فما عبد فيما عبد إلا اللّٰه
[ما المراد بالتوحيد]
و هذا التوحيد على ستة و ثلاثين أعني الواردة في القرآن من حيث ما هو كلام اللّٰه فمنه ما هو توحيد الواحد و لهذا يرى بعض العلماء الإلهيين إن اللّٰه هو الذي وحد الواحد و لو لا توحيده لم يكن ثم من يقال فيه إنه واحد فوحدانيته أظهرت الواحد و منه ما هو توحيد اللّٰه و هو توحيد الألوهية و منه ما هو توحيد الهوية و لنذكر هذا كله في هذا الفصل و ما له تعالى في هذا التهليل من الأسماء الإلهية و لا نزيد على ما ورد في القرآن من ذلك و هو ستة و ثلاثون موضعا و هي عشر درجات الفلك الذي جعل اللّٰه إيجاد الكائنات عند حركاته من أصناف الموجودات من عالم الأرواح و الأجسام و النور و الظلمة فهذه الستة و ثلاثون حق اللّٰه مما يكون في العالم من الموجودات فإنها مما تكون في عين التلفظ الإنساني بالقرآن فهو كالعشر فيما سقت السماء و هو المسمى الأعلى من قوله ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] فالتهليل عشر الذكر و هو زكاته لأنه حق اللّٰه فهو عشر ثلاثمائة و ستين درجة فمن ذلك
(التوحيد الأول)
و هو قوله تعالى ﴿وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:163] فهذا توحيد الواحد بالاسم الرحمن الذي له النفس فبدأ به لأن النفس لولاه ما ظهرت الحروف و لو لا الحروف ما ظهرت الكلمات فنفى الألوهية عن كل أحد وحده الحق تعالى إلا أحديته فأثبت الألوهية لها بالهوية التي أعاد على اسمه الواحد و أول نعت نعته به الرحمن لأنه صاحب النفس و سمي مثل هذا الذكر تهليلا من الإهلال و هو رفع الصوت أي إذا ذكر بلا إله إلا اللّٰه ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة و لهذا «قال رسول اللّٰه ﷺ أفضل ما قلته أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا اللّٰه و ما قالها إلا نبي» لأنه ما يخبر عن الحق إلا نبي فهو كلام الحق فارفع الكلمات كلمة لا إله إلا اللّٰه و هي أربع كلمات نفي و منفي و إيجاب و موجب و الأربعة الإلهية أصل وجود العالم و الأربعة الطبيعية أصل وجود الأجسام و الأربعة العناصر أصل وجود المولدات و الأربعة الأخلاط أصل وجود الحيوان و الأربع الحقائق أصل وجود الإنسان فالأربعة الإلهية الحياة و العلم و الإرادة و القول و هو عين القدرة عقلا و القول شرعا و الأربع الطبيعة الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة و الأربعة العناصر الأثير و الهواء و الماء و التراب و الأربعة الأخلاط المرتان و الدم و البلغم و الأربع الحقائق الجسم و التغذي و الحس و النطق فإذا قال العبد لا إله إلا اللّٰه على هذا التربيع كان لسان العالم و نائب الحق في النطق فيذكره العالم و الحق بذكره و هذه الكلمة اثنا عشر حرفا فقد استوعبت من هذا العدد بسائط أسماء الأعداد و هي اثنا عشر ثلاث عقود العشرات و المئين و الآلاف و من الواحد إلى التسعة ثم بعد هذا يقع التركيب بما لا يخرجك عن هذه الآحاد إلى ما لا يتناهى فقد ضم ما يتناهى و هو هذه الاثنا عشر ما لا يتناهى و هو ما يتركب منها فلا إله إلا اللّٰه و إن انحصرت في هذا العدد في الوجود فجزاؤها لا يتناهى فبها وقع الحكم بما لا يتناهى فبقاء الوجود الذي لا يلحقه عدم بكلمة التوحيد و هي لا إله إلا اللّٰه فهذا عمل نفس الرحمن فبها و لهذا ابتدأ به في القرآن و جعله توحيد الأحد لأن عن الواحد الحق ظهر العالم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية