و كن شجاعا مقداما على إتيان العزائم التي شرع اللّٰه لك أن تأتيها فتكن من أولي العزم و لا تكن جبانا فإن اللّٰه أمرك بالاستعانة به في ذلك و إذ كان اللّٰه المعين فلا تبال فإنه لا يقاومه شيء بل هو القادر على كل شيء فما ثم مع الإعانة الإلهية قوة نقاوي قوة الحق فإن اللّٰه يقول فيمن سأله الإعانة و لعبدي ما سأل في الخبر الصحيح فإذا قال العبد ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] يقول اللّٰه هذه الآية بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل و إذا قال ﴿اِهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] إلى آخر السورة و هدايته من معونته يقول اللّٰه هؤلاء لعبدي و لعبدي ما سأل و خبره صدق و قد قال و لعبدي ما سأل فلا بد من إعانته و لكن هنا شرط لا يغفل عنه العالم إذا تلا مثل هذا لا يتلوه حكاية فإن ذلك لا ينفعه فيما ذهبنا إليه و فيما أريد له و إنما اللّٰه تعالى ما شرع له أن يقرأ القرآن و يذكره بهذا الذكر إلا ليعلمه كيف يذكره فيذكره ذكر طلب و اضطرار و افتقار و حضور في طلبه من ربه ما شرع له أن يطلبه فذلك هو الذي يجيبه الحق إذا سأله فإن تلا حكاية فما هو سائل و إذا لم يسأل و حكى السؤال فإن الحق لا يجيب من هذه صفته و لا جرم أن التالين الغالب عليهم الحكاية لأنه لا ثمرة عندهم فهم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم و قلوبهم لاهية في حال التلاوة و في حال سماعه فإذا رأيت من يقدم على الشدائد في حق اللّٰه فاعلم أنه مؤمن صادق و إذا رأيته قوي العزم في دين اللّٰه و في غير دين اللّٰه فيعلم أنه قوي النفس لا قوي الايمان بالأصالة فإن المؤمن هو القوي في حق اللّٰه خاصة الضعيف في حق الهوى لا يساعد هواه في شيء إذا جاءه الهوى النفسي يطلب منه أن يعينه في أمر ما يريه من الضعف و الخوف ما يقطع به يأسه منه فينقمع الهوى إذ لا يجد معونة من قبول المؤمن عليه فيعصم جوارحه من إمضاء ما دعاه إليه الهوى و سلطانه فإذا جاءه وارد الايمان وجد عنده من القوة و المساعدة بالله ما لا يقاومه شيء فإن اللّٰه هو المعين له فإن الإنسان خلق هلوعا من حيث إنسانيته و إن المؤمن له الشجاعة و الإقدام من حيث ما هو مؤمن كما حكي عن بعض الصحابة و أظنه عمرو بن العاص أن رسول اللّٰه ﷺ أخبره أنه لا بد له أن يلي مصر فحضر في حصار بلد فقال لأصحابه اجعلوني في كفة المنجنيق و ارموا بي إليهم فإذا حصلت عندهم قاتلت حتى أفتح لكم باب الحصن فقيل له في ذلك فقال إن رسول اللّٰه ﷺ ذكر لي أني إلى مصر و إلى الآن ما وليتها و لا أموت حتى أليها فهذا من قوة الايمان فإن العادة تعطي في كل إنسان أن شخصا إذا رمى في كفة المنجنيق إنه يموت فالمؤمن أقوى الناس جأشا و من أسمائه تعالى المؤمن و قد ورد أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا من كونه مؤمنا فالمؤمن المخلوق يستعين بالمؤمن الخالق فيشد منه و يقوي ما ضعف عنه من كونه مخلوقا فإن اللّٰه خلقه ﴿مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ [الروم:54] فهي إشارة و ذلك أن كانت قوة الشباب تفسيرا فهي قوة الايمان بما أمر من الايمان به تنبيها فاعلم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية