الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[لكل اسم من هذه الأسماء الإلهية روحانية ملك تحفظه وتقوم به‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[41] - [لكل اسم من هذه الأسماء الإلهية روحانية ملك تحفظه وتقوم به‏]

وجميع الأسماء الإلهية المختصة بهذا الإنسان الموصوف بهذه الصفة التي ينزل بها هذه المنازل معلومة محصاة وهي الرفيع الدرجات الجامع اللطيف القوي المذل رزاق عزيز مميت محي حي قابض مبين محص مصور نور قاهر عليم رب مقدر غني شكور محيط حكيم ظاهر باطن باعث بديع ولكل اسم من هذه الأسماء روحانية ملك تحفظه وتقوم به وتحفظها لها صور في النفس الإنساني تسمى حروفا في المخارج عند النطق وفي الخط عند الرقم فتختلف صورها في الكتابة ولا تختلف في الرقم وتسمى هذه الملائكة الروحانيات في عالم الأرواح بأسماء هذه الحروف فلنذكرها على ترتيب المخارج حتى تعرف رتبتها فأولهم ملك الهاء ثم الهمزة وملك العين المهملة وملك الحاء المهملة وملك العين المعجمة وملك الخاء المعجمة وملك القاف وهو ملك عظيم رأيت من اجتمع به وملك الكاف وملك الجيم وملك الشين المعجمة وملك الياء وملك الضاد المعجمة وملك اللام وملك النون وملك الراء وملك الطاء المهملة وملك الدال المهملة وملك التاء المعجمة باثنتين من فوقها وملك الزاي وملك السين المهملة وملك الصاد المهملة وملك الظاء المعجمة وملك الثاء المعجمة بالثلاث وملك الذال المعجمة وملك الفاء وملك الباء وملك الميم وملك الواو وهذه الملائكة أرواح هذه الحروف وهذه الحروف أجساد تلك الملائكة لفظا وخطا بأي قلم كانت فبهذه الأرواح تعمل الحروف لا بذواتها أعني صورها المحسوسة للسمع والبصر المتصورة في الخيال فلا يتخيل أن الحروف تعمل بصورها وإنما تعمل بأرواحها ولكل حرف تسبيح وتمجيد وتهليل وتكبير وتحميد يعظم بذلك كله خالقه ومظهره وروحانيته لا تفارقه وبهذه الأسماء يسمون هؤلاء الملائكة في السموات وما منهم ملك إلا وقد أفادني وكذلك هذه الكواكب التي ترونها إنما هي صور لها أرواح ملكية تدبرها مثل ما لصورة الإنسان فبروحه يفعل الإنسان وكذلك الكوكب والحرف لو لا الروح ما ظهر منه فعل فإن الله سبحانه ما يسوي صورة محسوسة في الوجود على يد من كان من إنسان أو ريح إذا هبت فتحدث أشكالا في كل ما تؤثر فيه حتى الحية والدودة تمشي في الرمل فيظهر طريق فذلك الطريق صورة أحدثها الله يمشي هذه الدودة أو غيرها فينفخ الله فيها روحا من أمره لا يزال يسبحه ذلك الشكل بصورته وروحه إلى أن يزول فتنتقل روحه إلى البرزخ وذلك قوله كُلُّ من عَلَيْها فانٍ وكذلك الأشكال الهوائية والمائية لو لا

أرواحها ما ظهر منها في انفرادها ولا في تركيبها أثر وكل من أحدث صورة وانعدمت وزالت وانتقل روحها إلى البرزخ فإن روحها الذي هو ذلك الملك يسبح الله ويحمده ويعود ذلك الفضل على من أوجد تلك الصورة الذي كان هذا الملك روحها فما يعرف حقائق الأمور إلا أهل الكشف والوجود من أهل الله ولهذا نبه الله قلوب الغافلين ليتنبهوا على الحروف المقطعة في أوائل السور فإنها صور ملائكة وأسماؤهم فإذا نطق بها القارئ كان مثل النداء بهم فأجابوه فيقول القارئ ألف لام ميم فيقول هؤلاء الثلاثة من الملائكة مجيبين ما تقول فيقول القارئ ما بعد هذه الحروف تاليا فيقولون صدقت إن كان خيرا ويقولون هذا مؤمن حقا نطق حقا وأخبر بحق فيستغفرون له وهم أربعة عشر ملكا ألف لام ميم صاد راء كاف هاء ياء عين طاء سين حاء قاف نون ظهروا في منازل من القرآن مختلفة فمنازل ظهر فيها واحد مثل ق ن صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ومنازل ظهر فيها اثنان مثل طس يس حم وهي سبعة أعني الحواميم طه ومنازل ظهر فيها ثلاثة وهم الم البقرة والم آل عمران والر يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر وطسم الشعراء والقصص والعنكبوت ولقمان والروم والسجدة ومنها منازل ظهر فيها أربعة هم المص الأعراف والمر الرعد ومنازل ظهر فيها خمسة وهي مريم والشورى وجميعها ثمان وعشرون سورة على عدد منازل السماء سواء فمنها ما يتكرر في المنازل ومنها ما لا يتكرر فصورها مع التكرار تسعة وسبعون ملكا بيد كل ملك شعبة من الايمان وإن الايمان بضع وسبعون شعبة أرفعها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق‏

والبضع من واحد إلى تسعة فقد استوفى غاية البضع فمن نظر في هذه الحرف بهذا الباب الذي فتحت له يرى عجائب وتكون هذه الأرواح الملكية التي هذه الحروف أجسامها تحت تسخيره وبما بيدها من شعب الايمان تمده وتحفظ عليه إيمانه وهذا كله من النفس الرحماني الذي‏

نفس الله به عن خلقه واعلم أن هذه الحروف الأربعة عشر التي في أوائل السور كل حرف منها له ظاهر وهو صورته وله باطن وهو روحه ولكل حرف ليلة من الشهر أعني الشهر الذي يعرف بالقمر فإذا مشى القمر وقطع في سيره أربع عشرة منزلة أعطى في كل حرف من هذه الحروف من حيث صورها قوتين من حيث ذاته ومن حيث نوره وأعطاه قوتين أخريين من حيث المنزلة التي نزل بها ومن حيث البرج الذي لتلك المنزلة ولكن بقدر ما لتلك المنزلة من البرج فيصير في ذلك الحرف أربع قوى فيكون عمله أقوى من عمل كل واحد من أصحاب هذه القوي ويكون عمله في ظهور أعيان المطلوب فإذا أخذ القمر في النقص فقد أخذ في روحانية هذه الحروف إلى أن يكملها بكمال المنازل فتلك ثمان وعشرون والقوي مثل القوي إلا أنه يكون العمل غير العمل فالعمل الظاهر في المنافع والعمل الثاني في دفع المضار وفي قوة النور الذي للقمر لهذا الحرف مراتب بحسب المنزلة والبرج الذي تكون فيه الشمس واتصالات القمر بالمنزلة في تسديسها وتربيعها وتثليثها ومقابلتها ومقارنتها فتختلف الأحكام باختلاف ذلك هذا للحرف من قوة النور القمري فالعمل بالحروف يحتاج إلى علم دقيق فهذه القوي تحصل للحرف من سير القمر وقد ذكرنا حرف كل منزلة وأما لام ألف فمرتبته مرتبة الجوزهر وهو من الحروف المركبة أنزلوه منزلة الحرف الواحد لكمال نشأة الحروف ولهذا الحرف ليلة السرار الذي يكون للقمر فإن كسف القمر الشمس فذلك أسعد الحالات وأقواها في العمل بلام ألف وإن لم يكسفها ضعف عمله بقدر ما نزل عنها وكذلك اتصالات القمر بالخمسة لها أثر في الحرف على ما وقع عليه اتصاله بذلك الكوكب من الأحكام الخمسة كما كان حاله مع الشمس ويعتبر العامل أيضا شرف القمر وهبوطه وكونه خالي السير وبعيد النور وكونه مع الرأس وكونه مع الذنب لأن الله ما قدر هذا القمر مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ واختصه بالذكر سدى بل ذلك لحكمة إلهية يعلمها من أوتي الحكمة التي هي الخير الكثير الإلهي فإن الستة الباقية قدرها أيضا منازل في نفس الأمر وما حصها بالذكر فلما دخل القمر في الذكر كان له من القوة الإلهية والشرف في الولاية والحكم الإلهي ما ليس لغيره فإنه ما ذكر إلا بالحروف وبها نزل إلينا الذكر فكان نسبته إلى الحروف أتم من نسبة غيره فصار إمداده للحروف إمدادين إمداد جزاء وشكر لأن بها حصل له الذكر وإمدادا طبيعيا كإمداد سائر الستة لهذه الحروف وإنما ذكرنا ما يختص بالقمر دون سائر الستة لأنا في سماء الدنيا وهو موضع القمر وهو في ليلة السرار بارد رطب وفي ليلة الإبدار حار رطب لما فيه من النور فهو مائي هوائي وفيما بينهما بحسب ما فيه من النور فإن النور له الشرف ولما اجتمع النار مع النور في الإحراق وقوة الفعل في بقية العناصر لهذا افتخر إبليس على آدم وتكبر عليه فإن النار لا يقبل التبريد بخلاف بقية الأركان فإن الهواء يسخن وكذلك الماء وكذلك التراب فللنار في نفس الأركان أثر ليس لواحد منها في النار أثر وكذلك الماء له أثر في الهواء والتراب فيبرد الهواء ويزيد في رطوبته ويرطب التراب ويزيد في برودتها وليس للهواء والتراب في هذين العنصرين أثر فأقوى الأركان النار وبعده الماء فالحرارة للنار والبرودة للماء ولهذا جعلهما فاعلين والاثنين الآخرين منفعلين رطوبة الهواء ويبوسة التراب سبحان الخبير العليم الخلاق مرتب الأمور ومقدرها لا إله إلا هو العزيز الحكيم وفي ليلة تقييدي لهذا الفصل وهي الليلة الرابعة من شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وستمائة الموافقة ليلة الأربعاء الذي هو الموفي عشرين من شباط رأيت في الواقعة ظاهر الهوية الإلهية وباطنها شهودا محققا ما رأيتها قبل ذلك في مشهد من مشاهدنا فحصل لي من مشاهدة ذلك من العلم واللذة والابتهاج ما لا يعرفه إلا من ذاقه فما كان أحسنها من واقعة لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ وصورتها مثالا في الهامش كما هو فمن صوره لا يبدله والشكل نور أبيض في بساط أحمر له نور أيضا في طبقات أربع صورة وأيضا روحها في ذلك البساط في الطرف الآخر في طبقات أربع فمجموع الهوية ثمانية في طرفين مختلفين‏

من بساط واحد فأطراف البساط ما هي البساط ولا غير البساط فما رأيت ولا علمت ولا تخيلت ولا خطر على قلبي صورة ما رأيت في هذه الهوية ثم إنها لها حركة خفية في ذاتها أراها وأعلمها من غير نقلة ولا تغير حال ولا صفة

(الفصل الثامن والعشرون) في الاسم الإلهي القابض‏

وتوجهه على إيجاد ما يظهر في الأثير من ذوات الأذناب‏

والاحتراقات ووجود حرف التاء المعجمة باثنتين من فوقها من الحروف وله من المنازل منزلة القلب الأثير ركن النار وهذه الأركان وجودها قبل وجود هذه الأفلاك من حيث ما تقول سماوات لا من حيث ما هي أفلاك وهو متصل بالهواء والهواء حار رطب فبما في الهواء من الرطوبة إذا اتصل بهذا الأثير أثر فيه لتحركه اشتعالا في بعض أجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الأذناب وذلك لسرعة اندفاعها تظهر في رأى العين تلك الأذناب‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!