﴿مِنْ قِبَلِهِ الْعَذٰابُ﴾ [الحديد:13] كالسور بين الجنة و النار و العبد حاله بحسب الوجه الذي ينظر إليه من كل موجود لأن الحق وصف نفسه بالغضب و الرضاء و العالم على صورته فلا بد مما ذكرناه أن يكون العالم عليه فلا بد من القبضتين و لا بد من اليدين و لا بد من الدارين و لا بد من البرزخ بين كل اثنين ﴿وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات:49] لأنه مخلوق عن صفتين إرادة و قول و هما اللذان يشهدهما كل مخلوق من الحق فإن العالم نتيجة و النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين و هذا هو التناسل الإلهي و لهذا أوجده على الصورة كوجود الابن على صورة الأب في كل جنس من المخلوقات فالعالم من حيث أجزائه و تفاصيله كالأعضاء للاسم الظاهر و من حيث معانيه و تفاصيل مراتبه كالقوى الروحانية الباطنة التي لا تعلم إلا بآثارها للاسم الباطن فقامت نشأة العالم على الظاهر و الباطن ﴿وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:29] ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:6] فهذا قد بينا في هذا المنزل ما تقتضيه الثلاثة الأوجه الإلهية و المراتب الثلاثة التي ظهر فيها التفاضل بين العالم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم فأول ذلك علم المبشرات و علم الميزان الإلهي الذي بيده للخفض و الرفع الوارد حديثه في الخبر النبوي الذي أشهده الحق و فيه علم الحركات الطبيعية خاصة و فيه علم تحليل المركبات و فيه علم ما يبدو للمكاشف إذا شاهد الهباء الذي تسميه الحكماء الهيولى من صور العالم قبل ظهور أعيانها في الجسم الكل و فيه علم الفردية الأولى التي وقع فيها الإنتاج و التناسل الإلهي و الروحاني و الطبيعي و العنصري و هو علم عزيز و فيه علم الاقتدار الإلهي و فيمن ينفذ و فيمن لا ينفذ و لما ذا لا ينفذ في بعض الممكنات و ما المانع لذلك هل أحاله الجمع بين الضدين و الأصل جامع بين الضدين بل هو عين الضدين و فيه علم التحسين و التقبيح و فيه علم النشأتين و فيه علم الحياة السارية في جميع الموجودات حتى نطقت مسبحة لله بحمده و فيه علم المواد الطبيعية و المواد العنصرية و فيه علم المبدأ و المعاد و فيه علم الأصل الذي ترجع إليه هذه المواد و فيه علم الأسطقسات و فيه علم مراتب العلوم و فيه علم الكلمات الإلهية من حيث ما هي مؤلفة و فيه علم الكتاب المسطور في الرق المنشور و فيه علم تنزيه الصحف و منزلتها من الكتب و ما السفرة التي تحمله و فيه علم الفروق بالحدود في أي الأعيان يظهر و ما في الوجود إلا واحد فبما ذا يتميز و عن أي شيء يتميز و ما هو ثم و فيه علم التغذي بالعدم و فيه علم الفرق بين نسبة الحق في القرب في الأحياء و بين نسبة قربه في الأموات و فيه علم الرجعة و فيه علم الثواب في كل صنف صنف أعني في تعيين ثوابهم و الفرق بين أصحاب النور و أصحاب الأجور و كيف يكون العبد أجيرا لمن هو عبد له من غير أن يكون مكاتبا و لا مدبرا و فيه علم تنزيه العظمة الإلهية أن تقوم بالأكوان و فيه علم السبب الذي لو علمه من علمه لم يمت ما دام ذلك العلم مشهودا له فهذه أمهات العلوم التي يحوي عليها هذا المنزل و فيها تفاصيل لا تتناهى ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية