الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

«وصل»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[95] - «وصل»

إذا اجتمع عارفان في حضرة شهودية عند الله ما حكمهما وهذه مسألة سألني عنها شيخنا يوسف بن يخلف الكومي سنة ست وثمانين وخمسمائة فقلت له يا سيدي هذه مسألة تفرض ولا تقع إلا إذا كان التجلي في حضرة المثل كرؤيا النائم وكحال الواقعة وأما في الحقيقة فلا لأن الحضرة لا تسع اثنين بحيث أن يشهد معها غيرها بل لا يشهد عينها في تلك الحضرة فأحرى أن يشهد عينا زائدة ولكن يتصور هذا في تجلى المثال فإذا اجتمعا

فلا يخلو كل واحد منهما أن يجمعهما مقام واحد أعلى أو أدنى أو متوسط أو لا يجمعهما فإن جمعهما مقام واحد فلا يخلو إما أن يكون ذلك المقام مما يقتضي التنزيه أو التشبيه أو المجموع وعلى كل حال فحكم التجلي من حيث الظهور واحد ومن حيث ما يجده المتجلي له مختلف الذوق لاختلافهما في أعيانهما لأن هذا ما هو هذا لا في الصورة الطبيعية ولا الروحانية ولا في المكانية وإن كان هذا مثل لهذا ولكن هذا ما هو هذا فغايتهما إما أن يتحقق كل واحد منهما بمعرفته بنفسه ونفس هذا غير هذا فيحصل من العلم لهذا ما لم يحصل لهذا فنعلم أنهما وإن اجتمعا في عين الفرق أو يتحقق الواحد بمعرفته بنفسه ويفنى الآخر عن مشاهدة ذاته فيختلفان في عين الجمع أو يعطي الواحد ما يعطي المراد ويعطي الآخر ما يعطي المريد فعلى كل وجه هما مختلفان في الوجود متفقان في الحال والشهود فإن اقتضى المقام التنزيه لكل واحد منهما فغاية تنزيه كل واحد منهما أن ينزهه عن صورة ما هو عليها في نفسه فهما مختلفان بلا شك وإن كانا مثلين وإن اقتضى ذلك المقام التشبيه فالحال مثل الحال وكذلك إن اقتضى المجموع فإن المجموع إنما هو جميع طرفين في حضرة وسطي فالحال الحال فلا يجتمعان أبدا في الوجود وإن اجتمعا في الشهود وإن لم يجمعهما مقام واحد وكان كل واحد في مقام ليس للآخر وظاهر بصورة ما هي لصاحبه وإن اجتمعا في الصورة إلا أنهما أعطيا من القوة بحيث أن يشهد كل واحد منهما حضور صاحبه في بساط ذلك المشهود لكون المشهود تجلى في صورة مثالية وهذا التجلي والشهود هو الذي يجمع فيه صاحبه بين الخطاب والشهود إن شاء المشهود وأما في غير هذه الحضرة فلا يجتمع شهود وخطاب ولا رؤية غير وحكمهما إذا كانا بهذه المثابة حكم من جمعهما مقام واحد في معرفته بنفسه أو فناء أحدهما أو يقام أحدهما مرادا والآخر مريدا فيخبر المريد عن قهر وشدة ويخبر المراد عن لين وعطف وما ثم إلا هذا ولا يخبر واحد منهما عما حصل لصاحبه فإن الإلقاء لكل واحد منهما إنما يكون بالمناسب الذي يقتضيه المزاج الخاص به الذي كان سبب اختلاف صور أرواحهما في أصل النشأة فإذا رجع إلى أصحابه من هذه حاله يقول وإن كان أحدهما في المغرب والآخر في المشرق لأصحابه في هذه الساعة أشهد فلان وعاينته وعرفت صورته ومن حليته كذا وكذا فيصفه بما هو عليه من الصفات فمن لا علم له بالحقائق منهما فإنه يقول وأعطاه الحق مثل ما أعطاني والأمر ليس كذلك فإن كل واحد منهما لم يحصل له إسماع ما للآخر وذلك لافتراقهما في المناسب كما قدمنا وإن كان من أهل الحقائق والمعرفة التامة ويقال له فما حصل له فيقول لا أدري فإني لا أعرف إلا ما تقتضيه صورتي وما أنا هو فإن الحق لا يكرر صورة


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!