و ما قال هذا القول للخلق باطلا *** و لكنه ذكرى لمن شاء فليذكر
هو الحيرة العمياء لمن كان ذا عمى *** هو المنظر الأجلى لذي بصر يبصر
و لما ظهرنا في وجود عمائه *** علمنا وجود القرب فينا و لم نحصر
«وصل إشارة و تنبيه»
اعلم أن كل متلفظ من الناس بحديث فإنه لا يتلفظ به حتى تخيله في نفسه و يقيمه صورة يعبر عنها لا بد له من ذلك و لما كان الخيال لا يراد لنفسه و إنما يراد لبروزه إلى الوجود الحسي في عينه أي يظهر حكمه في الحس فإن المتخيل قد يكون مرتبة و قد يكون ما يقبل الصورة الوجودية كمن يتخيل أن يكون له ولد فيولد له ولد فيظهر في عينه شخصا قائما مثله و قد يتخيل أن يكون ملكا و هي رتبة فيكون ملكا و لا عين للمملكة في الوجود و إنما هي نسبة و إذا كان هذا و كان ما يتخيل يعبر كالرؤيا كذلك يعبر كل كلام و يتأول فما في الكون كلام لا يتأول و لذلك قال ﴿وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحٰادِيثِ﴾ [يوسف:21] و كل كلام فإنه حادث عند السامع فمن التأويل ما يكون إصابة لما أراده المتكلم بحديثه و من التأويل ما يكون خطأ عن مراد المتكلم و إن كان التأويل إصابة في كل وجه سواء أخطأ مراد المتكلم أو أصاب فما من أمر لا و هو يقبل التعبير عنه و لا يلزم في ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح و لا تلك العبارة فإن علوم الأذواق و الكيفيات و إن قبلت لانتقال و لكن لما كان القول بها و العبارة عنها لإفهام السامع لذلك قالوا ما ينقال و لا يلزم ما لا يفهم السامع المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ يدل به على ما ذاقه ليكون له ذلك اللفظ منبها و مذكرا له إذا نسي ذلك في وقت آخر و إن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه و التأويل عبارة عما يؤول إليه ذلك الحديث الذي حدث عنده في خياله و ما سمي الإخبار عن الأمور عبارة و لا التعبير في الرؤيا تعبير إلا لكون المخبر يعبر بما يتكلم به أي يجوز بما يتكلم به من حضرة نفسه إلى نفس السامع فهو ينقله من خيال إلى خيال لأن السامع يتخيله على قدر فهمه فقد يطابق الخيال الخيال خيال السامع مع خيال المتكلم و قد لا يطابق فإذا طابق سمي فهما عنه و إن لم يطابق فليس يفهم ثم المحدث عنه قد يحدث عنه بلفظ يطابقه كما هو عليه في نفسه فحينئذ يسمى عبارة و إن لم يطابقه كان لفظا لا عبارة لأنه ما عبر به عن محله إلى محل السامع و سواء نسب ذلك الكلام إلى من نسب و إنما قصدنا بهذه الإشارة التنبيه على عظم رتبة الخيال و أنه الحاكم المطلق في المعلومات غير إن التعبير عن غير الرؤيا رباعي و التعبير عن الرؤيا ثلاثي أي في الرؤيا و هما من طريق المعنى على السواء و عين الفعل في الماضي في تعبير الرؤيا مفتوح و في المستقبل مضموم و مخفف و هو في غير الرؤيا مضاعف في الماضي و المستقبل مفتوح العين في الماضي و تكسر في مستقبله و إنما كان التضعيف في غير الرؤيا للقوة في العبارة لأنها أضعف في الخيال من الرؤيا فإن المعبر في غير الرؤيا يعبر عن أمر متخيل في نفسه استحضره ابتداء و جعله كأنه يراه حسا فضعف عمن يعبر عن الخيال من غير فكر و لا استحضار كصاحب الرؤيا فإن الخيال هنالك أظهر له ما فيه من غير استحضار من الرائي و المتيقظ ليس كذلك فهو ضعيف التخيل بسبب حجاب الحس فاحتاج إلى القوة فضعف التعبير عنه فقيل عبر فلان عن كذا و كذا بكذا و كذا بتشديد عين الفعل أ لا ترى قولهم في عبور الوادي يقولون عبرت النهر أعبره من غير تضعيف لأن النهر هنا غير مستحضر بل هو حاضر في الحس كما كان ذلك حاضرا في الخيال من غير استحضار فاستعان بالتضعيف لما في الاستحضار من المشقة و الاستعانة تؤذن بالتضعيف أبدا حيث ظهرت لأنه لا يطلب العون إلا من ليس في قوته مقاومة ذلك الأمر الذي يطلب العون عليه فكل ما لا يمكن الاستقلال به فإن العامل له لا بد أن يطلب العون و المعين على ذلك فافهم فإنه من هنا تعرف رتبة ما لا يمكن وجوده للموجد له إلا بمساعدة أمر آخر ما هو عين الموجد فذلك الأمر الآخر معين له على إظهار ذلك الأمر و هنا يظهر معنى قوله ﴿حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية