فبينا هم كذلك إذ قام شخص من جنسهم لم يكن عندهم من المكانة في العلم بحيث أن يعتقدوا فيه أنه ذو فكر صحيح و نظر صائب فقال لهم أنا رسول اللّٰه إليكم فقالوا الإنصاف أولى انظروا في نفس دعواه هل ادعى ما هو ممكن أو ادعى ما هو محال فقالوا إنه قد ثبت عندنا بالدليل أن لله فيضا إلهيا يجوز أن يمنحه من يشاء كما أفاض ذلك على أرواح هذه الأفلاك و هذه العقول و الكل قد اشتركوا في الإمكان و ليس بعض الممكنات بأولى من بعض فيما هو ممكن فما بقي لنا نظر إلا في صدق هذا المدعي أو كذبه و لا نقدم على شيء من هذين الحكمين بغير دليل فإنه سوء أدب مع علمنا فقالوا هل لك دليل على صدق ما تدعيه فجاءهم بالدلائل فنظروا في دلالته و في أدلته و نظروا أن هذا الشخص ما عنده خبر مما تنتجه الأفكار و لا عرف منه فعلموا إن الذي أوحى في كل سماء أمرها كان مما أوحاه في كل سماء وجود هذا الشخص و ما جاء به فأسرعوا إليه بالإيمان به و صدقوه و علموا أن اللّٰه قد أطلعه على ما أودعه في العالم العلوي من المعارف ما لم تصل إليه أفكارهم ثم أعطاه من المعرفة بالله ما لم يكن عندهم و رأوا نزوله في المعارف بالله إلى العامي الضعيف الرأي بما يصلح لعقله من ذلك و إلى الكبير العقل الصحيح النظر بما يصلح لعقله من ذلك فعلموا أن الرجل عنده من الفيض الإلهي ما هو وراء طور العقل و أن اللّٰه قد أعطاه من العلم به و القدرة عليه ما لم يعطه إياهم فقالوا بفضله و تقدمه عليهم و آمنوا به و صدقوه و اتبعوه فعين لهم الأفعال المقربة إلى اللّٰه تعالى و أعلمهم بما خلق اللّٰه من الممكنات فيما غاب عنهم و ما يكون منه سبحانه فيهم في المستقبل و جاءهم بالبعث و النشور و الحشر و الجنة و النار
[أصل وضع الشريعة الإلهية في العالم]
ثم إنه تتابعت الرسل على اختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال و كل واحد منهم يصدق صاحبه ما اختلفوا قط في الأصول التي استندوا إليها و عبروا عنها و إن اختلفت الأحكام فتنزلت الشرائع و نزلت الأحكام و كان الحكم بحسب الزمان و الحال كما قال تعالى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً﴾ [المائدة:48] فاتفقت أصولهم من غير خلاف في شيء من ذلك و فرقوا في هذه السياسات النبوية المشروعة من عند اللّٰه بينها و بين ما وضعت الحكماء من السياسات الحكمية التي اقتضاها نظرهم و علموا أن هذا الأمر أتم و أنه من عند اللّٰه بلا شك فقبلوا ما أعلمهم به من الغيوب و آمنوا بالرسل و ما عابد أحد منهم إلا من لم ينصح نفسه في علمه و اتبع هواه و طلب الرئاسة على أبناء جنسه و جهل نفسه و قدره و جهل ربه فكان أصل وضع الشريعة في العالم و سببها طلب صلاح العالم و معرفة ما جهل من اللّٰه مما لا يقبله العقل أي لا يستقل به العقل من حيث نظره فنزلت بهذه المعرفة الكتب المنزلة و نطقت بها ألسنة الرسل و الأنبياء عليهم السلام فعلمت العقلاء عند ذلك أنها نقصها من العلم بالله أمور تممتها لهم الرسل
[العقلاء الحقيقيون و أصحاب القلقة و الجدل و الكلام]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية