الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن عشر وأربعمائة في معرفة منازلة «من لم يفهم لا يوصل إليه شيء»]

و قال في الباب الثامن عشر وأربعمائة، في قوله تعالى: وقٰالُوا قُلُوبُنٰا فِي أَكِنَّةٍ مِمّٰا تَدْعُونٰا إِلَيْهِ وفِي آذٰانِنٰا وَقْرٌ [فصلت: 5] . وفي قوله: كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ [المطففين: 14] . وقوله تعالى: أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا [محمد:24] . ونحو ذلك: اعلم أن المراد بالكن أن يكون العبد في بيت الطبيعة مشغولا بأمه ما عنده خبر من أبيه الذي هو الروح فلا يزال هذا في ظلمة الكن وهو حجاب الطبيعة المشار إليه بقوله: ومِنْ بَيْنِنٰا وبَيْنِكَ حِجٰابٌ [فصلت: 5] . ومن كان في حجاب كن وظلمة فلا يسمع كلام دعاة الشرع ولا يفهم، وأما الوقر فهو ثقل الأسباب الدنياوية التي تصرفه عن الاشتغال بما ينفعه في الآخرة، وأما الران فهو صد وطخاء في مرآة القلب يحدث من النظر ما لم يأمره اللّه بالنظر إليه، وجلاؤه يكون بذكر اللّه وتلاوة كلامه وأما القفل فهو لأهل الاعتذار يوم القيامة من الموحدين فإنهم يقولون: ربنا إننا لم نقفل على قلوبنا وإنما وجدناها مقفلا عليها ولم نعرف من قفلها فرمنا الخروج فخفنا من فك الختم والطبع فبقينا ننتظر الذي قفل عليها عسى يكون هو الذي يتولى فتحها فلم يكن بأيدينا من ذلك شيء. قال: وكان عمر بن الخطاب وأضرابه ممن أسلم من الصحابة من أهل تلك الأقفال فلما تولى اللّه فتحه وأسلم شيد اللّه به الإسلام وعضده رضي اللّه عنه.

(و قال) : من أوتي الفهم في القرآن فقد أوتي الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا إنما كثرها لما فيها من الوجوه قال: وإيضاح ذلك أن الفهم في الكلام على قسمين: قسم مكتسب من مادة وقسم مكتسب من غير مادة فالذي يكتسب من غير مادة لا يقال فيه فهم.

وإنما يقال فيه علم. وأما المكتسب من المادة فهو الذي يقال فيه فهم وهو تعلق خاص في العلم، فإذا علم السامع اللفظة من اللافظ به ورأى الكتابة ففيه تفصيل فإن علم مراد المتكلم من تلك الكلمة مع تضمنها في الاصطلاح معاني كثيرة خلاف مراد المتكلم بها فهو الفهم وإن لم يعلم مراد المتكلم من تلك الكلمة على التفصيل واحتمل عنده فيها وجوه كثيرة مما تدل عليه الكلمة ولا علم مراد المتكلم من تلك الوجوه هل أرادها كله وأراد بعضها فمثل هذا لا يقال فيه: إنه أعطي الفهم في القرآن وإنما أعطي العلم بمدلولات تلك الألفاظ بالاصطلاح الذي عرفه وأطال في ذلك ثم قال: واعلم أن كلام اللّه تعالى قد أنزل بلسان العرب فإذا اختلفوا في الفهم عن اللّه ماذا أراد بكلامه مع اختلاف مدلولات تلك الكلمة والكلمات كان كلام اللّه يقبل جميع الوجوه التي فهموها، وذلك لأن اللّه تعالى عالم بجميع تلك الوجوه فما من وجه منها إلا وهو مقصود للّه تعالى من تلك الكلمة بالنظر إلى من يفهم منه ذلك الوجه المقصود ومقصود أيضا لذلك الشخص المتكلم ما لم يخرج عن اللسان فإن خرج عن لسان العرب فلا فهم، ولا علم. قال: وليس هذا الحكم الذي قررناه لكلام أحد من المخلوقين فقد يكون بعض الوجوه غير مقصود لصاحب ذلك الكلام فليتأمل ويحرر واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!