الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى الحج وأسراره |
الصفحة 711 - من الجزء الأول (عرض الصورة)اتفق العلماء أن السعي ما يكون إلا بعد الطواف بالبيت وأنه من سعى قبل الطواف يرجع فيطوف وإن خرج عن مكة فإن جهل ذلك حتى أصاب النساء في العمرة أو في الحج كان عليه حج قابل والهدى أو عمرة أخرى وقال بعضهم لا شيء عليه وقال بعضهم إن خرج عن مكة فليس عليه أن يعود وعليه دم وبه أقول [عبودية الاضطرار والوفاء بمقامها]اعلم أن الله لما دعانا ما دعانا إلا أن نقصد البيت فلا ينبغي أن نبدأ إذا وصلنا إليه بغير ما دعانا إليه ولا نفعل شيئا حتى نطوف به فإذا قصدناه بالصفة التي أمرنا بها حينئذ تصرفنا بعد ذلك على حد ما رسم لنا في سائر المناسك إن كنا عبيد اضطرار ووفينا بمقامنا من العبودية وهكذا فعل المشرع صلى الله عليه وسلم الذي قال لنا خذوا عني مناسككم وقال الله لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وقال إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وقال من رغب عن سنتي فليس مني فأبان بفعله صلى الله عليه وسلم عن مراد الله منا في هذه العبادة هذا هو التحقيق [الإدلال خروج عن الإذلال]فإن اتسع العبد إدلالا بالدال اليابسة وهو عندنا خروج عن الإذلال بالذال المعجمة من الذلة لما خلقه الله على الصورة وهي تقتضي العزة أراد أن يكون له في الفعل اختيار وبهذه الإرادة كلف ليصح ظهوره بالصورة إذا اختار لأنه علم أنه لا بد لها من الحكم في موطن ما فقدم السعي وقال وإن دعانا إلى بيته فلا بد من الوصول إليه والطواف به فإنه ما حجر علينا أن لا نمر بغير البيت في طريقنا فلو حجر وقفنا عند تحجيره فدل سكوته على ذلك أنه خيرنا إذ لا بد من الطواف بالبيت لأنه أمرنا بذلك فقال ولْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ فجعلنا الحكم في تقديم السعي لمكان خلقنا على الصورة ليكون لها حكم الاختيار والاختبار ووفاء بمقامها ومراعاة له فإنه يقول عن نفسه ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ونحن على الصورة فلا بد من هذه الحقيقة أن يكون لها أثر ومع هذا فالأولى أن نصرف اختيار الصورة منه في غير هذا الموطن لما تقدم من بيان الشارع الذي هو العبد المحقق محمد صلى الله عليه وسلم فلم يقدم السعي على الطواف ولا المروة على الصفا في السعي وقال الله لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا الله والْيَوْمَ الْآخِرَ ... ومن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فلم يذم أدبا معنا لنتعلم بل نزه نفسه بالغنى عما دعاهم إليه وأنهم إن أجابوا لذلك فإن الخير الذي فيه عليهم يرجع والله غني عنه وبهذا وجد رخصة من قدم السعي ثم أتبعه بالحميد أي هو أهل الثناء بالمحامد في الأولى والآخرة فله الحمد على كل حال سواء تحركت يا هذا بالصورة فاخترت لما تعطيه قوة الصورة أو تحركت عبدا مضطرا فإن الحمد لله في كل ذلك يقول الله بالحال لو لا صورتي ما اخترت ولم تكن مختارا فصورتي هي التي كانت لها الخيرة لا لك إقامة عذر للعبد وهذا من كرم الله فلا حرج فلهذا لم يعلق به الذم ولا تعرض لذكره في عدم الاقتداء والتأسي برسوله صلى الله عليه وسلم فإنه ما حجر كما قلنا وهذا تنبيه من الله غريب في الموقع حيث لم يذم ولا حمد بل جعله مسكوتا عنه (وصل في فصل ما يفعله الحاج في يوم التروية إذا كان طريقة على منى) يوم التروية هو يوم الخروج إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة والمبيت فيه ويصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من اليوم التاسع الذي هو يوم عرفة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع العلماء على أن ذلك ليس بشرط في صحة الحج فإذا أصبح يوم عرفة غدا إلى عرفة ووقف بها [الحاج بين علم الحرم ومعرفة الحل]لما وصل الحاج إلى البيت ونال من العلم بالله ما نال ونال في المبايعة والمصافحة ليمين الله تعالى ما يجده أهل الله في ذلك وحصل من المعارف الإلهية وطوافه بالبيت وسعيه وصلاته بمنى أراد الله أن يميز له ما بين العلم الذي حصل له في الموضع المحرم وبين المعرفة الإلهية التي يعطيه الله في الحل وهو عرفة فإن معرفة الحل تعطي رفع التحجير عن العبد وهو في حال إحرامه محجور عليه لأنه محرم بالحج فيجمع في عرفة بين معرفته بالله من حيث ما هو محرم وبين معرفة الله من حيث ما هو في الحل لأن معرفة الله في الحرم وهو محرم معرفة مناسبة النظير فإنه بالإحرام محجور عليه وبالحرم محجور عليه وهذا خلاف حكم عرفة فإنه محرم في حل فهو في عرفة أبعد مناسبة وأشد مشقة لأنه تقابل ضد وتمييز فإنه لم يحرم الحل بإحرام الحاج ولم يحل الحاج من إحرام بإحلال الموضع فلم يؤثر أحدهما في الآخر فتميز العبد بالحجر لبقائه على إحرامه ليس فيه من الحق المختار شيء وتميز الحق بالحل أنه غير محجور عليه فهو يفعل ما يريد لما يتوهمه الوهم بدليل العقل أن الحق يحكم على الفعل منه علمه به فما يبدل وهذا نقيض |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |