Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل يجمع بين الأولياء والأعداء من الحضرة الحكمية ومقارعة عالم الغيب بعضهم مع بعض وهذا المنزل يتضمن ألف مقام محمدى

واللاحق وفيه علم الشر والخير وحكم الايمان وفيه علم النفوس الجزئية وفيه علم صفات المقربين وفيه علم الضلال والهدى وفيه علم إقامة الواحد مقام الجمع والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السادس والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل يجمع بين الأولياء والأعداء من الحضرة الحكمية

ومقارعة عالم الغيب بعضهم مع بعض وهذا المنزل يتضمن ألف مقام محمدي‏

إن المغانم نار الحق تأكلها *** فمن يكن بدلا منها فقد عصما

منها فليس لها عليه سلطنة *** فذلك نائبه في الخلق قد حكما

وما مضى فهو منسوخ بعامله *** يوم القيامة بالنسخ الذي رسما

فالكل ينعم ملتذ بمنزله *** أهل الجنان وأهل النار والقدماء

من لم يكن حظه علما ومعرفة *** فما تقدم في شأو الهوى قدما

الله يرزقها من علم رحمته *** حظا يبلغنا منازل العلما

[أن لله حظا وافرا من حظوظ عباده‏]

اعلم أن الله تعالى قد أبان لعباده في هذا المنزل أن له فيه حظا وافرا من حظوظ عباده ومن أجل هذا

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حق الله أحق بالقضاء

يعني من حق المخلوق وقال في القرآن العزيز من بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ فقدم الوصية على الدين والوصية حق الله لأنه الذي أوجبها علينا حين أوجبها الموصي في المال الذي له فيه تصرف والفقهاء يقدمون الدين على الوصية خلافا لما ورد به حكم الله إلا بعض أهل الظاهر فإنهم يقدمون الوصية على الدين وبه أقول وجعل الله الحظ الذي له في الصلاة على النصف وهو دون هذا الحظ الآخر

فقال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل‏

فساوى سبحانه في هذه القسمة بين الله وبين عبده إذا صلى وقال في حظه في المغنم إن له الخمس وحده من المغنم وما بقي وهو أربعة أخماس تقسم على خمسة فلكل صنف من الحظ دون ما لله فحظ الله في هذا المقسوم أكثر من حظه في الصلاة بالنسبة إلى هذا الحال بينه وبين عبيده وإلا فحظ النصف أعظم من حظ الخمس فقسم الصلاة أكثر من قسم المغنم وبالنظر في عين الموطن والقسمة الخاصة فحظه في المغنم بالنظر إلى ما بقي من الأصناف المقسوم عليهم أعظم فأنزل الحق نفسه من عباده منزلة أنفسهم وعاملهم بما يتعاملون به وفي موطن آخر يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فنفى المماثلة وفي موضع آخر

يقول المترجم عنه إن الله خلق آدم على صورته‏

ثم إنه جعل الإنسان محل ظهور الأسماء فيه وأطلقها عليه فللعبد التسمية بكل اسم تسمى به الحق وإن اختلفت النسب فمعقولية مدلول الاسم واحدة لا تتغير ثم إنه جعل بعضهم خليفة عنه في أرضه وجعل له الحكم في خلقه وشرع له ما يحكم به وأعطاه الأحدية فشرع إنه من نازعه في رتبته قتل المنازع‏

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما

وجعل بيده التصرف في بيت المال وصرف له النظر عموما وأمرنا بالطاعة له سواء جار علينا أو عدل فينا فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وهم الخلفاء ومن استخلفه الإمام من النواب فإن الله قد جعل له أن يستخلف كما استخلفه الله فبأيديهم العطاء والمنع والعقوبة والعفو كل ذلك على الميزان المشروع فلهم التولية والعزل كما أن الحق بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه وذلك الميزان هو الذي أنزله إلى الأرض بقوله ووَضَعَ الْمِيزانَ ثم قال إنه يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل وعمل الليل قبل عمل النهار كذلك الخليفة نرفع إليه أعمال الرعية يرفعها إليه عماله وجباته فيقبل منها ما شاء ويرد منها ما شاء فكل ما ذكره الحق لنفسه من التصرف في خلقه ولم يعينه جعل للإمام أن يتصرف به في عباده ثم إن الله جعل له أعداء ينازعونه في ألوهيته كفرعون وأمثاله كذلك جعل الله للخلفاء منازعين في رتبتهم وجعل له أن يقاتلهم ويقتلهم إذا ظفر بمن ظفر منهم كما يفعل سبحانه مع المشركين ومدة إقامتهم كمدة إمهال الله إياهم وأخذ الخليفة وظفره بهم كزمان الموت لهؤلاء حتى لو قابلت النسختين ما اختلفتا في حرف واحد في الحكم وكما إن الحق يحكم بسابق علمه في خلقه يحكم الخليفة بغلبة ظنه لأن الخليفة ليست له مرتبة العلم بكل ما يجري في ملكه ولا يعلم المحق من المبطل وإنما هو بحسب ما تقوله البينة كما يفعله الله مع خلقه مع علمه‏

يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه وبهذا قال من قال إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه أما في العالم فللتهمة بما له من الغرض وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم به في الدنيا على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم فإذا علمت إن الحق أنزل نفسه في خلقه منزلتهم وجعل مجلاه الأتم في الخليفة الإمام ثم‏

قال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‏

فعمت الإمامة جميع الخلق فحصل لكل شخص منهم مرتبة الإمامة فله من الحق هذا القدر ويتصرف بقدر ما ملكه الله من التصرف فيه فما ثم إنسان إلا وهو على صورة الحق غير أنه في الإمام الأكبر مجلاه أظهر وأمره أعظم وطاعته أبلغ واعلم أن الله تعالى لما شرع لعباده ما شرع قسم ما شرعه إلى فرض أوجبه على المكلفين من عباده وهو على قسمين فرض أوجبه عليهم ابتداء من عنده كالصلاة والزكاة والصيام والحج والطهارة وما أشبه‏

ذلك مما أوجبه عليهم من عند نفسه وفرض آخر أوجبوه على أنفسهم ولم يكن ذلك فأوجبه الله عليهم ليؤجروا عليه أجر الواجب الإلهي وليتحقق الله عندنا إن الإنسان على صورته فإن الله أوجب على نفسه نصر المؤمنين والرحمة وأمثال ذلك هذا في حق العلماء بالله وفي حق قوم أوجبه عليهم عقوبة لهم حين أوجبوه على أنفسهم كالنذر وزاحموا الربوبية في الإيجاب على نفسه فأوجبه عليهم ليعرفهم أنهم ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم فيعرفون بذلك مقدارهم فالحق تعالى لو لم يفعل ما أوجب على نفسه فعله لما تعلق به ذم ولا لوم في ذلك لأن رتبته تقتضي بأنه الفعال لما يريد ولهذا ما يتعلق بإيجابه على نفسه حد الواجب والعبد لما أوجب الله عليه ما أوجبه على نفسه تعلق به إذا لم يقم بصورة ما أوجبه على نفسه حد الواجب كالواجب الأصلي إذا لم يقم به يعاقب فأجره عظيم والعقوبة عليه عظيمة فيمن لم يقم به فجزاؤه عظيم في الواجبين معا ثم ما جاء من الأفعال زائدا على صور الواجبات سمي ذلك نافلة أي زائدا على الواجب فإن لم يكن لذلك الزائد عين صورة في الفرائض لم يكن نافلة وكان ذلك عملا مستقلا له مرتبة في الأجر ليست للنوافل ثم مزج النشأة كما مزج نشأة المكلف فجعل في نشأة الفرائض سننا وهي زوائد على الفرائض وجعل في النوافل التي تطوع العبد بها من نفسه من غير وجوب الفرائض في نشأة النوافل ولهذا إذا لم يجي‏ء بالفرائض يوم القيامة تامة يقول الله أكملوا لعبدي فريضة من تطوعه فما نقص من الفرض الواجب كمل من الفرض الذي في النوافل وما نقص من سنن الفرض الواجب كمل من سنن النوافل ألحق كل شي‏ء بمثله قال لي بعض الأرواح فلم سميت الغنائم أنفالا قلنا لا شك ولا خفاء عند كل مؤمن عالم بالشرع إن الله ما جعل القتال للمؤمن إلا لتكون كلمة الله هي العليا وكَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ لتتميز الكلمتان كما تميزت القدمان فإنه خلق من كل شي‏ء زوجين ذاتا وحكما وعرفتنا التراجمة عن الله وهم رسل الله إن الله تعالى من وقت شرع الجهاد والقتال والسبي أعطى المغانم للنار طعمة أطعمها إياها وأوجبها لها وكان من طاعتها لربها أنها لا تتناول إلا ما أحل الله لها تناوله وكان قد حرم الله عليها أكل المغنم إذا وقع فيه غلول من المجاهدين فكانت لا نأكل المغنم إذا غل فيه حتى يرد إليه ما كان أخذ منه ليخلص العمل للمجاهد فلما جاء الشرع المحمدي زاد الله المغانم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم طعمة على ما أطعمهم من غير ذلك فكانت تلك الطعمة التي أخذناها من النار نافلة لهذه الأمة وما أعطاها إياهم لكونهم جاهدوا إذ لو كان ذلك حقا لهم على الجهاد ما وقعت لأحد لم يجاهد معهم فيها الشركة فما هي فريضة للمجاهدين وإنما هي طعمة أطعمها الله من ذكر وجعل لنفسه نصيبا لكونه نصرهم فله نصيب في الجهاد فلما كان السبب لكون الله جعل لنفسه فيها نصيبا لنصرته دين الله اندرج في نصيب الله كل من نصر دين الله وهم الغزاة فليس لهم إذا اعتبرت الآية إلا الخمس من المغنم ثم تبقي أربعة أخماس فتقسم فخمسة أيضا واحد الخمسة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبعد الرسول إذا فقد الخليفة الزمان والخمس الثاني لأهل البيت قرابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والخمس الثالث لليتامى والخمس الرابع للمساكين والخمس الخامس لابن السبيل وقد ورد عن بعض العلماء وأظنه ابن أبي ليلى أن الحظ الذي هو الخمس من الأصل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقبضه ويخرجه للكعبة ويقول هذا الله ثم يقسم ما بقي فلما كانت هذه الطعمة للنار نقلها الله لهذه الأمة كما جعل‏

في مال الإنسان الزكاة حقا لأصناف مذكورين فأوجب على أصحاب الأموال على وجه مخصوص إخراجها وأوجب على الإمام أخذها ولم يوجب على الأصناف أخذها فهم مخيرون في أخذ حقهم وفي تركه كسائر الحقوق فمن أخذها منهم أخذ حقه ومن ترك أخذها ترك حقه وله ذلك واعلم أن الإمام هو المطلوب بعلم هذه التقاسيم والقيام بها

ما كل من حاز الجمال بيوسف *** إن الجميل هو الإمام المنصف‏

إن كنت تدرك ما تريد وتشتهي *** أنت المحب والمبرأ يوسف‏

فإن غلب على ظن الإمام أن المذكورين في قوله تعالى واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية والتي في سورة الحشر التي فيها ذكر الأصناف حظهم من المغنم الخمس خاصة يقسم فيهم هكذا وما بقي فلبيت مال المسلمين يتصرف فيه الإمام بما يراه فإن شاء أعطاه المجاهدين على ما يريده من العدل والسواء في القسمة أو بالمفاضلة كما يفعل فيما بقي من المال الموروث بعد أخذ هل الأنصباء ما عين الحق لهم أو أراد هذا الإمام أن يعود بما بقي على أولي الأرحام من أهل الميت فيعطي أصحاب الأنصباء زائدا على انصبائهم من كونهم أولي أرحام الميت وإن غلب على ظن الإمام أن الخمس الأصلي لله وحده وما بقي فلمن سمى الله تعالى وقد جعل الله للمجاهدين في سبيل الله نصيبا في الصدقات وما جعل لهم في المغنم إلا ما نفلة به الإمام قبل القسمة أو ما أعطاه له‏

بقوله من قتل قتيلا فله سلبه‏

وإنما عرض الكلام في مثل هذا في المنزل لما فيه من الحظ المنسوب إلى الله خاصة فما غرضنا ما هو الحكم في المغانم وقسمتها في علم الرسوم وإنما المغانم عندنا في هذا الطريق ما حصل للإنسان من العلوم الإلهية التي أعطانا الله إياها عن مجاهدة وجهاد نفس كما أنه للمؤمن تجارة في نفس إيمانه وهي التجارة المنجية من العذاب الأليم فكل علم حصل عن جهاد فهو مغنم ويقسم على ما يقسم عليه المغانم فالنصيب الذي لله تعالى منه ما تعلق به الإخلاص والذي لرسول الله منه الايمان به والذي لذي القربى منه المودة فيهم والذي لليتامى منه هو ما حصل من العلم قبل بلوغ العامل إلى الغاية

«وصل»

والغاية حدها الذي يغنيه عن إضافة العمل إليه فإن الصبي قبل البلوغ حركته وأفعاله إليه فإذا بلغ رجع حكم الأفعال منه إلى الله بعد ما كانت إليه والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لا يتم بعد حلم‏

فكل ما حصل له قبل البلوغ فهو حقه الذي له من نفسه إذ عينه لله له والذي للمساكين فهو الحظ الذي حصل لهم بالعجز وعدم القدرة وسلب القوة فإن الله هو ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ والذي لابن السبيل فهو الحظ الذي له من حيث إنه ابن للطريق إلى الله‏

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول إن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء فكونوا من أبناء الآخرة

وهم أبناء السبيل ولا تكونوا من أبناء الدنيا فأما صورة الإخلاص في العمل فهو إن تقف كشفا على إن لعامل لذلك العمل هو الله كما هو في نفس الأمر أي عمل كان ذلك العمل مذموما أو محمود أو ما كان فذلك هو حكم الله تعالى فيه ما هو عين العمل وضح في الخبر أن الله تعالى يقول من عمل عملا أشرك فيه غيري فإنا منه بري‏ء وهو للذي أشرك فنكر العمل وما خص عملا من عمل والضمير في فيه يعود على العمل والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك وضمير هو يعود على المشرك فإن الله لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك وإنما يتبرأ من الشريك لأنه عدم والله وجود فالله برأ من العدم فإنه لا يلحقه عدم ولا يتصف به فإنه واجب الوجود لذاته فالبراءة صحيحة وكذلك في قوله بَراءَةٌ من الله ورَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ من الْمُشْرِكِينَ فهو أيضا تبرأ من الشريك لأن الشريك ليس ثم فهو عدم لأنه قال من المشركين فهو أيضا تبرأ من الشريك فإخلاص العمل لله هو نصيب الله من العمل لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر الله فيه عمله فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة والصورة الظاهرة لا نشك أن العمل بالشهود ظاهر منها فهي إضافة صحيحة فلهذا نقول إنه عين كل شي‏ء من اسمه الظاهر وهنا دليل خفي وذلك أن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرفة لأمر آخر لا يقع الحس الظاهر عليه بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل فاذن لآلة ما هي العامل والحس ما أدرك إلا الآلة فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاقلة الناطقة والحيوانية فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود في الجمع والوجود في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء فعرفوا

إن وراء النفس الناطقة هو العامل وهو مسمى الله والنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء عند أهل الله وعند أهل النظر العقلي ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة مع ثبوت لآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال لقوم يعلمون‏

وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما صح عنه أ تدرون ما حق الله على العباد قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم قال أ تدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة

فنكر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء وهو قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً فنكر أحد فدخل تحته كل شي‏ء له أحدية وما ثم شي‏ء إلا وله أحدية وذكر لقاء الله ليدل على حالة الرضي من غير احتمال كما ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وذلك في الجنة فإنها دار الرضوان فما كل من لقي الله سعيد فالمواطن لها الحكم في ذلك بما جعل الله فيها وكذلك قوله تعالى لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ فجعل الذي يصيبه منا التقوى فقد أعلم الحق عباده بنصيبه مما هم عليه وفيه في كل شي‏ء وعهد إلى عباده ذلك فقال وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ فحظه منكم أن تفوا له تعالى بما عاهدكم عليه وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصلوات الخمس فمن أتى بهن لم يضيع من حقهن شيئا كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة

والصلاة مناجاة الله على القسمة التي شرع بينه تعالى وبين عباده فمن أعطاه قسمه ومنها وأخذ منها قسمه فقد أعطاه حقه ونصيبه فإذا كان الله تعالى مع اتصافه بالغنى عن العالمين قد جعل له فيما يكون للعالم ويفتقر إليه نصيبا يأخذه وقسما عينه فما ظنك بمن أصله الفقر والمسكنة في ظهور عينه لا في عينه ووجوده وما هو فيه وإنما قلنا لا في عينه لأن أعيانها لا نفسها ما هي بجعل جاعل وإنما الأحوال التي تتصرف عليها من وجود وعدم وغير ذلك فيها يقع الفقر إلى من يظهر حكمها في هذه العين فاعلم ذلك فمن طلب حقه واستقصاه فلا يلام ولكن لما شرع لنا في بعض الحقوق إنا إذا تركناها كان أعظم لنا وجعل ذلك من مكارم الأخلاق وناط به ما في ذلك من الأجر منه تعالى وهو قوله عز وجل فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ومن طلب حقه وهو قوله تعالى ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ

ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ من سَبِيلٍ كان له ذلك فكذلك يفعل مع عباده فيما ضيعوه من حقه وحقوقه يعفو ويصفح ويصلح فيكون المال إلى رحمة الله في الدارين فتعمهم الرحمة حيث كانوا ولكن لا يستوون فيها قال تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ ومَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ كما لم يسو تعالى بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون فالكامل من العباد من لم يترك لله عليه ولا عنده حقا إلا وفاه إياه في كل شي‏ء له فيه نصيب أعطاه نصيبه على حد ما شرع له فإذا وفاه رد عليه جميع ما ذكر أنه له بالشرع فإذا وفي الله له بعهده فيأخذه منه امتناع وابتداء فضل لا جزاء ولا يكون هذا إلا من العلماء بالله الذين يعلمون الأمر على ما هو عليه وهم أفراد من الخلق لا يعلمهم إلا هو فقد نبهتك على أكمل الطرق في نيل السعادة التي ما فوقها سعادة ومع هذا يا حي وبعده فالأمر عظيم والخطب جسيم والإشكال فيه أعظم ولهذا جعل أهل الله الغاية في الحيرة وهو العجز وهذا القدر كاف في العلم بأن الله حقا ونصيبا عند عباده يطلبه منهم بحكم الاستحقاق ويطلب منهم أيضا حقوق الغير بحكم الوكالة كما قال ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ بحكم الوكالة فيربيها ويثمرها فهو وكيل في حق قوم تبرعا من نفسه رحمة بهم وإن لم يوكلوه وفي حق قوم وكيل بجعلهم كما أمرهم أن يتخذوه وكيلا وإلا فليس للعبد من الجرأة أن يوكل سيده فلما تبرع بذلك لعباده ونزل إليهم عن كبريائه بلطفه الخفي اتخذوه وكيلا وأورثهم هذا النزول إدلالا وأما حديث ما يقبل الله من صلاة عبده إلا ما عقل يريد أنه يعضد أداء حق الله تعالى فيما تعين عليه وجعل أكثره النصف وهو الحد الذي عينه له من صلاة عبده وأقله العاشر فقال عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها وما ذكر النصف إلا في الفاتحة فعلمنا المعنى فعممناه في جميع أفعال الصلاة وأقوالها بل في جميع ما كلفنا من الأعمال به فأما ما عينه فهو ما انحصرت فيه الفاتحة وهي تسعة أقسام القسم الأول بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الثاني الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الثالث الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرابع ملك (مالِكِ) يَوْمِ الدِّينِ الخامس إِيَّاكَ نَعْبُدُ السادس وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ السابع اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏

الثامن صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ التاسع غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ فالخاسر الساهي عن صلاته من لم يحضر مع الله في قسم واحد من هذه الأقسام التي ذكرناها في الفاتحة وهي التي ذكر الله في القبول من العشر إلى النصف فمن رأى أن بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية منها ولا يفصلها عنها فالقسمة على ما ذكرناه في الفاتحة فإن حكم الله في الأشياء حكم المجتهد فهو معه في اجتهاده ومن أداه اجتهاده إلى الفصل ففصل البسملة عن الفاتحة وإن البسملة ليست آية منها جعل الله له الجزء التاسع ولا الضَّالِّينَ والبسملة أحق وأولى فإنها من القرآن بلا شك عند العلماء بالله وتكرارها في السور مثل تكرار ما يكرر في القرآن من سائر الكلمات وما زاد على التسعة فعقله في التلاوة حروف الكلمة فقد يعقل المصلي حرفا من حروف الكلمة ثم يغفل عن الباقي فهذا معنى قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم العام إنه لا يقبل إلا ما عقل منها فالعاقل من أتى بها كاملة ليقبلها الله كاملة ومن انتقص منها شيئا في صلاته جبرت له من قراءته الفاتحة في نوافله من الصلاة فليكثر من النوافل فإن لم تف قراءتها في النوافل بما نقصه من قراءة الفاتحة في الفريضة أكملت له من تلاوته بحضور في غير الصلاة المعينة وإن كان في جميع أفعاله في صلاة فإنه قد يكون من الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وهم الذاكرون الله في كل أحيانهم فهم يناجونه في جميع الأحوال كلها فحظ الله من جميع ما كلف عباده به ما فرض عليهم ونصيب العباد من الله ما أوجبه الحق لهم على نفسه والنافلة للنافلة في كل ذلك وأما حظ الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من هذه المسألة بتصديقه والايمان به وبما جاء به فمما يحققه الايمان أن خير الأزمان زمان الصلاة والآذان وخير الشفاعة والكلام ما أذن فيهما الرحمن هذا مما جاء به رسول الحق إلينا ووفد به مقبلا علينا فتدلى حين تجلى وما أصعقه بل أيقظه من تجلى ليتجلى فاقبل وما أعرض وتولى فأما التصديق به فلخبر الحق بأنه رسول منه إلينا وهو الوجيه المقرب وأما الايمان بما جاء به فلإخباره عن الحق ففرق بين إخبار الحق في الايمان به وبين إخباره عن الحق فيما جاء به فلا يؤمن به إلا من خاطبه الحق في سره وإن لم يشعر به المخاطب ولا يعرف من كلمه وإنما يجد التصديق به في قلبه وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بأذان وقلوب كلام الحق بأن هذا رسول من عنده فيؤمنون به على بصيرة ولا يؤمن بما جاء به هذا الرسول إلا من خاطبه الرسول في سره وإن لم يشعر به المخاطب ولا يعرف من كلمه وإنما يجد التصديق بما جاء به في قلبه وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بقلوب وآذان وأبصار كلام الرسول بأن هذا جاء من عند الله ولَوْ كانَ من عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فيؤمنون به على بصيرة وإنما قلنا فيما جاء به الرسول وأبصار ولم نقل ذلك في سماع كلام الحق لأن الرسول إذا رأيناه فقد رأيناه والحق تعالى ليس كذلك إذا رأيناه فما رأيناه إلا منزلتنا وصورتنا منه فلهذا لم نقل في تصديق خبره إذا كلمنا وأبصار وما جئنا بالقلوب والآذان إلا لمجرد الخبر خاصة لا لكون الحق تكلم به فإن إدراك القلوب والآذان والأبصار للحق على السواء ما أدرك واحد من العالم أي إدراك كان من هذا وغيره إلا منزلته من الحق وصورته خاصة فما أدركه فذكرنا القلوب من كونها سامعة والآذان للخبر خاصة تنبيها على ما ذكرناه وبيناه فإذا علمت هذا فقد وفيت الله والرسول ما تعين عليك من الحق أن تؤديه لله ولرسوله فإن هذه المسألة غلط فيها جماعة من أهل الله إذ لم يخبروا بها عن الله فكيف علماء الرسوم فمن تكلم فيها من طريق الايمان فلا يتكلم فيها إلا بما تكلمنا به فإنه يتكلم عن ذوق ولهذا ترى شخصين بل ثلاثة أشخاص يشهدون المعجزة على يدي الرسول الذي أبرزها الحق في معرض الدلالة على صدقه فيما جاء به والتصديق به نفسه فشخص من الثلاثة يتيقن أنه الحق وجحده والشخص الثاني لم تقم عنده تلك الدلالة لجهله بموضع الدلالة منها والثالث آمن وصدق والمجلس واحد والنظر

بالبصر واحد والإدراك في الظاهر واحد فعلمنا إن الذي آمن وصدق لو لا تجلى الحق لقلبه وتعريفه إياه بغير واسطة ما آمن بما جاء به ولا صدق وكان مثل صاحبه وكذلك في إيمانه بما جاء به فما كل مؤمن يعرف من أين حصل له الايمان ولا سيما وقد رأينا وبلغ إلينا أن بعض من آمن برسول الله عند ما رآه وسمع دعوته ولم ير له معجزة ولا دلالة بل وجد في نفسه أنه صادق في دعواه فآمن به من حينه وما تلكأ ولا نلعثم فما كان‏

إلا مما ذكرناه من التجلي لقلبه ولا يشعر أن ذلك عن تجل وبهذا القدر زاد أهل الكشف على غيرهم من المؤمنين ولو لا كشفهم للأمور ما فصلوها إلى كذا وإلى كذا فحظ الرسول أن يلحقه بربه في نفسه وفيما جاء به من عنده وأما حظ اليتامى من هذا العلم فإنه على الحقيقة أوان بلوغ الخروج عن الدعوى فيما كان لك فحظك قبل مجي‏ء هذا الزمان إن تضاف أفعالك لك ولا يعترض عليك ولا تسلب عنك ولا تحجير عليك فإذا بلغ أوان الحلم صرت محجورا عليك ووقع التقييد في جميع حركاتك وتوجهت عليها أحكام الحق لأنها أفعاله ظهرت فيك ولو لا ما ظهرت فيك ما تعلق بها هذا الخطاب ولا هذا التحكيم ومعنى طهرت فيك هو عين دعواك أن الأفعال لك فأراد الحق بالتحجير بما كلفك إن يعرفك بأن هذه الأفعال لو كانت لك ملكا محققا ما جاز لي أن أتصرف فيما لك وليس لي وسبب ذلك أن أوان بلوغ العقل قد حل واستحكام العقل والنظر قد حصل فكان ينبغي لك بما أعطاك الله من العقل أن ترى أفعالك التي أنت محل لظهورها منك لله تعالى ليست لك فلو حصل لك هذا ابتداء ما كلفك ولا حجرها عليك في هذه الدار أ لا ترى من لم يستحكم عقله ما حجر عليه ولا كلفه وهو المجنون الذي ستر عنه عقله إن يكون له حكم فيه وكذلك النائم وكل من لم يتصف بالعقل ولما وصل في هذه الدار إلى الحد الذي أوجب عليه التكليف بقيام هذه الصفة إذا كشف عنه الغطاء في هذه الدار لم يرتفع عنه التحجير ولا خطاب الشرع لحكم الدار لا لحكم الحال لأنه كان يعطي القياس ارتفاع التحجير عمن هو بهذه الصفة ولكن لا بد للدار من حكم كما يفعل بأطفال المشركين والكفار نلحقهم بآبائهم للدار وإن علمنا أنهم على الفطرة وما أشركوا ولا كفروا فللدار حكم فإذا جاء وعد الآخرة وانتقلنا إليها خرجنا عن حكم الدار فارتفع عنا حكم التكليف في دار الرضوان وأختها كذلك من أطلعه الله هنا في هذه الدار على سعادته وأطلع آخر على شقاوته لم تسقط هذه المطالعة عنهما التحجير ولا التكليف لأن أصل وضع النواميس في هذه الدار إنما هو لمصلحة الدنيا والآخرة فمن المحال رفع التحجير ما دامت الدنيا ودام من فيها فلو لا هذا لكان من كشف عنه الغطاء ارتفع عنه التحجير لأنه لا يرى فاعلا إلا الله والشي‏ء لا يحجر على نفسه وإن أوجب على نفسه ما أوجب فذلك تأنيس لنا فيما توجبه على أنفسنا لنا فإن أوجبناه له أوجبه علينا لنتميز فنعصي بتركه ولو ترك الحق ما أوجبه على نفسه لم يكن له هذا الحكم فإن هذا الحكم لا يتعلق بمن تعلق به إلا من حيث إن الغير أوجبه فلو لا ما أوجبه الحق علينا حين أوجبناه على أنفسنا لم نكن عصاة إذا تركناه فإذا وفى به من لم يوجبه عليه غيره فمنة منه وفضل ومكارم أخلاق فإن قلت هذا إذا كان في الخير فإن كان شرا قلنا ما ثم الأخير والخير على قسمين خير محض وهو الذي لا شر فيه وخير ممتزج وهو الذي فيه ضرب من الشر كما بيناه من شرب الدواء المكره وكالمؤمن إذا عصى وأطاع فإن المؤمن لا تخلص له معصية دون طاعة أصلا فإن الايمان بكونها معصية طاعة وفي هذا تنبيه لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ فيرجع الأمر في الآخرة إلى الأمر الذي كان عليه اليتيم قبل البلوغ وإنما قلنا في اليتيم وكل صبي دون البلوغ كذلك مع كونه ليس بيتيم لأن اليتيم في تدبير وليه والولي الله لأنه ولي المؤمنين وغير اليتيم في تدبير أبيه فلا ينظر إليه مع وجود أبيه لأن الفرع يستمد من أصله الأقرب أ لا ترى الثمرة لا تعرف لها أصلا إلا فرع الشجرة لأنها من الفرع تستمد والفرع يعرف الأصل الذي تجهله الثمرة واليتيم قد علم إن أباه قد اندرج فانكسر قلبه ولم يكن له أصل يدل عليه فعرفه العلماء بالله أنه ليس له إلا من كان لأبيه وهو الله فيرجع إلى الله في أموره فلما كان حال اليتيم مع الله في نفسه بهذه المثابة جعل الله له حظا في المغنم ليتوفر عليه ما هو له وهو ما يرى الصبي من إضافة

الأفعال إليه وعدم التحجير عليه فيها فمن يمسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة وليس ذلك لغير اليتيم وحكم المسكين حكم اليتيم من عدم الناصر الظاهر فقوى الله ضعفه أي زاده الله ضعفا إلى ضعفه فإن المخلوق ضعيف بحكم الأصالة فإذا زاده الله ضعفا إلى ضعفه كان مسكينا فما تكون له صولة فإن صال وهو مسكين فقد أبغضه الله فإنه ظهر منه ما يخالف حاله فقد كلف نفسه ما لا يقتضيه مقامه ولذلك‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ الله ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏

ملك كذاب وشيخ زان وعائل مستكبر

أي قد بالغ في التكبر كما أن المسكين قد بالغ الله فيه بالضعف فإنه من كونه مسكينا صاحب ضعفين ضعف الأصل وضعف الفقر فلا يقدر يرفع رأسه لهذا الضعف بخلاف رب المال فإنه يجد في نفسه قوة المال وبهذا سمي المال مالا لأنه يميل بصاحبه ولا بد إما إلى خير وإما إلى شر لا يتركه في حال اعتدال فالمسكين من سكن تحت مجاري الأقدار ونظر إلى ما يأتي به حكم الله في الليل والنهار واطمأن بما أجرى الله به وعليه وعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه وأنه الفعال لما يريد وتحقق بأن قسمه من الله ما هو عليه في الحال فجبر الله كسره‏

بقوله أنا عند المنكسرة قلوبهم‏

فإنك إذا جئت لمن انكسر قلب ما تجد عنده جليسا إلا الله حالا وقولا فجعل له حظا عليه في المغنم وإن لم يكن له فيه تعمل فخدمه غيره ونال هو الراحة بما أوصل الله إليه من ذلك مما جهد فيه الغير وتعب كالمؤمن الذي لا علم له وهو من أهل الجنة فيرى منازل العلماء بالله وهو في الموقف فيتحسر ويندم فيعمد الله إلى من هو من أهل النار من العلماء فيخلع عنه ثوب علمه ويكسوه هذا المؤمن ليرقى به في منزلة ذلك العلم من الجنة لأنه لكل علم منزلة في الجنان لا ينزل فيها إلا من قام به ذلك العلم لأن العلم يطلب منزلته من الجنان والعالم الذي كان له هذا العلم هو من أهل النار الذين هم أهلها والعلم لا يقوم بنفسه فينزل بنفسه في تلك المنزلة فلا بد له من محل يقوم به فيخلعه الله على هذا المؤمن السعيد الذي لا علم له فيرقى به العلم إلى منزلته فما أعظمها من حسرة ولكن بقي عليك إن تعرف أي علم يسلبه هذا الذي هو من أهل النار وذلك أنه إذا كان على علم في نفس الأمر إلا أنه قد دخلت عليه في الدنيا فيه شبهة فأما حيرته فهو في محل النظر وأما إزالته عنه مع علمه بما كان عليه غير أنه اعتقد فيه في الدنيا أنه جهل فإذا كان في الآخرة علم أنه علم فذلك العلم هو الذي يسلب ويخلع على هذا الذي ليس بعالم وهو من أهل الجنة وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فإن الله لا يبقى في الدنيا عند الموت عند أهل النار الذين هم أهلها سوى العلم الذي يليق أن يكون عليه أهل النار وما عدا ذلك من العلوم التي لا تصلح أن تكون إلا لأهل الجنة يدخل الله بها على العالم به في الدنيا أو عند الاحتضار شبهة يخطرها له تزيله عن العلم أو تحيره ثم يموت على ذلك وكان ذلك في نفس الأمر علما فهذا الصنف من العلم هو الذي يخلع على أهل الجنان إذا لم يتقدم لهم علم به في الدنيا ويطمع فيه من قد كان علمه من أهل النار فيقام عليه الحجة بأنه مات على شبهة فهذا حظ المسكين من المغنم فإن ذلك الذي سلب عنه في الدنيا بالشبهة جاهد نفسه وتعب فلما غنم ودخلت الشبهة كان حظ المسكين ذلك العلم وأما ابن السبيل فأبناء السبيل هم أعلى الطوائف عند الله فإن الابن لا يقدر أن ينتفي عن أبيه وإنما سمي ابن السبيل لأنه علم إن المنزل محال وأن الاستقرار على أمر واحد محال لا في حق نفسه ولا في حق تجلى ربه بل ولا في حق ربه لأنه في شأن خلقه والأمر فيهم جديد دائما أبدا ومن لم يستقر به قدم فلا بد أن يكون ماشيا أي متحركا ولا يتحرك إلا في طريق وهي السبيل والمشي له دائما دنيا وآخرة فهو ابن السبيل دنيا وآخرة ولما كان متفرغا لسبيله مشغولا به مسافرا فيه والمسافر لا بد له من زاد فجعل الله له نصيبا من المغنم فالحق يغذيه بما ليس له فيه تعمل وقد يكون ابن السبيل في هذه الآية عين المجاهد ويكون السبيل من أجل الألف واللام اللتين للعهد والتعريف سبيل الله التي قال الله فيها ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله يعني الشهداء الذين قتلوا في الجهاد فيكون أيضا حظ المجاهد من المغنم القدر الذي عين الله لابن السبيل وهو معروف سوى ما له في الصدقات فاعلم ذلك فإنه تنبيه حسن إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وما أنزل الله على عبده يوم الفرقان ففرق بما أعلمه الله بين القبضتين بالكلمتين اللتين ظهرتا في الكرسي بالقدمين إذ كان أهل الله وهم أبناء الآخرة أبناء السبيل بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا إلى الله بمحصل القربة والمكانة الزلفى من الله وهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ عن الله وهم أبناء الحياة الدنيا وأبناء سبيلها والرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فجعل السفل لهم إذ كانت كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ ومن كان أسفل منك فأنت أعلى منه لأنكم أهل الله الذين لهم السعادة إذ كانت كلمة الله هي العليا وكل هذا بحكم الله وقضائه لا ليد تقدمت بل لعناية إلهية سبقت يقول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ‏

ألا إن أهل الله بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا *** كما إن أهل الشرك بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏

فإن الذي أقصاه يمتاز بالسفلى *** وإن الذي أدناه قد فاز بالعليا

ألا تلحظن الركب أسفل منهم *** فكل فريق من مكانته أدنى‏

ولما رأينا أن الله قد اختص بالخمس في مثل هذا الموطن وفي قسمة هذا النوع الذي هو المغنم علمنا أن الله ما راعى من الأقسام التي تعتبر في العالم إلا مراعاة الجيش عند اللقاء من كونه عز وجل ملكا قاهرا حيث أثبت له أعداء ينازعونه وتقسيم الجيش عند اللقاء على خمسة أقسام قلب وهو موضع الإمام وهو الذي اصطفاه الله من نشأة عبده‏

حين قال وسعني قلب عبدي‏

وما بقي فميمنة وميسرة ومقدمة وساقة فلهذا كان الخمس لله والأربعة الأخماس الباقية لمن بقي فإن العدو الذي نصبه الله أخبر الله عنه أنه يأتي من بين أيدينا ومن خلفنا فنلقاه بالمقدمة والساقة وعن أيماننا فنلقاه بالميمنة وعن شمائلنا فنلقاه بالميسرة وليس للعدو غرض إلا في القلب ليزيل ملك الجيش من القلب ما له غرض إلا في هذا فذب الله عن قلب العبد الذي هو موضع نظره الذي وسعه بهؤلاء الذين رتبهم في هذه الأماكن التي يدخل العدو منها فعليه يقاتل هذا الجيش وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏

وهم الأعداء فهو يمدهم من القلب في الباطن وهم يذبون عنه من الظاهر من الجهات التي يطلب العدو والفرصة فيها فمن هنا كان له الخمس من المغنم الذي نص عليه أنه نصيبه لأنه ناصر المؤمنين على أعدائه والجيش ناصر دينه ذلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‏ لَهُمْ فما لهم قلب ينصرهم‏

إن لله نصيبا وافرا *** هو خمس الفي‏ء من غير مزيد

فله القلب الذي يعمره *** وهو العرش الإلهي المجيد

والذي يبقى فقد قسمه *** اختصاصا منه في بعض العبيد

فالذي حاز الذي سطره *** قلمي فاز بما يعطي الوجود

فرسول أو ولي وارث *** ما له في علمنا غير الشهود

والذي يعلمه الله فما *** لي علم فيه إلا أن يجود

وفي هذا المنزل علم هل يتعلق العلم الواحد بجميع المعلومات أو لكل معلوم علم أو يختلف بالنسبة إلى العالم وما هو العلم هل هو ذات العالم أو صفة قائمة به أو نسبة ما هي ذات العالم ولا صفته وفيه علم ما يؤدي إليه المناسبات بين الأشياء من التألف والاجتماع وفيه علم من عمل بعملك فهو منك وفيه علم الاستناد وحماية المستند ومشاركته في المشقة وترك ما يرى تركه وإن كان محبوبا لك والايمان الذي لا يزلزله شي‏ء وفيه علم ما توجبه مكارم الأخلاق على من قامت به وعلم المقامات وما يختص بهذا المنزل منها وفيه علم الكثير والقليل ومن هو كثير بالقوة وكثير بالعدد وكذلك في القلة وفي علم فيه مزلة قدم وهو أنه يعطيك أن تكون مع كل من يريد منك أمر أما أن تكون له بما يريده منك وإنما هو مزلة قدم لاختلاف الأغراض وتقييد المؤمن بما قلده من الحكم الذي قيده وفيه علم ما ينبغي أن يستعد له مما لا يستعد له وفيه علم معاملة من تجهل أمره كيف تعامله وفيه علم يعلم به أنه ما يقابلك من العالم ولا من الحق إلا صفتك وفيه علم إلحاق الرءوس بالأذناب في الحكم وهو الحال الذي يستوي فيه الرئيس والمرءوس كالنوع الوسط الذي هو نوع لما فوقه وجنس لما تحته وفيه علم التحريش ثم التبري منه هل ينفع ذلك التبري أم لا ينفع وفيه علم إدراك الخيال في صورة المحسوس في اليقظة وما ثم شي‏ء محسوس مخيل من خارج ولا من داخل بل هو كالسراب تراه ماء وكالصغير في السراب تراه كبيرا وكالجبل الأبيض تراه على البعد أسود فهذا خارج عن الحس والخيال وفيه علم السبب الذي يدعو الإنسان إلى أن يدعو على نفسه بالهلاك ويطلب العلامة في نفسه بما يرديه وفيه علم ما يتوهم أنه قادر عليه وليس بقادر عليه ولما ذا يرجع الإعجاز هل يرجع لأمر لا يقدر مخلوق عليه أو لأمر كان يقدر عليه ثم صرف عنه وفبه علم ما تنتجه التقوى في المتقي وفيه علم الفرق بين الرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبين المؤمنين وفيه علم ما يريده المخاطب من المخاطب إذا



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!