﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُمٰاتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] جعلوا له أمثالا فخاطب المانية الذين يقولون إن الإله الذي خلق الظلمة ما هو الإله الذي خلق النور فعدلوا بالواحد آخر و كذلك الذين يقولون بخلق السموات و الأرض إنها معلولة لعلة ليست علته الإله أي ليست العلة الأولى لأن تلك العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها و ليس إلا العقل الأول فهؤلاء أيضا ممن قيل فيهم إنهم ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام:1] و سماهم كفارا لأنهم إما ستروا أو منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق و الأمر في نفسه على ما هو عليه فاقتصر على ما بدا له و لم يوف الأمر حقه في النظر و أما إن علم و جحد فستر عن الغير ما هو الأمر عليه في نفسه لمنفعة تحصل له من رياسة أو مال فلهذا قيل فيهم إنهم كفروا أي ستروا فإن اللّٰه حكيم يضع الخطاب موضعه و العدل هو الرب تعالى و الرب ﴿عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام:39] ﴿صِرٰاطِ اللّٰهِ الَّذِي لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى:53] و العدل الميل فالميل عين الاستقامة فيما لا تكون استقامته إلا عين الميل فإن الحكم العدل لا يحكم إلا بين اثنين فلا بد أن يميل بالحكم مع صاحب الحق و إذا مال إلى واحد مال عن الآخر ضرورة فليست الاستقامة ما يتوهمه الناس فأغصان الأشجار و إن تداخل بعضها على بعض فهي كلها مستقيمة في عين ذلك العدول و الميل لأنها مشت بحكم المادة على مجراها الطبيعي و كذلك الأسماء الإلهية يدخل بعضها على بعض بالمنع و العطاء و الإعزاز و الإذلال و الإضلال و الهداية فهو المانع المعطي المعز المذل المضل الهادي فمن يهد اللّٰه فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له : و كلها نسب حقيقية ما ترى ﴿فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً﴾ [ طه:107]
إن الإله بجوده *** يعطي العبيد إذا افتقر
ما شاءه مما له *** ما ثم إلا ما ذكر
لما وقفت تحققا *** منه على سر القدر
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية