﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور:24] فالهواء موجود عظيم و هو أقرب الأركان نسبة إلى نفس الرحمن فهو أحق بهذا الباب و الهواء هو نفس العالم الكبير و هو حياته و له القوة و الاقتدار و هو السبب الموجب لوجود النغمات بتحريك الآلات من حركات الأفلاك و أغصان الأشجار و تقاطع الأصوات فيؤثر السماع الطبيعي في الأرواح فيحدث فيها هيمان و سكر و طرب فالهواء إذا تحرك أقوى المؤثرات الطبيعية في الأجسام و الأرواح و قد جعل اللّٰه هذا الركن أصل حياة العالم الطبيعي كما جعل الماء أصل الصور الطبيعية فصورة الهواء من الماء و روح الماء من الهواء و لو سكن الهواء لهلك كل متنفس و كل شيء في العالم متنفس فإن الأصل نفس الرحمن و جعله اللّٰه لطيفا ليقبل سرعة الحركة فإن العالم المتنفس يحتاج في وقت إلى نفس كثير و في وقت إلى نفس قليل أ لا ترى الإنسان في زمان الصيف إذا حمي بدنه حرك الهواء بالمروحة ليبرد عنه ما يجده من الحرارة لما في الهواء من برودة الماء من حيث صورته و إن كانت له حركة خفية و لكن لا تكفي المحرور كما أنه إذا كثر بحيث أن يتأذى منه الإنسان طلب التستر عنه لأنه ليس في قوة الحيوان تقليله الهواء إلا إذا كان الإنسان هو الذي يثير حركة الهواء فإنه يقدر على تقليله بضعف حركة السبب الذي به أثاره و أما إذا كان السبب خارجا عن حكم الإنسان فإنه لا يقدر على تقليله و الهواء هو الذي يسوق الأرواح إلى المشام من طيب و خبيث و فيه تظهر صور الحروف و الكلمات فلو لا الهواء ما نطق ناطق و لا صوت مصوت
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية