Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل اشتراك النفوس والأرواح فى الصفات وهو من حضرة الغيرة المحمدية من الاسم الودود

الخارقة وما يحجب منها وما ذا يحجب وفيه علم قوى المسخرات في التسخير وإلى أين تنتهي قواهم فيما سخروا فيه وفيه علم الموت المجهول في الميت وبما ذا يعرف كما حكى القشيري في رسالته عن بعضهم أنه مات إنسان فنظر إليه الغاسل فتحير فلم يدر أ هو ميت أم ليس بميت وهو ميت في نفس الأمر ومثل هذا ظهر على صاحب لي كان يخدمني فمات عندي فشك فيه الغاسل عند غسله هل هو ميت أم لا وفيه علم أثر العلم في العالم ومن ادعى العلم ولم يؤثر فيه ما هو عالم وهي مسألة مشكلة يورث الإشكال فيها الحس فإنه ما رأينا أحدا يلقي نفسه في النار لعلمه أنها تحرقه إلا طائفتين الواحدة من تتخذها قربانا فتلقى نفسها فيها طلبا للإحراق قربة إليها أو من يعلم أنها لا تحرقه فعلمنا إن العلم له أثر في العالم وفيه علم آيات النعم وعلى ما ذا تدل وما حقها على من يراها آية وفيه علم العلم القوي الذي يذهب بما سواه من العلوم التي يجدها في القلب وفيه علم الأدنى والأعلى وما السبب الموجب للطالب في طلبه الأدنى وتركه الأعلى مع علمه بمرتبة كل واحد منهما وفيه علم أسباب الجزاء في الخير والشر وفيه علم البعد والقرب الكياني والإلهي وفيه علم ما في علم القرب والبعد من الآيات الدالة على الله وفيه علم موافقة الظن العلم وبما ذا يعلم صاحب الحق أنه علم لا ظن وقد كان يعتقد أن ذلك ظن وفيه علم حال أهل الريب وبمن يلحقون من الأصناف وما ينظر إليهم من الأسماء وفيه علم الحوالة وفيه علم أحوال الملإ الأعلى واختلافها عليهم لاختلاف الواردات في مقامهم المعلوم وفيه علم ما لا ينسب إلى الله أعني لا يوصف به هل هو أمر عدمي أو وجودي وفيه علم أين يشك العالم وهو ليس بشاك ولما ذا يظهر بصورة الشاك وفيه علم ما يسأل عنه وما لا يسأل عنه وفيه علم فيما ذا يجمع الله بين عباده ثم يفصل بينهم في عين هذا الجمع فهم فيه مفصلون وفيه علم من ادعى أمرا طولب بالدليل على ما ادعاه إذا ادعى ما يريد أن يؤثر به في أحوال العالم وفيه علم ما لا يقبل التقدم ولا التأخر من الأحوال وفيه علم الحجاج وفيه علم التقريب وإلى من يكون القرب هل إلى كون أو إلى الله وهل يصح القرب إلى الله أم لا وهو أقرب إلى كل إنسان من حَبْلِ الْوَرِيدِ كما قال تعالى وفيه علم الأعراض وفيه علم الفرق والتبري بين الأرواح وفيه علم ما يقال عند رؤية الدلالات وفيه علم الأجر المعاد وإلحاق الشي‏ء بجنسه وفيه علم من يدري ما يقول وما يقال له ومن لا يدري ما يقول وما يقال له من ذلك وفيه علم رد الأمور كلها حيرتها وإنابتها إلى الله وخيرها وشرها وأن الشر ليس إلى الله وفيه علم الإدراك الإلهي وفيه علم ما لا يدرك مما يجوز أن يدرك وفيه علم ما يمنع الاحتلام بالرؤية وفيه علم الموانع والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الحادي والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل اشتراك النفوس والأرواح في الصفات وهو من حضرة الغيرة المحمدية من الاسم الودود»

إن المكمل لا ترسى مراسيه *** فلا مقام له في الكون يحويه‏

ففلكه سابح والريح ترجيه *** والله في كل حال فيه مجريه‏

وما له فلك أعلى فيقطعه *** فاعلم إذا قمت فيه من تناجيه‏

الكل لي وله على السواء فمن *** أدناه خالقنا لا بد أدنيه‏

بالله يا أخت موسى عجلي وخذي *** جناح طيري فقصيه وقصيه‏

[هو الأول والآخر والظاهر والباطن‏]

اعلم أيدنا الله وإياك أن هذا المنزل من أعظم المنازل له الاسم الأول والآخر والظاهر والباطن والخلق والأمر يحوي على مقامات وأحوال لا يعرفها إلا القليل من الناس عظم الله مقداره وأعلى مناره له زمام التكوين وعنه ظهر وجود العالم الحق والعالم الأعلى والأسفل ناظر إليه له الغيرة والصول والحجب هو العيب الذي يظهر منه ولا يظهر يعطي عالم الشهادة ويخفى عالم الغيب في الغيب سلطانه قوي لا يرام ومقامه عزيز لا يضام نعته النقص والكمال وبصورته يظهر الليل والنهار أول شي‏ء أعطى الانقياد الإلهي الكوني‏

فانقياد لانقياد *** عند رب وعباد

بين منع وعطاء *** من بخيل وجواد

فصلاح لصلاح *** وفساد لفساد

واتفاق لاتفاق *** وعناد لعناد

وانفصال لانفصال *** واستناد لاستناد

وبياض لبياض *** وسواد لسواد

وبقاء لبقاء *** ونفاد لنفاد

واقتراب لاقتراب *** وبعاد لبعاد

وسرير لاستواء *** وسماء لمهاد

وحجاب لبغيض *** وتجل لوداد

ومحل قد تهيأ *** كل وقت لازدياد

وعذاب في نعيم *** لمريد ومراد

من علوم بأمور *** علمها عين الرشاد

يقطعان الليل ذكرا *** بسجود واجتهاد

يسألان الله أمنا *** يوم إسماع المنادي‏

ولما رجح الله وجود الممكنات على عدمها لطلبها الترجيح من ذاتها كان ذلك انقيادا من الحق لهذا الطلب الإمكانى وامتنانا فإنه تعالى الغني عن العالمين ولكن لما وصف نفسه بأنه يحب أن تعرفه الممكنات بأنه لا يعرف ومن شأن المحب الانقياد للمحبوب فما انقاد في الحقيقة إلا لنفسه والممكن حجاب على هذا الطلب الإلهي الذي طلبه حب العرفان به من نفسه وتبعه ما طلبه الممكن من ترجيح الوجود على عدمه فلما أوجده عرفه إنه ربه فعرفه أنه ربه ما عرف منه غير ذلك ولا يتمكن لغير الله أن يعرف الله من حيث ما يعرف الله نفسه ثم طلبه بالانقياد إليه فيما يأمره به وينهاه عنه فقال الممكن هذا مقام صعب لا أقدر عليه كما إنك يا رب ما يبدل القول لديك ولا يكون عنك إلا ما سبق به علمك فمشيئتك واحدة والاختيار المنسوب إلي منك فالذي تقبله ذاتي من الانقياد إليك أن أكون لك حيث تريد لا حيث تأمر إلا إن وافق أمرك إرادتك فحينئذ أجمع بينهما وأكثر من هذا فما تعطي حقيقتي إذا نسبتها إليك أنت القائل أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ من في النَّارِ وهو أكرم المكلفين عليك وهذا الحكم منك وعليك يعود فما كان انقيادك إلا إليك وأنا صورة مماثلة للمحجوبين الذين لا يعرفونك معرفتي فيقولون قد أجاب الحق سؤالنا وانقاد إلينا فيما نريده منه وأنت ما أجبت إلا نفسك وما تعلقت به إرادتك فانقيادي أنا لنفسي فإنه لا يتمكن أن أطلبك لك وإنما أطلبك لنفسي فلنفسي كان انقيادي لما دعوتني وجعلت حجابا بيني وبين المحجوبين من خلقك الذين لا يعرفون فقالوا فلان أجاب أمر ربه حين دعاه وما علموا إن الانقياد مني إنما كان لإرادتك لا لأمرك فإنه ما يبدل الحكم لدي فإني ما أقبل غير هذا قبول ذات وفيه سعادتي ثم إنك سبحانك نسبت لي ذلك وأثنيت علي به وأنت تعلم كيف كان الأمر فظهرت بأمر تشهد الحقيقة بخلافه فقلت لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ والحقيقة من خلف هذا الثناء تنادي لا يعصون الله ما أراد منهم وقرن الأمر منه بإرادته فذلك هو الأمر الذي لا يعصيه مخلوق وهو قوله إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ هذا هو الأمر الذي لا يمكن للممكن المأمور به مخالفته لا الأمر بالأفعال والتروك يعرف ذلك العارفون من عبادك ذوقا وشهودا فإن أمرت الفعل المأمور به أن يتكون في هذا العبد المأمور بالفعل تكون فتقول هذا عبد طائع امتثل أمري وما بيده من ذلك شي‏ء فالصمت حكم وقليل فاعله فمن تكلم بالله كانت الحجة له فإن الحجة البالغة لله ومن تكلم بنفسه كان محجوبا كما إن الحق إذا تكلم بعبده كان كلامه ظاهرا بحيث يقتضيه مقام عبده فإذا رد الجواب عليه عبده به لا بنفسه وظهر حكمه على كلام ربه نادى الحق عليه وكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ‏ءٍ جَدَلًا وإن قال الحق ولكن ما كل حق يحمد ولا كل ما ليس بحق يذم فالأدباء يعرفون المواطن التي يحمد فيها الحق فيأتون به فيها ويعرفون المواطن التي يحمد فيها ما ليس بحق فيأتون به فيها مغالطة جزاء وفاقا إلهيا فمن عرف الانقياد الإلهي والكوني كما قررناه كان من العارفين ولكن فيه أسرار وآداب ينبغي للإنسان إذا تكلم في هذا المقام وأمثاله أن لا يغفل عن دقائقه فإن فيه مكرا خفيا لا يشعر به إلا أهل العناية ومن أراد العصمة من ذلك فلينظر إلى ما شرع الله له وأتى على ألسنة رسله فيمشي معه حيث مشى ويقف عنده حيث وقف من غير مزيد وإن تناقضت الأمور وتصادمت فذلك له لا لك وقل لا أدري هكذا جاء الأمر من عنده وارجع إليه وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فهذا قد أنبأ عن المقام الأول‏

«وصل»

وأما المقام الثاني الذي بيد اسمه المؤمن فإنه نتيجة عن الاسم المؤمن الكياني وهو المظهر له إذا كان بمعنى المصدق لا بمعنى معطي الأمان فإن كان بمعنى معطي الأمان فالاسم الإلهي المؤمن متقدم على المؤمن الكياني فأعطاه الأمان في حال عدمه إنه لا يعدمه إذا أوجده ولا يحول بينه وبين‏

معرفته بوجوده واستناده إليه فأعطاه الأمان في ذلك كله فمن عرف ذلك لم يخف وكان من الآمنين‏

فتصديق صدق الحق من صدق كونه *** ولولاه لم يصدق وإن كان صادقا

فلا تنظر الأشياء من حيث إنه *** هو الأصل فاسبرها فإن الحقائقا

تريك أمورا لم تكن عالما بها *** فتبدي لكم فيها سنى وطرائقا

فتبصرها بالنور من خلف ستره *** ويمشي بها حقا مبينا وخالقا

فيدعوك من في الكون فقرا وحاجة *** إذا كنت بالرحمن ربا ورازقا

صدق الممكن ربه فيما أخبره به من إعطاء الأمان من العدم إذا أوجده فصدقه الله في صدقه وأجرى له الصدق في خلقه فالمصدق والصديق ما هو الصادق إلا بنسبتين مختلفتين والخبر لا يكون أبدا إلا من الأول والتصديق لا يكون أبدا إلا من الآخر والأول والآخر اسمان لله فإذا أقام الله عبده في الأولية أعطاه الإخبار فأخبر وأقام الله نفسه في الاسم الآخر فصدقه فيما أخبر به وإذا أقام الله نفسه في الاسم الأول وأخبر أقام العبد في الاسم الآخر فصدقه في خبره فالصادق للأول أبدا والصديق للآخر أبدا قال تعالى والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وهو الأول وصَدَّقَ به وهو الآخر أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ المفلحون الباقون بهذا الحكم‏

فلو لا وجود القول ما صدق العبد *** ولو لا وجود الشفع ما ظهر الفرد

فجي‏ء معه من حيث ما جاء فإنه *** له الحكم في الأشياء والذم والحمد

فإن كان عن وفق كما قال بعضهم *** وإن كان عن قصد فقد حكم القصد

وما قال بالأوفاق إلا مخلط *** جهول بنعت الحق بالقبل والبعد

فالصدق متعلقة الخبر ومحله الصادق وليس بصفة لأصحاب الأدلة ولا للعلماء الذين آمنوا بما أعطتهم الآيات والمعجزات من الدلالة على صدق دعواه فذلك علم والصدق نور يظهر على قلب العبد يصدق به هذا المخبر ويكشف بذلك النور أنه صدق ويرجع عنه برجوع المخبر لأن النور يتبع المخبر حيث مشى والصدق بالدليل ليس هذا حكمه إن رجع المخبر لم يرجع لرجوعه فهذا هو الفارق بين الرجلين وهذه المسألة من أشكل المسائل في الوجود فإن الأحكام المشروعة أخبار إلهية يدخلها النسخ والتصديق يتبع الحكم فيثبته ما دام المخبر يثبته ويرفعه ما دام المخبر يرفعه ولا يتصف الحق بالبداء في ذلك وهو الذي جعل بعض الطوائف ينكرون نسخ الأحكام وأما الصادق فما أكذب نفسه في الخبر الأول وإنما أخبر بثبوته وأخبر برفعه وهو صادق في الحالتين ولا تناقض ولما كان من حقيقة الخبر الإمكان لحكم الصفتين الصدق والكذب من حيث ما هو خبر لا من حيث النظر إلى من أخبر به لذلك ميزنا بين القائل بصدق المخبر للدليل والقائل بصدقه للإيمان فإن الايمان كشف نوري لا يقبل الشبه وصاحب الدليل لا يقدر على عصمة نفسه من الدخل عليه في دليله القادح فيرده هذا الدخل إلى محل النظر فلذلك عريناه عن الايمان فإن الايمان لا يقبل الزوال فإنه نور إلهي رقيب قائم على كل نفس بما كسبت ما هو نور شمسي كوكبي يطلع ويغرب فيعقبه ظلام شك أو غيره فمن عرف ما قلناه عرف مرتبة العلم من جهة الايمان ومرتبة العلم الحاصل عن الدليل فإن الأصل الذي هو الحق ما علم الأشياء بالدليل وإنما علمها بنفسه والإنسان الكامل مخلوق على صورته فعلمه بالله إيمان نور وكشف ولذلك يصفه بما لا تقبله الأدلة ويتأوله المؤمن به من حيث الدليل فينقصه من الايمان بقدر ما نفاه عنه دليله‏

«وصل» وفي هذا المنزل صمت العبد إذا كلمه الحق‏

والحق يكلمه على الدوام فالعبد صامت مصغ على الدوام على جملة أحواله من حركة وسكون وقيام وقعود فإن العبد الممنوح السمع لكلام الحق لا يزال يسمع أمر الحق بالتكوين فيما يتكون فيه من الحالات وإلهيات ولا يخلو هذا العبد ولا العالم نفسا واحدا من وجود التكوين فيه فلا يزال سامعا فلا يزال صامتا ولا يمكن أن يدخل معه في كلامه فإذا سمعتم العبد يتكلم فذلك تكوين الحق فيه والعبد على أصله صامت واقف بين يديه تعالى فما تقع الأسماع إلا على تكوينات الحق فافهم فإن هذا من لباب المعرفة التي لا تحصل إلا لأهل الشهود

فما ثم إلا الصمت والحق ناطق *** وما ثم إلا الله لا غير خالق‏

فيشهدنا تكوينه في شهودنا *** تدل عليه في الوجود الحقائق‏

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليقل *** خلاف الذي قلناه والله صادق‏

«وصل» التقييد صفة تضيفها العقول والكشف إلى الممكنات‏

وتقصرها العقول عليها وتضيف الإطلاق إلى الحق وما علمت إن الإطلاق تقييد فإن التقييد إنما أصله وسببه التمييز حتى لا تختلط الحقائق فالإطلاق تقييد فإنه قد تميز عن المقيد وتقيد بالإطلاق ولا سيما وقد سمى نفسه حليما لا يعجل فإمهاله العبد المستحق للاخذ إلى زمان الأخذ حبس عن إرسال الأخذ في زمان الاستحقاق ولذلك سمى نفسه بالصبور فما ثم إطلاق لا يكون فيه تقييد لأن المقيد الذي هو الكون تميز عن إطلاقه بتقييده فقد قيده بالإطلاق وهو تجليه في كل صورة وقبوله كل حكم ممكن من حيث إنه عين الوجود فقد قيدته أحكام الممكنات‏

فتقييده إطلاقه من وثاقنا *** فما ثم إطلاق يكون بلا قيد

فمن عرف الأشياء قال بقولنا *** فعود على بدء وبدء على عود

فحاذر وجود المكر إن كنت مؤمنا *** فمن مكره مكري ومن كيده كيدي‏

له قوة المكر التي لا تردها *** قوى عبده الموصوف بالعلم والأيد

«وصل» الشدة نعت إلهي وكياني‏

قال موسى اشْدُدْ به أَزْرِي وتلي بحضرة أبي يزيد إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ فقال بطشي أشد وذلك لخلو بطش العبد من الرحمة الكونية وبطش الله ليس كذلك فإن الرحمة الإلهية تصحبه وهو يعلمها وكذا هي في بطش العبد إلا إن العبد لا يشهدها ولا يجد لها أثرا في نفسه وإن كان يرحم نفسه بذلك البطش ولكن لا يعلم والله عليم بكل شي‏ء فهو عليم بأن رحمته وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فوسعت بطشه وبطش الكون ولكن ما كل باطش يعلم ذلك ولما كان للعبد بطش من حيث عينه وله بطش بربه وليس للرب في الحقيقة بطش بعبده فأضاف أبو يزيد بطش ربه إلى بطشه فقال بطشي أشد لأن فيه بطش ربي وما في بطش ربي بعباده بطشي فإذا وصف الحق نفسه بالشديد فهو ما يوجده من الأشياء بالأسباب الموضوعة في العالم فيعذب عباده بالنار فللنار حكم في العذاب مضاف إلى ما

يوجده الله من الألم القائم بالمعذب وهو في الحجاب عن الله وليس للمعذب شهود إلا للأسباب فبطشه بالعبد بمشاهدة الأسباب من كونه شديد الأمن كونه معذبا فالشدة تطلب الغير ولا بد وهذا لا يقدر أحد على إنكاره فإن المشاهدة لأسباب الآلام أعظم في العذاب ممن يجد الألم ولا يشهد سببه ولا سيما إن كان يعلم أنه قادر على إزالة السبب‏

ليس للشدة حكم مستقل *** دون أن يبدو لعين الشخص ظل‏

فإذا أبصره يبهره *** ذلك الظل الذي عنه انفعل‏

فهو لا يبرح من شدته *** فإذا غيبه عنه انتقل‏

«وصل» الخضوع عند تجلى الحق ومناجاته هو المحمود

وما سوى هذا فهو مذموم ويلحق الذم بمن ظهر عليه إلا من يرى الحق في الأشياء كلها من الوجه الإلهي الذي لها ولكن على ميزان محقق لا يتعداه فإن الله قد وضع له ميزانا عندنا في الأرض قال تعالى والسَّماءَ رَفَعَها ووَضَعَ الْمِيزانَ فليصرفه بحسب وضع الحق فهو وإن شهده في كل شي‏ء فما يريد تعالى أن يعامله بمعاملة واحدة في كل شي‏ء بل يحمده في المواضع التي تطلب منه المحامد ويقبل عليه ويعرض عنه في المواضع التي يطلب منه الإعراض عنه فيها فلا يتعدى الميزان الذي يطلبه منه وهذا المشهد المكر فيه خفي ولا مزيل له إلا العلم بالميزان الإلهي المشروع فمن عرفه ووقف عنده وتأدب بآداب الله التي أدب بها رسله فقد فاز وحاز درجة العلم بالله قال تعالى معلما ومؤدبا لمن عظم صفة الله على غير ميزان عَبَسَ وتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى‏ وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى يعني ذلك الجبار وإن الله عند المنكسرة قلوبهم أصحاب العاهات غيبا وهو في الجبابرة المتكبرين ظاهر عينا ولظهور حكم أقوى وكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حريصا على الناس أن يؤمنوا بوحدانية الله وإزالة العمي الذي كانوا عليه فلما جاء الأعمى في الظاهر البصير في الباطن‏

فكان باطن الجبابرة ظاهر هذا الأعمى فحصل في النفس البشرية ما حصل والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليس له مشهود إلا صفة الحق حيث ظهرت من الأكوان فإذا رآها أعمل الحيلة في سلبها عن الكون الذي أخذها على غير ميزانها وظهر بها في غير موطنها وهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم غيور فقيل له أَمَّا من اسْتَغْنى‏ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى يقول إنه لما شاهد صفة الحق وهي غناه عن العالم تصدى لها حرصا منه أن يزكى من ظهر بها عنده فقيل له ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ولك ما نويت وحكمه لو تزكي لما فاتك شي‏ء سواء تزكي أو لم يتزك وأَمَّا من جاءَكَ يَسْعى‏ وهُوَ يَخْشى‏ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى لكونه أعمى أي لا تتطير فنهاه عن الطيرة فمن هنا كان يحب الفال الحسن ويكره الطيرة وهو الحظ من المكروه والفال الحسن الحظ والنصيب من الخير وقيل له أيضا واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وانظر فيهم صفة الحق فإنها مطلوبك في الكون فإني أدعو عبادي بالغداة والعشي وفي كل وقت أريد وجههم أي ذاتهم أن يسمعوا دعائي فيرجعوا إلي ولا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ فإنهم ظاهرون بصفتي كما عرفتك تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا فهذه الزينة أيضا في هؤلاء وهي في الحياة الدنيا فهنا أيضا مطلوبك ولا تُطِعْ فإنهم طلبوا منه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يجعل لهم مجلسا ينفردون به معه لا يحضره هؤلاء الأعبد من أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي جعلنا قلبه في غلاف فحجبناه عن ذكرنا فإنه إن ذكرنا علم إن السيادة لنا وأنه عبد فيزول عنه هذا الكبرياء التي ظهر بها التي عظمتها أنت لكونها صفتي وطمعت في إزالتها عن ظاهرهم فإني أعلمتك أني قد طبعت عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ فلا يدخله كبر وإن ظهر به واتَّبَعَ هَواهُ أي غرضه الذي ظهر به وكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي ما هو نصب عينيه له وهو مشهود له لا يصرف نظره عنه إلى ما يقول له الحق على لسان رسوله وما يريده منه وقُلِ الْحَقُّ من رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ الله أن يؤمن فَلْيُؤْمِنْ ومن شاءَ الله أن يكفر فَلْيَكْفُرْ فإنهم ما يشاؤن إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ‏

فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا أقبل عليه هؤلاء قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مرحبا بمن عتبني فيهم ربي ويمسك نفسه معهم في المجلس حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ولم تزل هذه أخلاقه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بعد ذلك إلى أن مات فما لقيه أحد بعد ذلك فحدثه إلا قام معه حتى يكون هو الذي ينصرف وكذلك إذا صافحه شخص لم يزل يده من يده حتى يكون الشخص هو الذي يزيلها هكذا رويناه من أخلاقه ص‏

لرؤيتنا النعت الإلهي ميزان *** إذا ظهرت فيه لذي العين أكوان‏

يعامله الحبر اللبيب بما أتى *** به عن رسول الله شرع وقرآن‏

فذلك هو الإسلام فاعمل بحكمه *** كما هو إيمان كما هو إحسان‏

«وصل» أداء الحقوق نعت إلهي طولب به الكون‏

قال تعالى أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فذلك حق ذلك الشي‏ء الذي له عند الله من حيث ذاته فهو حق ذاتي والحق العرضي الذي له عند الله هو قوله أُوفِ بِعَهْدِكُمْ فهذا حق على الله أوجبه على نفسه لمن وفى بعهده ومن لم يف فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة فمن عباد الله من يدخل الجنة بالاستحقاق ومنهم من يدخلها بالمشيئة لا بالاستحقاق كما أنه إثم من يدخل النار بالاستحقاق وهم المجرمون خاصة وهم أهلها فلا يخرجون منها أبدا ولهذا يقال لهم يوم القيامة وامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أي أهل الاستحقاق الذين يستحقون سكنى هذه الدار وما عدا المجرمين فإنهم وإن دخلوا النار فلا بد وأن يخرجوا منها بشفاعة الشافعين أو بمنة الله عليهم وهم الذين ما عملوا خيرا قط وإن كان المجرمون قد عملوا خيرا ولكن الاستحقاق يطلبهم بالإقامة فيها فصورتهم صورة من يفعل ذلك بالخاصية فمن أعطى الحق من نفسه فما ترك عليه حجة لأحد ومن زاد على الحق فذلك امتياز له وثناء من الله خاص وهذا نعت فيه بين أهل الله كلام فإنه في إعطاء الواجب عبد اضطرار وفي الامتنان عبد اختيار فمن الناس من رجح مقام عبودية الاختيار على عبودية الاضطرار فإن الاضطرار جبر فحكمه غير حكم المختار قال الله تبارك وتعالى إِلَّا من أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وغير المكره إذا كفر أخذ بكفره وأي شي‏ء فعل جوزي بفعله بخلاف المجبور وما بقي النظر إلا في معرفة من هو المجبور المكره وما صفته فإن بعض العلماء لم يصح عنده الجبر والإكراه على الزنا فيؤاخذ به فإن الآلة لا تقوم له إلا بسريان الشهوة وحكمها فيه وعندنا إنه‏

مجبور في مثل هذا مكره على أن يريد الوقاع ولا يظهر حكم إرادته إلا بالوقوع ولا يكون الوقاع إلا بعد الانتشار ووجود الشهوة وحينئذ يعصم نفسه من المكره له على ذلك المتوعد له بالقتل إن لم يفعل فصح الإكراه في مثل هذا بالباطن بخلاف الكفر فإنه يقنع فيه بالظاهر وإن خالفه الباطن فالزاني يشتهي ويكره تلك الشهوة فإنه مؤمن ولو لا أن الشهوة إرادة بالتذاذ لقلنا إنه غير مريد لما اشتهاه‏

من يشتهي الأمر قد نراه *** غير مريد لما اشتهاه‏

لكنه اضطر فاشتهاه *** في ظاهر الأمر إذ رآه‏

فقل له يحتمي عساه *** ينفعه الله إذ حماه‏

قد قلت قولا إن كان حقا *** عساه يجري إلى مداه‏

أداء الحقوق من الواجب *** على شاهد أو على غائب‏

وما ثم إلا حقوق فمن *** يقوم بها قام بالواجب‏

ومن لم يقم بأداء الحقوق *** دعته الشريعة بالغاصب‏

«وصل» الممكن إذا وجد لا بد من حافظ يحفظ عليه وجوده‏

وبذلك الحافظ بقاؤه في الوجود كان ذلك الحافظ ما كان من الأكوان فالحفظ خلق لله فلذلك نسب الحفظ إليه لأن الأعيان القائمة بأنفسها قابلة للحفظ بخلاف ما لا يقوم بنفسه من الممكنات فإنه لا يقبل الحفظ ويقبل الوجود ولا يقبل البقاء فليس له من الوجود غير زمان وجوده ثم ينعدم ومتعلق الحفظ إنما هو الزمان الثاني الذي يلي زمان وجوده فما زاد فالله حفيظ رقيب والعين القائمة بنفسها محفوظة مراقبة وحافظ الكون حفيظ زمان وجوده والحق مراقب بفتح القاف للعبد غير محفوظ له فإنه لا يقبل أن يكون محفوظا فإنه الصمد الذي لا مثل له أ لا تراه قد قال لنبيه عليه السلام ما يقوله لمن عبد غير الله ينبههم أن كل ما سوى الله من معبود يطلب بذاته من يحفظ عليه بقاء وجوده فقال له يا محمد قُلْ أَ غَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ وهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ وقد قرى الثاني في الشاذ بفتح الياء فكل موجود له بقاء في وجوده فلا بد من حافظ كياني يحفظ عليه وجوده وذلك الحافظ خلق لله وهو غذاء هذا المحفوظ عليه الوجود فلا تزال عينه وإن تغيرت صورته ما دام الله يغذيه بما به بقاؤه من لطيف وكثيف ومما يدرك ومما لا يدرك فالسعيد من الحافظين هو من يرى أنه مجعول للحفظ قال تعالى وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ وليس هؤلاء من حفظة الوجود وإنما هؤلاء هم المراقبون أفعال العباد وإنما الحفظة العامة في قوله ويُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً فنكر فدخل تحت هذا اللفظ حفظة الوجود وحفظة الأفعال‏

إذا قلت إن الله يحفظ خلقه *** فما هو إلا خلقه ما به الحفظ

فهذا هو المعنى الذي قد قصدته *** ودل عليه من عبارتنا اللفظ

فلا تلفظن ما قلت فيه فإنه *** سيرديك إن حققته ذلك اللفظ

«وصل» القلم واللوح أول عالم التدين والتسطير

وحقيقتهما ساريتان في جميع الموجودات علوا وسفلا ومعنى وحسا وبهما حفظ الله العلم على العالم ولهذا

ورد في الخبر عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قيدوا العلم بالكتابة

ومن هنا كتب الله التوراة بيده ومن هذه الحضرة اتخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وجميع الرسل عليه السلام كتاب الوحي وقال كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ وقال في كتاب لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وقال وكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبِينٍ وقال في كِتابٍ مَكْنُونٍ وقال في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ وقال ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ والكتب الضم ومنه سميت الكتيبة كتيبة لانضمام الأجناد بعضهم إلى بعض وبانضمام الزوجين وقع النكاح في المعاني والأجسام فظهرت النتائج في الأعيان فمن حفظ عليها هذا الضم الخاص أفادته علو ما لم تكن عنده ومن لم يحفظ هذا الضم الخاص المفيد العلم لم يحصل على طائل وكان كلاما غير مفيد

إذا كان إنتاج فلا بد من ضم *** وما كل موجود يكون عن الضم‏

فمن كان دون اللوح والقلم الذي *** له الحكم فينا بالتعانق واللثم‏

فلا بد من كون يكون بضمه *** إلى لوحه فالكون في رتبة الكم‏

وفي الكيف فانظر في الذي قد نظمته *** وكن منه في هذا الوجود على علم‏

«وصل» اعلم أن لله مجالس مع عباده‏

وعددها على عدد ما فرض عليهم سبحانه مما كلفهم به ابتداء فلما سواها دعاهم إليها ليجالسوه فيها فمن تخلف عن مجالسته فيها فقد عصى دعوته ولله مجالس تسمى مجالس الايمان خيرهم في مجالسته فيها على وجه خاص فيجالسهم فيها إذا دخلوها من حيث دعاهم إليها فيجدون خيرا كثيرا فإن دخلوها لا من حيث دعاهم إليها لم يجالسوه فيها ولا وجدوا فيها خيرا ولا شرا وعدد هذه المجالس بعدد ما أباح لهم في الشرع أن يتصرفوا فيه مما لا أجر فيه ولا وزر فإذا فعلوا المباح من حيث إن الله تعالى أباحه لهم وهم مؤمنون بذلك حضر معهم بالإيمان فهذا معنى قولي من حيث ما دعاهم إليها ولله مجالس في هذه المجالس التي أباح لهم الدخول فيها ليجالسوه إذا جاءوا إليها من حيث ما دعاهم إلى الدخول فيها فإذا لم يأتوا إلى هذه المجالس التي في مجالس الإباحة المعينة منها ولا جالسوا الحق فيها فقد عصوه وكان حكمهم في ترك مجالسته فيها حكم مجالس الفرائض وأعني بالفرائض كل ما أذكره من فعل وترك حتى يشمل الحظر والكراهة التي في مقابلة الندب وعدد هذه المجالس بعدد ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر فأوجبه الله عليهم وبعدد ما أمرهم به أولو الأمر منهم فأوجب الله عليهم طاعتهم في ذلك فإن لم يدخلوا هذه المجالس فقد عصوا وإنما جعلنا هذه المجالس معينة في مجالس الإباحة لأن النذر لا يكون إلا فيما أبيح له فعله وخيره الحق فيه بين الفعل والترك وكذلك ما أمرهم به أولو الأمر منهم ما لهم أمر فيهم إلا بما أبيح لهم فعله فيجالسهم الحق في هذه المجالس المعينة مجالسته لهم في مجالس الفرائض ولله مجالس أعدها سبحانه لعباده تسمى مجالس نوافل الخيرات بينها وبين مجالس الإباحة الترجيح فإن الإباحة ليس فيها ترجيح وكما قلنا في كل ذلك من فعل وترك وقرن تعالى محبته العالية السامية لأهل مجالس الفرائض وقرن محبة أخرى دون هذه المحبة لأهل مجالس نوافل الخيرات وعدد هذه المجالس بعدد النوافل ولا تكون نافلة إلا ما كان له مثل في الفرائض كصدقة التطوع نافلة لأن لها أصلا في الفرائض وهو الزكاة وكذلك الحج والصيام والصلاة وكل فرض ولله مجالس يجالس الحق فيها عباده تسمى مجالس السنن الكيانية وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من سن سنة حسنة

وتسمى في العامة بدعة حسنة لأنها مبتدعة لمن سنها ما كتبها الله علينا ولا أوجبها وعددها على عدد ما سن من ذلك وعدد من عمل بها كل ذلك يكون مجالسة الحق فيها مع من سنها من حيث لا يشعر إلا أن يكشف الله له في سره بمجالسته إياه بعدد كل عامل بها فيرى مجالسته غريبة وهو غير عامل لها في الوقت فيقال له إن فلانا وفلانا عملا بالخير الذي سننته فجالسناه فيه فجالسناك فاحمد فعلك فيشكر الله على ذلك ولكل مجلس باب عليه يكون الدخول إلى هذه المجالس وعلى كل باب بواب وهو الايمان ومن المجالس ما يكون عليها بوابان الايمان والنية والأبواب ما هي غير الشروع في ذلك العمل الذي هو بمنزلة الدخول فالحال الذي يكون عليه في أول الشروع الذي هو الدخول ذلك هو الباب قال تعالى الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ والمصلي يناجي ربه والمناجاة ذكر وهو جليس من ذكره سبحانه والدوام على مناجاته أن يكون العبد في جميع أحواله وتصرفاته مع الله كما هو في صلاته يناجيه في كل نفس وسبب ذلك كونه لا بد أن يكون على حال من الأحوال ولا بد أن يكون للشارع وهو الله في ذلك الحال حكم أي حكم كان وهو سبحانه حاضر مع أحكامه حيث كانت فالمراتب تناجيه في كل حال محظور وغير محظور لأن الأفعال والتروك وهي أحوال العبد التي تعلقت بها أحكام الحق مقدرة فلا بد من وقوعها وهو سبحانه خالقها فلا بد من حضوره فيها فيناجيه هذا العبد الذي قد عرف بحضور الحق معه في حاله فهذا هو الدوام على الصلاة وقالت عائشة تخبر عن حال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنه كان يذكر الله على كل أحيانه‏

تشير إلى ما قلناه فإنه قد كان يأتي البراز وهو ممنوع أن يذكر بلسانه ربه في تلك الحال وقد كان من أحيانه يمازح العجوز والصغير ويكلم الأعراب ويكون في هذه الأحيان كلها ذاكرا وهذا هو الذي يقال فيه ذكر القلب الخارج عن ذكر اللفظ وذكر الخيال فمن ذكر الله بهذا الذكر فهو

جليسه دائما وهو الذي أثنى عليه ربه وألحقه بالذين هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ولما فسر الله الصلاة ما فسرها إلا بالذكر وهو التلاوة فقال يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدني عبدي فقسم المناجاة بينه وبين عبده فالمناجاة هي عين الصلاة والمناجاة فعل فاعلين فيقول ويقول قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‏

إذا تلوت كتاب الله كنت به *** ممن يجالسه ومن يناجيه‏

فما الصلاة سوى الذكر الحكيم فمن *** تلاه صلى وفيه بعض ما فيه‏

من أجل فاتحة القرآن قلت لكم *** بأن فيه وذكري ليس يحويه‏

فالحمد فرض المصلي في قراءته *** وليس كل مصل منه يدريه‏

«وصل» الرجوع الاختياري إلى الله يشكر عليه العبد

قال عز وجل وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فإذا علمت هذا فارجع إليه مختارا ولا ترجع إليه مضطرا فإنه لا بد من رجوعك إليه ولا بد أن تلقاه كارها كنت أو محبا فإنه يلقاك بصفتك لا يزيد عليها فانظر لنفسك يا ولي‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه‏

وأخبرنا في الكشف بالأخبار الإلهي المنفوث في الروع من الوجه الخاص فقيل لنا من استحى من لقاء الله آنسه الله وأزال خجله وذلك أن العبد ما يجعله يستحيي إلا ما ظهر به من المخالفة أو التقصير عن حق الاستطاعة وما ثم غير هذين فآنس الحق في ذلك أن يقول له يا عبدي إنما كان ذلك بقضائي وقدري فأنت موضع جريان حكمي فيأنس العبد بهذا القول فلو قال هذا القول العبد لله لأساء الأدب مع الله ولم يسمع منه وبهذا بعينه يؤنسه الحق فهو من جانب الحق في غاية الحسن ومن جانب الخلق في غاية القبح‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الحياء خير كله‏

قال والحياء لا يأتي إلا بخير

وأي خير أعظم من هذا الخير أن يقيم الحق حجة العبد أنسا له ومباسطة وإزالة خجل ورفع وجل فسبحان اللطيف الخبير المنعم المتفضل ولما ورد على هذا التعريف الإلهي لم يسعني وجود بل ضاق عني الوجود مما امتلأت من هذا الخطاب والتعريف الإلهي حيث جعلني محلا لخطابه وأهلني لما أهل له أهل خصوصه وقد علمنا أن لقاء الله لا يكون إلا بالموت علمنا معنى الموت فاستعجلناه في الحياة الدنيا فمتنا في عين حياتنا عن جميع تصرفاتنا وحركاتنا وإراداتنا فلما ظهر الموت علينا في حياتنا التي لا زوال لها عنا حيث كنا التي بها تسبح ذواتنا وجوارحنا وجميع أجزائنا لقينا الله فلقينا فكان لنا حكم من يلقاه محبا للقائه فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف عنا غطاء هذا الجسم لم يتغير علينا حال ولا زدنا يقينا على ما كنا عليه فما ذقنا إلا الموتة الأولى وهي التي متناها في حياتنا الدنيا فوقانا ربنا عذاب الجحيم فَضْلًا من رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏

قال علي رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا

فمن رجع إلى الله هذا الرجوع سعد وما أحس بالرجوع المحتوم الاضطراري فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند الله فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه أن نفسه التي هي عند الله يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره فتبقى مع الحق على حالها وينقلب هذا الجسد إلى أصله وهو التراب الذي منه نشأت ذاته فكان دارا رحل عنها ساكنها فأنزله الملك في مَقْعَدِ صِدْقٍ عنده إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال من كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه وفي النشأة التي ينزل فيها فيرى نشأة مخلوقة على غير مثال تعطيه هذه النشأة في ظهورها ما تعطيه نشأة الدنيا في باطنها وخيالها فعلى ذلك الحكم يكون تصرف ظاهر النشأة الآخرة فينعم بجميع ملكه في النفس الواحد ولا يفقده شي‏ء من ملكه من أزواج وغير هن دائما ولا يفقدهم فهو فيهم بحيث يشتهي وهم فيه بحيث يشتهون فإنها دار انفعال سريع لا بطء فيه كباطن هذه النشأة الدنياوية في الخواطر التي لها سواء فالإنسان في الآخرة مقلوب النشأة فباطنه ثابت على صورة واحدة كظاهره هنا وظاهره سريع التحول في الصور كباطنه هنا قال تعالى أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ولما انقلبنا قلبنا فما زاد علينا شي‏ء مما كنا عليه فافهم وهذا الرجوع المذكور في هذا الوصل ما هو رجوع التوبة فإنه لذلك الرجوع المسمى توبة حد خاص عند علماء الرسوم وعندنا وهذا رجوع عام في كل الأحوال التي يكون عليها الإنسان فهذا الفرق بين الرجوعين فإن التوبة رجعة بندم وعزم على‏

أمر وهذا ليس كذلك فالتوبة في العموم معلومة وهذا الرجوع في الخصوص معلوم لا يناله إلا أهل الله الذين هم هم‏

إن الرجوع هو المطلوب لله *** إليه عن كل كون فيه بالله‏

فلا تقولن للأشياء لست به *** فليس في الكون إلا هو وإلا هي‏

فكن مع الله في الأحوال أجمعها *** ولا تكن عن شهود الله بالساهي‏

فإن لله عينا غير نائمة *** بها يراك ولا يشهد سوى الله‏

من أعجب الأمر إن الأمر واحدة *** فذى التقاسيم في أكواننا ما هي‏

«وصل» العبودية ذلة محضة خالصة ذاتية للعبد

لا يكلف العبد القيام فيها فإنها عين ذاته فإذا قام بحقها كان قيامه عبادة ولا يقوم بها إلا من يسكن الأرض الإلهية الواسعة التي تسع الحدوث والقدم فتلك أرض الله من سكن فيها تحقق بعبادة الله وأضافه الحق إليه قال تعالى يا عِبادِيَ (الَّذِينَ آمَنُوا) إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ يعني فيها ولي مذ عبدت الله فيها من سنة تسعين وخمسمائة وأنا اليوم في سنة خمس وثلاثين وستمائة ولهذه الأرض البقاء ما هي الأرض التي تقبل التبديل ولهذا جعلها مسكن عباده ومحل عبادته والعبد لا يزال عبدا أبدا فلا يزال في هذه الأرض أبدا وهي أرض معنوية معقولة غير محسوسة وإن ظهرت في الحس فكظهور تجلى الحق في الصور وتجلى المعاني في المحسوسات ولا تظهر المعاني في الصور الحسية إلا لقصور بعض النفوس عن إدراك ما ليس بمادة فإذا كان متضلعا من المعرفة بالله لم ير المعاني في مواد ولا رأى المواد في غير نفسها فأدرك كل شي‏ء في شيئيته كانت ما كانت وهذا هو الإدراك الذي يعول عليه لأنه بري‏ء من التلبيس ولا يصح بوجه من الوجوه أن يشهد الإنسان محض عبوديته ولا يقام في عبادته المحضة التي لا يخالطها شي‏ء من الربوبية التي تعطيه الصورة التي خلق عليها إلا عن تجل إلهي فإذا لم يكن تجل فإن الإنسان يقام في الصورة التي خلق عليها فيكون عبدا ربا مالكا مملوكا مثل العامة سواء غير إن الفارق بينه وبين العامة أنه للعامة اعتقاد ولعلماء الرسوم علم ولهذه الطائفة شهود وهو العبد الممتزج الظاهر بالحقيقتين وما يتخلص من هذا المزج إلا أهل العناية الذين يعمرون هذه الأرض الواسعة التي لا نهاية لها وكل أرض سواها فمحدودة ليس لها هذا الحكم ولهذا أربابها كثيرون فإن لكل عبد فيها ملكا يملكه ويتصرف فيه فلا يتعدى غيره عليه وبنفس ما يملك منها كان مالكا وربا فيها وهذه الأرض الواسعة هي المتصرفة في سكانها الحاكمة عليهم بذاتها وهي مجلى الربوبية ومنصة المالك الحق وفيها يرونه فمن كان من أهلها حيل بينه وبين الصورة التي خلق عليها فكان عبدا محضا شاهدا يشاهد الحق في عين ذاته فالشهود له دائم والحكم له لازم وهؤلاء هم المسودون الوجه في الدنيا والآخرة إذا علمت ذلك‏

فالرب رب والعبد عبد *** فلا تغالط ولا تخالط

إن أرض الله واسعة *** فاعبدوا فيها الذي هي له‏

بلغوه في عبادتكم *** بالذي ترجونه أمله‏

فالذي له لكم والدي *** لك من نعت فما هو له‏

وإذا ما قال لست هنا *** إنه أقامكم مثله‏

ذلكم معنى الخلافة في *** أرضه فاسلك بها سبله‏

ولتقم بعين صورته *** في الذي أقامكم بدله‏

واعملوا في كل آونة *** بالذي أراكم عمله‏

«وصل» الانتقالات في الأحوال‏

من أثر كونه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ والعالم كله على الصورة وليس هو غير الشئون التي تظهر بها ولا يشهد هذا الأمر كشفا إلا أصحاب الأحوال ولا يشهد هذا حالا إلا أهل السياحات ولا يشهده علما إلا القائلون بتجدد الأعراض في كل زمان فإن من عباد الله من لا يعرف بمكان إلا انتقل عنه إلى مكان غيرة منه على الله وعلى نفسه فأما غيرته على الله فإنه لا يعرف إلا به فحاله هو الذي يظهره الحق لهم فيغار على الجناب الإلهي حيث‏

لا يذكر الله إلا به وينبغي في نفس الأمر أن لا يذكروا الله إلا بالله فلما رأوا أن الأمر ظهر بالعكس وهوقوله عليه السلام حين قيل له من أولياء الله قال الذين إذا رأوا ذكر الله فغاروا من هذا

وأرادوا احترام الجناب الإلهي حتى يذكروه ابتداء لا بسبب رؤيتهم وأما غيرتهم على نفوسهم فإنهم ما تحققوا بالحق في تقلباتهم لمشاهدتهم شئون الحق إلا حتى لا يعرفهم الخلق كما لا يعرفون الحق فما داموا يجهلون في العالم طاب عيشهم وعلموا إن الله قد جعلهم أخفياء أبرياء مصانين في الكنف الأحمى من جملة ضنائنه فمتى ما عرفوا انتقلوا إما بالحال وهو التصرف بحكم العادات التي هي مثل الآيات المعتادة فلا يعرفها إلا الذين يعقلون عن الله وإما بالانتقال الحسي المكاني من مكان إلى مكان لتحققهم بالحق في نزوله من سماء إلى سماء فمن أراد أن يتمتع بوجود هذا الصنف ومشاهدته ويستفيد منه من حيث لا يشعر فلا يظهر له أنه يعرفه ويظهر العزة عليه والاستغناء عنه ويصحبه صحبة عادة العامة ولا تبدو منه كلمة لا يرضاها الله فإنه لا يحتملها صاحب هذا الحال وينفر منه كما ينفر ممن يعلمه فلا يعامله إلا بواجب أو مندوب أو مباح خاصة هكذا يقتضي حالهم‏

من شهد الحق في شئونه *** أقامه الحق في فنونه‏

فهو عليم بكل شي‏ء *** أشهده ذلك من مبينة

فهو الإمام الذي سناه *** يظهر في الكون من جفونه‏

فكل شي‏ء تراه عينا *** فإنما ذاك من عيونه‏

تفجرت في القلوب علما *** عينا وحقا إلى يقينه‏

سبحان من لا يراه غيري *** كما أراه على شئونه‏

«وصل» الحالة البرزخية لا يقام فيها إلا من عظم حرمات الله‏

وشعائر الله من عباده وهم أهل العظمة وما لقيت أحدا من هذا الصنف إلا واحدا بالموصل من أهل حديثة الموصل كان له هذا المقام ووقعت له واقعة مشكلة ولم يجد من يخلصه منها فلما سمع بنا جاء به إلينا من كان يعتقد فيه وهو الفقيه نجم الدين محمد بن شائي الموصلي فعرض علينا واقعته فخلصناه منها فسر بذلك وثلج صدره واتخذناه صاحبا وكان من أهل هذا المقام وما زلت أسعى في نقلته منه إلى ما هو أعلى مع بقائه على حاله فإن النقلة في المقامات ما هي بأن تترك المقام وإنما هو بأن تحصل ما هو أعلى منه من غير مفارقة للمقام الذي تكون فيه فهو انتقال إلى كذا لا من كذا بل مع كذا فهكذا انتقال أهل الله وهكذا الانتقال في المعاني لا يلزم من انتقل من علم إلى علم إن يجهل العلم الذي كان عليه بل لا يزال معه إذا كان عالما وصاحب هذا الحال بين الله وبين نفسه فهو ناظر إلى نفسه ليرى ربه منها أو فيها فإذا لم يبد له مطلوبه صرف النظر بالحال إلى ربه ليرى في ربه نفسه فإذا رآه الحق على ذلك جاءه الاسم الغيور فخاف عليه إن يناله فرده إلى رؤية نفسه وأشهده في نفسه ربه وهو المقام الذي يأتي عقيب هذا إن شاء الله‏

من حالة البرزخ أن يشهدا *** ثلاثة أعلامها تشهد

بأنه حصل أعيانها *** وأنه بعلمها السيد

يحكم في ذاك وذا بالذي *** أعلمه بحاله المشهد

فهو الإمام المرتضى والذي *** له جباه للنهى تسجد

فهو الذي يسجد من أجله *** وهو الذي يسجد والمسجد

«وصل» من شهد نفسه شهود حقيقة

رآها ظلا أزليا لمن هي على صورته فلم يقم مقامه لأن المنفعل لا يقوم مقام فاعله فلا تسجد الظلال إلا لسجود من ظهرت عنه فالظلال لا أثر لها بل هي المؤثر فيها وكل منفعل ففاعله أعلى منه في الرتبة فلا تشهد الأشياء إلا بمراتبها لا بأعيانها فإنه لا فرق بين الملك والسوقة في الإنسانية فما تميز العالم إلا بالمراتب وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة وهذا مقام العقلاء العارفين يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كثيرا في هذا

المقام في حق نفسه وتعليما لنا إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فلم ير لنفسه فضلا علينا ثم ذكر المرتبة وهي قوله يُوحى‏ إِلَيَّ ولا خلاف بين العقلاء أنه من تعاظم في نفسه بشرف غيره إنه أخرق جاهل إذ لم يكن شرفه بنفسه والأمر ليس كذلك فالعاقل الحاضر الشهيد لا يرى لنفسه شرفا يفتخر به على أمثاله‏

أ لا تراه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنه قال أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر

فنفى أن يقصد بذلك الفخر ثم ذكر الرتبة التي لها الفخر الذي هو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مترجم عنها وناطق بلسانها فذكر رتبة الشفاعة والمقام المحمود فالفخر للرتبة لا لنا فما هلك امرؤ عرف قدره ولنا بحمد الله في هذا المقام القدم الراسخة والمراتب نسب عدمية فلا فخر بالذات إلا لله وحده وإذا كان الفخر فينا للرتب والرتب نسب عدمية فما فخرنا إلا بالعدم وناهيك ممن فخره بالعدم‏

فإن كنت تعقل ما قلته *** فأنت المراد وأنت الإمام‏

وإن كنت تجهل ما قلته *** فأنت الجهول الذي لا يرام‏

فللعلم فينا حجاب السنا *** وللجهل فينا حجاب الظلام‏

فقل للجهول بأحواله *** ستعلم ذلك عند الحمام‏

إذا كشف الله عن عينه *** غطاء فلاحت بدور التمام‏

«وصل» الأمر الإلهي نافذ في المأمور

لا يتوقف لأمره مأمورة فإذا ورد الأمر الإلهي على لسان الكون ظهر في الأمثال فاعتزت النفوس أن تكون تتصرف تحت أوامر أمثالها فردت أوامر الحق إما على جهالة بأنها أوامر الحق وإما على علم بأنها أوامر الحق لكن أثرت فيها الواسطة لأن المحل برد الحال فيه إلى صورته كالماء في الأوعية إلا إن المأمور إذا كان على بينة من ربه أبصر المأمور به ليس في قدرته إيجاد عينه إلا أن يتعلق به الأمر الإلهي الذي له النفوذ فيهيئ محله لوجود المأمور به عند إيجاد الحق إياه فإذا هيأ محله أوجده الحق فيقال في المحل إنه عبد طائع لله فيما أمره به ولسان الحال والكشف يقول ليس لك من الأمر شي‏ء وإذا لم يهيئ محله لوجود المأمور به لم يظهر للمأمور به عين فقيل عبد عاص أمر ربه مخالف ولسان الحال والكشف يقول له لَيْسَ لَكَ من الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ وسواء كان الواسطة يأمر أو يتكلم بلسان‏

حق أو بغير لسان حق فإن هذه مسألة قد فشت في العامة وهي مبنية على أصل فاسد فيقولون في المذكرين إذا لم يؤثروا في السامعين أنه لو خرج الكلام من القلب لوقع في القلب وإذا كان من اللسان لم يعد الآذان ويشيرون بذلك إلى المذكر لو كان صادقا فيما يدعو به الناس إلى الله لأثر ومعلوم أن الأنبياء والرسل عليه السلام صادقون في أحوالهم بل هم أصدق الدعاة إلى الله ثم إنهم يدعون على بصيرة إلى الله بصورة ما أوحى به إليهم فهم صادقون بكل وجه ومع هذا يقول نوح عليه السلام إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وقال فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني دعاء الحق على لسان الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْباراً في الْأَرْضِ فلا تغالط نفسك وانظر فيما دعيت إليه فإن كان حقا ولو كان من شيطان فاقبله فإنك إنما تقبل الحق ولا تبال من جاء به هذا مطلب الرجال الذين يعرفون الأشياء بالحق ما يعرفون الحق بالأشياء وأصحاب هذا الوصف هم العارفون بالموازين الإلهية المعرفة التامة وهم قليلون في العالم إلى وقتي هذا ما رأيت منهم واحدا وإن كنت رأيته فما رأيته في حال تصرفه في هذا المقام وهم حكماء هذا الطريق ناطقون بالله عن الله ما أمرهم به الله‏

فلله من خلقه طائفة *** عليه قلوب لها عاكفة

وليست لهم في الذي قد دعا *** من أحوالهم صفة صارفة

إذا ما دعاها بأنفاسها *** يراها على بابه واقفه‏

تبادر للأمر من كونها *** بمن قد دعاها له عارفة

«وصل» إذا أضيف حكم من أحكام الوجود إلى غير الله‏

أنكره أهل الشهود خاصة وهم الذين لا يشهدون شيئا ولا يرونه إلا رأوا الله قبله كما قال الصديق عن نفسه وأما العلماء فهم في هذا المقام على حكم الحق فيه‏

لا على ما يشهدونه فينكرون النكرة ويعرفون المعرفة إذ كان الوجود مبناه على المعرفة وهو الأصل فلما جاءت الأمثال والأشباه ظهر التنكير فافتقرنا إلى البدل والنعت وعطف البيان ولو لا الأمثال وحصول التنكير ما احتجنا إلى شي‏ء وليست الحدود الذاتية للأشياء تقوى قوة النعوت فإن الحدود الذاتية مثلا للإنسان بما هو إنسان لا تميز زيدا عن عمرو فلا بد من زيادة يقع بها تعريف هذا التنكير لو قلت جاءني إنسان لم يعرف من هو حتى تقول فلان فإن كان في حضرة التنكير نعته أو أبدلت منه أو عرفته بعطف البيان حتى تقيمه في حضرة التعريف ليعرف المخبر به من أردت وهذا مقام لم يتحقق به أحد مثل الملامية من أهل الله وهم سادات هذا الطريق ومن الناس من ينكر على الحق لا على جهة الاعتراض عليه وإنما يطلب بذلك أن يعلم ما هو الأمر عليه الذي جهله بالتعريف الإلهي الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ على لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ ومن هذا المقام قولي‏

قلت لمن يخلق ما يخلق *** ما لك لا تبقي الذي تخلق‏

فقال لي إن المحل الذي *** أخلقه في نفسه ضيق‏

ما يقبل التكوين إلا كذا *** فاسكت فإن الباب لا يغلق‏

ما العين إلا واحد دائم *** فلا تبالي أنه مطلق‏

أجدد التكوين في عينه *** والناس في لبس فلا تنطق‏

خلف حجاب المثل أبصارهم *** لذلك الوهم لهم يسبق‏

فاستنشق العرف من إعراضهم *** فإنها المسك الذي يعبق‏

فانظر إلى موجد أعيانهم *** ما هو غير هكذا حققوا

فكل ما يرى منه بناؤه *** من صورة في ذاتنا تعلق‏

أرواحهم غذاء أشباحهم *** وروحهم من ثمري تعلق‏

«وصل» الحدود الذاتية الإلهية التي يتميز بها الحق من الخلق‏

لا يعلمها إلا أهل الرؤية لا أهل المشاهدة ولا غيرهم ولا تعلم بالخبر لكن قد تعلم بعلم ضروري يعطيه الله من يشاء من عباده لا يلحق بالخبر الإلهي وما ثم أمر لا يدرك من جهة الخبر الإلهي إلا هذا وما عدا هذا فلا يعلم إلا بالخبر الإلهي أو العلم الضروري لا غير فحدود الموجودات على اختلافها هي حدود الممكنات من حيث أحكامها في العين الوجودية وحد العين الوجودية الذاتي ليس إلا عين كونها موجودة فوجودها عين حقيقتها إذ ليس لمعلوم وجود أصلا وغاية العارفين أن يجعلوا حدود الكون بأسره هو الحد الذاتي لواجب الوجود والعلماء بالله فوق هذا الكشف والمشهد كما ذكرناه قبل وهم رضي الله عنهم يحافظون على هذا المقام لسرعة تفلته من قلوبهم فإنه من لم تستصحبه الرؤية دائما مع الأنفاس فإنه لا يكون من هؤلاء الرجال وهذا مقام من يقول ما رأيت إلا الله فإن قيل له فمن الرائي قال هو فإن قيل له فمن القائل قال هو فإن قيل له فمن السائل قال هو فإن قيل له فكيف الأمر قال نسب تظهر فيه منه له فما ثم في ثم إلا هو وهو عين ثم وهذا هو مشهد أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه بالحال‏

إن لله حدودا عرفت *** بوجودي وبها قد عرفا

لو يراها أحد من خلقه *** مثل ما شاهدتها ما انصرفا

لا يرى ما قلته إلا الذي *** لم يزل بربه متصفا

أو عليما عن دليل قاطع *** بوجودي أو حكيما منصفا

وممن عرف الحق من كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه فمن قواه العلم بالأمور والحق تلك القوة والعبد موصوف بها فهو موصوف بالحق والحق يعلم نفسه فهذا العبد عالم به من حيث ما هو الحق عين صفته فما علمه إلا به ومن له هذا المقام من العلم بالله فلا يجاريه أحد في علمه بالله فهذا هو العالم بالحد الذاتي الذي لا ينقال‏

«وصل»

رأيت بقونية في‏

مشهد من المشاهد شخصا إلهيا يقال له سقيط الرفرف ابن ساقط العرش ورأيت بفأس شخصا يوقد في الأتون ممن سقط وصحبته وانتفع بنا فإن جماعة من أهل الله يعرضون عن الساقطين وسبب ذلك إنهم ما بلغوا من معرفة الله بحيث إنهم يرونه عين كل شي‏ء فلما حصروه صار عندهم كل من سقط من ذلك المقام الإلهي الذي عينوه أعرضوا عنه لبعده عندهم من الله تعالى والعلماء بالله ما لهم حالة الإعراض عن هؤلاء لأنهم في حال الثبوت وحال السقوط ما خرجوا عن المقام الإلهي وإن خرجوا عن المقام السعادي فلا أثر للسقوط عندهم فهم مقبلون على كل ساقط قبول رحمة أو قبول علم ومعرفة لأنهم علموا أين حصل لما سقط أو من هو الذي سقط وقد رفع الله المؤاخذة عنهم وعمن كانوا عنده وهذا من أعظم العناية لمن عقل عن الله بهم وهم لا يشعرون ولا يشعر بهم إلا العلماء بالله قال تعالى وما تَسْقُطُ من وَرَقَةٍ وهي ما تسقط إلا من خشية الله كما قال وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله والهبوط سقوط بسرعة عن غير اختيار والجبر الأصل فهذا حكم الأصل قد ظهر في الساقطين‏

إذا سقط النجم من أوجه *** وكان السقوط على وجهه‏

فما كان إلا ليدري إذا *** تدلى إلى السفل من كنهه‏

فيعرف من نفسه ربه *** كما يعرف الشبه من شبهه‏

«وصل» وأما رجال الله الذين يحفظون نفوسهم من حكم سلطان الغفلة

الحائلة بينهم وبين ما أمروا به من المراقبة فهم قسمان قسم له الإطلاق في الحفظ كإطلاق حكم الشرع في أفعال المكلف وقسم له التقييد في الحفظ ظاهرا لا باطنا فأما أهل الإطلاق فمنهم من يحافظ على ما عين الحق له منه إنه وسعه وهو القلب ومنهم من يحافظ على ملازمة الحجاب الذي يعلم أن الحق وراؤه فيكون له كالحاجب في العالم ينفذ أوامره وهذه حالة القطب فليس له من الله إلا صفة الخطاب لا الشهود لأنه صاحب الديوان الإلهي فلا يكون إلا من وراء حجاب إلى أن يموت فإذا مات لقي الله وهو مسئول عن العالم والعالم مسئول عنه وهذا هو مقام الرسل صلوات الله عليهم أجمعين وشركهم في هذا المقام من يحافظ على الصلوات في الجماعات إذا قدر عليها وعلى كثرة النوافل منها ليلا ونهارا ولما علموا إن الله عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَفِيظٌ وهم من الأشياء وهم الذين ادعوا أنهم أهل الصورة المثلية لزمهم إن يقوموا في هذه الصفة فيصدق عليهم اسم الحفيظ على كل شي‏ء فيحفظوا ما خصص الله به نفسه في ملكه من الحقوق التي له أن ينازعه فيها أحد من عالمهم وينوب عن العالم بأسره فيما فيه مصالحهم لما هو العالم عليه من الغفلة والجهل فبالجهل لا يعرف مصالحه من غير مصالحه وبالغفلة يغفل عن مصالحه وإن كان يعرفها إذا نبه لها فيكون هذا العبد الحفيظ على كل شي‏ء مستحقا هذا الاسم ولما علم إن عليه من الله حافظا يكتب ما يعمله من أفعاله حفظ ما يملي عليه حتى يقع لصحيفته ميز على سائر الصحف إذا رفعت إلى الله هذا شأن القوم وأما أنا فأقول‏

قل لمن يحفظ الأمور عليه *** إنما يحفظ الوجود الحفيظ

ولهذا إذا الحفيظة جاءت *** وأتى للذي أتاه يغيظ

قام فردا فزاحمته أمور *** فيرى لازدحامهن كظيظ

قلت من زاحم الأمور فقالوا *** هو قلب فظ عليه غليظ

ولما رأيت ما ينبغي لله وما ينبغي للعبد ورأيت ما حجب الله به عباده المنسوبين إليه من حيث إنه جعل لهم في قلوبهم أنهم يعتقدون أن لهم أسماء حقيقة وأن الحق تعالى قد زاحمهم فيها وحجبهم عن العلم بأن تلك الأسماء أسماؤه تعالى زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهية وقابلوا مزاحمة بمزاحمة وما تفطنوا لما لم يزاحمهم فيه من الذلة والافتقار الذي نبه لأبي يزيد عليها ولنا اعتناء من الله فهذه أسماؤهم لا ما أدعوها فزاحموه فيما تخيلوه من الأسماء أنها لهم وهم لا يشعرون ولقد كنت مثلهم في ذلك قبل أن يمن الله علي بما من به علي من معرفته فعلمني إن الأسماء أسماؤه وأنه لا بد من إطلاقها علينا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا وأطلقها غيرنا اضطرارا إيمانيا لكون الشرع ورد بها لا اعتقادا فحفظنا عليه ما هو له حين لم يحفظه ومكر بعباده وفي ذلك قلت‏

فلو يضاهيه خلق من بريته *** ضاهاه قلبي ولكن عزه منعا

فقلت للقلب لا تحجب بصورته *** فما أجاب ولا أصغى ولا سمعا

دعاه قلبي فلباه بحاجته *** فعزه قوله لبيك حين دعا

لو أن قلبي يدري ما أقول له *** في مثل ما يبتغيه منه ما طمعا

لكنه جاهل بالأصل مبتئس *** فعند ما جاء ما أغناه قال دعا

فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه كلها التي وصف بها نفسه والتي أعطى في الكشف أنها له فقد أنصف فاتصف بأنه عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَفِيظ

«وصل» ولما فتح الله باب الرحمتين‏

وبان الصبح بهما لذي عينين أوقف الحق من عباده من شاء بين يديه وخاطبه مخبرا بما له وعليه وقال له إن لم تتق الله جهلته وإن اتقيته كنت به أجهل ولا بد لك من إحدى الخصلتين فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين والنسيان لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما فاشكر الله على الغفلة والنسيان ثم قيل له احذر من أهل الستور إن يستدرجوك إليها فإنهم أهل خداع ومكر أ يكون الستر على من هو منك أقرب من حَبْلِ الْوَرِيدِ فما استتر عنك إلا بك فأنت عين ستره عليك فلو رأيت باطنك رأيته وكذلك ذو الوجهين فإن له وجها معك ووجها معه فيحيرك فاحذره كما تحذر الحجاب فهم جعلوا أنفسهم حجابا ما أنا اتخذتهم حجبة فإذا رأيت من يدعوك إلى فيك فأولئك حجتي فاصغ إليهم فإنهم نصحوك وصدقوك ثم قيل له لم يتسم الله بالحكيم إلا من أجلك وتسمى بالعليم من أجلك ومن أجله فقد خصك بأمر ليس له وهو لك فأنت أعظم إحاطة في الصفات منه لأنه كل ما له لك فيه اشتراك فما اختص بشي‏ء دونك وهو كماله الذي ينبغي له واختصصت أنت بأمر ليس له وهو كمالك الذي ينبغي لك ولا ينبغي له فما ثم إلا كمال في كمال ثم قيل له اتبع الخبر ولا تتبع النظر المعرى عن الخبر فإن الله ما تسمى بالخبير إلا لهذا ثم قيل له اعتمد عليه تعالى في وكالتك واحذر أن تكون له وكيلا ثم قيل له أنت قلب العالم وهو قلبك فشرفك به وشرف العالم بك ثم قيل له لا تجهل من أنت له وهو لك مثل من أنت منه وما هو منك كما لا تجعل من هو منك من أنت منه وأجر مع الحقائق على ما هي عليه في أنفسها فإن لم تفعل وقلت خلاف هذا تكذبك مشاهدة الحقائق فتكون من الكاذبين وهذا هو قول الزور لأنه قول مال بصاحبه عن الحق الذي هو الأمر عليه وزال عن العدل ثم قيل له ليكن مشهودك ما تقصده حتى تعرف ما تقصد فإن اجتهدت وأخطأت بعد الاجتهاد فلا بأس عليك وأنت غير مؤاخذ فإن الله ما كلف نفسا إلا ما أتاها فقد وفت بقسمها الذي أعطاها الله فهو الذي ستر ما ستر لحكمه وكشف ما كشف لحكمه رحمة بعباده ثم قيل له الحق أولى بعباده المضافين إليه المميزين من غيرهم وهم الذين لم يزالوا عباده في حالة الاضطرار والاختيار من نفوسهم وما هو مع من لم يضف إليه بهذه المثابة فلكل عالم حظ معلوم من الله لا يتعدى قسمه ثم قيل له إذا بذلت معروفا فلا تبذله إلا لمعروف وأنت تعرف من هو المعروف فإن للمعروف أهلا لا يعلمهم إلا الله ومن أعلمه الله ثم قيل له قد علمت إن لله ميثاقين وأنك مطلوب بهما فإن العلماء ورثة الأنبياء فانظر لمن أنت وارث فإن ورثت الجميع تعين عليك العمل بميثاق الجميع وإن كنت وارثا لمعين فأنت لمن ورثته ثم قيل له أصدق ولا تأمن ثم قيل له إن ذكرت النعم كنت لها وكنت عبد نعمة وإن ذكرت الله كنت له وكنت عبد الله وإن ذكرت الأمرين كنت عبد المنعم وعبد الله فأنت أنت حكيم الوقت فإن لم تناد بعبد المنعم فاعلم إنك عبد المنعم خاصة فاجعل بالك إذا نوديت من سرك بأي اسم تنادي من أسماء إضافة العبودية إليه فكن منه على حذر ثم قيل له إن لله قهرا خفيا في العالم لا يشعر به وهو ما جبرهم عليه في اختيارهم وقهرا جليا وهو ما ليس لهم فيه اختيار يحكم عليهم فرجال الله يراقبون القهر الخفي لأنه عليه يقع السؤال من الله والمطالبة فإن شهدت الجبر في اختيارك كنت ممن شهد الجبر الجلي فيرفع عنك المطالبة ذلك الشهود ولكن المشاهد له عزيز ما رأيت من أهل هذا اللسان والحال إلا قليلا بل ما رأيت إلا واحدا بالشام ففرحت به ثم قيل له لك ست جهات أربعة منها للشيطان وواحدة لك وواحدة لله فأنت فيما منها لله معصوم فمن ثم خذ التلقي واحذر من الباقي وهو الخمسة ولذا جاء

الشرع بخمسة أحكام منها جهتك وجهات الشيطان منك وأما جهته منك فلا حكم فيها للشرع وهي جهة معصومة لا يتنزل على القلب منها إلا العلوم الإلهية المحفوظة من الشوب ثم قيل له إذا كنت مؤمنا فكن عالما حتى لا تزلزلك الشبه وما علم لا يزلزل صاحبه الشبه إلا ما كان من الله فكل علم عن غير الله تزاحمه الشبه والشكوك في أوقات ثم قيل له لا يقيدك مقام فإنك محمدي فلا تكن وارثا لغيره تحز المال كله فمن ورثه من أمته زاد على سائر الأنبياء بصورة الظاهر فإنهم ما شهدوه حين أخذوا عنه رسالاتهم إلا باطنا كما يتميز على سائر الأنبياء من أدرك شريعته الظاهرة كعيسى عليه السلام والياس فهذان قد كمل لهم المقام المحمدي ثم قيل له الاستئذان في الخير دليل على الفتور والرغبة فإن استأذنت ربك في خير تعلم أنه خير فانظر فإن أجابك بالعمل به فحسن وإن خيرك فقد مكر بك واستدرجك وإن لم تقع عندك منه إجابة فاعلم إن في إيمانك ثلمة فإنك ما علمت أنه خير إلا من جهة الشارع والشارع الله فلأي شي‏ء تستأذن بعد العلم فجدد إيمانك بين يديه وقل لا إله إلا الله محمد رسول الله آمنت بما جاء من عندك واشرع في العمل ولا تستأذن في شي‏ء قط فإن الله عليك رقيب فهو يلهمك ما فيه مصالحك وميزان الشرع الذي شرع لك بيدك لا تضعه من يدك ساعة واحدة ولا نفسا واحدا بل لا يزال أهل الله مع الأنفاس في وزن ما هم عليه فهم الصيارفة النقاد ثم قيل له أنت على ملكك وعن ملكك زائل وعن بلدك راحل وعن الدنيا منتقل فلا تفرط في الزاد فإنك ما تأكل إلا ما تحمل معك ولا تشرب إلا ما ترفع معك في مزادتك فالطريق معطشة والبلاد مجدبة ثم قيل له لا تزد في العهود ويكفيك ما جبرت عليه ولهذا

كره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم النذر وأوجب الوفاء به‏

لأنه من فضول الإنسان كما كان السؤال هو الذي أهلك الأمم قبل هذه الأمة من فضولهم فإن السؤال يوجب إنزال الأحكام وكما جرى في هذه الأمة من إثبات القياس والرأي فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يحب التقليل على أمته من التكليف وبالقياس كثر بلا شك فشغلوا نفوسهم بما كرهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مع أن لهم في ذلك أجرا لأنهم أخطئوا في الاجتهاد في إثبات القياس بلا شك فالله ينفعهم بما قصدوا وأما سائر الأمة فلا يلزمهم إلا ما جاء عن الله وعن رسوله وما كان عن رأى أو قياس فهم فيه مخيرون إن اتبعوه وقلدوا صاحبه فما قلدوا إلا ما قرر الشارع حكمه في ذلك الشخص وفي هذا نظر فإنه ما أمرنا أن نسأل إلا أهل الذكر وهم أهل القرآن يقول الله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ يريد القرآن ثم قيل له لا تسلك من الطرق إلا ما تقع لك فيه المنفعة والربح فإنها تجارة وهكذا سماها الله فقال هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ من عَذابٍ أَلِيمٍ ثم ذكر الايمان والجهاد وقال فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ في حق من ابتاع الضلالة بما كان في يديه من الهدى ثم قيل له عليك بالالتجاء إلى من تعرف أنه لا يقاوم فإنه يحميك ثم قيل له عليك بآثار الأنبياء فإنها طرق المهتدين ثم قيل له إياك والحسد فإنه يخلق الحسنات وأول ما يعود وباله على صاحبه ثم قيل له لا يكون التيسير الإلهي من نعوت الحق إلا إذا ظهر الحق بصورة أهله فإن المنازع لله في إيجاد الممكن العدم الذاتي الذي للممكن فانظر ما يزيله والأمر الذاتي يحكم لنفسه فتعمل في الخروج من هذه الشبهة ثم قيل له خلق الله العالم أطوارا وكل طور يزهد في طوره ويذمه ويثني على ما سواه فما الذي دعا إلى ذلك وما الذي أفرح كل أحد بما عنده حتى منعه ذلك الفرح من الخروج عنه ثم قيل له الاقتداء شأن الرجال فاقتد بالله من كون الميزان في يده فإن فاتك هذا الاقتداء هلكت ثم قيل له الايمان برزخ بين إسلام وإحصان وهو الاستسلام فلهذا يكون الإسلام ولا إيمان ويكون الايمان ولا استسلام فالزم الاستسلام تفز بالجميع وما ثم برزخ لا يقوي قوة الطرفين إلا الايمان فكل برزخ فيه قوة الطرفين هو الايمان ثم قيل له ألحق المتأخر بالمتقدم فتسعد ولا تعكس الأمر ثم قيل له لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله وخلق الله كلماته ولا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله وإنما التبديل لله من كونه متكلما لا من كونه قائلا فإن ظهرت القولة بصورة الكلمة لم تبدل لكونها قولا لا من حيث إنها كلمة من الكلام ثم قيل له الحزاء بالخير حتم وبالشر في المشيئة ثم قيل له الاستناد إلى القوي حمى لا ينتهك فيرجع طالب انتهاكه خاسرا ثم قيل له النزول من العلو بإنزال وبغير إنزال فمن نزل من غير إنزال فهو محمود ومن نزل بإنزال فقد يحمد والخلافة أرفع الدرجات ولها العلو فمن خلع نفسه منها حمد وإن كان فيها ومن خلع منها فقد يحمد وهو بحسب ما يقع له‏

ثم قيل له إن كنت وارثا فلا ترث إلا الحق فقال وكيف يورث الحق فقال إذا أشهدك الحق غناه عن العالمين فقد تركهم فهذه تركة إلهية لا يرثها إلا أنت إن كنت صاحب هذا الشهود فتعرف من هذا الورث ما لم تكن تعرفه قبله من العالم ثم قيل له لا تخلط بين الأمور وأنزل كل شي‏ء حيث أنزلته حقيقته فلا تقل ما ثم إلا الله ولو كان كذلك وهو كذلك أ ليست المراتب المعقولة قد ميزت بين كونه كذا وكونه كذا والعين واحدة كما تقول ولكن هو من كذا أمر ومن كذا أمر آخر وأراك تحس بالألم وتهرب منه فما الذي دعاك إلى ما منه تهرب وأراك تحس باللذة وأراك فاقدا ما كنت تطلب فبهذا القدر أثبت عينك واعرف أينك فعلى كل حال الكثرة موجودة والأغيار مشهودة وعالم وجاهل وأمر ومأمور وحاكم ومحكوم عليه ومحكوم به ومحكوم فيه ومريد ومراد وتخيير وجبر وفاصل ومفصول وواصل وموصول وقريب وأقرب ووعد ووعيد فالفائدة في مخاطب ومخاطب وخطاب ومخاطب به الإنسان واحد بجملته وأعضاؤه متميزة وقواه متعددة وهو هو لا غير فأي شي‏ء تألم منه سرى الألم في كله وترى شخصا يتألم وآخر يسر بألمه وآخر يحزن لذلك فلو كان الأمر واحدا كما هو في الإنسان لسرى الألم في العالم بأسره إذا تألم منه واحد فليس الأمر كما تخيلته إذا كشف الغطاء علمت ما أقول فانصح نفسك إن أردت أن تلحق بالعلماء بالله الذين أسعدهم الله فالظاهر لله والباطن كالروح والجسد فكما لا يفترقان كذلك لا يفترقان فما الأمر إلا عبد ورب فما هو إلا أنت وهو فالطائع مهتد والعاصي حائر بين ما أريد منه وما أمر به‏

[أن الله أنكح العقل النفس لإظهار الأبناء لا لحصول لذة الابتناء]

واعلم أن الله لما أنكح العقل النفس لإظهار الأبناء لا لحصول لذة الابتناء أسكنها أرض الطبيعة فأثرت في مزاجها إذ كانت الأرض تقلب ما يزرع فيها إلى طبيعتها اجعل بالك إلى قوله تعالى يُسْقى‏ بِماءٍ واحِدٍ والأرض واحدة وتختلف الطعوم والروائح والألوان فإن قلنا في العسل إنه حلو لذيذ فترى بعض الأمزجة تتألم به ولا تلتذ وتجده مرا وكذلك

الروائح والألوان فرأينا هذا الاختلاف يرجع إلى الإدراكات لا إلى الأشياء فرأيناها نسبا لا حقيقة لها في أعيانها إلا من حيث جوهرها ثم قيل له قف عند الإضافات والنسب تعثر على الأمر على ما هو عليه ثم قيل له إذا أيه الله بك فاعلم من أين نوديت وأين كنت ولما ذا دعيت ومن دعاك وما دعاك فكن بحسب ما ينتج لك ما ذكرته ثم قيل له السعادة في الايمان لا في العلم والكمال في العلم فإن جمعت بينهما فأنت إذا أنت ما فوقك غاية ثم قيل له هذه حضرة الأخبار فاجعل بالك لكل خبر يأتيك فيها فإنك إن فقدتها لم تنل في غيرها ما تنال فيها وفيها من العلوم ما أذكره لك إن شاء الله فمن ذلك علم من أين صدر الأمر والنهي وجميع الأحكام والنواميس الوضعية والإلهية وفيه علم التنبيه على حقائق الأشياء بالتصريح والتضمن والإيماء وفيه علم خلق باطن الإنسان دون ظاهره وكم إنسان في الوجود فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا الإنسان الأول الكل الأقدم والإنسان العالم والإنسان الآدمي فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة وفيه علم ما لا يعلم إلا بالإيمان وفيه علم الموازنة وفيه علم ما يؤثره القصد في الأمور مما لا يقصد وفيه علم الالتحام وفيه علم الدواوين الإلهية والكتاب والعمال والمتصرفين وفيه علم الشروط والشهادات والقضايا المبثوثة في العالم وفيه علم محاسبة الديوان العمال وفيه علم الحركة والسكون وفيه علم الإطلاق الذي لا تقييد فيه فإذا علمه من علمه تقيد فيه وفيه علم الميل والاعتدال وبأيهما يقع التكوين وفيه علم الخواص في الإنسان وهي الطبيعة المجهولة وفيه علم الإهمال والإمهال ومن يتولى ذلك من الأسماء وقوله قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ وفيه علم المحاربة الإلهية وفيه علم المنع الإلهي وهو يناقض الجود المطلق هل اقتضاه من اقتضائه لذاته أو لأمر آخر وفيه علم عصمة الرسل وفيه علم تنوع العالم من أين قبله وما صدر فيما يعطيه الدليل العقلي إلا ممن لا يقبل التنوع وفيه علم الأنبياء والأولياء والعقلاء والفروق بين هؤلاء وفيه علم حكمة التقديم والتأخير الزماني والوجودي والمكاني والرتب وفيه علم القبول والرد وفيه علم ما يجده الحيوان من الخوف هل هو أمر طبيعي أم إلهي ووصف الملائكة بالخوف ولما خافت الملائكة ربها من فوقها فإنه لا يخاف تعالى إلا لما يكون منه مما فوق الملائكة من الأسباب المخيفة وأي الملائكة هم الموصوفون بالخوف هل كلهم أو جنس منهم وفيه علم تدبير الروح الواحدة نفوسا كثيرة ومن هنا تعرف النشأة الآخرة وفيه علم تعظيم العقوبة على المقرب صاحب الرتبة العليا ولما ذا لم تحمه رتبته عن العقوبة والفرق بين العقوبة والعذاب والألم والآلام وفيه علم ما جبلت عليه النفوس من النزاع والمخالفات وفيه‏



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!