فلم تعرف بينها و بينه مناسبة مثلية فتتعلق بها فقالت لها المعرفة بالله هو ما خاطبك سبحانه إلا بلسانك و لحنك و لغتك و ما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان الذين أنت منهم فارجع إلى مفهوم ما خاطبك به فإنه لم يخرجه عن حقيقة مدلوله و لا تنال بجهلك النسبة إليه من ذلك فإن تلك الصفة التي خاطبك بها تطلبه بذاتها لأنه وصف نفسه بها و لا تكون صفاته إلا بمناسبة خاصة منا إليه فإذا تعلقت أنت بتلك الصفة و لزمتها بالضرورة تحصلك عنده فتعلم عند ذلك صورة نسبتها إليه علم ذوق و تجل إلهي فيزيد ذبولك حتى تصير كالنقطة المتوهمة كما قال بعضهم
أصبحت فيك من الضنا *** كالنقطة المتوهمة
و هي التي لا وجود لها إلا في الوهم فهذا نعتهم في الذبول و قدر و ينافي خبر مؤيد بكشف أن إسرافيل عليه السّلام و هو من أرفع الأرواح العلوية يتضاءل في نفسه كل يوم لاستيلاء عظمة اللّٰه على قلبه سبعين مرة حتى يصير كالوضع كما يحشر المتكبرون في نفوسهم على عباد اللّٰه يوم القيامة كأمثال الذر ذلة و صغارا و ذلك لما ظهروا به في الدنيا من التعاظم و التكبر فهذا نعت ذبولهم في أرواحهم و أجسامهم و من نعوت المحبين أيضا الغرام و هو الاستهلاك في المحبوب بملازمة الكمد قال تعالى ﴿إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً﴾ [الفرقان:65] أي مهلكا لملازمة شهود المحبوب فإن الغريم هو الذي لزمه الدين و به سمي غريما و مقلوبة أيضا الرغام و هو اللصوق بالتراب فإن الرغام التراب يقال رغم أنفه إذ كان الأنف محل العزة قوبل بالرغام في الدعاء فألصقوه بالتراب فيكون الغرام حكمه في المغرم من المقلوب فهو موصوف بالذلة لأن التراب أذل الأذلاء و لهذا وصفت الأرض بأنها ذلول على طريق المبالغة لكون الأذلاء يطئونها و لما لازم الحب قلوب المحبين و الشوق قلوب المشتاقين و الأرق نفوس الأرقين و كل صفة للحب موصوفها منه سمي صاحب هذه الملازمات كلها مغرما و سميت صفته غراما فهو اسم يعم جميع ما يلزم المحب من صفة الحب فليس للمحب صفة أعظم إحاطة من الغرام و من نعوت المحبين الشوق و هو حركة روحانية إلى لقاء المحبوب و حركة طبيعية جسمانية حسية إلى لقاء المحبوب إذا كان من شكله ذلك المحبوب فإذا لقيه أي محبوب كان فإنه يجد سكونا في حركة فيتحير لما ذا ترجع تلك الحركة مع وجود اللقاء و يراها تتزيد و يدركه معها خوف في حال الوصلة فيجد الخوف متعلقة توقع الفرقة و يجد الحركة الاشتياقية تطلب استدامة حالة الوصلة و لذلك يهيج باللقاء كما قيل في الشوق
و أبرح ما يكون الشوق يوما *** إذا دنت الديار من الديار
و قال الآخر فيما ذكرناه من الخوف في حال الوصلة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية