﴿لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا﴾ [الكهف:49] و هذا مقام كاتب صاحب الديوان كاتب الحضرة الإلهية و هذا الكاتب هو الإمام المبين قال تعالى ﴿وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ﴾ [يس:12] فالديوان الإلهي الوجودي رأسه العقل الأول و هو القلم و أما الإمام فهو الكتاب و هو اللوح المحفوظ ثم تنزل الكتبة مراتبها في الديوان بأقلامها لكل كاتب قلم و هو «قوله ﷺ لما ذكر حديث الإسراء فقال حتى ظهرت لمستوي أسمع فيه صريف الأقلام» فالقلم الأعلى الذي بيد رأس الديوان لا محو فيه كل أمر فيه ثابت و هو الذي يرفع إلى الحق و الذي بأيدي الكتبة فيه ما يمحو اللّٰه و فيه ما يثبت : على قدر ما تأتي به إليهم رسل اللّٰه من عند اللّٰه من رأس الديوان من إثبات ما شاء و محو ما شاء ثم ينقل إلى الدفتر الأعلى فيقابل باللوح المحفوظ فلا يغادر حرفا فيعلمون عند ذلك ﴿أَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] إلا أن الفرق بين الإحصاء و الإحاطة إن الإحاطة عامة الحكم في الموجود و المعدوم و في كل معلوم و الإحصاء لا يكون إلا في الموجود فما هو شيئية أحاط بكل شيء علما شيئية ﴿أَحْصىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ [الجن:28] فشيئية الإحصاء تدخل في شيئية الإحاطة فكل موجود محصي و هو موجود فهو محصي أن لله تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة لأنها داخلة في الوجود لدلالتها على موجود و هي أمهات كالدرج للفلك ثم إنه لكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه هو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره و الممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن فهي هذه الأسماء من الأسماء المحصاة كالذي يحوي عليه درج الفلك من الدقائق و الثواني و الثوالث إلى ما لا يتناهى فلا يدخل ذلك الإحصاء و تحكم عليه الإحاطة بأنه لا يدخله الإحصاء فكل محصي محاط به و ما كل محاط به محصي و كل ما يدخله الأجل يدخله الإحصاء مثل قوله ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ﴾ فالشغل الإلهي لا ينتهي فإنه عند فراغه بانتهاء حكم الدنيا شرع في الشغل ينافي الآخرة و حكم الآخرة لا نهاية له لأنها إلى غير أجل فشغله بنا لا يقبل الفراغ و إن كان شأنه في الدنيا الذي يفرغ منه إنما هو بنا لكونه خلق الأشياء من أجلنا و هو ما لا بد لنا منه و من أجله لأن كل شيء يسبح بحمده : لا بل من أجله لا بل من أجلنا لما نحن عليه من الجمعية و الصورة فالتسبيحة منا تسبيح العالم كله فما أوجد الأشياء إلا من أجلنا فبنا وقع الاكتفاء و الواحد منا يكفي في ذلك و إنما كثرت أشخاص هذا النوع الإنساني و إن كانت محصاة فإنها متناهية لكون الأسماء الإلهية كثيرة فكانت الكثرة فينا لكثرتها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية