الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن والتسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة «من وعظ الناس لم يعرفني ومن ذكرهم عرفني فكن أي الرجلين شئت»]

و قال في الباب الثامن والتسعين وثلاثمائة، في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمٰا أَعِظُكُمْ بِوٰاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّٰهِ مَثْنىٰ وفُرٰادىٰ [سبأ: 46] . الواحدة أن يقوم الواعظ من أجل اللّه إما غيرة وإما تعظيما وقوله: مثنى أي: باللّه ورسوله فإنه من أطاع الرسول فقد أطاع اللّه فيقوم صاحب هذا المقام بكتاب اللّه وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، لا عن هوى نفس ولا تعظيم كوني ولا غيرة نفسية وقوله: فرادى أي: باللّه خاصة وبرسوله خاصة. وقال: لا يجوز لأحد المبادرة إلى الإنكار إذا رأى رجلا ينظر إلى امرأة في الطريق مثلا فربما يكون قاصدا خطبته وطبيبا فلا ينبغي المبادرة للإنكار إلا فيما لا يتطرق إليه احتمال. قال: وهذا يغلط فيه كثير من المتدينين لا من أصحاب الدين لأن صاحب الدين أول ما يحتاط على نفسه ولا سيما في الإنكار خاصة وقد ندبنا الحق تعالى إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم، فصاحب الدين لا ينكر قط مع الظن لأنه يعلم أن بعض الظن إثم ويقول: لعل هذا من ذلك البعض وإثمه أن ينطق به وإن وافق العلم في نفس الأمر، وذلك أنه ظن وما علم فنطق فيه بأمر محتمل وما كان له ذلك قال: ومعلوم أن سوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير وذلك لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال في حقه: إن فلانا أساء الظن بنفسه لأنه عالم بنفسه وإنما عبرنا بسوء الظن بنفسه اتباعا لتعبيرنا بسوء ظنه بغيره فهو من تناسب الكلام قال: وإلى الآن ما رأيت أحدا من العلماء استبرأ لدينه هذا الاستبراء فالحمد للّه الذي وفقنا لاستعماله وقال في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5] . يعني: في حق راكب البحر إذا اشتد عليه الريح ويرد فيما في ذلك من النعمة يطلب منه الشكر وبما في ذلك من الشدة والخوف يطلب منه الصبر قال: ومما يغفل عنه كثير من الناس عدم شهودهم ما في النعم من البلايا وما في البلايا من النعم وذلك أنه ما من نعمة ينعمها اللّه على عباده إلا وهي محتفة ببلاء وذلك أن اللّه يطالبه بالقيام بحقها من الشكر عليها وإضافتها إلى من يستحقها بالإيجاد وصرفها في الموضع الذي أمره الحق أن يصرفها فيه ومن كان مكلفا بفعل هذه الأمور متى يتفرغ للالتذاذ بها حتى تكون في حقه نعمة خالصة وكذلك القول في البلايا والرزايا هي في نفسها مصائب وبلايا وهي محتفة ببلاء يطلب الصبر عليها ورجوعه إلى الحق في رفعها عنه ووجوب تلقيها بالرض وبالصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى لغير اللّه مطلقا ووجه النعمة في المصائب ما فيها من الأجر في الآخرة وتوضع النفس في الدنيا للخاص والعام، فإن البلايا تذل نفوس الجبابرة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!