الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب السادس والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل يجمع بين الأولياء والأعداء من الحضرة الحكمية]

و قال في الباب السادس والسبعين وثلاثمائة: وجه من قال: إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه بل بالبينة كون الحق تعالى مع علمه بما فعل عبيده لا يؤاخذهم يوم القيامة إلا بعد إقامة البينة عليهم وذلك أخلص للحكام في الدنيا والآخرة وأبعد عن التهمة، ومن هنا يعلم أن الحق تعالى لا يؤاخذ عباده إلا على صورة ما شرعه لهم في الدنيا ولهذا يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم، عن أمر ربه رب احكم بالحق يعني: بالحق الذي بعثتني به، وشرعت لي أن أحكم به فيهم أي: لأنه رحمة فسأله الرحمة لأمته بهذا القول على سبيل التضرع. وقال فيه في قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] . وقوله: وكٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ اَلْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] ونحوهما من الآيات: اعلم أن للحق تعالى أن يوجب على نفسه ما شاء لأنه يفعل ما يريد ولكن لا يدخل تحت حد الواجب على عباده، فله تعالى أن يخلف ما كتب ولا يلحقه ذم ولا لوم بخلاف العبد إذا أوجب على نفسه شيئا كالنذر يدخل تحت حد الواجب فيأثم الناذر إذا لم يقم به عقوبة له حيث أوجب على نفسه ما لم يوجبه اللّه عليه وزاحم في التشريع، ولهذا نهى الشارع عن النذر فافهم. ثم إذا وفوا بنذرهم آجرهم اللّه عليه، ثواب الواجبات الشرعية فضلا منه ورحمة، وقال في حديث: «يقول اللّه عز وجل يوم القيامة أكملوا لعبدي فريضة من تطوعه» أي: ما نقص من الفرض الواجب كملوه من الفرض الذي في النوافل كالقراءة والركوع والسجود ونحو ذلك وما نقص من سنن الفرض الواجب كملوه من السنن التي في النوافل كل شيء بمثله. قال: واعلم أن النوافل هي كل ما جاء زائدا على الفرائض من جنسها فإن لم يكن لذلك الزائد عين صورة في الفرائض فليس هو بنافلة بل عمل مستقل وله مرتبة في الأجر ليست للنوافل. وقال في حديث: لا يقبل من صلاة الرجل إلا ما عقل منها: اعلم أن في حديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» إشارة إلى أن أكثر ما يكون حق اللّه تعالى النصف في الصلاة من غير زيادة وأما هنا فهو القدر الذي عينه تعالى له من صلاة عبده وهو العشر فإنه قال: عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها، وما ذكر النصف إلا في الفاتحة فعلمنا المعنى فعيناه في جميع أفعال الصلاة وأقوالها بل في جميع ما كلفنا من الأعمال فأما عينه فهو ما انحصرت فيه الفاتحة وهي تسعة أقسام القسم الأول: بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الثاني: اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ( 2 ) الثالث: اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الرابع: مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ ( 4 ) الخامس: إِيّٰاكَ نَعْبُدُ السادس: وإِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ السابع: اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ ( 6 ) الثامن: صِرٰاطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ التاسع: غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولاَ اَلضّٰالِّينَ [الفاتحة: 1 -   7] . فالخاسر الساهي عن صلاته من لم يحضر مع اللّه في قسم واحد من هذه التسعة الأقسام التي ذكرناها في الفاتحة وهي التي ذكرها اللّه في القبول من العشر إلى النصف، فمن رأى البسملة آية منها ولا يفصلها فالقسمة على ما ذكرناه في الفاتحة فإن حكم اللّه تعالى في الأشياء حكم المجتهد فهو معه في اجتهاده ومن أداه اجتهاده إلى الفصل ففصل البسملة من الفاتحة وجعلها ليست بآية منها جعل اللّه له الجزء التاسع ولا الضالين والبسملة أحق وأولى فإنها من القرآن بلا شك عند العلماء باللّه وتكرارها في السور مثل ما تكرر في القرآن من سائر الكلمات وما زاد على التسعة فعقله في التلاوة على عدد حروف الكلمة فقد يعقل المصلي حرفا من حروف الكلمة ثم يغفل عن الباقي فهذا معنى قوله العام: أنه لا يقبل منها إلا ما عقل، فالعاقل من أتى بها كاملة ليقبلها اللّه كاملة ومن انتقص منها شيئا في صلاته جبرت له من قراءة الفاتحة في نوافله من الصلاة فليكثر من النوافل فإن لم تف قراءتها في النوافل فما نقصه من قراءة الفاتحة في الفريضة أكمل له من تلاوته بحضور في غير الصلاة المعينة وإن كان في جميع أفعاله في صلاة كمن هم على صلاتهم دائمون فاعلم ذلك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!