فلا يكون الصادق صادقا ما لم يقم الصدق به فإذا قام به كان له ذوقا و كان كونه صادقا حال صدقه و هو قد تسمى بالصادق فلهذا يسألهم هل صدقهم هو النعت الإلهي الذي به تسمى اللّٰه بالصادق أم لا فإن كان هو طالبهم بأن يقوموا بأحكامه قيامه فلا يغلبهم شيء و لا يقاومهم في حال صدقهم فيكون اللّٰه صدقهم كما كان سمعهم و بصرهم النسبة واحدة فإن لم يحكموا هذا المقام و لا وجدوا منه هذه الحال فما هو هذا الصدق الذي هو النعت الإلهي بل هو أمر ظهر بصورة الصدق ظهور الشبهة بصورة الدليل و كما لا وجه للشبهة لا حقيقة لهذا الصدق و هذا معنى قول اللّٰه ﴿هٰذٰا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة:119] فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة بل تخاف الناس و لا يخافون و تحزن الناس و لا يحزنون و قال في حق طائفة ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللّٰهَ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [محمد:21] هذا حكمه في النطق فكيف في جميع الأحوال
[الصدق الذي هو حال و الصدق الذي هو مقام]
و الصدق إذا جاء من خارج جاء بغير صورته فإنه ظهر في مادة إمكانية فلم يؤثر أثرا في كل من جاء إليه فإن كان في المحل صدق الايمان ميزه و عرفه في المادة التي ظهر فيها فقبله و عمل بمقتضاه فكان نورا على نور ﴿لِيَزْدٰادُوا إِيمٰاناً مَعَ إِيمٰانِهِمْ﴾ [الفتح:4] كما زاد من ليست له حالة الصدق رجسا إلى رجسهم و الصدق بذاته مؤثر حيث ظهر عينه ظهر حكمه و من ليست له هذه الحال المؤثرة في الوقت فهو غائب عن صدقه في ذلك الوقت و لا بد و يدعيه من مكان بعيد فالصدق من حيث تعلقه بالكون هو حال و من حيث تعلقه من الصادق بالله هو مقام فمن حيث هو مقام لا يكون عنه أثر فإن تعلقه بالله و اللّٰه ليس بمحل لتأثر الأكوان فيكون صاحبه صادق التوجه إلى اللّٰه فإن ظهر عمن هذه صفته أثر في الكون فعن غير تعمل و لا قصد إنما ذلك إلى اللّٰه يجريه على لسانه أو يده و لا علم له به فإن أثر على علم و ادعى أنه صادق مع اللّٰه فهو إما جاهل بالأمر و إما كاذب و هذا ليس من صفة أهل اللّٰه فحال الصدق يناقض مقامه و مقامه أعلى من حاله في الخصوص و حاله أشهر و أعلى في العموم
[الشيخ عبد القادر كان له حال الصدق و تلميذه الشيخ أبو السعود بن الشبل كان له مقام الصدق]
و كان للإمام عبد القادر على ما ينقل إلينا من أحواله حال الصدق لا مقامه و صاحب الحال له الشطح و كذلك كان رضي اللّٰه عنه و كان للإمام أبي السعود بن الشبلي تلميذ عبد القادر مقام الصدق لا حاله فكان في العالم مجهولا لا يعرف و نكرة لا تتعرف نقيض عبد القادر عجزا محققا لتمكنه في مقام الصدق مع اللّٰه كما كان عبد القادر محققا متمكنا في حال الصدق فرضي اللّٰه عنهما فما سمعنا في زماننا من كان مثل عبد القادر في حال الصدق و لا مثل أبي السعود في مقام الصدق
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية