الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة حال قطب كان منزله (ومن يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا) |
وهمك في اتساعها إلى غاية فهو من وراء تلك الغاية ومن هذه الخزانة تظهر كلمات الله في الوجود على التتالي والتابع أشخاصا بعد أشخاص وكلمات أثر كلمات كلما ظهرت أولاها أعقبتها بالوجود أخراها والبحار والأقلام من جملة الكلمات فلو كانت البحار مدادا ما انكتب بها سوى عينها وبقيت الأقلام والكلمات الحاصلة في الوجود ما لها ما تكتب به مع تناهيها بدخولها في الوجود فكيف بما لم يحصره الوجود من شخصيات الممكنات فهذا حكم الممكن فما ظنك بالمعلومات التي الممكنات جزء منها وهذا من أعجب ما يسأل عنه مساوات الجزء والبعض للكل في الحكم عليه بعدم التناهي مع معقولية التفاضل بين المعلومات والممكنات ثم إنه ما من شخص من الأشخاص من المعلومات ولا من الممكنات إلا واستمراره لا يتناهى ومع هذا يتأخر بعضه عمن تقدمه فقد نقص عن تقدمه وفضل عليه من تقدمه وكل واحد لا يتصف في استمراره بالتناهي فقد وقع الفضل والنقص فيما لا يتناهى ووجود الحق ما هو بالمرور فيتصف بالتناهي وعدم التناهي فإنه عين الوجود والموجود هو الذي يوصف بالمرور عليه فالذي لا يتناهى المرور عليه وهو في عينه من حيث إنه موجود متناه لأنه على حقيقة في عينه متميز بها عمن ليست له تلك الحقيقة التي بها يكون هو وليست إلا عين هويته فهو الموجود ولا يتصف بالتناهي ولا يوصف أيضا بأنه لا يتناهى لوجوده فمن حيث إنه ينتهي هو لا ينتهي بخلاف حكم المحدثات في ذلك ولا يعلم المحدثات ما هي إلا من يعلم ما هو قوس قزح واختلاف ألوانه كاختلاف صور المحدثات ثم أنت تعلم أنه ما ثم متلون ولا لون مع شهودك ذلك كذلك شهودك صور المحدثات في وجود الحق الذي هو الوجود فتقول ثم ما ليس ثم لأنك لا تقدر أن تنكر ما تشهد وأنت تشهد كما لا تقدر أن تجهل ما أنت تعلمه وأنت تعلم والمعلوم في هذه المسألة خلاف المشهود فالبصر يقول ثم والبصيرة تقول ما ثم ولا يكذب واحد منهما فيما يخبر به فأين كلمات الله التي لا تنفد وما ثم إلا الله والواقف بين الشهود والعلم حائر لتردده بينهما والمخلص لأحدهما غير حائر منحاز لمن يخلص إليه كان ما كان والحق معط ذا وذا *** فخذ به هذا وذا ولا تكن عن كل ما *** أعطاكه منتبذا ومن يكن يعرف ذا *** يكن إماما جهبذا فكل من يقول ذا *** لا بد أن يقول ذا بينهما يبدو الذي *** يصرفه عن ذا وذا وقال أقوام بذا *** وقال أقوام بذا فهكذا فلتعرف *** الأشياء حقا هكذا [الوجود كله حروف وكلمات]فالوجود كله حروف وكلمات وسور وآيات فهو القرآن الكبير الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ فهو محفوظ العين فلا يتصف بالعدم لأن العدم نفي الشيئية والشيئية معقولة وجودا وثبوتا وما ثم رتبة ثالثة فإذا سمعت نفي شيئية فإنما ينفي النافي عن شيئية الثبوت شيئية الوجود خاصة فإن شيئية الثبوت لا تنفيها شيئية الوجود فقوله ولَمْ تَكُ شَيْئاً هو شيئية الوجود لأنه جاء بلفظ تك وهي حرف وجودي فنفاه بلم وكذلك لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً والذكر وجود فاعلم ذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (الباب الخامس والعشرون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)إذا تعدت حدود الله أكوان *** فحكمها يوم فصل الحكم خسران فإن تجدد حكم ليس يعرفه *** غير الإله ولا يدريه ميزان فذاك جود إلهي أتاك به *** عناية من إله الحق فرقان لو لا الوجود ولو لا سر حكمته *** فيه لما ظهرت في الكون أعيان هو الوجود ولكن ليس يعرفه *** وكيف يدري الكمال الحق نقصان اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس الروح الأمين إن لله حدودا تعرف *** والذي يعرفها لا يصرف ناظرا في حكمها متئدا *** عندها في كل حال يقف فانظروا فيها عليها وقفوا *** وبحق الحق لا تنحرفوا تجدوا السر لديها علنا *** ولذا أهل التعدي عرفوا ولهذا انتهكوا حرمتها *** وادعوا أنهم قد كشفوا ظلموا أنفسهم فانحجبوا *** عن مراد الله حين اعترفوا والترجي واقع حيث أتى *** من كلام الله عنه فقفوا عند ما قلت به واتصفوا *** بالترجي مثل ما يتصف أنه عند الذي ظن به *** فلتظنوا الخير منه ولتفوا [إن الله حدد الأحكام بالوجوب والحظر والكراهة والندب والإباحة]حدود الله أحكامه في أفعال المكلفين فلا يتعدى منها حد إلا لحد آخر لغير حد إلهي لا يتعداه ونفس تعديه إليه عين تعديه فيه فيحكم في الأمور بغير حكم الله لا بد من ذلك فانظر ما أعجب هذا وأحكام الله التي هي حدوده وجوب وحظر وكراهة وندب وإباحة فكل متصرف بحركة وسكون فلا بد أن يكون تصرفه في واجب أو محظور أو مندوب أو مكروه أو مباح لا يخلو من هذا فإن كان تصرفه في واجب عليه فعله بترك فقد تعدى حدود الله بتركه ما وجب عليه فعله فإن تركه على أنه ليس بواجب عليه فعله فقد تعدى في ذلك تعدى كفر ولا بد أن يحكم فيه بغير حكم الله وينتقل فيه إلى حكم آخر من حكم الله لكن في غير هذا العين فأباح ترك ما أوجب الله عليه فعله وترك ما حرم الله عليه تركه وإن قال بوجوب الترك فيما قال الشرع فيه بوجوب الفعل فهذا تعد عظيم فاحش واتباع هوى مضل عن سبيل الله فالتعدي بالفعل والترك معصية والتعدي بالاعتقاد كفر ومن قلب أحكام الله فقد كفر وخسر وثم تعد آخر لحدود الله وهو قلب الحقائق ويسمى المتعدي جاهلا وتعديه جهلا وهي الحدود الذاتية للأشياء وإنما أضيفت إلى الله لأن العلم بها إنما حصل لنا من جانب الله حيث أعطانا من القوة التي هي قوة العقل والنظر ما نصل بها إلى العلم بهذه الحدود ولأن الأمور التي نحدها ما هي بأمر زائد على ما ظهر في المظاهر المعقولة والمحسوسة وما ظهر إلا الحق وذلك الظاهر في العقل أو الحس هو الذي نحده وليس إلا الله فهي حدود الله وقد تشترك المحدودات في أمور وتتميز بأمور فما تميزت به من الفصول فهو حدها المميز لها عن الذي شاركها وما وقع به الاشتراك والتميز كله حد لها فمن تعدى هذه الحدود فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بظلم يسمى جهلا وقلبا للحقائق وقلب الحقائق إما أن يقلبها عينها كلها وإما أن يقلبها من حيث فصولها المقومة لها وكيف ما كان فقد تعدى حدود الله وجهل فحد الخالق بما هو حد للمخلوق فقلب الأمر في عينه كله وقد حد الإنسان بالفصل المقوم للفرس فقد غلط وجهل بعضا وعلم بعضا فأولئك هم الجاهلون حقا كما هو في تعدى الأحكام أو ما جاء به الشارع إذا آمن ببعض وكفر ببعض هو الكافر حقا وغلب الكفر على الايمان فإن ذهاب الفصل المقوم من المحدود عين ذهاب ما له من نصيب الاشتراك فإن حيوانية الإنسان ما هي عين حيوانية الفرس بالنظر إلى شخصية ذلك المحدود فلهذا يذهب الكل لذهاب البعض وقد قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فَلا تَكُونَنَّ من الْجاهِلِينَ وإِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ من الْجاهِلِينَ وأما قوله في هذا الذكر لا تَدْرِي لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً وذلك لأنا ما عرفنا من القوي الموجودة في الإنسان إلا قدر ما أوجد فيه وربما في علم الله عنده أو في الإمكان قوى لم يوجدها الله تعالى فينا اليوم حتى لو قيل للفرس عن القوة التي تميز بها الإنسان عنه أنكرها وفي طريق الله ما يقوله أهل الطريق في إثبات المقام الذي فوق طور العقل وهي قوة يوجدها الله في بعض عباده من رسول ونبى وولي تعطي خلاف ما أعطته قوة العقل حتى إن بعض العقلاء أنكر ذلك والشرع أثبته ونحن نعلم أن في نشأة الآخرة قوى لا تكون في نشأة الدنيا ولا يحكم بها عقل هنا ولا تنال إلا بالذوق عند من أوجدها الله فيه وتحصل لبعض الناس هنا فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لها فيها من قُرَّةِ أَعْيُنٍ وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فخرج عن طور العقل بتعيين أمر ما وما خرج عن طور العقل بالإمكان إذ لا حكم للعقل فيما يعنيه الله من الأمور إلا الإمكان خاصة أو |