
كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
مثل
احذر من غراب، وأجبن من صرصار. ويقال: من صافر. ويقال: أجبن من المنزوف ضرطا. قال أبو ذرّ: كان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهن رجل، فتزوجت واحدة منهن رجلا كان ينام إلى الضحى، فإذا انتبه ضربنه، وقلن له: قم فاصطبح، فيقول: العادية نبهتني. فلما رأين ذلك يكثر منه سررن به، وقلن: إن صاحبنا والله شجاع جريء، ألا ترين إلى ما يقول كلما نبّهناه؟ فقالت إحداهن: تعالين نجربه، فأتينه وأيقظنه، فقال: أو لعادية نبهتني؟ فقلن له: نواصي الخيل معك، فجعل يقول:
الخيل الخيل، ويضرّط حتى مات، فضرب به المثل. يقول الغرّارة:
ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت خلف رجالهم لا يبعد
وقال الآخر عن فراره يعتذر:
وم جبنت خيلي ولكن تذكرت مرابطها من بر بعيص وميسرا
وقيل لبعض الجبناء: انهزمت فغضب الأمير عليك، قال: لغضب الأمير وأنا حي أحب إليّ من أن يرضى عليّ وأنا ميت.
حدثن بعض الأدباء، قال: في أخبار عمرو بن معدي كرب الزبيدي صاحب
الصمصامة، وكان صاحب غارات، مذكورا بالشجاعة، مشهور في العرب، فذكر أنه هجم في بعض غاراته على شابة جميلة منفردة، فأخذها، فلما أمعن بها بكت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لفراق بنات عمي، هن مثلي في الجمال، وأفضل مني، خرجت معهن فانقطعنا من الحي. قال: وأين هنّ؟ قالت: خلف ذلك الجبل، وددت إذ أخذتني أنك تأخذهن معي، وهن يودّن ذلك، فأعد إلى الموضع الذي وصفته لك. فمضى عمرو إلى هناك، فما شعر حتى هجم عليه فارس شاكي السلاح، فعرض عليه المصارعة فصرعه الفارس، ثم عرض عليه ضروبا من المناوشة فغلبه الفارس في جميع ذلك كله، فسأله عمرو عن اسمه، فإذا هو ربيعة بن مكرم الكنانيّ، فاستنقذ الجارية منه.
حدثن محمد بن قاسم، ثنا عمر بن عبد الحميد، قال: قال لي بعض الرجال: جلس رجل من المسرفين على نفسه في مجلس راحته مع ندمائه، ثم دعا بغلامه فدفع إليه أربعة دراهم و أمره أن يشتري بها من المشمومات ما يليق بمجلس راحته، فمرّ الغلام بمجلس منصور بن عمار وهو يسأل لفقير بين يديه، فسمعه يقول: بقيت لهذا الفقير أربعة دراهم فمن دفعها له دعوت له أربع دعوات، فدفع الغلام له الدراهم، فقال له منصور: ما الذي تريد أن أدعو لك به؟ فقال: سيدي، أريد أن أتخلص منه، فدعا له بذلك. فقال: وم الذي تريد أن أدعو لك به ثانية؟ فقال: أريد أن تخلف هذه الدراهم، فدعا له. قال: فما الدعوة الثالثة؟ قال: أحب أن يتوب الله على سيدي، فدعا له بذلك، وسأله عن الرابعة فقال:
أحب أن يغفر الله لي ولسيدي ولك وللقوم الحضور، فدعا منصور بذلك، وانصرف الغلام راجعا إلى سيده وقد أبطأ عليه، فقال له سيده: لم أبطأت عليّ؟ وأين الحاجة التي أمرتك بشرائها؟ فقص عليه الغلام القصة، فقال له: أخبرني ما الذي دعا لك به؟ فقال: سألته أن يدعو الله لي بالعتق، فقال له: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى. فم الثانية؟ قال: إن تخلف عليّ الدراهم. فقال له: لك من مالي أربعمائة درهم، فم الثالثة؟ قال: أن يتوب الله عليك. قال: فإني أشهد الله أني تائب. فما الرابعة؟ قال: أن يغفر الله لي ولك، وللمذكور ولأهل مجلسه. قال: ذلك لله عز وجل. فلم كان الليل وقف للرجل هاتف في منامه، فقال له: يقول الله لك: أنت فعلت ما إليك و أنت عبد ضعيف، أتراني ما أفعل ما كان إليّ، وأنا المولى الكريم، قد غفرت لك، و للغلام، وللمذكور، ولأهل مجلسه.
![]() |
![]() |