في سبب البدء و أحكامه *** و غاية الصنع و إحكامه
و الفرق ما بين رعاة العلى *** في نشئه و بين حكامه
دلائل دلت على صانع *** قد قهر الكل بأحكامه
[خواص المكان و إحساس الجنان]
قد وقف الصفي الولي أبقاه اللّٰه على سبب بدء العالم في كتابنا المسمى بعنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء و شمس المغرب و في كتابنا المسمى بإنشاء الدوائر الذي ألفنا بعضه بمنزله الكريم في وقت زيارتنا إياه سنة ثمان و تسعين و خمسمائة و نحن نريد الحج فقيد له منه خديمه عبد الجبار أعلى اللّٰه قدره القدر الذي كنت سطرته منه و رحلت به معي إلى مكة زادها اللّٰه تشريفا في السنة المذكورة لأتممه بها فشغلنا هذا الكتاب عنه و عن غيره بسبب الأمر الإلهي الذي ورد علينا في تقييده مع رغبة بعض الإخوان و الفقراء في ذلك حرصا منهم على مزيد العلم و رغبة في أن تعود عليهم بركات هذا البيت المبارك الشريف محل البركات و الهدى و الآيات البينات و أن نعرف أيضا في هذا الموضوع الصفي الكريم أبا محمد عبد العزيز رضي اللّٰه عنه ما تعطيه مكة من البركات و إنها خير وسيلة عبادية و أشرف منزلة جمادية ترابية عسى تنهض به همة الشوق إليه و تنزل به رغبة عليه فقد قيل لمن أوتي جوامع الكلم و كان من ربه في مشاهدة العين أدنى من قاب قوسين و مع هذا التقريب الأكمل و الحظ الأوفر الأجزل أنزل عليه ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] و من شرط العالم المشاهد صاحب المقامات الغيبية و المشاهد أن يعلم أن للامكنة في القلوب اللطيفة تأثيرا و لو وجد القلب في أي موضع كان الوجود الأعم فوجوده بمكة أسنى و أتم فكما تتفاضل المنازل الروحانية كذلك تتفاضل المنازل الجسمانية و إلا فهل الدر مثل الحجر إلا عند صاحب الحال و أما المكمل صاحب المقام فإنه يميز بينهما كما ميز بينهما الحق هل ساوى الحق بين دار بناؤها لبن التراب و التبن و دار بناؤها لبن العسجد و اللجين فالحكيم الواصل من أعطى كل ذي حق حقه فذلك واحد عصره و صاحب وقته و كثير بين مدينة يكون أكثر عمارتها الشهوات و بين مدينة يكون أكثر عمارتها الآيات البينات أ ليس قد جمع معي صفي أبقاه اللّٰه أن وجود قلوبنا في بعض المواطن أكثر من بعض و قد كان رضي اللّٰه عنه يترك الخلوة في بيوت المنارة المحروسة الكائنة بشرقي تونس بساحل البحر و ينزل إلى الرابطة التي في وسط المقابر بقرب المنارة من جهة بابها و هي تعزى إلى الخضر فسألته عن ذلك فقال إن قلبي أجده هنالك أكثر منه في المنارة و قد وجدت فيها أنا أيضا ما قاله الشيخ و قد علم وليي أبقاه اللّٰه أن ذلك من أجل من يعمر ذلك الموضع إما في الحال من الملائكة المكرمين أو من الجن الصادقين و إما من همة من كان يعمره و فقد كبيت أبي يزيد الذي يسمى بيت الأبرار و كزاوية الجنيد بالشونيزية و كمغارة ابن أدهم باليقين و ما كان من أماكن الصالحين الذين فنوا عن هذه الدار و بقيت آثارهم في أماكنهم تنفعل لها القلوب اللطيفة و لهذا يرجع تفاضل المساجد في وجود القلب لا في تضاعف الأجر فقد تجد قلبك في مسجد أكثر مما تجده في غيره من المساجد و ذلك ليس للتراب و لكن لمجالسة الأتراب أو هممهم و من لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق و المساجد فهو صاحب حال لا صاحب مقام و لا أشك كشفا و علما أنه و إن عمرت الملائكة جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف و الرتب فإن أعلاهم رتبة و أعظمهم علما و معرفة عمرة المسجد الحرام و على قدر جلساتك يكون وجودك فإنه لهمم الجلساء في قلب الجليس لهم تأثيرا و هممهم على قدر مراتبهم و إن كان من جهة الهمم فقد طاف بهذا البيت مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي سوى الأولياء و ما من نبي و لا ولي إلا و له همة متعلقة بهذا البيت و هذا البلد الحرام لأنه البيت الذي اصطفاه اللّٰه على سائر البيوت و له سر الأولية في المعابد كما قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية