الفتوحات المكية

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


359. الموقف التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾[ الأنعام: 6/91 والحج:22/72 والزمر 39/64].

أي ما عظموه حق تعظيمه كما تستحقه ذاته وينبغي لجلاله، وما يكون لهم ذلك. وليس في وسع الممكن حصول ذلك ولا تقتضيه استعداده. فضمير الجمع في (قدورا) يشمل الملائكة جميعاً والأرواح المهيمة، فمن دونهم والجن والأنس من رسول ونبي وولي، بل كل ممكن حتى العقل الأول روح القدس الذي هو أول مبدع وأقرب مقرب. لأن تعظيم المعظم (اسم فاعل) وهو الذي قامت به العظمة على قدر معرفته بالمعظّم (اسم مفعول) وما أحد من المخلوقين عرف الله حق معرفته كما يعرف تعالى نفسه، لا أصحاب المعارف التي أنتجتها العقول، ولا أصحاب المعارف التي أنتجتها التجليات.. وأنى للمقيد بمعرفته المطلقة عن الإضافة والتقييد. يقول أعلم المخلوقين بالله: سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثبت علىنفسك. لا أبلغ كل م فيك. وجميع أنواع العالم مسبحة له تعالى ومنزهة له عن اعتقاده غيرها فيه. والذي يثبته الواحد هو عين ماينزهه عنه الآخر، إذ الكل في حجاب، لو بلغ ما بلغ، فالمنزه الصرف في حجاب والمشبه الصرف في حجاب، والجامع بينهما في حجاب. كما أن من أطلقه في حجاب ومن قيده في حجاب ومن نفاهما في حجاب. وكل حاكم عليه بحكم فهو في حجاب بحسب مرتبته ومنزلته عند الله تعالى والحجب مختلفة باختلاف المحجوبين. لا يقال وهذ الذي قلته حكم أيضاً لأنا نقول ما نحن قلنا من عندنا، وهو الذي قال هذا عن نفسه في قوله:﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾[طه: 20/110].

وقوله:﴿ ً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾[آل عمران: 3/18-30].

فأراحنا من طلب ما يستحيل الوصول إليه، وقالته رسله عليه السلام فالعالم كله حمقى في ذات الله، وأن الملأ الأعلى ليطلبونه، وكل طالب فاقد لما يطلبه من وجه طلبه. فالطلب من الطالبين لا يتناهى، والعلم بالله لا يتناهى، ولا يعلم تعالى، وإنم يعلم منه من حيث آثار أسمائه، لا هو تعالى، ولهذا قيل لمن أعطي علم الأولين والآخرين: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾[طه:20/114].

فهو يقول ذلك في كل حال ومقام ومرتبة دنيا وبرزخاً وآخرة لا إلى نهاية أو غاية، وحيث كان هذا فاللازم علينا لزوم طريقة الإيمان والعمل بما فرض علين ومتابعة الشارع، فما قلنا متابعة وترجمة، إذ هوالقائل، وما سكت عنه سكتنا مع إقامة الشرائع وإجراء الحدود وانتظار الموت والسلام.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!