الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منزل مجاور لعلم جزئى من علوم الكون وترتيبه وغرائبه وأقطابه | |
|
أسعده الله بما شغله الله به من البكاء على ذنبه ومشاهدته زلته ونظره إليها في كتابه وذهل عن إن ذلك الندم يعطيه الترقي عند الله فإنه ما بشره بقبول التوبة فهو متحقق وقوع الزلة حاكم عليه الانكسار والحياء مما وقع فيه وإن لم يؤاخذه الله بذلك الذنب فكان الاستدراج حاصلا في الخير والشر وفي السعداء والأشقياء ولقيت بمدينة فاس رجلا عليه كآبة كأنه يخدم في الأتون فسألت أبا العباس الحصار وكان من كبار الشيوخ عنه فإني رأيته يجالسه ويحن إليه فقال لي هذا رجل كان في مقام فانحط عنه فكان في هذا المقام وكان من الحياء والانكسار بحالة وجبت عليه السكوت عن كلام الخلق فما زلت ألاطفه بمثل هذه الأدوية وأزيل عنه مرض تلك الزلة بمثل هذا العلاج وكان قد مكنني من نفسه فلم أزل به حتى سرى ذلك الدواء في أعضائه فأطلق محياه وفتح له في عين قلبه باب إلى قبوله ومع هذا فكان الحياء يستلزمه وكذلك ينبغي أن تكون زلات الأكابر غالبا نزولهم إلى المباحات لا غير وفي حكم النادر تقع منهم الكبائر قيل لأبي يزيد البسطامي رضي الله عنه أ يعصي العارف فقال وكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً يريد أن معصيتهم بحكم القدر النافذ فيهم لا أنهم يقصدون انتهاك حرمات الله هم بحمد الله إذا كانوا أولياء عند الله تعالى وجل معصومون في هذا المقام فلا تصدر منهم معصية أصلا انتهاكا لحرمة الله كمعاصي الغير فإن الايمان المكتوب في القلوب يمنع من ذلك فمنهم من يعصي غفلة ومنهم من يخالف على حضور عن كشف إلهي قد عرفه الله فيه ما قدره عليه قبل وقوعه فهو على بصيرة من أمره وبينة من ربه وهذه الحالة بمنزلة البشرى في قوله لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ فقد أعلمه بالذنوب الواقعة المغفورة فلا حكم لها ولا لسلطانها فيه فإنه إذا جاء وقت ظهورها يكون في صحبتها الاسم الغفار فتنزل بالعبد ويحجب الغفار حكمها فتكون بمنزلة من يلقي في النار ولا يحترق كإبراهيم عليه السلام فكان في النار ولا حكم لها فيه بالحجاب الذي هو المانع كذلك زلة العارف صاحب مقام الكشف للاقدار تحل به النازلة وحكمها بمعزل عنها فلا تؤثر في مقامه بخلاف من تحل فيه وهو على غير بينة ولا بصيرة بما قدر عليه فهذا يستلزمه الحياء والندم والذلة وذلك ليس كذلك وهنا أسرار إلهية لا يسعنا التعبير عنها [البساط وعدم الانبساط أو العبادة والعبودية]وبعد أن فهمناك مراتبهم في هذا المقام وفرقنا لك بين معصية العارفين وبين معاصي العامة من علماء الرسوم ومقلديهم فاعلم أنه حكي عن بعضهم أنه قال اقعد على البساط يريد بساط العبادة وإياك والانبساط أي التزم ما تعطيه حقيقة العبودة من حيث إنها مكلفة بأمور حدها له سيدها فإنه لو لا تلك الأمور لاقتضي مقامها الإدلال والفخر والزهو من أجل مقام من هو عبد له ومنزلته كما زها يوما عتبة الغلام وافتخر فقيل له ما هذا الزهو الذي نراه في شمائلك مما لم يكن يعرف قبل ذلك منك فقال وكيف لا أزهو وقد أصبح لي مولى وأصبحت له عبدا فما قبض العبيد من الإدلال وأن يكونوا في الدنيا مثل ما هم في الآخرة إلا التكليف فهم في شغل بأوامر سيدهم إلى أن يفرغوا منها فإذا لم يبق لهم شغل قاموا في مقام الإدلال الذي تقتضيه العبودية وذلك لا يكون إلا في الدار الآخرة فإن التكليف لهم مع الأنفاس في الدار الدنيا فكل صاحب إدلال في هذه الدار فقد نقص من المعرفة بالله على قدر إدلاله ولا يبلغ درجة غيره ممن ليس له إدلال أبدا فإنه فاتته أنفاس كثيرة في حال إدلاله غاب عما يجب عليه فيها من التكليف الذي يناقض الاشتغال به الإدلال فليست الدنيا بدار إدلال أ لا ترى عبد القادر الجيلي مع إدلاله لما حضرته الوفاة وبقي عليه من أنفاسه في هذه الدار ذلك القدر الزماني وضع خده في الأرض واعترف بأن الذي هو فيه الآن هو الحق الذي ينبغي أن يكون العبد عليه في هذه الدار وسبب ذلك أنه كان في أوقات صاحب إدلال لما كان الحق يعرفه به من حوادث الأكوان وعصم الله أبا السعود تلميذه من ذلك الإدلال فلازم العبودية المكلفة مع الأنفاس إلى حين موته فما حكي أنه تغير عليه الحال عند موته كما تغير على شيخه عبد القادر وحكى لنا الثقة عندنا قال سمعته يقول طريق عبد القادر في طرق الأولياء غريب وطريقنا في طرق عبد القادر غريب رضي الله عن جميعهم ونفعنا بهم والله يعصمنا من المخالفات وإن كانت قدرت علينا فالله أسأل أن يجعلنا في ارتكابها على بصيرة حتى يكون لنا بها ارتقاء درجات والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (الباب الأربعون) في معرفة منزل مجاور لعلم جزئي من علوم الكون وترتيبه وغرائبه وأقطابهنظم يتضمن ما ترجمنا عليه مجاور علم الكون علم إلهي *** يقول الذي يعطاه كشف حقيقي وما هو من علم البرازخ خالص *** وما هو علوي وما هو سفلي له في العلى وجه غريب محقق *** وفي السفل وجه بالحقائق علوي وليس الذي يدريه ملك مخلص *** ولا هو جني ولا هو إنسي ولكنها الأعيان لما تألفت *** بدا لك شكل مستفاد كياني فقل فيه ما تهواء يقبله أصله *** فلست تراه وهو للعين مرئي فما هو محكوم وليس بحاكم *** فما هو غيبي وما هو حسي تنزه عن حصر الجهات ضياؤه *** فلا هو شرقي ولا هو غربي فسبحان من أخفى عن العين ذاته *** ويسرى مثال منه فينا اتصالي نراه إذا كنا وما هو عينه *** ولكنه كشف صحيح خيالي تجلى لرأي العين في كل صورة *** فذلك مقصودي بقولي مثالي [خرق العوائد: المعجزات، الكرامات، السحر]اعلم أيدك الله بروح القدس أن هذا المنزل منزل الكمال وهو مجاور منزل الجلال والجمال هو من أجل المنازل والنازل فيه أتم نازل اعلم أن خرق العوائد على ثلاثة أقسام قسم منها يرجع إلى ما يدركه البصر أو بعض القوي على حسب ما يظهر لتلك القوة مما ارتبطت في العادة بإدراكه وهو في نفسه على غير ما أدركته تلك القوة مثل قوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ من سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى وهذا القسم داخل تحت قدرة البشر وهو على قسمين منه ما يرجع إلى قوة نفسية ومنه ما يرجع إلى خواص أسماء إذا تلفظ بتلك الأسماء ظهرت تلك الصور في عين الرائي أو في سمعه خيالا وما ثم في نفس الأمر أعني في المحسوس شيء من صورة مرئية ولا مسموعة وهو فعل الساحر وهو على علم أنه ما ثم شيء مما وقع في الأعين والأسماع والقسم الآخر الذي هو قوة نفسية يكون عنها فيما تراه العين أو أي إدراك كان ما كان من الأمر الذي ظهر عن خواص الأسماء والفرق بينهما إن الذي يفعله بطريق الأسماء وهو الساحر يعلم أنه ما ثم شيء من خارج وإنما لها سلطان على خيال الحاضرين فتخطف أبصار الناظرين فيرى صورا في خياله كما يرى النائم في نومه وما ثم في الخارج شيء مما يدركه وهذا القسم الآخر الذي للقوة النفسية منهم من يعلم أنه ما ثم شيء في الخارج ومنهم من لا يعلم ذلك فيعتقد إن الأمر كما رآه ذكر أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب مقامات الأولياء في باب الكرامات منه أن عليما الأسود وكان من أكابر أهل الطريق إن بعض الصالحين اجتمع به في قصة أدته إلى أن ضرب عليم الأسود إلى أسطوانة كانت قائمة في المسجد من رخام فإذا هي كلها ذهب فنظر إليها الرجل أسطوانة ذهب فتعجب فقال له يا هذا إن الأعيان لا تنقلب ولكن هكذا تراها لحقيقتك بربك وهي غير ذلك فخرج من كلامه فيما يظهر لمن لا علم له بالأشياء ببادي الرأي أو من أول نظر أن الأسطوانة حجر كما كانت وليست ذهبا إلا في عين الرائي ثم إن الرجل أبصرها بعد ذلك حجرا كما كانت أول مرة [عصا موسى وسحرة فرعون]قال تعالى في عصا موسى عليه السلام وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ ثم قال أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها من يده في الأرض فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فلما خاف موسى عليه السلام منها على مجرى العادة في النفوس أنها تخاف من الحيات إذا فاجأتها لما قرن الله بها من الضرر لبني آدم وما علم موسى مراد الله في ذلك ولو علمه ما خاف فقال الله تعالى له خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أي ترجع عصا كما كانت أو ترجع تراها عصا كما كانت فالآية محتملة فإن الضمير الذي في قوله عز وجل سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى إذا لم تكن عصا في حال كونها في نظر موسى حية لم يجد الضمير على من يعود كما إن الإنسان إذا عودك أمرا ما وهو أنه كان يحسن إليك ثم أساء إليك فتقول له قد تغيرت سيرتك معي ما أنت هو ذاك الذي كان يحسن إلي ومعلوم أنه هو فيقال له سيعود معك إلى سيرته الأولى من الإحسان إليك وهو في صورته ما تغير ولكن تغير عليك فعله معك وقدم الله هذا لموسى عليه السلام توطئة لما سبق في علمه سبحانه أن السحرة تظهر لعينه مثل هذا فيكون عنده علم من ذلك حتى لا يذهل ولا يخاف إذا وقع منهم عند إلقائهم حبالهم وعصيهم وخيل إلى موسى أنها تسعى يقول له فلا تخف إذا رأيت ذلك منهم يقوى جأشه فلما وقع من السحرة ما وقع مما ذكر الله لنا في كتابه وامتلأ الوادي من حبالهم وعصيهم ورآها موسى فيما خيل له حيات تسعى فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فلم يكن نسبة الخوف إليه في هذا الوقت نسبة الخوف الأول فإن الخوف الأول كان من الحية ف وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ حتى أخبره الله تعالى وكان هذا الخوف الآخر الذي ظهر منه للسحرة على الحاضرين لئلا تظهر عليه السحرة بالحجة فيلتبس الأمر على الناس ولهذا قال الله له لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ولما ظهر للسحرة خوف موسى مما رآه وما علموا متعلق هذا الخوف أي شيء هو علموا أنه ليس عند موسى من علم السحر شيء فإن الساحر لا يخاف مما يفعله لعلمه أنه لا حقيقة له من خارج وأنه ليس كما يظهر لا عين الناظرين فأمر الله موسى أن يلقي عصاه وأخبر أنها تَلْقَفْ ما صَنَعُوا فلما ألقى موسى عصاه فكانت حية علمت السحرة بأجمعها مما علمت من خوف موسى أنه لو كان ذلك منه وكان ساحرا ما خاف ورأوا عصاه حية حقيقة علموا عند ذلك أنه أمر غيب من الله الذي يدعوهم إلى الايمان به وما عنده من علم السحر خبر فتلقفت تلك الحية جميع ما كان في الوادي من الحبال والعصي أي تلقفت صور الحيات منها فبدت حبالا وعصيا كما هي وأخذ الله بأبصارهم عن ذلك فإن الله يقول تَلْقَفْ ما صَنَعُوا وما صنعوا الحبال ولا العصي وإنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات وهي التي تلقفت عصا موسى فتنبه لما ذكرت لك فإن المفسرين ذهلوا عن هذا الإدراك في أخبار الله تعالى فإنه ما قال تلقف حبالهم وعصيهم فكانت الآية عند السحرة خوف موسى وأخذ صور الحيات من الحبال والعصي وعلموا إن الذي جاء به موسى من عند الله فآمنوا بما جاء به موسى عن آخرهم وخروا سجدا عند هذه الآية وقالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وهارُونَ حتى يرتفع الالتباس فإنهم لو وقفوا على العالمين لقال فرعون أنا رب العالمين إياي عنوا فزادوا رب موسى وهارون أي الذي يدعو إليه موسى وهارون فارتفع الإشكال فتوعدهم فرعون بالعذاب فآثروا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة وكان من كلامهم ما قص الله علينا وأما العامة فنسبوا ما جاء به موسى إلى أنه من قبيل ما جاءت به السحرة إلا أنه أقوى منهم وأعلم بالسحر بالتلقف الذي ظهر من حية عصا موسى عليه السلام فقالوا هذا سحر عظيم ولم تكن آية موسى عند السحرة إلا خوفه وأخذ صور الحيات من الحبال والعصي خاصة فمثل هذا خارج عن قوة النفس وعن خواص الأسماء لوجود الخوف الذي ظهر من موسى في أول مرة فكان الفعل من الله ولما واقع السحرة اللبس على أعين الناظرين بتصيير الحبال والعصي حيات في نظرهم أراد الحق أن يأتيهم من بابهم الذي يعرفونه كما قال تعالى ولَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ فإن الله يراعي في الأمور المناسبات فجعل العصا حية كحيات عصيهم في عموم الناس ولبس على السحرة بما أظهر من خوف موسى فتخيلوا أنه خاف من الحيات وكان موسى في نفس الأمر غير خائف من الحيات لما تقدم له في ذلك من الله في الفعل الأول حين قال له خُذْها ولا تَخَفْ فنهاه عن الخوف منها وأعلمه أن ذلك آية له فكان خوفه الثاني على الناس لئلا يلتبس عليهم الدليل والشبهة والسحرة تظن أنه خاف من الحيات فلبس الله عليهم خوفه كما لبسوا على الناس وهذا غاية الاستقصاء الإلهي في المناسبات في هذا الموطن لأن السحرة لو علمت إن خوف موسى من الغلبة بالحجة لما سارعت إلى الايمان ثم إنه كان لحية موسى التلقف ولم يكن لحياتهم تلقف ولا أثر لأنها حبال وعصى في نفس الأمر [المعجزات وانقلاب الأعيان]فهذا المنزل الذي ذكرناه في هذا الباب أنه مجاور لعلم جزئي من علوم الكون هو هذا العلم الجزئي علم المعجزات لأنه ليس عن قوة نفسية ولا عن خواص أسماء فإن موسى عليه السلام لو كان انفعال العصا حية عن قوة وهمية أو عن أسماء أعطيها ما ولى مدبرا ولم يعقب خوفا فعلمنا أن ثم أمورا تختص بجانب الحق في علمه لا يعرفها من ظهرت على يده تلك الصورة فهذا المنزل مجاور لما جاءت به الأنبياء من كونه ليس عن حيلة ولم يكن مثل معجزات الأنبياء عليهم السلام لأن الأنبياء لا علم لهم بذلك وهؤلاء ظهر ذلك عنهم بهمتهم أو قوة نفسهم أو صدقهم قل كيف شئت فلهذا اختصت باسم الكرامات ولم تسم معجزات ولا سميت سحرا فإن المعجزة ما يعجز الخلق عن الإتيان بمثلها إما صرفا وإما أن تكون ليست من مقدورات البشر العدم قوة النفس وخواص الأسماء وتظهر على أيديهم وإن السحر هو الذي يظهر فيه وجه إلى الحق وهو في نفس الأمر ليس حقا مشتق من السحر الزماني وهو اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح وهو ليس بنهار لعدم طلوع الشمس للابصار فكذلك هذا الذي يسمى سحرا ما هو باطل محقق فيكون عدما فإن العين أدركت أمرا ما لا تشك فيه وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس في نفسه كما تشهده العين ويظنه الرائي وكرامات الأولياء ليست من قبيل السحر فإن لها حقيقة في نفسها وجودية وليست بمعجزة فإنه على علم وعن قوة همة وأما قول عليم لحقيقتك بربك تراها ذهبا فإن الأعيان لا تنقلب وذلك لما رآه قد عظم ذلك الأمر عند ما رآه فقال له العلم بك أشرف مما رأيت فاتصف بالعلم فإنه أعظم من كون الأسطوانة كانت ذهبا في نفس الأمر فأعلمه إن الأعيان لا تنقلب وهو صحيح في نفس الأمر أي أن الحجرية لم ترجع ذهبا فإن حقيقة الحجرية قبلها هذا الجوهر كما قبل الجسم الحرارة فقيل فيه إنه حار فإذا أراد الله أن يكسو هذا الجوهر صورة الذهب خلع عنه صورة الحجر وكساه صورة الذهب فظهر الجوهر أو الجسم الذي كان حجرا ذهبا كما خلع عن الجسم الحار الحرارة وكساه البرد فصار باردا فما انقلبت عين الحرارة برودة والجسم البارد بعينه هو الذي كان حارا فما انقلبت الأعيان كذلك حكاية عليم الجوهر الذي قبل صورة الذهب عند الضرب هو الذي كان قد قبل صورة الحجر والجوهر هو الجوهر بعينه فالحجر ما عاد ذهبا ولا الذهب عاد حجرا كما إن الجوهر الهيولاني قبل صورة الماء فقيل هو ماء بلا شك فإذا جعلته في القدر وأغليتها على النار إلى أن يصعد بخارا فتعلم قطعا إن صورة الماء زالت عنه وقبل صورة البخار فصار يطلب الصعود لعنصره الأعظم كما كان إذ قامت به صورة الماء يطلب عنصره الأعظم فيأخذ سفلا فهذا معنى قول عليم في هذا المنزل المختص بالأولياء والهمة المجاورة لعلم المعجزة أن الأعيان لا تنقلب وقوله لحقيقتك بربك أي إذا اطلعت إلى حقيقتك وجدت نفسك عبدا محضا عاجزا ميتا ضعيفا عدما لا وجود لك كمثل هذا الجوهر ما لم يلبس الصور لم يظهر له عين في الوجود فهذا العبد يلبس صور الأسماء الإلهية فتظهر بها عينه فأول اسم يلبسه الوجود فيظهر موجودا لنفسه حتى يقبل جميع ما يمكن أن يقبله الموجود من حيث ما هو موجود فيقبل جميع ما يخلع عليه الحق من الأسماء الإلهية فيتصف عند ذلك بالحي والقادر والعليم والمريد والسميع والبصير والمتكلم والشكور والرحيم والخالق والمصور وجميع الأسماء كما اتصف هذا الجسم بالحجر والذهب والفضة والنحاس والماء والهواء ولم تزل حقيقة الجسمية عن كل واحد مع وجود هذه الصفات كذلك لا يزول عن الإنسان حقيقة كونه عبدا إنسانا مع وجود هذه الأسماء الإلهية فيه فهذا معنى قوله لحقيقتك بربك أي لارتباط حقيقتك بربك فلا تخلو عن صورة إلهية تظهر فيها كذلك هذا الجسم لا يخلو عن صورة يظهر فيها وكما تتنوع أنت بصور الأسماء الإلهية فينطلق عليك بحسب كل صورة اسم غير الاسم الآخر كذلك ينطلق على هذا الجوهر اسم الحجرية والذهبية للوصف لا لعينه فقد تبينت فيما ذكرناه الثلاثة الأقسام في خرق العوائد وهي المعجزات والكرامات والسحر وما ثم خرق عادة أكثر من هذا ولست أعني بالكرامات إلا ما ظهر عن قوة الهمة لا إني أريد بهذا الاصطلاح في هذا الموضع التقريب الإلهي لهذا الشخص فإنه قد يكون ذلك استدراجا ومكرا وإنما أطلقت عليه اسم الكرامة لأنه الغالب والمكر فيه قليل جدا فهذا المنزل مجاور آيات الأنبياء عليهم السلام وهو العلم الجزئي من علوم الكون لا يجاور السحر فإن كرامة الولي وخرق العادة له إنما كانت باتباع الرسول والجري على سنته فكأنها من آيات ذلك النبي إذ باتباعه ظهرت للمتحقق بالاتباع فلهذا جاورته فأقطاب هذا المنزل كل ولي ظهر عليه خرق عادة عن غير همته فيكون إلى النبوة أقرب ممن ظهر عنه خرق العادة بهمته والأنبياء هم العبيد على أصلهم فكذلك أقطاب هذا المنزل فكلما قربت أحوالك من أحوال الأنبياء عليهم السلام كنت في العبودة أمكن وكانت لك الحجة ولم يكن للشيطان عليك سلطان كما قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وقال يَسْلُكُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ومن خَلْفِهِ رَصَداً فلا أثر للشيطان فيهم فكذلك من قرب منهم ولما عاينت هذا المشهد قلت القصيدة التي أولها تنزلت الأملاك ليلا على قلبي *** ودارت عليه مثل دائرة القلب حذرا من إلقاء اللعين إذا يرى *** نزول علوم الغيب عينا على القلب |

