و لم يذكر إلا اللّٰه ما تعرض لواسطة و لا لملك فإن اللّٰه هكذا عرفنا ثم وجدنا ذلك ساريا في ورثته من العلماء في كل طائفة أعني من علماء الرسوم و علماء القلوب فرجوع التعليم بالواسطة و غير الواسطة إلى الرب و لذلك قال الملك ﴿وَ مٰا نَتَنَزَّلُ إِلاّٰ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم:64] فتبين لك من هذا الوصل صورة التعليم ثم إنه شرع تعالى لكل أستاذ أن لا يرى له مزية على تلميذه و أن لا تغيبه مرتبة الأستاذية عن علمه بنفسه و عبوديته هذا هو الأصل المرجوع إليه ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الوصل العشرون»من خزائن الجود
و هذه خزانة الأحكام الإلهية و النواميس الوضعية و الشرعية و أن لله تعالى في وحيه إلى قلوب عباده بما يشرع في كل أمة طريقين طريقا بإرسال الروح الأمين المسمى جبريل أو من كان من الملائكة إلى عبد من عباد اللّٰه فيسمى ذلك العبد لهذا النزول عليه رسولا و نبيا يجب على من بعث إليهم الايمان به و بما جاء به من عند ربه و طريقا آخر على يدي عاقل زمانه يلهمه اللّٰه في نفسه و ينفث الروح الإلهي القدسي في روعة في حال فترة من الرسل و درس من السبل فيلهمه اللّٰه في ذلك لما ينبغي من المصالح في حقن الدماء و حفظ الأموال و الفروج لما ركب اللّٰه في النفوس الحيوانية من الغيرة فيمهد لهم طريقة يرجعون بها إذا سلكوا عليها إلى مصالحهم فيأمنون على أهليهم و دمائهم و أموالهم و يحد لهم حدودا في ذلك و يخوفهم و يحذرهم و يرجيهم و يأمرهم بالطاعة لما أمرهم به و نهاهم عنه و أن لا يخالفوه و يعين لهم زواجر من قتل و ضرب و غرم ليردع بذلك ما تقع به المفسدة و التشتيت و يرغب في نظم شمل الكلمة و أن اللّٰه تعالى يأجره على ذلك في أصحاب الفترات و أما في الأمة التي فيها رسول أو هم تحت خطاب رسول فحرام عليه ذلك و حرام عليه خروجه عن شرع الرسول و لم تظهر هذه الطريقة الوضعية التي تطلبها الحكمة في نوع من الأنواع إلا في النوع الإنساني خاصة لخلقه على الصورة فيجد في نفسه قوة إلهية تدعوه لتشريع المصالح فإن شرعها أحد غيره و هو الرسول فلا يزال يؤيده و يمهد لأمته و ما وضعه لها ذلك الرسول و يبين لهم ما خفي عنهم من رسالته لقصور فهمهم و إن لم يفعل ذلك مع قدرته عليه لم يزل في سفال إلى يوم القيامة كما جاء في الإمام إذا صلى و هو يعلم أن خلفه من هو أحق بالإمامة منه فلم يقدمه و تقدم عليه لم يزل في سفال إلى يوم القيامة إلا أن يقدمه ذلك الأفضل فيتقدم عن أمره كصلاة أبي بكر برسول اللّٰه ﷺ و صلاة عبد الرحمن بن عوف برسول اللّٰه ﷺ لما جاء و قد فاتته ركعة و تقدم لأجل خروج الوقت فجاء رسول اللّٰه ﷺ و قد صلوا ركعة فصلى خلفه و شكرهم على ما فعلوا و قال أحسنتم و لو لا إن الشارع قرر حكم المجتهد من علماء هذه الأمة ما ثبت له حكم
[أن العلماء بالله على مراتب في أخذهم العلم الإلهي]
و اعلم أن العلماء بالله على مراتب في أخذهم العلم الإلهي فمنهم من أخذ العلم بالله من اللّٰه و هم الذين قيل لهم فاعلموا أنه إله واحد : و منهم من أخذ العلم بالله عن نظر و استدلال و هم الذين نصب اللّٰه لهم الأدلة و الآيات
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية