الفتوحات المكية

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


موعظة نبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته، وأيقنو من الدنيا بالفناء، ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لما بعد الموت. فكأنكم بالدني لم تكن، وبالآخرة لم تزل. ألا وإن من في الدنيا ضيف، وما في يده عارية. وإن الضيف مرتحل، والعارية مردودة. ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر و الفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر. فرحم الله امرأ نظر لنفسه، ومهّد لرمسه ما دام رسنه مرخى، وحبله على غاربه ملقى، قبل أن ينفذ أجله، وينقطع عمله» . شعر:

لعفوك ي مولى الموالي تشوقي فكن لي وليا في مقامي وموقفي

فها أنا بالباب المعظم قدره مقل من التقوى كثير التخوف

فجدلي بعفو منك يستر زلتي فما زلت ذا فضل كثير التعطف

وممن ابتلى بعهد فوفى موسى المصطفى: حدثنا محمد بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عبد المجيد، عن عمرو بن حسن بن محمد بن أحمد القرشي الماسي، قال:

نادى الله موسى بن عمران: يا ابن عمران، لا تخيب من قصدك، وأجر من أجارك. قال:

بينم موسى عليه السلام في سياحته، إذا بجارح يطلب حماما، فلما رآه الحمام نزل على كتفه مستجيرا له، ونزل الجارح على الكتف الآخر، فلما همّ به الجارح نزل الحمام على كمه، فناداه الجارح بلسان فصيح: يا ابن عمران، إني قاصدك فلا تخيبني، ولا تحل بيني وبين رزقي. وناداه الحمام: يا ابن عمران، إني مستجير بك فأجرني. فقال: م أسرع ما ابتليت به، ثم مد يده ليقطع قطعة من فخذه للجارح وفاء لهما وحفظا لما عهد إليه فيهما.

فقالا: يا ابن عمران، إنّا رسل ربك إليك ليرى صحة ما عهد إليك. شعر:

أي سامعا ليس السماع بنافع إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع

إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزا فما أنت في يوم القيامة صانع

وقال آخر:

لما غلبت و زاد الشوق في ألمي وقفت للذكر مغلوبا على قدمي

ولو قدرت جعلت العين لي قدما يا ذا التفضل والآلاء والكرم

أشتاق ذكرك والتعظيم يمنعني والشوق يملأ ألفاظي به وفمي

فها أنا بين شوق لا أقوم به وبين حسرة مغلوب ومحتشم

وقال آخر:

إن قلت عبدك لم أطق نطقا به خوفا من الزلاّت والعصيان

فالعبد يبذل في التقرّب جهده لا يستطيع تجاوز الإمكان

فارحم بفضلك زلّتي وتحيّري وصل التجاوز منك بالإحسان

سمعت محمد بن قاسم، قال: سمعت عمر بن عبد المجيد، قال بعض السادة:

رأيت رجلا في تيه بني إسرائيل قد لوّحته العبادة، حتى صار كالشن البالي، فقلت له: م الذي بلغ بك هذه الحالة؟ فنظر إليّ منكرا لسؤالي، وقال: ما أظنك من جملة الأحبّاء. هذا ثقل الأوزار، وخوف النار، والحياء من الملك الستّار. شعر:

لما ذكرت عذاب النار أزعجني ذاك التذاكر عن أهلي وأوطاني

فصرت في القفر أرعى الوحش منفردا كما تراني على وجدي وأحزاني

وذا قليل لمثلي بعد جرأته فما عصى الله عبد مثل عصياني

نادوا عليّ وقولوا في مجالسكم هذا المسيء وهذا المذنب الجاني

فما ارعويت وما قصّرت من زللي ولا غسلت بماء الدمع أجفاني

لكن ذكرت جوادا ماجدا صمدا يعفو ويصفح ذا عفو وإحسان

سبحانه ماجدا جلّت عوارفه فهو الجواد بعفو منه ألجاني

هذا اعتقادي ولو صيّرت في قرن مع الشياطين في إدراك نيران

يا ربّ عفوا فظني فيك متّسع واغفر بفضلك إسراري وإعلاني


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!