Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

Gözat Başlıkları Bölüm I: Bilgi Üzerine (Maarif) Bölüm II: Etkileşimler (Muamalat) Bölüm IV: Meskenler (Manazil) Girişler Bölüm V: Tartışmalar (Munazalat) Bölüm III: Eyaletler (Ahwal) Bölüm VI: İstasyonlar (Kutup Makamı) Birinci Bölüm İkinci Bölüm Üçüncü Bölüm Dördüncü Bölüm

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة هذا الشخص المحقق فى منزل الأنفاس وأسراره بعد موته رضى الله عنه

فعرف بنزوله مقادير الأشياء وأوزانها وعرف بقدره منها كما نزل الرب تعالى في الثلث الباقي من الليل فالليل محل النزول الزماني للحق وصفته التي هي القرآن وكان الثلث الباقي من الليل في نزول الرب غيب محمد صلى الله عليه وسلم وغيب هذا النوع الإنساني فإن الغيب ستر والليل ستر وسمي هذا الباقي من الليل الثلث لأن هذه النشأة الإنسانية لها البقاء دائما في دار الخلود فإن الثلثين الأولين ذهبا بوجود الثلث الباقي أو الآخر من الليل فيه نزل الحق فأوجب له البقاء أيضا وهو ليل لا يعقبه صباح أبدا فلا يذهب لكن ينتقل من حال إلى حال ومن دار إلى دار كما ينتقل الليل من مكان إلى مكان أمام الشمس وإنما يفر أمامها لئلا تذهب عينه إذ كان النور ينافي الظلمة وتنافيه غير أن سلطان النور أقوى فالنور ينفر الظلمة والظلمة لا تنفر النور وإنما هو النور ينتقل فتظهر الظلمة في الموضع الذي لا عين للنور فيه أ لا ترى الحق تسمى بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة عدما وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب فسمى نفسه نورا

[الإنسان هو الثلث الباقي من ليل الوجود]

فتذهب السماء وهو الثلث الأول من الليل وتذهب الأرض وهو الثلث الثاني من الليل ويبقى الإنسان في الدار الآخرة أبد الآبدين إلى غير نهاية وهو الثلث الباقي من الليل وهو الولد عن هذين الأبوين السماء والأرض فنزل القرآن في الليلة المباركة في الثلث الآخر منها وهو الإنسان الكامل ففرق فيه كل أمر حكيم فتميز عن أبويه بالبقاء نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ هو محمد صلى الله عليه وسلم أ لا ترى الشارع كيف‏

قال في ولد الزنا إنه شر الثلاثة وكذلك ولد الحلال خير الثلاثة

من هذا الوجه خاصة فإن الماء الذي خلق منه الولد من الرجل والمرأة أراد الخروج وهو الماء الذي تكون منه الولد وهو الأمر الثالث فحرك لما أراد الخروج الأبوين للنكاح ليخرج وكان تحريكه لهما على غير وجه مرضي شرعا يسمى سفاحا فقيل فيه إنه شر الثلاثة أي هو سبب الحركة التي بها انطلق عليهم اسم الشر فجعله ثلاثة أثلاث الأبوان ثلثان والولد ثالث كذلك قسم الليل على ثلاثة أثلاث ثلثان ذاهبان وهما السماء والأرض وثلث باق وهو الإنسان وفيه ظهرت صورة الرحمن وفيه نزل القرآن وإنما سميت السماء والأرض ليلا لأن الظلمة لها من ذاتها والإضاءة فيها من غيرها من الأجسام المستنيرة التي هي الشمس وأمثالها فإذا زالت الشمس أظلمت السماء والأرض‏

[منزل الأنفاس: علوم الشخص المحقق فيه‏]

فهذا يا أخي قد استفدت علوما لم تكن تعرفها قبل هذا وهي علوم هذا الشخص المحقق بمنزل الأنفاس وكل ما أدركه هذا الشخص فإنما أدركه من الروائح بالقوة الشمية لا غير وقد رأينا منهم جماعة بإشبيلية وبمكة وبالبيت المقدس وفاوضناهم في ذلك مفاوضة حال لا مفاوضة نطق كما أني فاوضت طائفة أخرى من أصحاب النظر البصري بالبصر فكنت أسأل وأجاب ونسأل ونجيب بمجرد النظر ليس بيننا كلام معتاد ولا اصطلاح بالنظر أصلا لكن كنت إذا نظرت إليه علمت جميع ما يريده مني وإذا نظر إلى علم جميع ما نريده منه فيكون نظره إلي سؤالا أو جوابا ونظري إليه كذلك فنحصل علوما جمة بيننا من غير كلام ويكفي هذا القدر من بعض علم هذا الشخص فإن علومه كثيرة أحطنا بها فمن أراد أن يعرف مما ذكرناه شيئا فليعلم الفرق بين في في قوله كان في عماء وبين استوى في قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ ولم يقل في كما قال في السماء وفي الليل ويتبين لك في كل ما ذكرناه مقام جمع الجمع ومقام الجمع ومقام التفرقة ومقام تمييز المراتب والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى الجزء التاسع عشر

(الباب الخامس والثلاثون في معرفة هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس وأسراره بعد موته رضي الله عنه)

(بسم الله الرحمن الرحيم)

العبد من كان في حال الحياة به *** كحاله بعد موت الجسم والروح‏

والعبد من كان في حال الحجاب به *** نورا كإشراق ذات الأرض من يوح‏

فحالة الموت لا دعوى تصاحبها *** كما الحياة لها الدعوى بتصريح‏

في حق قوم وفي قوم تكون لهم *** تلك الدعاوي بإيماء وتلويح‏

فإن فهمت الذي قلناه قمت به *** وزنا تنزه عن نقص وترجيح‏

وكنت ممن تزكيه حقائقه *** ولا سبيل إلى طعن وتجريح‏

وإن جهلت الذي قلناه جئت إلى *** دار السؤال بصدر غير مشروح‏

[الإيمان والكشف‏]

اعلم أيدك الله بروح القدس أن هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس أي شخص كان فإن حاله بعد موته يخالف سائر أحوال الموتى فلنذكر أولا حصر مآخذ أهل الله العلوم من الله كما قررناه في الباب قبل هذا ولنذكر ما لهم وآثار تلك المأخذ في ذواتهم فلنقل اعلم يا أخي أن علم أهل الله المأخوذ من الكشف إنه على صورة الايمان سواء فكل ما يقبله الايمان عليه يكون كشف أهل الله فإنه حق كله والمخبر به وهو النبي صلى الله عليه وسلم مخبر به عن كشف صحيح وذوات العلماء بالله تعالى تكون على صفة الشي‏ء الذي تأخذ منه العلم بالله أي شي‏ء كان‏

[الصفات النفسية والمعنوية]

واعلم أن الصفات على نوعين صفات نفسية وصفات معنوية فالصفات المعنوية في الموصوف هي التي إذا رفعتها عن الذات الموصوفة بها لم ترتفع الذات التي كانت موصوفة بها والصفات النفسية هي التي إذا رفعتها عن الموصوف بها ارتفع الموصوف بها ولم يبق له عين في الوجود العيني ولا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها ثم إنه ما من صفة نفسية للموصوف التي هي ليست بشي‏ء زائد على ذاته إلا ولها صفة نفسية بها يمتاز بعضها عن بعض فإنه قد تكون ذات الموصوف مركبة من صفتين نفسيتين إلى ما فوق ذلك وهي الحدود الذاتية وهنا باب مغلق لو فتحناه لظهر ما يذهب بالعقول ويزيل الثقة بالمعلوم وربما كان يؤول الأمر في ذلك إلى أن يكون السبب الأول من صفات نفس الممكنات كما أنك إذا جعلت السبب شرطا في وجود المشروط ورفعت الشرط ارتفع المشروط بلا شك ولا يلزم العكس فهذا يطرد ولا ينعكس فتركناه مقفلا لمن يجد مفتاحه فيفتحه‏

[العلوم الصحيح: المعرفة الصوفية]

وإذا كان الأمر عندنا وعند كل عاقل بهذه المثابة فقد علمت إن الصفات معان لا تقوم بأنفسها وما لها ظهور إلا في عين الموصوف والصفات النفسية معان وهي عين الموصوف والمعاني لا تقوم بأنفسها فكيف تكون هي عين الموصوف لا غيره فيوصف الشي‏ء بنفسه وصار قائما بنفسه من حقيقته ألا يقوم بنفسه فإن كل موصوف هو مجموع صفاته النفسية والصفات لا تقوم بأنفسها وما ثم ذات غيرها تجمعها وتظهر وقد نبهتك على أمر عظيم لتعرف لما ذا يرجع علم العقلاء من حيث أفكارهم ويتبين لك أن العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم وأن العلم الصحيح إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم وهو نور إلهي يختص به من يَشاءُ من عِبادِهِ من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن ومن لا كشف له لا علم له‏

[التعريف الإلهي بما تحيله العقول: «المتشابه» و«المعجزة»]

ولهذا جاءت الرسل والتعريف الإلهي بما تحيله العقول فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله وتضطر إلى التسليم والعجز في أمور لا تقبل التأويل أصلا وغايته أن يقول له وجه لا يعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا وهذا كله تأنيس للنفس لا علم حتى لا ترد شيئا مما جاءت به النبوة هذا حال المؤمن العاقل وأما غير المؤمن فلا يقبل شيئا من ذلك وقد وردت أخبار كثيرة مما تحيلها العقول منها في الجناب العالي ومنها في الحقائق وانقلاب الأعيان فأما التي في الجناب العالي فما وصف الحق به نفسه في كتابه وعلى لسان رسله مما يجب الايمان به ولا يقبله العقل بدليله على ظاهره إلا إن تأوله بتأويل بعيد فإيمانه إنما هو بتأويله لا بالخبر ولم يكن له كشف إلهي كما كان للنبي فيعرف مراد الحق في ذلك الخبر فوصف نفسه سبحانه بالظرفية الزمانية والمكانية ووصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل وكلهم على لسان واحد في ذلك لأنهم يتكلمون عن إل واحد

[إله العقل وإله الإيمان والكشف‏]

والعقلاء أصحاب الأفكار اختلفت مقالاتهم في الله تعالى على قدر نظرهم فالإله الذي يعبد بالعقل مجردا عن الايمان كأنه بل هو إله موضوع بحسب ما أعطاه نظر ذلك العقل فاختلفت حقيقته بالنظر إلى كل عقل وتقابلت العقول وكل طائفة من أهل العقول تجهل الأخرى بالله وإن كانوا من النظار الإسلاميين المتأولين فكل طائفة تكفر الأخرى والرسل صلوات الله عليهم من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما نقل عنهم اختلاف فيما ينسبونه إلى الله من النعوت بل كلهم على لسان واحد في ذلك والكتب التي جاءوا بها كلها تنطق في حق الله بلسان واحد ما اختلف منهم اثنان يصدق بعضهم بعضا مع طول الأزمان وعدم الاجتماع وما بينهم من الفرق المنازعين لهم من العقلاء ما اختل نظامهم وكذلك المؤمنون بهم على بصيرة المسلمون المسلمون الذين لم يدخلوا نفوسهم في تأويل فهم أحد رجلين إما رجل آمن وسلم وجعل علم ذلك إليه إلى أن مات وهو المقلد وإما

رجل عمل بما علم من فروع الأحكام واعتقد الايمان بما جاءت به الرسل والكتب فكشف الله عن بصيرته وصيره ذا بصيرة في شأنه كما فعل بنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهل عنايته فكاشف وأبصر ودعا إلى الله عز وجل على بصيرة كما قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم مخبرا له أَدْعُوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي وهؤلاء هم العلماء بالله العارفون وإن لم يكونوا رسلا ولا أنبياء فهم على بينة من ربهم في علمهم به وبما جاء من عنده‏

[المتشابهات: تأويلها أو التسليم بها]

وكذلك وصف نفسه بكثير من صفات المخلوقين من المجي‏ء والإتيان والتجلي للأشياء والحدود والحجب والوجه والعين والأعين واليدين والرضي والكراهة والغضب والفرح والتبشبش وكل خبر صحيح ورد في كتاب وسنة والأخبار أكثر من أن تحصى مما لا يقبلها إلا مؤمن بها من غير تأويل أو بعض أرباب النظر من المؤمنين بتأويل أضطره إليه إيمانه فانظر مرتبة المؤمن ما أعزها ومرتبة أهل الكشف ما أعظمها حيث ألحقت أصحابها بالرسل والأنبياء عليهم السلام فيما خصوا به من العلم الإلهي لأن العلماء ورثة الأنبياء وما ورثوا دينارا ولا درهما بل ورثوا العلم‏

يقول صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة

فمن كان عنده شي‏ء من هذه الدنيا فليوقفه صدقة على من يراه من الأقربين إلى الله فهو النسب الحقيقي أو يزهد فيه ولا يترك شيئا يورث عنه إن أراد أن يلحق بهم ولا يرث أحدا فالحمد لله الذي أعطانا من هذا المقام الحظ الوافر فهذا بعض ما ورد علينا من الله عز وجل في الله تعالى من الأوصاف‏

[قلب الحقائق والمعجزات‏]

وأما في قلب الحقائق فلا خلاف بين العقلاء في أنه لا يكون ودل دليل العقل القاصر من جهة فكره ونظره لا من جهة إيمانه وقبوله إذ لا أعقل من الرسل وأهل الله إن الأعيان لا تنقلب حقيقة في نفسها وإن الصفات والأعراض في مذهب من يقول إنها أعيان موجودة لا نقوم بأنفسها ولا بد لها من محل قائم بنفسه أو غير قائم بنفسه لكنه في قائم بنفسه ولا بد ومثال الأول السواد مثلا أو أي لون كان لا يقوم إلا بمحل يقال فيه لقيام السواد به أسود ومثال الثاني كالسواد المشرق مثلا فالسواد هو المشرق فإنه نعت له فهذا معنى قولي أو غير قائم بنفسه لكنه في قائم بنفسه وهذه مسألة خلاف بين النظار هل يقوم المعنى بالمعنى فمن قائل به ومانع من ذلك وقد ثبت أن جميع الأعمال كلها أعراض وإنها تفني ولا بقاء لها وإنه ليس لها عين موجودة بعد ذهابها ولا توصف بالانتقال وإن الموت إما عرض موجود في الميت في مذهب بعض النظار وإما نسبة افتراق بعد اجتماع وكذا جميع الأكوان في مذهب بعضهم وهو الصحيح الذي يقتضيه الدليل وعلى كل حال فإنه لا يقوم بنفسه‏

[مراتب العلماء في المتشابهات‏]

ووردت الأخبار النبوية بما يناقض هذا كله مع كوننا مجمعين على إن الأعمال أعراض أو نسب‏

فقال الشارع وهو الصادق صاحب العلم الصحيح والكشف الصريح إن الموت يجاء به يوم القيامة في صورة كبش أملح يعرفه الناس ولا ينكره أحد فيذبح بين الجنة والنار روى أن يحيى عليه السلام هو الذي يضجعه ويذبحه بشفرة تكون في يده والناس ينظرون إليه‏

وورد أيضا في الخبر أن عمل الإنسان يدخل معه في قبره في صورة حسنة أو قبيحة فيسأله صاحبه فيقول أنا عملك وأن مانع الزكاة يأتيه ماله شجاعا أقرع له زبيبتان‏

وأمثال هذا في الشرع لا تحصى كثرة فأما المؤمنون فيؤمنون بهذا كله من غير تأويل وأما أهل النظر من أهل الايمان وغيرهم فيقولون حمل هذا على ظاهره محال عقلا وله تأويل فيتأولونه بحسب ما يعطيهم نظرهم فيه ثم يقولون أهل الايمان منهم عقيب تأويلهم والله أعلم يعني في ذلك التأويل الخاص الذي ذهب إليه هل هو المراد لله أم لا وأما حمله على ظاهره فمحال عندهم جملة واحدة والايمان إنما يتعلق بلفظ الشارع به خاصة هذا هو اعتقاد أهل الأفكار

[صفات الممكنات نسب وإضافات بينها وبين الحق‏]

وبعد أن بينا لك هذه الأمور ومراتب الناس فيها فإنها من هذا الباب الذي نحن بصدده فاعلم أنه ما ثم إلا ذوات أوجدها الله تعالى فضلا منه عليها قائمة بأنفسها وكل ما وصفت به فنسب وإضافات بينها وبين الحق من حيث ما وصفت فإذا أوجد الموجد قيل فيه إنه قادر على الإيجاد ولو لا ذاك ما أوجد وإذا خصص الممكن بأمر دون غيره مما يجوز أن يقوم به قيل مريد ولو لا ذلك ما خصصه بهذا دون غيره وسبب هذا كله إنما تعطيه حقيقة الممكن فالممكنات أعطت هذه النسب فافهم إن كنت ذا لب ونظر إلهي وكشف رحماني‏

[مآخذ العلوم: مصادر المعرفة]

وقد قررنا في الباب الذي قبل هذا أن مآخذ العلوم من طرق مختلفة وهي السمع والبصر والشم واللمس والطعم والعقل من حيث ضرورياته وهو ما يدركه بنفسه من غير قوة أخرى ومن حيث فكره الصحيح أيضا مما يرجع إلى طرق الحواس أو الضروريات والبديهيات‏

لا غير فذلك يسمى علما والأمور العارضة الحاصل عنها العلوم أيضا ترجع إلى هذه الأصول لا تنفك عنها وإنما سميت عوارض من أجل أن العادة في إدراك الألوان إن اللمس لا يدركها وإنما يدركها البصر فإذا أدركها الأكمه باللمس وقد رأينا ذلك فقد عرض لحاسة اللمس ما ليس من حقيقتها في العادة أن تدركه وكذلك سائر الطرق إذا عرض لها درك ما ليس من شأنها في العادة أن يدرك بها يقال فيه عرض لها

[المعرفة الغير العادية والاقتدار الإلهي‏]

وإنما فعل الله هذا تنبيها لنا أنه ما ثم حقيقة كما يزعم أهل النظر لا ينفذ فيها الاقتدار الإلهي بل تلك الحقيقة إنما هي بجعل الله لها على تلك الصورة وإنها ما أدركت الأشياء المربوط إدراكها بها من كونها بصرا ولا غير ذلك يقول الله بل بجعلنا فيدرك جميع العلوم كلها بحقيقة واحدة من هذه الحقائق إذا شاء الحق فلهذا قلنا عرض لها إدراك ما لم تجر العادة بإدراكها إياه فتعلم قطعا أنه عز وجل قد يكون مما يعرض لها أن تعلم وترى من ليس كمثله شي‏ء وإن كانت الإدراكات لم تدرك شيئا قط إلا ومثله أشياء كثيرة من جميع المدركات‏

[أولية الإدراك ونفي المثلية عن الله‏]

ولم ينف سبحانه عن إدراكه قوة من القوي التي خلقها إلا البصر فقال لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فمنع ذلك شرعا وما قال لا يدركه السمع ولا العقل ولا غيرهما من القوي الموصوف بها الإنسان كما لم يقل أيضا إن غير البصر يدركه بل ترك الأمر مبهما وأظهر العوارض التي تعرض لهذه القوي في معرض التنبيه أنه ربما وضع ذلك في رؤيتنا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ كما رأينا أول مرئي وسمعنا أول مسموع وشممنا أول مشموم وطعمنا أول مطعوم ولمسنا أول ملموس وعقلنا أول معقول مما لم يكن له مثل عندنا وإن كان له أمثال في نفس الأمر ولكن في أولية الإدراك سر عجيب في نفي المماثلة له فقد أدرك المدرك من لا مثل له عنده فيقيسه عليه وكون ذلك المدرك يقبل لذاته المثل أو لا يقبله حكم آخر زائد على كونه مدركا لا يحتاج إليه في الإدراك إن كنت ذا فطنة

[التوسع الإلهي ونفي المثلية في الأعيان‏]

بل نقول إن التوسع الإلهي يقتضي أن لا مثل في الأعيان الموجودة وأن المثلية أمر معقول متوهم فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شي‏ء عن شي‏ء مما يقال هو مثله فذلك الذي امتاز به الشي‏ء عن الشي‏ء هو عين ذلك الشي‏ء وما لم يمتاز به عن غيره فما هو إلا عين واحدة فإن قلت رأيناه مفترقا مفارقا ينفصل هذا عن هذا مع كونه يماثله في الحد والحقيقة يقال له أنت الغالط فإن الذي وقع به الانفصال هو المعبر عنه بأنه تلك العين وما لم يقع به الانفصال هو الذي توهمت أنه مثل وهذا من أغمض مسائل هذا الباب فما ثم مثل أصلا ولا يقدر على إنكار الأمثال ولكن بالحدود لا غير ولهذا انطلق المثلية من حيث الحقيقة الجامعة المعقولة لا الموجودة فالأمثال معقولة لا موجودة فنقول في الإنسان إنه حيوان ناطق بلا شك وأن زيدا ليس هو عين عمرو من حيث صورته وهو عين عمرو من حيث إنسانيته لا غيره أصلا وإذا لم يكن غيره في إنسانيته فليس مثله بل هو هو فإن حقيقة الإنسانية لا تتبعض بل هي في كل إنسان بعينها لا بجزئيتها فلا مثل لها وهكذا جميع الحقائق كلها فلم تصح المثلية إذا جعلتها غير عين المثل فزيد ليس مثل عمرو من حيث إنسانيته بل هو هو وليس زيد مثل عمرو في صورته فإن الفرقان بينهما ظاهر ولو لا الفارق لالتبس زيد بعمرو ولم تكن معرفة بالأشياء فما أدرك المدرك أي شي‏ء أدرك إلا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ

[أصل الوجود: لا مثل له، العين الموجودة عنه: لا مثل لها]

وذلك لأن الأصل الذي نرجع إليه في وجودنا وهو الله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فلا يكون ما يوجد عنه إلا على حقيقة أنه لا مثل له فإنه كيف يخلق ما لا تعطيه صفته وحقيقته لا تقبل المثل فلا بد أن يكون كل جوهر فرد في العالم لا يقبل المثل إن كنت ذا فطنة ولب فإنه ليس في الإله حقيقة تقبل المثل فلو كان قبول المثل موجودا في العالم لاستند في وجوده من ذلك الوجه إلى غير حقيقة إلهية وما ثم موجد إلا الله ولا مثل له فما في الوجود شي‏ء له مثل بل كل موجود متميز عن غيره بحقيقة هو عليها في ذاته وهذا هو الذي يعطيه الكشف والعلم الإلهي الحق فإذا أطلقت المثل على الأشياء كما قد تقرر فاعلم أني أطلق ذلك عرفا قال تعالى أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ أي كما انطلق عليكم اسم الأمة كذلك ينطلق اسم أمة على كل دابة وطائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وكما إن كل أمة وكل عين في الوجود ما سوى الحق تفتقر في إيجادها إلى موجد نقول بتلك النسبة في كل واحد إنه مثل للآخر في الافتقار إلى الله وبهذا يصح قطعا إن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ بزيادة الكاف أو بفرض المثل فإنك إذا عرفت أن كل محدث لا يقبل المثلية كما قررناه لك فالحق أولى بهذه الصفة فلم تبق المثلية الواردة في القرآن وغيره إلا في الافتقار إلى الله الموجد أعيان الأشياء

[علم أهل الله بالأشياء: المعرفة الصوفية: المعرفة الغير العادية]

ثم ارجع وأقول إن كل واحد من أهل الله لا يخلو أن يكون قد جعل الله علم هذا الشخص‏

بالأشياء في جميع القوي أو في قوة بعينها كما قررنا إما في الشم وهو صاحب علم الأنفاس وإما في النظر فيقال هو صاحب نظر وإما في الضرب وهو من باب اللمس بطريق خاص ولذلك كني عن ذلك بوجود برد الأنامل فينسب صاحب تلك الصفة التي بها تحصل العلوم إليها فيقال هو صاحب كذا كما قررنا إن الصفة هي عين الموصوف في هذا الباب أعني الصفة النفسية فكما رجع المعنى الذي يقال فيه إنه لا يقوم بنفسه صورة قائمة بنفسها رجعت الصورة التي هي هذا العالم معنى لتحققه بذلك المعنى وتألفه به كما تألفت هذه المعاني فصار من تأليفها ذات قائمة بنفسها يقال فيها جسم وإنسان وفرس ونبات فافهم فيصير صاحب علم الذوق ذوقا وصاحب علم الشم شما ومعنى ذلك أنه يفعل في غيره ما يفعل الذوق فيه إن كان صاحب ذوق أو ما فعل الشم فيه إن كان صاحب شم فقد التحق في الحكم بمعناه وصار هو في نفسه معنى يدرك به المدرك الأشياء كما يدرك الرائي بالنظر في المرآة الأشياء التي لا يدركها في تلك الحالة إلا بالمرآة كان للشيخ أبي مدين ولد صغير من سوداء وكان أبو مدين صاحب نظر فكان هذا الصبي وهو ابن سبع سنين ينظر ويقول أرى في البحر في موضع صفته كذا وكذا سفنا وقد جرى فيها كذا وكذا فإذا كان بعد أيام وتجي‏ء تلك السفن إلى بجاية مدينة هذا الصبي التي كان فيها يوجد الأمر على ما قاله الصبي فيقال للصبي بما ذا ترى فيقول بعيني ثم يقول لا إنما أراه بقلبي ثم يقول لا إنما أراه بوالدي إذا كان حاضرا ونظرت إليه رأيت هذا الذي أخبركم به وإذا غاب عني لا أرى شيئا من ذلك‏

ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى في العبد الذي يتقرب إلى الله بالنوافل حتى بحبه يقول فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به‏

الحديث فبه يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش ويسعى فهذا معنى قولنا يرجع المحقق بمثل صورة معنى ما تحقق به فكان ينظر بأبيه كما ينظر الإنسان بعينه في المرآة فافهم وهكذا كل صاحب طريق من طرق هذه القوي وقد يجمع الكل واحد فيرى بكل قوة ويسمع بكل قوة ويشم بكل قوة وهو أتم الجماعة

[المحقق في منزل الأنفاس: أحواله وصفاته بعد موته‏]

وأما أحوالهم بعد موتهم فعلى قدر ما كانوا عليه في الدنيا من التفرغ لأمر ما معين أو أمور مختلفة على قدر ما تحققوا به في التفرغ له وهم في الآخرة على قدر أحوالهم في الدنيا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة ملكا محضا ومن كان في الدنيا يتصف بالملك ولو في جوارحه أنها ملك له نقص من ملكه في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا ولو أقام العدل في ذلك وصرفه فيما أوجب الله عليه أن يصرفه فيه شرعا وهو يرى أنه مالك لذلك لغفلة طرأت منه فإن وبال ذلك يعود عليه ويؤثر فيه فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق والحقيقة ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ولو كان مصفوعا في الدنيا ولا أريد بعز الدنيا أن يكون فيها ملكا إلا أن يكون صفته في نفسه العزة وكذلك الذلة وأما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غير ذلك فما نبالي في أي مقام وفي أي حال أقام الحق عبده في ظاهره وإنما المعتبر في ذلك حاله في نفسه‏

[الحياة النفسية بعد الموت‏]

ذكر عبد الكريم بن هوازن القشيري في بعض كتبه وغيره عن رجل من الناس أنه دفن رجلا من الصالحين فلما جعله في قبره نزع الكفن عن خده ووضع خده على التراب ففتح الميت عينيه وقال له يا هذا أ تذللني بين يدي من أعزني فتعجب من ذلك وخرج من القبر ورأيت أنا مثل هذا لعبد الله صاحبي الحبشي في قبره ورآه غاسله وقد هاب أن يغسله في حديث طويل ففتح عينيه في المغتسل وقال له اغسل فمن أحوالهم بعد الموت أنهم أحياء بالحياة النفسية التي بها يسبح كل شي‏ء ومن كانت له همة بمعبده في حال عبادته في حياته بحيث أن يكون يحفظها من الداخل فيها حتى لا يتغير عليه الحال إن كان صاحب نفس فإذا مات ودخل أحد بعده معبده ففعل فيه ما لا يليق بصاحبه الذي كان يعمره ظهرت فيه آية وهذا قد رويناه في حكاية عن أبي يزيد البسطامي كان له بيت يتعبد فيه يسمى بيت الأبرار فلما مات أبو يزيد بقي البيت محفوظا محترما لا يفعل فيه إلا ما يليق بالمساجد فاتفق أنه جاء رجل فبات فيه قيل وكان جنبا فاحترقت عليه ثيابه من غير نار معهودة ففر من البيت فما كان يدخله أحد فيفعل فيه ما لا يليق إلا رأى آية فيبقى أثر مثل هذا الشخص بعد موته يفعل مثل ما كان يفعله في حياته سواء وقد قال بعضهم وكان محبا في الصلاة يا رب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فاجعلني ذلك فرئي وهو يصلي في قبره وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إسرائه بقبر موسى عليه السلام فرآه وهو يصلي في قبره ثم عرج به إلى السماء وذكر الإسراء وما جرى له فيه مع الأنبياء



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!