتى تملوا اعلم أن الحق تعالى لا يعامل عباده إلا بما يعاملونه به فهو تعالى بحكم التبعية لهم في ذلك وإن كان ابتداء الأمر منه ولكن هكذا علمنا وقرر لدينا فننسب إليه تعالى ما ينسبه لنفسه ولا يمكن لنا إلا ذلك فهي من حكم تبعية الحق تعالى للمخلوق تنزلا للعقول وأطال في ذلك.

وقال فيه سبب غلط منكري النبوة من الحكماء قولهم إن الإنسان إذا صفى جوهرة نفسه من كدورات الشهوات وأتى مكارم الأخلاق العرفية انتقش في نفسه ما في العالم العلوي من الصور بالقوة فنطق بالغيوب واستغنى عن الوسائط والأمر عند أهل اللّه ليس كذلك وإن جاز وقوع ما ذكروه في بعض الأشخاص وذلك أنه لم يبلغنا قط عن أحد من نبي ولا حكيم، أنه أحاط علما بما يحوي عليه حاله في كل نفس إلى حين وفاته بل يعلم بعضا، ويجهل بعضا لو سئل اللوح المحفوظ عما خط الحق تعالى فيه من العلوم ما عرف ذلك، وأطال في رد أقوال منكري النبوة.

(و قال) : فيه لقد عملت على تحصيل إيماني بما جاء من عند اللّه ولم أكتف بالسماع حتى علمت من أين آمنت وبماذا آمنت لكن مجملا وما زحزحني علم ما رأيته وعاينته عن إيماني فلم أزل أقول، وأعمل ما أقوله، وأعمله لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: «لا لعلمي ولا لشهودي أنا فواخيت بين الإيمان والعيان» قال: وهذا مقام ما وجدت له ذائقا إلى وقتي هذا وإن كنت أعلم أن في رجال اللّه من يناله لكن ما اجتمعت به قال: وكذلك أشهدني اللّه تعالى جميع أنبيائه وأوليائه من آدم إلى يوم القيامة خاصهم وعامهم كما تقدم ذلك في الباب التاسع والأربعين وثلاثمائة.

(قلت) : وذكر الشيخ في الباب الثالث والستين وأربعمائة: أنه رأى جميع المؤمنين كذلك من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة في صعيد واحد، وأنه صاحب من الرسل غير محمد صلى اللّه عليه وسلم جماعة، منهم إبراهيم الخليل قرأ عليه القرآن وعيسى تاب على يديه أول دخوله في الطريق. وموسى أعطاه علم الكشف، والإفصاح عن الأمور وعلم تقليب الليل والنهار، وقال: ومن حين حصل عندي هذا العلم زال الليل وبقي النهار، في اليوم كله فلم تغب شمسي ولم تطلع وكان لي هذا الكشف إعلاما بأنه لا حظ لي في الشقاء في الدار الآخرة قال: ولم يكلمني إلا هود عليه السلام، انتهى. وقد ذكرنا في أجوبة شيخنا حكمة كونه لم يكلمه إلا هود عليه السلام، فراجعها واللّه أعلم. وقال: سعي الإنسان في عدالته عند الحكام لقبول شهادته من باب السعي في حق الغير لا في حق نفسه وذلك لأمور تطرأ فإنه إذا لم يكن عدلا لم يقبل الحاكم شهادته وربما ظهر الباطل على الحق فوجب السعي في العدالة لهذا قال عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» . فلم يكن مراده صلى اللّه عليه وسلم، إلا إعلام أمته بمقامه ليريحهم من تعب يوم القيامة، ولا يمشون في ذلك اليوم إلى نبي بعد نبي كما تمشي الأمم فيقتصرون على محمد صلى اللّه عليه وسلم، بما أعلمهم من ذلك بأن الرجوع إليه آخر الأمر واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!