الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى الحج وأسراره |
الصفحة 727 - من الجزء الأول (عرض الصورة)أُحْصِرْتُمْ هو من أحصر لا من حصر يقال فعل به كذا إذا أوقع به الفعل فإذا عرضه لوقوع ذلك الفعل يقال فيه أفعل ومثاله ضرب زيد عمرا إذا أوقع به الضرب وأضرب زيد عمرا إذا جعله يضرب غيره وفي اللسان أحصره المرض وحصره العدو بغير ألف فهو في المرض من الفعل الرباعي وفي العدو من الفعل الثلاثي فالعبد لما كان محل ظهور الأفعال الإلهية فيه وما تشاهد في الحس إلا منه ولا يمكن أن يكون إلا كذلك نسب الله الفعل للعبد ونسب الناس الفعل للمخلوق وإن كان أصاره الحق لذلك فصار فنسبة صار تجعل الفعل للعبد ونسبة أصار تجعل الفعل لله فمن راعى أصار لم يوجب عليه الهدى لأن الأصل عدم الفعل من العبد ومن راعى أصاره الحق فصار أوجب عليه الهدى ولهذا فصلنا نحن في ذلك فقلنا إن قال محلي حيث يحبسني فقد تبرأ العبد من حكم الحصر فلا هدي عليه وإن لم يقل كان الهدى عليه عقوبة للترك فالفعل من المخلوق للعبد ظهور الفعل منه بالاختيار والقصد والمباشرة حقيقة مشهودة للبصر والفعل من المخلوق من كون الحق أصاره إلى ذلك فكان له كالآلة للفاعل والآلة هي المباشرة للفعل وينسب الفعل لغير الآلة بصرا وعقلا فيقال زيد الضارب والمباشر للضرب والذي يقع به الضرب إنما هو السوط لا زيد هكذا أفعال العباد فهم للحق كالآلة لزيد النجار أو الحائك أو الخائط أو ما كان وبهذا القدر تعلق الجزاء والتكليف لوجود الاختيار من الآلة والأصل الغفلة الغالبة وهي مسألة دقيقة في غاية الغموض ولا دليل في العقل يخرج الفعل عن العبد المخلوق ولا جاء به نص من الشارع لا يحتمل التأويل فالأفعال من المخلوقين مقدرة من الله ووجود أسبابها كلها بالأصالة من الله وليس للعبد ولا لمخلوق فيها بالأصالة مدخل إلا من حيث ما هو مظهر لها ومظهر اسم فاعل واسم مفعول يقال في الصنع إذا اختل في صنعته شيء لعدم مساعدة الآلة مع علمه بالصنعة قد أخل منها بكذا وكذا أو يستفهم لم أخللت بها مع علمنا بأنك عالم بها فيقول لم تساعدني الآلة على إبراز ما كان في علمي ويقول المصنوع ما قصر لظهور عينه لا لقصد الصانع فمن حيث الصنعة في المصنوع ما اختل شيء ومن حيث مصنوع ما كان المراد سواه إذا كان الصانع المخلوق اختل فإن كان الخالق فما اختل في الصنعة شيء لأن الكل مقصود لعدم قصور تعلق الإرادة فكل واقع وغير واقع مراد للحق أراد الله إيجاد عرض ما ولم يرد إيجاد محل يقوم به هذا العرض فلم يمكن إيجاد ذلك العرض ما لم يكن المحل فلا بد من وجود المحل إذ كان لا بد من وجود العرض فوجود العرض عن إيجاد اختياري ووجود المحل عن إيجاد غير اختياري ولا يجوز أن يكون اضطرار يا إذ كان لا بد من وجود ذلك العرض فاضطرار الكون من حقيقة عدم هذا الاختيار المحقق فتفطن [العالم خرج على صورة الحق]فإنك إن لم تعرف الأمور من جهة حقائقها لم تعرف أن العالم خرج على صورة الحق يرتبط ما فيه من الحقائق بالحقائق الإلهية وهذا مدرك صعب عليه حجب كثيرة لا ترتفع بفكر ولا بكشف فالأمر دائر بين تأثير حق في خلق وخلق في حق قال تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وقال ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله فللناقة شرب أعني ناقة صالح ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ضرب مثال لقوم يعقلون وما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فالحصر عم الوجود فكل موجود موصوف بحصر ما فهو محصر من ذلك الوجه وقد أبنت لك ما لا يقدر على دفعه كشف ولا دليل عقل نظري والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (وصل في فصول أحكام القاتل للصيد في الحرم وفي الإحرام) وقد تقدم من حكم الصيد طرف في هذا الباب والكلام هنا في قتله لا في صيده في الحرم كان أو في الحل لقوله لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأَنْتُمْ حُرُمٌ الآية وهي آية محكمة واختلفوا في تفاصيلها على حسب فهمهم فيها فمن ذلك هل الواجب قيمته أو مثله فذهب بعضهم إلى أن الواجب المثل وقال بعضهم هو مخير بين القيمة والمثل [قتل الصيد في الحرم أو في الإحرام شهادة للصيد]قتل الصيد شهادة للصيد فهو حي يرزق لأنه قتل تعديا بغير حق في سبيل الله إذ سبيل الله حرمه والحرم صفة المحرم والبقعة فهذا الصيد المتعدي عليه إما بهاتين الصفتين أو بإحداهما فمن تعمد قتله محرما أو في الحرم فقد تعدى عليه فعاد ما أراد به من الموت وإن لم يقم به على القاتل فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ فالصيد مقتول لا ميت والقاتل ميت لا مقتول فهذا هو الميت المكلف كما يطلب الجواب من الميت في قبره عند السؤال مع وصفه بالموت وهذا هو الموت المعنوي فكلف بجزاء مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |