الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

«وصل»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[100] - «وصل»

ومن نفس الرحمن الذي نفس الله به عن عباده المؤمنين بالرسل قوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فنفس الله بذلك عن قلوب كان قد قام بها إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات وإن كان القائل بذلك قد قصد التنزيه لكنه ممن اجتهد فأخطأ أن قال ذلك عن اجتهاد فله الأجر فإن الأمر لا يتغير عما هو عليه في نفسه ولا يؤثر فيه حكم المجتهد لا بالإصابة ولا بالخطإ وإذا لم يتغير الأمر في نفسه بتغير الاجتهاد فالحكم له فلا يكون منه في العقبي إلا الخير فإنه الخير المحض الذي لا شر فيه فما عند المجتهدين من التغيير من جهته إلا ما تغيروا به من نفوسهم ف إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وما غيروا به أنفسهم فذلك تغيير الله بهم لأنهم ما خرجوا عما أعطاهم الله فإن الله ما كلف نَفْساً إِلَّا ما آتاها فما آتاها في هذا الوقت إلا ما سماه تغييرا فهو معهم في حال تغيرهم إلى أن ينقضي مدته فيبدو لَهُمْ من الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وهو مشاهدة ما هو الأمر عليه في نفسه فنفس الله عنهم بما بدا لهم منه وما يبدو من الخير إلا الخير كما قال المعتزلي الذي كان يقول بإنفاذ الوعيد فيمن مات عن غير توبة فلما مات وهو على هذا الاعتقاد وحصل له بعد الموت شهود الأمر على ما هو به رؤي في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال وجدنا الأمر أهون مما كنا نعتقده وأخبر أنه رحم ولم ينفذ فيه الوعيد الذي كان يعتقد نفوذه في أمثاله وليس إنباء الحق عباده يوم القيامة بما عملوه من الجرائم واجترحوه من الآثام على جهة التوبيخ والتقرير وإنما ذلك على طريق الإعلام باتساع رحمة الله حيث نالها لاتساعها من لا يستحقها وذلك بشفاعة أعيان تلك الأفعال المسماة جرائم فإن فاعلها لما كان سببا في إيجاد أعيانها من كونها أفعالا وأقام نشأتها وهي معصية في حقه لكنها نشأة مطيعة مسبحة ربها عز وجل تستغفر للسبب الموجب لوجودها فيجيب الله دعاءها واستغفارها لصاحبها فإنه لا علم لها بأنها معصية أو طاعة فإنها غير مكلفة بذلك ولا خلقت له فيقبل الله شفاعتها فيه فيكون ما له إلى الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وما في العالم إلا من هو منشئ صور أعمال منعوتة في الشرع بطاعة ومعصية ولا طاعة ولا معصية فإذا انتشأت فلا غذاء لها إلا التسبيح بحمد الله وهنا أعني في هذه الحضرة تتساوى أعمال الطاعة والمعصية فإن كونها طاعة ومعصية ما هو عينها وإنما ذلك حكم الله فيها وهي مقبولة السؤال عند الله فإنها من أصناف المعتنى بهم المفطورين على تعظيم الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ولو لا أنه ما كان معنا أينما كنا ما ظهرت أعيان هذه الأعمال إذ هو منشئها فينا بنا أو عندنا على حسب ما يعطيه نظر كل ناظر فقل كيف شئت وهذا القدر كاف في باب النفس الرحماني وما رأيت أحدا ممن غير من أهل هذا الشأن تكلم عليه مثلنا ولا فصله تفصيلنا والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

( «بسم الله الرحمن الرحيم»)


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!