[الدنيا هي الدار الأولى؟ القريبة إلينا الحفيظة علينا الرحيمة بنا]
ثم لتعلموا إن الدنيا هي الدار الأولى القريبة إلينا نشأنا فيها و ما رأينا سواها فهي المشهودة و هي الحفيظة علينا و الرحيمة بنا فيها عملنا الأعمال المقربة إلى اللّٰه و فيها ظهرت شرائع اللّٰه و هي الدار الجامعة لجميع الأسماء الإلهية فظهرت فيها آلاء الجنان و آلام النار ففيها العافية و المرض و فيها السرور و الحزن و فيها السر و العلن و ما في الآخرة أمر إلا و فيها منه مثل و هي الأمنية الطائعة لله أودعها اللّٰه أمانات لعباده لتؤديها إليهم و هذا هو الذي جعلها ترقب أحوال أبنائها ما يفعلون بتلك الأمانات التي أدتها إليهم هل يعاملونها بما تستحق كل أمانة لما وضعت له فمنها أمانة توافق غرض نفوس الأبناء فترقبهم هل يشكرون اللّٰه على ما أولاهم من ذلك على يديها و منها أمانات لا توافق أغراضهم فترقب أحوالهم هل يقبلونها بالرضى و التسليم لكونها هدية من اللّٰه فيقولون في الأولى الحمد لله المنعم المفضل و يقولون فيما لا يوافق الغرض الحمد لله على كل حال فيكونون من الحامدين في السراء و الضراء فتعطيهم الدنيا هذه الأمانات نقية طاهرة من الشوب
[أمزجة الأبناء الدنيا هي كالبقاع للماء و كالأوعية لما يجعل فيها من غذاء]
فبعض أمزجة الأبناء الذين هم كالبقعة للماء و الأوعية لما يجعل فيها فيؤثر مزاج تلك البقعة في الماء فإن الماء كله طيب عذب في أصله و هو المطر فإذا حصل في بقع الأرض و هي مختلفة البقاع في المزاج ظهر العذب في المزاج الحسن فأبقاه على أصله كما ورد طاهرا نظيفا و زاده من مزاجه طيبا و حلاوة زائدة على ما كان عليه و هو الماء النمير و بقعة أخرى جعلته ملحا أجاجا و بقعة أخرى جعلته قعاما مرا فأثر في الحال النقي هذه الأوعية و الشرع إنما تعلق بأفعال الأبناء لا بالأم بل قال ﴿وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً﴾ [البقرة:83] و بما قال ﴿فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لاٰ تَنْهَرْهُمٰا وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلاً كَرِيماً وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً﴾ فما أوصى اللّٰه تعالى بهذه الأمور إلا لعلمه بأنه في الأبناء من يصدر منهم مثل هذه الأفعال فأمرهم إن يراقبوا هذه الأحكام في أفعالهم حتى يأتوا منها ما أمرهم اللّٰه و الدنيا شفيقة عليهم حدبة كثيرة الحنو خائفة أن تأخذهم الضرة الآخرة منها فإن الدار في هذا الوقت للدنيا و الحكم لها و لا ينبغي أن تعزل عنها كما إن الدار الآخرة لا تتعرض لها الدار الدنيا إذا انتقل الناس إليها فالدنيا أنصف من الآخرة في الحكم فإنها في دار سلطانها و إذا جاءت الآخرة و كان يومها لا تعترض الدنيا و لا تزاحم الآخرة فما أنصف أحد من الناس
[ما أنصف الدنيا أحد ذمت باساءة المسيء فيها و لم تحمد بإحسان المحسن فيها]
قال قتادة ما أنصف الدنيا أحد ذمت بإساءة المسيء فيها و لم تحمد بإحسان المحسن فيها فلو كانت بذاتها تعطي القبح و السوء ما تمكن أن يكون فيها نبي مرسل و لا عبد صالح كيف و اللّٰه قد وصفها بالطاعة فقال إن علوها و سفلها قالا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية