في معرفة النفس بفتح الفاء
وهو الباب 198 من الفتوحات المكية
[أن الإبداع في الصور خاصة]
![]() |
![]() |
[12] - [أن الإبداع في الصور خاصة]
واعلم أولا أن الإبداع لا يكون إلا في الصور خاصة لأنها التي تقبل الخلق فتقبل الابتداع وأما المعاني فليس شيء منها مبتدعا لأنها لا تقبل الخلق فلا تقبل الابتداع فهي تعقل ثابتة الأعيان هذه هي حضرة المعاني المحققة وثم صور تقبل الخلق والابتداع تدل عليها كلمات هي أسماء لها فيقال تحت هذا الكلام أو لهذه الكلمة معنى تدل عليه ويكون ذلك المعنى الذي تتضمنه تلك الكلمة صورة لها وجود عيني ذو شكل ومقدار كلفظ زيد فهذه كلمة تدل على معنى يفهم منها وهو الذي وضعت له وهو شخص من الأناسي ذو قامة
منتصبة وطول وعرض وجهات فمثل هذا يسمى معنى لهذه الكلمة فهذا المعنى يقبل الخلق ولسنا نريد بالمعاني إلا ما لا يقبل الخلق وكل ما لا يقبل الخلق فإنه لا يقبل المثل فلا يقبل المثل إلا الصورة خاصة المادية وغير المادية وأعني بالمادية المركبة وهي الأجسام على تنوع ضروبها وأعني بغير المادية كالبسائط التي لا جزء لها سوى عينها ولكنها تقبل المجاورة فتقبل التركيب فينشأ لذلك صور مختلفة إلى ما لا يتناهى فالأول منها وإن كان صورة فهو المبدع والثاني ليس بمبدع فإنه على مثاله ولكنه مخلوق فهو بالخلق الأول بديع وبالخلق الثاني المماثل للخلق الأول خالق فأول ما خلق الله العقل أظهره في نفس الرحمن في العماء في أول درجته التي هي في نفس الإنسان المخلوق على صورة الهمزة فهي أول مبدع من حروف تنفس الإنسان ولها وجوه وأحكام مثل ما للعقل في النفس فمن ذلك الإمداد الإلهي الذي في قوله لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وفي قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ والزيادة حيث وقعت من الخير والشر ولا تعقل الزيادة إلا بعد عقل الأصل فإذا علم مقداره علم الزائد لئلا يتخيل في الزائد أنه أصل فأقل الزيادة مثل الأصل إلى رابع درجة وليس فوقها زيادة وكل زيادة زائدة على الزيادة مثل الأصل سواء مثاله الأصل وجود عين العقل والزائد وجود النفس وهو على قدر العقل ثم الطبيعة وهي على قدر العقل ثم الهباء وهو على مقدار العقل ثم الجسم الكل وهو الرابع وليس وراءه شيء إلا الصور وكذلك المد الطبيعي بمنزلة العقل مثل مد الألف من قال وشبهه فهذا سار في كل موجود فإن له من الحق إمدادا به بقاؤه فما زاد على ما به بقاؤه وظهور عينه فلسبب آخر ولما كان العقل أول موجود جعل سببا لكل إمداد إلهي في الوجود كذلك الهمزة في النفس الإنساني أوجبت الإمداد في الصوت سواء تأخرت أو تقدمت وتنتهي الزيادة في ذلك على المد الطبيعي إلى أربع مراتب كل زيادة على قدر الأصل التي هي الألف الطبيعية في كل ممدود مثال ذلك أامن في قراءة أبي عمرو وأاامن في قراءة ابن عامر والكسائي وأااامن في قراءة عاصم وأاااامن في قراءة ورش وحمزة وكذلك جاء وجااء وجاااء وجااااء على ما ذكرناه فهذا الإمداد الإلهي قبل الموجب له وبعده هو بحسب المعرفة بالله فمن لم يعرف الله بدليل العالم عليه كان الإمداد متقدما على العلم بالله من حيث لا يعلم العبد فهو يتقلب في نعمة الله ولا علم له بالمنعم من هو على التعيين ومن عرف العالم بالله كان الإمداد متأخرا لأنه علم الله فرآه قبل إمداده وإن كان علمه به من إمداده ولكن ذلك هو المد الطبيعي فالإمداد في النفس الرحماني إيجاد النعم على التضعيف بالزيادة منها والله يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ كما هو في النفس الإنساني مد الصوت طلبا للوصول إلى الموجب أو خروجا من عند الموجب بالإمداد الإلهي لعين الحرف المطلوب وهو العين المقصود بذلك النعيم من الكائنات كما يطلب الوصول إلى حرف الميم بالمد من أامن وإلى حرف الدال من آدم فاعلم ذلك
![]() |
![]() |





