فاعلم أن التسخير قد يكون إذلالا و قد يكون للقيام بما يحتاج إليه ذلك المسخر له بالحال و هذا الفرقان بين التسخيرين بما تعطيه حقيقة المسخر و المسخر له فالعبد الذي هو الإنسان مسخر لفرسه و دابته فينظر منها في سقيها و علفها و تفقد أحوالها مما فيه صلاحها و صحتها و حياتها و هي مسخرة له بطريق الإذلال لحمل أثقاله و ركوبه و استخدامه إياها في مصالحه و هكذا في النوع الإنساني برفع الدرجات بينهم فبالدرجة يسخر بعضهم بعضا فتقتضي درجة الملك أن يسخر رعيته فيما يريده بطريق الإذلال للقيام بمصالحه لافتقاره إلى ذلك و تقتضي درجة الرعايا و السوقة أن تسخر الملك في حفظها و الذب عنها و قتال عدوها و الحكم فيما يقع بينها من المخاصمات و طلب الحقوق فهذه سخرية قيام لا سخرية إذلال اقتضتها درجة السوقة و درجة الملك و المذل من الأسماء هو الحاكم في الطرفين ثم يأتي الكشف في هذه المسألة بأمر عجيب ينطق به القرآن و يشهده العيان فقال ﴿وَ هُوَ اللّٰهُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام:3] و قال ﴿وَ سَخَّرَ لَكُمْ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾ [الجاثية:13] و قال لقمان لابنه ﴿يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّٰهُ﴾ [لقمان:16]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية