في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[العبد هل يملك أو لا يملك]
![]() |
![]() |
[9] - [العبد هل يملك أو لا يملك]
وعلى هذه المسألة تبتني مسألة العبد هل يملك أو لا يملك فمن رأى شركة الأسباب التي لا يمكن وجود المسببات إلا بها لم يثبت الشريك في الملك لأن السبب من الملك وهو كالآلة والآلة يوجد بها ما هو ملك للموجد كما هي الآلة ملك للموجد وما تملك الآلة شيئا فلهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك لا في الإيجاد لأن الله تعالى أوجد الأشياء على
ضربين ضرب أوجده بوجود أسبابه مثل صنائع العالم كالتابوت للنجار والحائط للبناء وجميع صنائع العالم والكل صنعته تعالى والإضافة إلى النجار وإن كان النجار ما استقل في عمل التابوت بيده فقط بل بآلات متعددة من الحديد وغير ذلك فهذه أسباب التجارة وما أضيف عمل التابوت إلى شيء منها بل أضيف التابوت من كونه صنعة لصانعه ولم يصنع إلا بالآلة ثم ثم إضافة أخرى وهو إن كان النجار صنع في حق نفسه أضيف التابوت إليه لأنه ملكه وهو قوله وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ف لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ وإن كان الخشب لغيره فالتابوت من حيث صنعته يضاف إلى النجار ومن حيث الملك يضاف للمالك لا إلى النجار فالنجار آلة للمالك والله ما نفى إلا الشريك في الملك لا الشريك في الصنعة أَلا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ تَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمِينَ وأما الضرب الثاني فهو ما أوجده لا بسبب وهو إيجاده أعيان الأسباب الأول فإذا كبرت ربك عن الولي والشريك فقيده في ذلك بما قيده الحق ولا تطلق فيفتك خير كثير وعلم كبير وكذلك قوله وكبره أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً فإن الولد للوالد ليس بمتخذ لأنه لا عمل له فيه على الحقيقة وإنما وضع ماء في رحم صاحبته وتولى إيجاد عين الولد سبب آخر والمتخذ الولد إنما هو المتبني كزيد لما تبناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال لنا وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً لأنه لو اتخذ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ فكان يتبنى ما شاء فما فعل فعل من لم يتخذ ولدا وقوله تعالى لَمْ يَلِدْ ذلك ولد الصلب فليس له تعالى ولد ولا تبنى أحدا فنفى عنه الولد من الجهتين لما ادعت طائفة من اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأرادوا التبني فإنهم عالمون بآبائهم وقالوا في المسيح إنه ابن الله إذ لم يعرفوا له أبا ولا تكون عن أب لجهلهم بما قال الله من تمثل الملك لمريم بَشَراً سَوِيًّا وجعله الحق تعالى روحا إذ كان جبريل روحا فما تكون عيسى إلا عن اثنين فجبريل وهب لها عيسى في النفخ فلم يشعروا لذلك كما ينفخ الروح في الصورة عند تسويتها فما عرفوا روح عيسى ولا صورته وإن صورة عيسى مثل تجسد الروح لأنه عن تمثل فلو تفطنت لخلق عيسى لرأيت علما عظيما تقصر عنه أفهام العقلاء فإذا كبرت ربك فكبره كما كبر نفسه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهم الذين يكبرونه عما لم يكبر نفسه
في قوله يفرح بتوبة عبده ويتبشبش إلى من جاء إلى بيته ويباهي ملائكته بأهل الموقف ويقول جعت فلم تطعمني
فأنزل نفسه منزلة عبده فإن كبرته بأن تنزهه عن هذه المواطن فلم تكبره بتكبيرة بل أكذبته فهؤلاء هم الظالمون على الحقيقة فليس تكبيره إلا ما كبر به نفسه فقف عند حدك ولا تحكم على ربك بعقلك
(الفصل التاسع في الذكر بالتهليل)
هذا هو ذكر التوحيد بنفي ما سواه وما هو ثم فإن لم يكن ثم ونفيت النفي فقد أثبت فإن الله تعالى يقول وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ فما عبد فيما عبد إلا الله
![]() |
![]() |





