الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى الحج وأسراره |
الصفحة 725 - من الجزء الأول (عرض الصورة)بأوصاف الرب وليس له ذلك [الشرك من مظالم العباد]أ لا ترى الشريك الموضوع لله تعالى من المشرك كيف لا يغفر الله هذه المظلمة فإنها من حقوق الغير لا من حق الله فإنه من كرم الله ما كان لله من حق على العبد وفرط فيه غفره الله له وذلك لأن حقيقته التفريط ولا يعصمه من ذلك إلا الله فالعصمة فيما تقتضيه حقيقته ليست له إنما هي لله وبيد الله فمن لم يخرج عن حقيقته فلا مطالبة عليه ولهذا كانت لله الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ على خلقه فتعين إن الشرك من مظالم العباد فإن الشريك يأتي يوم القيامة من كوكب ونبات وحيوان وحجر وإنسان فيقول يا رب سل هذا الذي جعلني إلها ووصفني بما لا ينبغي لي خذ لي بمظلمتي منه فيأخذ الله له بمظلمته من المشرك فيخلده في النار مع شريكه إن كان حجرا أو نباتا أو حيوانا أو كوكبا إلا الإنسان الذي لم يرض بما نسب إليه ونهى عنه وكرهه ظاهرا وباطنا فإنه لا يكون معه في النار وإن كان هذا من قوله وعن أمره ومات غير موحد ولا تائب كان معه في النار إلا أن الذي لا يرضى بذلك ينصب للمشرك مثال صورته يدخل معه ليعذب بها ولا عذاب على كوكب ولا حجر ولا شجر ولا حيوان وإنما يدخلون معهم زيادة في عذابهم حتى يروا أنهم لن يغنوا عنهم من الله شيئا إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ من دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ فيقولون لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ فهم جمر جهنم فالناس المشركون والحجارة المعبودون [الذين سبقت لهم الحسنى هم عنها مبعدون]وأما من سبقت لهم الحسنى وهم الذين لم يأمروا ولم يرضوا فهم عَنْها مُبْعَدُونَ كعيسى وعزيز وأمثالهما وعلي بن أبي طالب وكل من ادعى فيه أنه إله وقد سعد فيدخل الله معهم في جهنم مثلهم الذين كانوا يصورونها في الكنائس وغيرها نكاية لهم لأن كل عابد من المشركين قد مسك مثال صورة معبوده المتخيلة في نفسه فتجسد إليه تلك الصورة المتخيلة ويدخلها النار معه فإنه ما عبد إلا تلك الصورة التي مسكها في نفسه [تجسد المعاني غير منكور شرعا وعقلا]وتجسد المعاني المتخيلة غير منكور شرعا وعقلا فأما العقل فمعلوم عند كل متخيل وأما الشرع فقد ورد بتصور الأعمال والأعمال أعراض أ لا ترى الموت وهو معنى نسبي إضافي فإنه عبارة عن مفارقة الروح الجسد وأن الله يمثله يوم القيامة للناس صورة كبش أملح فيوضع بين الجنة والنار ويذبح فهكذا تلك المثل [لا شيء أشد من ظلم النفس]وأما الظالم لنفسه من أهل الشرك فنفسه تطالبه عند الله بمظلمتها ولا شيء أشد من ظلم النفس أ لا ترى القاتل نفسه الجنة عليه محرمة [كمال الشيء ما لا يخرجه عن حقيقته]فثبت بهذا إن الكمال للشيء ما لا يخرجه عن حقيقته فإذا أخرج عن حقيقته وما تستحقه ذاته كان نقصا فلهذا قلنا إن النصف كمال في حق من هو سهمه مال الورث وإن انقسم إلى ثلث وربع وثمن وثلثين ونصف وسدس وغير ذلك وكل جزء إذا حصل لمستحق صاحب الفريضة فقد حصل له كمال نصيبه فهو موصوف بالكمال في النصيب مع كونه ما حصل له إلا سدس المال إن كان له السدس ولا يتصف بالنقص [و أتموا الحج والعمرة لله]قال الله وأَتِمُّوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ والعمرة بلا شك تنقص في الأفعال عن أفعال الحج وكمالها إتيانها كما شرعت وكذلك الحج يتصف بالكمال إذا استوفيت صورته وكملت نشأته وهما نشأتان ينشئهما العبد المكلف أنشأها بما أعطاه الله من خلقه على الصورة الإلهية فضرب له بسهم في الربوبية بأن جعل له فعلا وإنشاء فإن انحجب بذلك عن عبوديته فقد نقص وشقي وكان صاحب علة ولهذه العلة جعل الله له دواء فقال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار فأضاف الجرح وهو فعل للعجماء فإن ادعى الربوبية لكونه فاعلا فهو يعلم أنه أفضل من العجماء فإن نسب الفعل إليهما فتنكسر نفسه ويبرأ من علته إن استعمل هذا الدواء ثم يفكر في إن الشرع قد جعل جرح العجماء جبار وجرح الإنسان مأخوذ به على جهة القصاص مع كون العجماء لها اختيار في الجرح وإرادة ولكن العجماء ما قصدت أذى المجروح وإنما قصدت دفع الأذى عن نفسها فوقع الجرح والأذى تبعا بخلاف الإنسان فإنه قد يقصد الأذى فمن حيوانيته يدفع الأذى ومن إنسانيته يقصد الأذى [الإنسان بنيان صنعه رب كريم وأكرم ورحمن]فالعبد رق والرب الكريم خلق فعين الشكل وفصل الأجزاء في الكل ثم الرَّحْمنُ ... خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ وهو ما ينطق به اللسان ثم الرب الأكرم عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ما يخطه البنان فالإنسان بنيان صنعة رب كريم وأكرم ورحمان فهذه أربعة أسماء توجهت على خلق الماء فجعل من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ إذ كان عرشه عليه فالكون المخلوق ظله بفيئه ثم رده إليه فالإلقاء رتق واللقاء فتق فعين السماء من الأرض فتميز الرفع من الخفض وأحكم الصنعة الإنسانية وصبغها بالصبغة الإيمانية في حضرة الفهوانية |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |