
المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف
للأمير عبد القادر الحسني الجزائري
![]() |
![]() |
191. الموقف الواحد والتسعون بعد المائة
قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 42 /11].
إن كان "الكاف" بمعنى مثل؛ فقد تقدم الكلام على ذلك في هذه المواقف، وإن كانت "الكاف" صلة فالآية لنفي المثلية له تعالى من حيث ألوهيته. فالضمير المضاف إلى مثل، يعود على الاسم الله المتقدم الذكر، وهو هنا اسم للمرتبة، التي هي الألوهية، التي هي صفة الذات العلية، الغيب البحت. فنفي المماثلة إنما هو عن المرتبة. فهي التي لا مثل لها فلا إله إلاَّ الله. و الله في الكلمة المشرفة كلمة التوحيد، علم على الذات العلية، لا صفة. إذ لو كان صفة ما أفادت الكلمة المشرفة توحيداً. وهي تفيد التوحيد إجماعاً. فالألوهية لا مثل لها، ولها ولها ضده، وهو المألوه العابد، والمنفي في الآية هو "المثل" بسكون المثلثة، لأنَّ المشارك في الحقيقة، كزيد وعمرو فهما مثلان، لاشتراكهما في الحقيقة الإنسانية وإن كانا غيرين، إذ زيد غير عمرو ضرورة. وأما "المثل" يفتح الميم والثاء فلم تنفه الآية، ولا هو منفي، لأنه لا يشارك في الحقيقة، وإنما هو مظهر يظهر به ، وتعيّن بتعين به، ولذا ورد في الخبر: ((إن الله خلق آدم على صورته))
وفي رواية صحّحها ابن النجار: " على صورة الرحمان" فآدم تعين الرحمن، والرحمن تعين الله، وا لله تعين الهو. فالتعين "مثل" بفتح الثاء؛ لا "مثل " قال الله:
﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[النحل: 16/ 60].
فعلامة المثل العزة و الحكمة، وأما الذات فلا مثل لها ولا ضد، إذ ل غير لها، فلا مثل ولا خلاف، فإنها عين المثل و الضدين والنقيضين و الخلافين، فلولاهم ما تصّور شيء من هذه الأشياء، لا وقعت عليه عبارة معبّر، ولا إدراك مدرك. ومع هذ فلا يحكم على الذات بحكم، لأن كل حكم إنما يتقوّم بها، ولأنها لا تصّور والحكم فرع التصوّر. وقولي: "لا يحكم عليها" منفي أيضاً فإنه حكم ولكن لضرورة التفهيم. وكما أنها لا تعلم، لأنها لا تتصّور، وأول مراتب العلم التصور، فهي ل تجهل ، لأن الجّهل لا يرد إلاَّ على ما يرد عليه العلم، كما هو شأن الضدّين، ولكنه تتوهم وتتخيل.
![]() |
![]() |